ترجمة: نوريهان محمد البهي
مع تزايد الدعوات إلى إقرار قانون الحجاب والعفاف، يعود محسن برهاني، المدافع البارز عن حقوق الإنسان في إيران، ليتناول الجوانب القانونية لهذا القانون.
برهاني الذي عانى من السجن بسبب مواقفه، يوضح كيف قد يسهم تطبيقه في تعزيز الانقسامات الاجتماعية وتداعياته على العلاقة بين الدولة والمجتمع.
نشرت صحيفة “اعتماد” الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2025، حوارا أجرته مع محسن برهاني، أستاذ الحقوق بجامعة طهران، تناول فيه الجوانب القانونية لقانون الحجاب والعفاف، مبينا المخاطر القانونية والاجتماعية التي قد تنشأ نتيجة فرضه، وكيف أن الحلول المطروحة تفتقر إلى العلمية والشفافية؛ وفيما يلي نص الحوار:
في آخر مقابلة أجريتها معك قبل السجن، تحدثت عن الحجاب والعفاف، مشيرا إلى أن إقرار هذا القانون قد يزيد من الفجوات الاجتماعية في إيران. بناءً على ذلك، كيف ترى تأثيره اليوم؟
سأوضح لك.. في السنوات الأخيرة، لاحظنا انخفاضا ملحوظا في الالتزام بالحجاب في المجتمع، خاصة بعد عام 2022، حيث ظهرت مشاهد لم تكن متوقعة.
حيث بدأ البعض يشعر بضرورة اتخاذ إجراءات، لكن الحلول التي تم طرحها ليست صحيحة. كما أن هناك تصورا خاطئا بأنّ فرض العقوبات سيغير السلوك، وهو أمر غير مدعوم علميا.
لكن للأسف، القانون الحالي يعتمد على هذه الفكرة الخاطئة، وكان من الأفضل أن يقدم واضعو القانون مرفقات علمية تبرر قرارهم. العملية بأكملها تمت في سرية دون شفافية، مما يثير تساؤلات عدة”.

في الآونة الأخيرة، لاحظنا أن عملية التصديق على مشروع القانون تتبع النهج نفسه، حيث تقوم اللجنة المختصة، بمراجعة الموضوع بناءً على المادة 85 من الدستور. ما رأيك في هذه الطريقة؟ وهل ترى أن هذا الإجراء يتمتع بالشفافية والعدالة؟
في رأيي.. إن القانون الذي تم تمريره لا يعتمد على أسس علمية واضحة أو شفافية. حتى إن المشرعين أنفسهم لا يعلمون تفاصيله كاملة، حيث تم تمريره بسرعة في اللجنة بضغط بعض الأطراف. هذا القانون يؤثر بشكل مباشر على حياة ملايين الإيرانيين، خصوصا في ما يتعلق بحجاب النساء، بل يشمل أسر المجتمع بأكمله.
كما أرى.. أن قانونا كهذا يحتاج إلى إقناع المجتمع أولا قبل تطبيقه، وهو ما أراه مفقودا في هذه الحالة.
قبل أن ننتقل إلى النقاش التالي، من المهم أن نتساءل: لماذا لم يقدم واضعو هذا القانون الشرح والشفافية اللازمة؟ وما الذي يخشون الكشف عنه؟
في اعتقادي، كانت هناك نية حسنة وراء هذا القانون، ربما بدوافع دينية ومذهبية. لكن لو كان قد طُرح في البرلمان علنا، لكانت النقاشات المعارضة قد أبطأت إقراره، ولكان هناك معارضون يعترضون عليه.
ولكن في جلسة تاريخ التشريع الإيراني، كانت المناقشات تُسجل وتوثق، لكن الآن لا نعرف من اقترح أي تعديل. ورغم أن البعض يطالب بالشفافية، كيف يمكن الموافقة على قانون بهذا الشكل دون توضيح كامل؟ هذا أمر يستحق الانتقاد.
تم طرح آراء مختلفة حول هذا القانون، وأشرتم إلى ضرورة استناد القانون إلى إقناع الرأي العام والنخب المتخصصة. وقد انتقد علماء الدين هذا القانون، مثل السيد محمد داماد المدرس في حوزة قم العلمية، الذي أشار إلى عدم توافقه مع المبادئ الدينية ودعا المراجع الدينية للتدخل. كما وردت مواقف سلبية من بعض المراجع تجاهه. ما التخصصات التي يعتمد عليها هذا القانون؟ وهل تم توضيح ذلك للرأي العام؟
بالطبع، في رأي بعض العلماء، يثير القانون قلقا كبيرا بشأن تأثيره على التزام النساء بالحجاب؛ وبناءً على الفقه التقليدي والفقه السائد في الحوزات العلمية، هناك انتقادات جدية لهذا القانون.
