كتب: سید نیما موسوي
ترجمة: علي زين العابدين برهام
توفي، في الأيام الماضية، حسن افتخار زادة، رجل الدين الشيعي ورئيس جماعة الحجتية. كان هذا الرجل معروفا كخطيب ديني وقائد جماعة دينية لديها خلافات كبيرة مع الحكومة الإيرانية.
الحجتية، من هم؟
تُعتبر جماعة الحجتية واحدة من أهم التيارات الفكرية في إيران خلال الأعوام الثمانين الماضية، وسنتناول في هذا المقال تاريخ وجذور هذه الجماعة.
إن موضوع المهدوية وظهور “المهدي الموعود”، من أهم القضايا الاعتقادية التي يتفق عليها جميع المذاهب الإسلامية تقريبا، فالعديد من الحركات السياسية والاجتماعية في العالم الشيعي وكذلك في العالم السني تأثرت بقضية المهدوية.
جماعات مشابهة
واحدة من أهم هذه الحركات كانت ثورة “المهدي السوداني” ضد الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر، والتي تأثرت من جهة بتعاليم المهدوية، ومن جهة أخرى كانت لها جذور في الطريقة الصوفية السنوسية وكذلك في حركة الوهابية. وقد كان المهدي السوداني يطلق على نفسه اسم “المهدي الموعود” الذي يظهر في آخر الزمان.
كان محمد جانبوري أيضا من بين مدعي المهدوية، حيث انتمى إلى المذهب الحنفي وذاع صيته في شبه القارة الهندية في القرن الخامس عشر. وفي العصر الحديث، قام جهيمان العتيبي في القرن العشرين، الذي أطلق على نفسه اسم “المهدي الموعود”، بثورة ضد الحكومة السعودية واقتحم الكعبة المشرفة بالتعاون مع مجموعة من تلاميذ “ابن باز”، وانتهى الأمر بقتله.
أما في العالم الشيعي، فشكلت عقيدة المهدوية الأخروية أساسا للعديد من الحركات السياسية والاجتماعية، فقد كانت الدولة الفاطمية في القرن العاشر الميلادي أهم دولة شيعية ارتبطت بشكل مباشر بفكرة المهدوية؛ حيث أطلق مؤسسها “عبيد الله المهدي” على نفسه اسم “المهدي الموعود”، وعلى الرغم من انتمائه للمذهب الإسماعيلي، فإنه استعار أيضا بعض الأفكار من عقائد الإمامية.
في القرن التاسع عشر، ظهرت حركتا البابية والبهائية في إيران من رحم التشيع، ثم انحرفتا عن أصول الإسلام والشريعة. أما في الوقت الحالي، فيمكن اعتبار حركة مقتدى الصدر في العراق أهم حركة شيعية ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة المهدوية؛ لدرجة أن بعض المدعين بالمهدوية في العراق خرجوا من رحم حركة الصدر في السنوات الماضية. وتعكس أسماء مثل “جيش المهدي” و”لواء اليوم الموعود”، التي كانت تُعتبر في السابق الأجنحة العسكرية لهذه الحركة، دور تعاليم المهدوية في أفكار قادة حركة الصدر.
تاريخ الجماعة
ومن بين المدارس التي كانت لها علاقة مباشرة بموضوع المهدوية في إيران خلال العقود الماضية، جماعة الحجتية. ولفهم جذور جماعة الحجتية، يجب العودة إلى نهاية ثلاثينيات القرن العشرين، عندما كانت دعايات النازية تنتشر في إيران، وكانت إذاعة برلين، التي كانت تبث العديد من البرامج باللغة الفارسية، تدعي أن هتلر قد اعتنق الإسلام؛ لدرجة أن بعض الدعايات التي تربط بين هتلر والمهدي الموعود ظهرت أيضا في برامج إذاعة برلين.
كان لألمانيا النازية لوبي قوي في صناعات إيران خلال عهد رضا شاه، بل شكل العديد من الصحف والجمعيات المرتبطة بالدعاية النازية في إيران. إضافة إلى ذلك، كانت للنازيين علاقات جيدة مع بعض القبائل مثل البختيارية والقشقائية في جنوب إيران، وحتى إنهم واصلوا تواصلهم مع الكُتاب الإيرانيين من خلال تأسيس بعض المراكز الثقافية والفكرية.
خلال ذلك، كانت برامج إذاعة برلين، كفرع دعائي للنازية في إيران، بحاجة إلى التواصل مع الجماعات الدينية لكسب تأييد المجتمع الديني الإيراني، وكانت الدعاية للمهدوية في إطار مفاهيم النازية تندرج تحت هذا العنوان.
بعد سقوط رضا شاه عام 1941، نشأت من دعايات المهدوية في إذاعة برلين “مركز الدعاية الإسلامية”، الذي نظرا إلى عضوية العديد من البهائيين واليهود الإيرانيين في حزب توده (القريب من الاتحاد السوفيتي)، قام هذا المركز بالدعاية ضد اليهود والبهائيين والشيوعيين في تلك الفترة.
