ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية، السبت 1 مارس/آذار 2025، تقريرا حول رجال سعيد جليلي زعيم حكومة الظل في إيران، ومهامهم وأماكنهم، وفي أي مؤسسات يخدمون، ولماذا يمكن أن يكون وجودهم في هذه المؤسسات حاسما لمستقبل تياره السياسي؟ وهل تملك “حكومة الظل” اليوم قوات وتنظيمات في مختلف القطاعات لا تقل عن حكومة فعلية؟
ذكرت الوكالة أنه ربما حين طرح سعيد جليلي لأول مرة بعد الانتخابات الرئاسية عام 2013 فكرة “حكومة الظل”، لم يكن تصوره مطابقا للتعريف الأكاديمي المتعارف لهذا المصطلح في أدبيات العلوم السياسية.
وأضافت أنه في البيان الذي أصدره عقب خسارته في تلك الانتخابات، أعلن جليلي عن فكرة تشكيل حكومة ظل، ثم واصل خلال الأشهر اللاحقة، عبر لقاءاته وتصريحاته الإعلامية، شرح مفهومها وأهدافها. في الواقع، وُلدت “حكومة الظل” خلال عهد حسن روحاني، حين ادّعى جليلي أنه يراقب قضايا البلاد ويواكب الأحداث من موقع غير رسمي.
حكومة الظل: من مراقب خارجي إلى معارضة داخلية
تابعت الوكالة أن حكومة الظل التي أسسها سعيد جليلي واصلت نشاطها خلال حكومة إبراهيم رئيسي، لكن تطورا لافتا حدث في هذه الفترة. فعلى الرغم من تأكيد جليلي المستمر قيادته لحكومة الظل، فإنه دفع برجاله إلى مواقع مؤثرة داخل الحكومة، مما أدى فعليا إلى تشكل حكومة غير رسمية يقودها تياره بوجوه جديدة.
وأشارت إلى أنه عقب فوز مسعود بزشكيان بالرئاسة، بعث جليلي برسالة تهنئة له، مؤكدا في الوقت نفسه استمرار أنشطة حكومة الظل، ومع ذلك، أخذت هذه الحكومة شكلا مختلفا، حيث أصبح رجاله منتشرين في مختلف المؤسسات والهيئات، يروجون لأفكاره، ويشكلون فعليا معارضة داخلية داخل حكومة بزشكيان.
وأوضحت أماكن نفوذ رجال جليلي داخل الدولة، ودورهم في رسم المشهد السياسي من خلف الكواليس على النحو التالي:
الإذاعة والتلفزيون.. سيطرة عائلة جليلي
ذكرت الوكالة أن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، أصبحت سواء من خلال برامجها أو نشراتها الإخبارية، أداة إعلامية في يد سعيد جليلي. المساحات الواسعة التي تُمنح له في البث المباشر والتغطيات الإعلامية ترسم صورة واضحة، فقد لا يكون رئيس الحكومة الرسمي في قصر الباستور، لكنه يبدو رئيسا لحكومة موازية.
وأضافت أن وحيد جليلي، شقيق سعيد، لعب دورا محوريا في ترسيخ هذا النفوذ من خلال منصبه كنائب لرئيس المؤسسة، إلى جانب وجود أنصاره في مختلف الأقسام، مما جعل التلفزيون الإيراني عمليا الناطق الرسمي باسم حكومة الظل.
وتابعت أنه لا يقتصر الأمر على شقيقه، بل يمتد إلى شخصيات أخرى مثل محمد علي صائب، الذي شغل منصب مدير مكتب جليلي في المجلس الأعلى للأمن القومي، إضافة إلى إعلاميين مثل محمد رضا شهبازي، والذين يُنظر إليهم جميعا على أنهم أذرع إعلامية لمشروع جليلي السياسي.