عندما يُناقَش وجود مشكلات فقهية وشرعية في بعض المواد وفقا لهذا الرأي، قد يؤدي فرض هذا القانون إلى عكس النتائج المرجوة، مما يساهم في زيادة الابتعاد عن الدين وليس الالتزام به.
كما يعبر بعض العلماء عن تخوفهم من أن هذا التشريع قد يحول الحجاب من قضية دينية إلى قضية سياسية، مما يخلق نظرة سلبية للنساء المحجبات. وقدر نصح بعض العلماء بالتراجع عن هذه الإجراءات، لتجنب تبعات اجتماعية سلبية محتملة على المدى البعيد.
أثار القانون الجديد جدلا واسعا، خاصة في ما يتعلق بالعقوبات المالية المتدرجة التي قد تصل إلى 1.65 مليار ريال، إلى جانب القلق في قطاع السياحة من مصادرة جوازات سفر السياح الأجانب المخالفين. ووفقا للقانون، بعد فرض الغرامات، سيتم ترحيل المخالفين. كما طرح تساؤلات حول دور الأجانب في تطبيق القانون، مما أثار مزيدا من الجدل بين العاملين في هذا القطاع. كيف يمكن تفسير هذه المخاوف والآثار المحتملة لهذا القانون؟
بالفعل، هذا القانون الذي تمت كتابته في 74 مادة من الناحية الشكلية، يتم هذا القانون في إطار الإجراءات المعتادة التي تمر بها التشريعات. لكن ما يجب أن نلاحظه هو أن هناك تشابكا بين الأبعاد القانونية والإجرائية والآثار الاجتماعية التي قد تنجم عن هذا القانون.
فعلى الرغم من أن القانون في مراحله الرسمية يبدو مكتملا من الناحية الإجرائية، فإن التأثيرات المحتملة على المجتمع، خصوصا في مجالات مثل السياحة والاقتصاد، تثير تساؤلات كبيرة.
كما أن هناك قلقا حقيقيا حول كيفية تطبيق هذه الإجراءات على مستوى المجتمع الإيراني، وأثرها على الحقوق الفردية. بالطبع، كل هذا يعتمد على التفسير والتطبيق الفعلي للقانون، وهو ما قد يختلف من مرحلة إلى أخرى، خصوصا في ظل عدم وضوح التوجيهات في بعض الأحيان.
هل تعتقد أن هذا القانون يختلف عن باقي القوانين من حيث الشكل والمضمون، أم أنه مجرد قانون تقليدي يشبه جميع القوانين الأخرى؟
لا يمكننا القول إن هذا القانون غير قانوني استنادا إلى الدستور، لكنه يعد “قانونا شبه”؛ لأنه يتبع الإجراءات الشكلية لكن يعاني من عيوب جوهرية. أولا، يعتمد على افتراضات خاطئة، ومحتواه يتضمن مواد غير مقبولة قانونيا وشرعيا.
ثانيا، يحتوي على مصطلحات غامضة مثل “كشف الحجاب” و”الفسق”.. وغيرها من المصطلحات المخالفة للشرع، والتي تثير تساؤلات حول كيفية تطبيقها.
كما أن القانون يفتقر إلى تحديد واضح للحقوق والواجبات، وهو ما يتناقض مع مبدأ “الوضوح القانوني”، مما يخلق إشكاليات كبيرة عند التطبيق.
وأيضا، من بين المفاهيم التي تثير الإشكال، والمعارضة لتطبيق الشريعة، مصطلح “البغي” الذي لم يحدد معناه بدقة في القانون، وهو ما يعزز الغموض حول كيفية تفسيره وتطبيقه.
كيف يمكن تفسير إضافة مزيد من الغموض إلى هذا القانون؟
أولا، كيف يمكن تحديد مفهوم “التحرك الشهواني” في هذا القانون؟ هل لدينا مقياس لقياس هذا؟ ما المعيار الذي نستخدمه؟ وما معنى (تحرك شهواني مخالف للشريعة)؟ هل هناك تحرك شهواني يتماشى مع الشريعة؟ وكيف يمكن تحديد مفهوم “اللباس غير اللائق” و”عدم العفة” في إطار هذا القانون؟ هل يمكن قياس تهيج الأشخاص؟ كيف نفهم أن اللباس يسبب تهيجا؟ من يحدد ذلك؟ هذه عبارات فضفاضة، وأدوات قياس غير واضحة.
القانون يعاقب على ما يسمونه الترويج، فهل هذا يشمل الإعلام؟ وهل ستتم محاكمة مسؤولي القنوات التي تبث أفلاما لا تتماشى مع الحجاب؟ وهل يمكن أن يُعتبر ذلك ترويجا للسلوك غير اللائق في اللباس؟ المفاهيم هنا غير واضحة وتخضع للتفسير الشخصي، وهذا يشكل غموضا. في النهاية، هذا النوع من التشريع يعرض المواطنين لمخاطر قانونية غير محددة.
