لمياء شرف
في ظل الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، تأخذ حرب التجسس بينهما منحى جديدا مع تزايد محاولات كل جانب لاختراق العمق الأمني للآخر.
وفي الأشهر الأخيرة، شهدت هذه المواجهة “حرب ظل” نشطة، حيث جندت كل دولة، شبكات تجسس محلية تعمل مقابل مكافآت مادية، وتستهدف تنفيذ عمليات حساسة وجمع معلومات عن الأهداف الحيوية، وفق ما نشرته وسائل إعلام مختلفة.
تكشف هذه الأحداث عن تصاعد كبير في وتيرة الهجمات السيبرانية وتجنيد الجواسيس، إذ يسعى كل طرف لاستغلال أي ثغرة بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية وإضعاف خصمه.
وفي الوقت الذي يصعب فيه على إسرائيل تجنيد الحريديم، وهم يهود مقيمون بإسرائيل، للعمل داخل الجيش الإسرائيلي، استطاعت إيران تجنيد جواسيس إسرائيليين للعمل لصالحها من داخل إسرائيل.
ذلك ما صرح به عضو الكنيست الإسرائيلي، ران باراك، في مقابلة تلفزيونية على القناة الثانية عشرة الاسرائيلية، مشيرا إلى أن “إيران جندت أعدادا كبيرة من الإسرائيليين الذين يعيشون بيننا”، مؤكدا أن عدد الجواسيس الذين جندتهم إيران أكبر بكثير من الحريديم المجندين.
وفي سياق متصل أسقطت إسرائيل الأسبوع الماضي شبكة تجسس في القدس الشرقية تعمل لصالح إيران، المتهمون تتراوح أعمارهم بين 19 و23 عاما، ومعظمهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويواجهون اتهامات بالتخطيط لاغتيال عالم نووي إسرائيلي، إضافة إلى اغتيال رئيس بلدية.
وتعتبر هذه القضية خامس قضية تجسس مرتبطة بإيران يتم الكشف عنها منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وتُعد الأولى التي يصرح فيها المتهمون، بدوافع واضحة لإلحاق الأذى بإسرائيل كهدف رئيسي، حسب “تايمز أوف إسرائيل”.
في الأشهر الأخيرة، أعلن “الشاباك” عن سلسلة من المخططات الإيرانية، حيث حاولت طهران خداع الإسرائيليين عبر الإنترنت للقيام بمهام معينة.
في يناير/كانون الثاني الماضي، تم الكشف عن خطة تتضمن إسرائيليين تم تجنيدهم لجمع معلومات عن شخصيات بارزة.
كما تم اعتقال رجل من مدينة أشكلون في سبتمبر/أيلول بتهمة سفره إلى إيران مرتين وتلقيه أموالا لتنفيذ مهام لصالح طهران، وضمن ذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع، كما ورد في “تايمز أوف إسرائيل”.
علاوة على ذلك، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول، تم اعتقال رجل وشريكته البالغة من العمر 18 عاما من “رمات غان” بتهم تنفيذ أعمال تخريب لصالح عميل إيراني.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الشرطة اعتقال رجل من وسط إسرائيل كان قد حصل على سلاح لاغتيال عالم إسرائيلي بناء على تعليمات من عميل إيراني.
كما تم القبض على سبعة مواطنين إسرائيليين، يهود من أذربيجان، الشهر الماضي، بتهمة التجسس لصالح إيران لمدة تصل إلى عامين، وقد نفذوا مئات المهام بدافع مالي.
تم توجيه اتهامات إليهم بجمع معلومات وصور عن قواعد ومنشآت الجيش الإسرائيلي، وضمن ذلك مقر “كيريا” الدفاعي في تل أبيب وقاعدتا “نيفاتيم” و “رامات دافيد” الجويتان، اللتان كانتا مستهدفتين من قبل إيران وحزب الله منذ بداية الحرب العام الماضي.
وتم من خلالهم جمع معلومات عن بطاريات القبة الحديدية، والموانئ، والبنية التحتية للطاقة، وضمن ذلك محطة الطاقة في حيفا، ويُزعم أنهم تلقوا خرائط لمواقع استراتيجية من مُجنديهم الإيرانيين.
إضافة إلى ذلك، تم كشف أن أعضاء الخلية قد جمعوا معلومات عن عدد من المواطنين الإسرائيليين، وضمن ذلك شخصية أمنية بارزة، وقد يكونون جزءا من مخطط لاغتيال هذه الشخصية.
كل هذه الشبكات التي سقطت حديثا، لا تثنينا عن تذكر تورط الوزير الإسرائيلي السابق، غونين سيغف، في قضية تجسس كبيرة والذي حكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما بتهمة التجسس لصالح إيران.
يُذكر أن سيغف كان قد احتجز في عام 2018 بتهم تتعلق بتزويد إيران بمعلومات حساسة يمكن أن تضر بالأمن القومي الإسرائيلي.
وقد أقر بأنه كان ينوي العمل كعميل مزدوج، بينما ادعى أنه كان يقدم معلومات قديمة فقط لإيران.
تم الحكم على سيغيف بعد أن وافق على صفقة إقرار بالذنب تتعلق بتهم تجسس خطيرة ونقل معلومات إلى إيران، لتخفيف الحكم عليه وإسقاط تهمة الخيانة كجزء من الصفقة.
وتعتبر صحيفة التايمز أن قدرات إيران على استعمال سلاح التجسس اكتسبتها من وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية “الموساد” في محاولتها رشوة إسرائيليين ضعفاء لخيانة بلادهم، ودفعت مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية في صورة عملات مشفرة لإسرائيليين إلى التقاط صور لمواقع عسكرية حساسة.