جامعة الإمام الصادق.. مؤسسة أكاديمية أم شراكة؟
ذكرت الوكالة أنه وبلا شك فجامعة الإمام الصادق، رغم ظهور بعض المجموعات المرتبطة بمحمد باقر قاليباف في السنوات الأخيرة، لا تزال تحت النفوذ الفكري لجبهة بايداري وسعيد جليلي.
وأضافت أنه لا يزال خريجو هذه الجامعة يُشكلون العمود الفقري لرجال جليلي في مختلف القطاعات، تماما كما كان يُمكن وصف حكومة رئيسي بأنها “إمبراطورية جليلي”، فإن مفهوم “حكومة خريجي الإمام الصادق” كان متداخلا مع هذا الوصف، إذ إن معظم مسؤولي الحكومة الثالثة عشرة، الذين يُنظر إليهم كرجال حكومة الظل لجليلي، كانوا أيضا من خريجي هذه الجامعة.
وأوضحت أن أفضل توصيف للعلاقة بين سعيد جليلي وجامعة الإمام الصادق كان قد طرحه قبل أكثر من عشر سنوات، السياسي صالح إسكندري في مقال نشرته وكالة تسنيم، حيث كتب حينها، مدفوعا بأمل أن يصبح جليلي رئيسا للجمهورية:
“أحد الأسباب التي جعلت جليلي ظاهرة سياسية هو ثقة الناخبين بوجود قاعدة علمية وفكرية قوية تدعمه، تعكس نهجا غير علماني في إدارة الدولة. الناس يدركون أن التصويت لجليلي ليس تصويتا لشخص أو تيار سياسي مؤقت، بل هو تصويت لقاعدة علمية متجذرة بحجم جامعة، تضم آلاف الخريجين المتخصصين في مجالات الإدارة والسياسة، الذين ساهموا خلال العقود الثلاثة الماضية في حل العديد من مشكلات البلاد”.
لكن في النهاية، لم تتحقق هذه التوقعات، ولم يصبح جليلي “ظاهرة سياسية” كما كان يتمنى أنصاره، ولم تكن جامعة الإمام الصادق بوابة لوصوله إلى السلطة.
“كيهان” و”رجانیوز” في خدمة سعيد جليلي
ذكرت الوكالة أن سعيد جليلي يحظى بدعم إعلامي قوي من منصتين رئيسيتين تعملان على الترويج لآرائه واستهداف خصومه، وهما:
- صحيفة كيهان، بقيادة مديرها المسؤول، حسين شريعتمداري، تتولى الدفاع المستمر عن جليلي وشن هجمات شرسة على منافسيه.
- موقع رجانیوز، الذي كان في السابق منصة مقربة من جبهة بايداري، فقد أصبح منبرا إعلاميا غير رسمي لسعيد جليلي، يعكس مواقفه ويدافع عنه في مختلف القضايا.
وأوضحت أن هناك تقسيما واضحا للأدوار بين “كيهان” و”رجانیوز” في التعامل مع الخصوم، “كيهان” تتولى الهجوم الإعلامي على القوى الإصلاحية والشخصيات المعارضة خارج التيار الأصولي، و”رجانیوز” يركز على الخلافات الداخلية بين الأصوليين، خاصة بين جليلي وقاليباف، حيث يستهدف قاليباف بشكل مباشر.
هيئة الأمر بالمعروف
تابعت “خبر أونلاين” أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحولت إلى منصة سياسية تدعم جليلي، حيث تضم رجالا يعملون على تنفيذ رؤى جليلي والترويج لأجندته السياسية.
وأضافت أن الهيئة لعبت دورا محوريا في تنظيم احتجاجات ضد رفع الحظر عن واتساب ومتجر جوجل بلاي، وعدم المصادقة على قانون الحجاب وفق قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي، والمطالبة بإقالة محمد جواد ظريف.
كل هذه التحركات تُظهر أن الهيئة لم تعد مجرد مؤسسة دينية، بل تحولت إلى كيان سياسي نشط يُمهد الطريق لحملة جليلي الرئاسية لعام 2028.
