كتبت- ناهد إمام
بناء على طلب من طهران، وبدعم من الجزائر، والصين، وروسيا، انعقدت، الاثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول، الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على خلفية عدوان النظام الإسرائيلي على الجمهورية الإيرانية، فيما شكلت جلسة هذا المجلس مرة أخرى ساحة للصراع الكلامي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الداعمين لإسرائيل.
وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قد دعا في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن، إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي إثر العدوان الإسرائيلي على إيران فجر السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول.

وكتب عراقجي في رسالته: “بالنظر إلى عواقب العدوان المستمر والممنهج للنظام الإسرائيلي، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعو الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إلى اتخاذ موقف حاسم وإدانة العدوان الإسرائيلي بقوة وصراحة”.
وأضاف: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تطلب من رئيس مجلس الأمن عقد جلسة عاجلة للتعامل مع هذا الانتهاك الجسيم والإجراءات غير القانونية، وضمان محاسبة هذا النظام الإجرامي”. بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الإيرانية “إيسنا” .
وخلال الجلسة، أدانت الصين، وهي واحدة من الأعضاء الخمسة عشر الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أي انتهاك لسيادة إيران وسلامة أراضيها، وانتقدت روسيا، وهي عضو آخر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دعم إسرائيل في هجومها الأخير على إيران، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” .
كما قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، خالد الخياري، في الاجتماع الطارئ: “إن تبادل الهجمات الأخيرة بين إسرائيل وإيران، يهدد بخطر إغراق المنطقة في المجهول، ويأتي هذا الوضع في وقت نحتاج فيه بشدة إلى وقف التصعيد على جميع الجبهات”، وفق ما نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”.
وأضاف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة: “أكرر إدانة الأمين العام لكافة أعمال التصعيد، يجب أن تتوقف هذه التصرفات، والخطاب العدواني والتهديدي، ويجب على الجانبين التوقف عن اختبار حدود ضبط النفس لدى كل منهما، والعمل بما يخدم مصلحة السلام، والاستقرار الإقليميين”.
وبدوره، تحدث مندوب إيران لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، موجها الشكر لروسيا والصين لدعمهم إيران، وكذلك كل الدول التي أدانت الهجمات الإسرائيلية على إيران، واصفا إياها بالانتهاك الواضح للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
وقال: “لقد انتهكت الصواريخ الإسرائيلية بدعم أمريكي، المجال الجوي الإيراني، وقام العدوان الإسرائيلي بهذه الاعتداءات مرات عديدة ولم يتصد له أحد، ونحن لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا، ولا شك في أن الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل يزيد من التوتر في المنطقة”.
وتابع: “إن إسرائيل بهذه التصرفات تدمر مصداقية مجلس الأمن، فأمريكا تدافع عن هجمات إسرائيل، وتدين دفاع إيران عن نفسها، وهذا مثال على النفاق والتناقض في السلوك الأمريكي، وعلى مجلس الأمن اتخاذ قرار حاسم لإنهاء التوتر”.
وأعلنت ليندا توماس غرينفيلد، المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي، مرة أخرى دعم واشنطن لإسرائيل، حيث قالت: “لقد نفذت إسرائيل غارات جوية خارج مناطق سكنية في إيران”، ونفت مشاركة بلادها في الهجوم الإسرائيلي، قائلة: “إن الولايات المتحدة لم تشارك في العمل العسكري الإسرائيلي، وأقنعت إسرائيل بإجراء عمليات متناسبة، ومباشرة، لتقليل قدرة إيران على تهديد جاراتها، ومنع مزيد من الهجمات وتقليل خطر التصعيد”.
من جهته، قال ممثل بريطانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إنه يجب على إيران ألا ترد على الهجمات الإسرائيلية، مشيرا إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يشعل النيران، بحسب ما نقله عنه موقع سبوتنيك .
وأضاف: “ينبغي أن تكون كل جهودنا موجهة إلى كسر دائرة التوتر، فالحرب الإقليمية ليست في مصلحة أحد”، وطالب وزير الخارجية البريطاني، وزير الخارجية الإيراني بوقف التوتر.
مساعدات استخباراتية أمريكية لإسرائيل
كما حذر “فاسيلي نيبينزيا”، سفير روسيا ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، في هذه الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، من “دوامة العنف الخارجة عن السيطرة” بالشرق الأوسط في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على إيران. وقال: “تشهد المنطقة الآن حالة من عدم الاستقرار منذ أكثر من عام، بسبب تصاعد العنف في محيط قطاع غزة”، بحسب ما نقلته عنه وكالة أنباء “إرنا”.
وشدد على أن هذه ليست الغارة الجوية الإسرائيلية الأولى، ودعا أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى بذل قصارى جهدهم على الأقل لضمان عدم خوض المنطقة حربا شاملة.
وأضاف: “إسرائيل لم تخف نيتها مهاجمة إيران في الأسابيع الماضية، ونحن قلقون للغاية بشأن تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، ونطالب بضبط النفس”.
وتابع السفير الروسي لدى الأمم المتحدة: “لقد زودت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل ببيانات استخباراتية لمهاجمة إيران، الأمر الذي ينتهك القوانين الدولية” .
وعبّر سفير الصين ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فو كونغ، عن قلق بلاده إزاء سلوك إسرائيل، ودعا إلى ضبط النفس.
قال: “إن الوضع في الشرق الأوسط هش. ونحن ضد أي عمل عدواني يهدد السلام والأمن في المنطقة”، وشدد على أنه “على كافة الأطراف الحد من تبادل إطلاق النار وإعادة السلام إلى الشرق الأوسط”.