كان النشاط الرئيسي لمركز الدعاية الإسلامية في مدينة كاشان، التي كانت تُعتبر واحدة من مراكز البهائيين واليهود الإيرانيين، إذ ينسب البعض قتل “سليمان برجيس”، الطبيب اليهودي في مدينة كاشان، إلى أنشطة هذه الجماعة.
تعرضت معاداة السامية التي مارستها هذه الجماعة، والتي يبدو أنها نتجت عن النازية، لانتقادات من قبل بعض رجال الدين الإيرانيين مثل أبو القاسم الكاشاني، الذي نظم أول تجمع ضد إسرائيل في إيران عام 1948، انتقد الأنشطة المعادية لليهود التي قامت بها هذه الجمعيات، وطالب بتأمين حماية اليهود الإيرانيين.
بعد انقلاب 1953 ضد محمد مصدق، قام أحد رجال الدين المؤيدين له ويدعى محمود الحلبي، بالتعاون مع مركز الدعاية الإسلامية، بتأسيس جماعة جديدة باسم “الحجتية”. كان الحلبي من تلاميذ ميرزا مهدي أصفهاني، وعكس الخميني، كان يعارض دمج التصوف والفلسفة بالفقه الإسلامي.
وفي السنوات التي تلت انقلاب 1953، شهدت جماعة الحجتية نموا كبيرا، لدرجة أنها كانت المؤسسة الدينية الوحيدة التي تمتلك حق الدعاية في الجيش العلماني للشاه، وقد أدى ذلك إلى اعتبار العديد من معارضي الشاه هذه الجماعة متوافقة مع النظام السياسي وجهاز السافاك (جهاز الاستخبارات التابع للشاه).
أشار بعض المعارضين الدينيين للشاه، مثل محمد رضا مهدوي كني، في مذكراتهم إلى أن السافاك كان يقترح عليهم خلال التحقيقات جماعة الحجتية كنموذج للنشاط الديني بدلا من أفكار الإمام الخميني.
إضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الجيدة بين الشاه ورجل الدين هادي الميلاني، الذي كان رجل دين بارزا في مدينة مشهد، عززت هذه الشكوك، حيث كان معظم كبار أعضاء الحجتية من تلاميذ الميلاني. وقد ازدادت هذه الادعاءات قوة عندما تم نشر وثائق بعد ثورة 1979 تظهر مساعدة برويز ثابتي، الرجل الخفي في السافاك، لجماعة الحجتية.
أفكار الجماعة
الأفكار الرئيسية لجماعة الحجتية تشمل: فصل الدين عن الدولة، دعم العلمنة الثقافية، الحدود الصارمة مع أهل السنة ومعارضة شعار الوحدة الإسلامية، العداء للتصوف والفلسفة، دعم نظام السوق الحرة في الاقتصاد، ومقاومة الأفكار اليسارية. وربما يمكن اعتبار جماعة غولن التابعة لفتح الله غولن الجماعة الأكثر تشابها مع جماعة الحجتية في العالم الإسلامي.
ومن بين أوجه التشابه بين الجماعتين هو الإسلام الليبرالي الذي يتأقلم مع العيش في المجتمعات العلمانية، وفي الوقت نفسه طائفي للغاية ويدعم مبادئ السوق الحرة وإزالة اليسار من الاقتصاد، وفي الوقت نفسه، يرتبط بأجهزة الأمن ويقوم بإنشاء العديد من المدارس لجذب الطلاب بدعم من هذه الأجهزة. إلا أن جماعة غولن تميل إلى التصوف.
في السنوات التي تلت ثورة 1979، وبعد معارضة الخميني لهذه الجماعة، أعلنت الحجتية رسميا تعليق أنشطتها؛ ولكن ما هو واضح أن العديد يعتقدون أن هذه الجماعة استأنفت أنشطتها مرة أخرى في السنوات التي تلت الحرب العراقية الإيرانية.
الحجتية ونجاد
ومن أبرز السياسيين الإيرانيين الذي تم اتهامه دائما بالتعاون مع جماعة الحجتية هو محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني الأسبق، فقد كان كثير الحديث عن المهدوية خلال فترة رئاسته مما جعل الكثيرين يتهمونه بالارتباط بالجماعة؛ وهي ادعاءات لا أعلم مدى صحتها، ولكن ما هو واضح أن جماعة الحجتية شهدت ازدهارا بين الجماعات الدينية، خاصة في عقد 2010.
بشكل عام، حاولت هذه الجماعات، على عكس الجماعات الدينية القريبة من نظام وحكومة إيران، تقديم صورة بديلة وغير حكومية عن المذهب الشيعي، وحتى أن العديد من هذه الجماعات دعمت الاحتجاجات التي شهدتها إيران في عام 2022.
وختاما أقول إن وفاة “حسن افتخار زادة”، القائد الروحي لهذه الجماعة، في بداية عام 2025، وموجة التعازي من الشخصيات الدينية في إيران، تُظهر تعزيز دور الحجتية في الأوساط الدينية في السنوات الأخيرة.