مؤسسة الإمام الخميني
ذكرت الوكالة أن مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث تأسست عام 1993 على يد عالم الدين الشهير محمد تقي مصباح اليزدي، واستمر تحت إدارته حتى وفاته عام 2021، حيث تولى محمود رجبي إدارته. ورغم أنه يُفترض أن يكون مؤسسة تعليمية دينية، فقد أصبح فعليا مصنعا لإعداد الكوادر السياسية الداعمة لجليلي.
البرلمان معقل وزراء حكومة الظل تحت غطاء النواب
ذكرت الوكالة أنه بلا شك فعدد نواب البرلمان الموالين لسعيد جليلي أو المنتمين إلى جبهة بايداري يتجاوز ثلاثة أشخاص، خاصةً أنهم يتحالفون حاليا ضد محمد باقر قاليباف ومسعود بزشكيان. إلا أن أبرز الوجوه التي تدافع علنا عن جليلي وتعمل على إضعاف حكومة بزشكيان يمكن تلخيصها في مثلث:
- حميد رسائي
- أميرحسين ثابتي
- مرتضى آقا طهراني
وأضافت أن هؤلاء النواب يدفعون بالحدود القانونية لصلاحياتهم إلى أقصاها، بهدف عرقلة عمل الحكومة وتهيئة الطريق لجليلي للوصول إلى قصر الباستور.
الشارع.. غرفة عمليات
تابعت الوكالة أن الاحتجاجات الأخيرة في طهران كشفت عن الروابط الوثيقة بين المتظاهرين وأنصار جليلي، من التطابق في الخطاب بين المتظاهرين وشخصيات مثل روح الله مؤمن نسب، إلى حضور كامران غضنفري بين المحتجين أمام قصر الباستور، ومرتضى آقا طهراني في التجمعات أمام البرلمان.
وأوضحت أن شارع “مجاهدين إسلامي” المقابل لمبنى البرلمان يعتبر منطقة نفوذ واضحة لأنصار جليلي. تقود هذه التحركات شخصيات مثل روح الله مؤمن نسب، أمين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طهران، وزهراء أشرفي كودرزي، حيث يقومون بكتابة البيانات وإلقاء الخطب لدعم المتظاهرين.
الفضاء الإلكتروني.. قبيلة جليلي تسيطر على المشهد الرقمي
ذكرت الوكالة أنه يصعب إحصاء عدد الحسابات المجهولة التي تروج لجليلي على منصات التواصل، خاصةً تويتر، لكنها تنشط بشكل ملحوظ في أوقات الأزمات والمعارك السياسية.
وأضافت أنه إلى جانب هذه الحسابات، يتولى شخصيات مثل علي أكبر رائفي بور وياسر جبرائيلي الترويج المباشر لأفكار جليلي، والتدخل عند الحاجة للدفاع عنه في المواجهات السياسية.
أما منصة إيتا، فقد تحولت إلى منبر إعلامي شبه رسمي لأنصار جليلي، حيث تغطي تجمعات الحجاب، وتنتقد تصريحات مهدى فضائلي حول شرطة الأخلاق، كما تلعب دورا رئيسيا في الحملات الانتخابية لجليلي.
الطموح الرئاسي.. استثمار في اليأس لتعبيد الطريق إلى الباستور
أوضحت الوكالة بأن كل هذه التحركات، سواء في البرلمان أو الشارع أو الفضاء الإلكتروني، هي جزء من استراتيجية طويلة المدى. أنصار جليلي يعتمدون على تأجيج مشاعر الإحباط الشعبي، وخفض نسبة المشاركة في الانتخابات، لدفع قاعدتهم نحو التصويت لصالحه.
واختتمت بأن تحركاتهم داخل البرلمان، مثل التهديد باستجواب وزراء بزشكيان أو تنظيم احتجاجات منظمة، ليست سوى أدوات لتعزيز فرص جليلي في الانتخابات المقبلة، سعيا لفتح الطريق أمامه نحو قصر الباستور.