وصرح السفير عمار بن جامع، مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، بأن الهجمات الإسرائيلية على إيران تشكل انتهاكا للسلام الدولي، وأضاف: “السلام الحقيقي يتطلب الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة والقوانين الدولية”، وتابع: “نحن أمام صراع إقليمي له عواقب وخيمة. ويجب محاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلية على أعمالها”.
ومن جهته، أدان العراق تصرفات إسرائيل، وقال مندوبه عباس كاظم عبيد في اجتماع مجلس الأمن، إن الحكومة العراقية ستتابع شكواها في المؤسسات الدولية، بشأن انتهاك اسرائيل الأجواء العراقية.
وأضاف: “لن نسمح باستخدام المجال الجوي العراقي لمهاجمة دول أخرى. إن تصرفات النظام الصهيوني تعد انتهاكا للسيادة العراقية. إيران صديقتنا”.
جلسة تقليدية وفاشلة
وفي تعقيب منه على نتائج جلسة مجلس الأمن، قال موسى عاصي، الخبير بالشؤون الدولية والأوروبية، والصحفي المعتمد في الأمم المتحدة، وفقا لـ”سبوتنيك”: “لا ينتظر من هذه الجلسة أن يكون هناك قرار، أو حتى بيان متفاهم عليه، إنما نقاش حاد من دون بيانات، فهناك انقسامات في مجلس الأمن، فروسيا والصين لن توافقا على إصدار بيان لا يكون في صالح إيران، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لن يوافقوا على إصدار بيان يندد بإسرائيل، إذن نحن بإزاء جلسة تقليدية، مجلس الأمن فيها منقسم تجاه تطورات الوضع في الشرق الأوسط، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من العام الماضي وحتى اليوم.
وأضاف: “كل اجتماعات مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، انتهت بالفشل لعدم اتفاق المجلس على رأي واحد. ولا يمكن أن يقوم مجلس الأمن بأي خطوة، ولا أحد يمكنه أن يعوّل عليه، واستنادا إلى هذه الحقيقة، يجب أن نبحث عما يجري خارج مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، فاليوم إذا استطعنا النظر إلى ما قامت به إسرائيل، من اعتداء خطير على إيران، فمنذ العام 2013 وحتى اليوم تقدر الاستهدافات الإسرائيلية لإيران بعشرات المرات، بينما استهدفت إيران إسرائيل مرتين فقط”.
واستطرد قائلا: “استهدافات إسرائيل لإيران كانت باغتيالات لعلماء الطاقة النووية، فقد تم اغتيال عالم الطاقة النووية محسن فخري زاده -الذي كان يعتبر نائب وزير الدفاع الإيراني- بالقرب من طهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 باستخدام مسدس يتم التحكم فيه عن بُعد. ويقال إن إسرائيل هي التي قامت باغتياله؛ للحد من القدرات النووية الإيرانية، حيث أظهرت أنها لن تتردد في استهداف الشخصيات الرئيسية في هذا البرنامج، كما سبق أن اتهمت إسرائيل بتنفيذ اغتيالات ضد العديد من العلماء الإيرانيين المرتبطين ببرنامج طهران النووي في السنوات الماضية، مثل مصطفى أحمدي روشن -الذي كان يعمل في منشأة نطنز- ومؤسس الجمعية النووية الإيرانية مجيد شهرياري، إضافة إلى العالم النووي المتخصص في الفيزياء النظرية مسعود علي محمدي، وفي السنوات الأربع الماضية، تم اغتيال العديد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، من ضمنهم قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في عام 2020، ومحمد رضا زاهدي وعباس نيلفروشان، على يد إسرائيل والولايات المتحدة. كما قامت إسرائيل بالقضاء على قادة حماس وحزب الله واحدا تلو آخر من خلال تنفيذ هجمات دقيقة؛ من هنية ونصر الله إلى قادة الفروع العسكرية لهذه الجماعات. والاستهداف الأخير لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واستهداف حسن نصر الله في لبنان، وكل هذا كان بمثابة استفزاز لإيران”.
وأضاف عاصي مستدركا: “ولكن الضربة الأخيرة، كانت محسوبة للغاية، بحيث ألا تستفز إيران، وذلك بعد ضغوط أمريكية وغربية على إسرائيل؛ حتى لا تشمل هذه الضربات، المراكز النووية، ومنشآت الطاقة الإيرانية، التي قد تؤثر في حال استهدافها على تجارة النفط العالمي، وعندها لن تنتظر إيران أي وقت للرد، وسيتحول الأمر لحرب كبرى في المنطقة”.
وتابع: “اليوم طلب وزير الدفاع الأمريكي من إيران أن تكتفي وألا ترد على اسرائيل، فأمريكا وحلفاؤها من الدول الغربية، تريد ألا يرد أحد على إسرائيل، بينما يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بضربات على لبنان أو سوريا أو العراق أو إيران، وبالمناسبة، إسرائيل خرقت الأجواء العراقية والسورية للوصول إلى إيران، وهذه مشكلة أخرى، إضافية”.
واختتم حديثه بالقول: “إن الخوف من اتساع رقعة الحرب، يعود لقدرات إيران الصاروخية الضخمة، ونحن نسمع منذ أسابيع، عن تسريبات غير مؤكدة، بأن هناك تجارب نووية في الصحراء الإيرانية، وهناك حديث أكثر جدية يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، عن تصريحات إيرانية، مفادها أن الاستراتيجية الإيرانية التي كانت تعتقد أن إنتاج الأسلحة النووية مسألة محرمة في الدين الإسلامي، يمكن تعديلها استنادا إلى التطورات العسكرية التي تجري في المنطقة والتهديدات المباشرة لإيران”.