وذكرت الصحيفة في تقرير كتبه “جورج غريلز”، أن هناك أدلة أخرى على عملية تجسس ناجحة من جانب طهران، حيث تم استطلاع قاعدة نيفاتيم الجوية التي ضربتها صواريخ باليستية إيرانية هذا الشهر من قبل جواسيس إيرانيين مزعومين، وكذلك قاعدة “جولاني” التدريبية التي قُتل فيها 4 جنود في هجوم بطائرة مسيرة لحزب الله، وبطاريات دفاعات القبة الحديدية الجوية في البلاد.
جواسيس للإيجار بطهران
وعلى الطرف الآخر، عمليات التجسس الإسرائيلي في إيران واسعة النطاق، وورد في تصريحات سابقة للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، أن رئيس مكافحة التجسس في إيران والمسؤول عن استئصال الجواسيس وُجد أنه متورط في أعمال تجسس لصالح إسرائيل، وكان في مرحلة ما، عميلا مزدوجا للموساد.
وأشار إلى تفاصيل ما سماه “عملية إسرائيل المكثفة” داخل إيران، لافتا إلى وجود عصابة أمنية رفيعة المستوى في بلاده، مضيفا أن هذه العصابة الأمنية الفاسدة عليها أن تشرح دورها في اغتيال العلماء النوويين والتفجيرات في “نطنز”.
وأكد أنهم سرقوا وثائق مهمة للغاية في تورقوز آباد وفي هيئة الفضاء، قائلا :”هذه ليست مزحة، هذه وثائق أمن قومي للبلاد، لقد جاؤوا وأخذوها”.
وتحدث نجاد عن سرقة وثائق من هيئة الفضاء الإيرانية قائلا: “إن وثائق هيئة الفضاء كانت في خزانة مكتب رئيس هذه الهيئة، فتحوا السقف ودخلوا وفتحوا الخزانة وأخذوا الوثائق”.
وبشأن عملية الموساد في 31 يناير/كانون الثاني 2018 وسرقة عدد كبير من الوثائق النووية الإيرانية من مستودع في ضواحي طهران، قال نجاد: “إن العصابة الأمنية قامت بإخفاء هذه السرقة، وقدمت معلومات كاذبة للوزير المختص، وادّعت أن سرقة وثائق الفضاء كانت سرقة عادية، وأن اللصوص دخلوا من نافذة الجار في الطابق الخامس واعتقلتهم الشرطة”.
بينما قال رئيس الموساد الذي تابع العملية من مركز القيادة بتل أبيب: “إن العملية كان فيها 20 شخصا من عملاء الموساد حاضرين في موقع العملية ولم يكن أحد منهم إسرائيليا، وكل هؤلاء العملاء على قيد الحياة وبعضهم غادر إيران”.
اعتمد “الموساد” الإسرائيلي في تجنيد جواسيسه داخل إيران على تقديم مبالغ مادية كبيرة.
وقال بني سبتي (52 عاما) لصحيفة التايمز، وهو يهودي فارسي، إنه من الطبيعي جدا أن يذهب إيرانيون يعانون إلى الموساد أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) ويبيعوهم بعض المعلومات، أو يلتقطوا صورة لجار قد يكون عالما أو قائدا في الحرس الثوري الإيراني.
عمليات ناجحة داخل إيران وخارجها
تتضمن نجاحات الموساد الشهيرة في إيران -حسب بني سبتي- إعدام عالم نووي إيراني باستخدام مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد، وإصابة شبكة الكمبيوتر النووية الإيرانية بالبرمجيات الخبيثة، إضافة إلى اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
وتحدث رئيس الموساد في تصريحات سابقة، عن الباحث النووي محسن فخري زادة، الذي اغتيل على طريق خارج طهران، في هجوم اتهمت طهران إسرائيل بالوقوف وراءه.
ولم يؤكد كوهين أو ينفِ ضلوع إسرائيل في مقتل العالم النووي الإيراني، لكنه أشار مع ذلك إلى أن فخري زادة كان هدفا لسنوات، وأن معرفته العلمية كانت مثار قلق الموساد.
وقال كوهين في إشارة إلى “زادة”: “كلّ من يمثّل تهديدا محتملا لمواطني إسرائيل يجب ألا يكون على قيد الحياة”.
تفكيك شبكة تجسس
أعلن الحرس الثوري الإيراني، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن تفكيك خلية تجسس لصالح إسرائيل، وتم اعتقال 12 متهما يعملون لصالحها.
وذكر بيان صادر عن الحرس، وفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، أن هؤلاء الأفراد تم القبض عليهم في 6 محافظات إيرانية بتهم التعاون مع الكيان الصهيوني والتخطيط لأعمال تستهدف زعزعة أمن إيران.
وأضاف البيان أن الشبكة كانت تعمل ضمن خطة إقليمية تسعى إسرائيل من خلالها -بالتعاون مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة– إلى زعزعة استقرار إيران بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في غزة ولبنان.
ووفقا للحرس الثوري، فإن تل أبيب تلجأ إلى أساليب متزايدة في التجسس وإثارة الفتن الداخلية لتعويض هزائمها الإقليمية.
ولكن بعد الخروقات الأمنية المتكرر داخل إيران من قبل إسرائيل، يبدو واضحا أن هناك ضعفا وهشاشة في المنظومة الأمنية داخل إيران، وقد انتشرت رواية بعد اغتيال قيادات “حزب الله” أقوى ذراع عسكرية لدى إيران في المنطقة، تقول إن إسماعيل قآني متورط في التجسس لصالح إسرائيل، وإنه محتجز قيد التحقيق، إلى أن ظهر رسميا في مراسم تشييع جنازة القيادي عباس نيلفروشان في طهران.