وأخيرا، إذا كانت الأسس مبنية على مفاهيم غامضة أو خاطئة، فإن التطبيق سيفشل. لذا، يتطلب القانون إصلاحا جذريا لا تعديلات جزئية.
هل يكفي إقرار القانون لضمان تنفيذه فعليا؟ وهل تم تطبيق الفقرة التكميلية للمادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي في الواقع؟
لا، المسألة أعمق من ذلك. دعنا نرجع إلى البدايات؛ ففي عام 1983، أُقر قانون ينص على أن النساء اللواتي يظهرن في الأماكن العامة دون الالتزام بالحجاب الشرعي يُعاقبن بالجلد أو السجن؛ ثم تم تعديل العقوبات إلى غرامات مالية في عام 1996، حتى عام 2013 وذلك إذا كانت المدة أقل من 90 يوما طبقا للمادة 64.
بينما كان مفهوم الحجاب الشرعي هو تغطية الرأس بالكامل، لكن الآن تغير المفهوم تماما، فإن القانون الجديد يتعامل مع “كشف الحجاب” بطريقة أقل صرامة، حيث يُعتبر غطاء الرأس بأي شكل، مثل قبعة أو حتى شيء بسيط كافيا للامتثال للقانون، كما يلفت الانتباه إلى جدل سابق حول ارتداء القبعات من قِبل بعض الممثلات، ويشير إلى أن هذا التعريف الجديد قد يجعل مثل هذه الحالات مقبولة قانونيا.
كيف تقيّمون قدرة القانون الجديد على تحقيق أهدافه؟ وهل تعتقدون أن تطبيقه سيضمن نجاحه؟ هل التحديات تكمن في التطبيق أم في أسس القانون نفسه؟ وما هي مطالبكم؟
سأوضح لك كل هذا.. الأمر ليس بهذه البساطة. مجرد كتابة القانون لا يعني قابليته للتنفيذ. إذا نظرنا إلى الإجراءات السابقة مثل الإخطارات والإغلاقات، نجد أن القانون نفسه يعترف ضمنا بأنها لم تكن تستند إلى أساس قانوني واضح.
وهنا تكمن المشكلة. لا توجد معايير تقييم واضحة. كيف يمكننا معرفة إذا كان عدم الالتزام بالحجاب قد انخفض أو توقف؟ يجب أن يقدم المشرّعون بيانات دقيقة حول الوضع قبل وبعد تطبيق القانون. لكن، ما يحدث حاليا هو تقديم ادعاءات دون أي دليل أو أرقام تدعمها، مما يجعل كل شيء عرضة للتصريحات أو الادعاءات الكاذبة والتفسيرات الشخصية.
وعلى العكس، ربما يكون من الجيد تطبيق القانون، ولكن بشرط توفير أدوات تقييم فعالة. إذا كنا ندعي أن القانون سيحد من عدم الالتزام بالحجاب، فيجب أن نثبت ذلك بإحصائيات واضحة. أعطونا أرقاما أولية، ثم طبِّقوا القانون، وبعد فترة قدموا نتائج دقيقة تُظهر ما إذا كان هناك تحسن أو تراجع.
المشكلة ليست في التطبيق فقط، بل في أساس القانون. العقوبات والضغوطات ليست حلولا إذا لم تكن هناك رؤية شاملة مدعومة ببيانات ومقاييس دقيقة. وما نراه حاليا هو غياب التوثيق والاعتماد على تخمينات شخصية. المشاهدات الميدانية للمجتمع تُظهر شيئا مختلفا تماما عن الادعاءات الرسمية.
وبرأيي، إذا أردنا قانونا فعالا، فيجب أن يكون مبنيا على معايير واضحة وقابلة للتقييم. بدون ذلك، سيبقى مجرد نصوص تُستخدم للعقاب دون أن تحقق تغييرا حقيقيا في الواقع.
هل تعتقد أن هناك تشابها كبيرا بين قانون الحجاب وقانون استخدام الأقمار الصناعية، خاصة بالنظر إلى سير العملية القانونية لكليهما، حيث لم يتم تنفيذ أي منهما بشكل فعّال؟
سأوضح لك… في قانون الأقمار الصناعية، لم يكن هناك أساس ديني حقيقي، بل كان هدفه تقليص استخدامها. لكن عندما يتم فرض قوانين بهذا الشكل، يتحول المجتمع إلى ساحة صراع سياسي، حيث يصبح التزام الشخص بالحجاب ليس فقط مسألة دينية، بل رد فعل سياسيا. لا ينبغي أن ندفع المجتمع إلى هذا النوع من المقاومة المدنية. فكل من لا يلتزم بالحجاب قد يكون في الحقيقة لا يلتزم دينيا، ولكن هذا لا يعني أن ننسى أحداث عام 2023. إن تأجيل تنفيذ هذه القوانين ليس حلا.
بينما يكمن الحل في تقبل النقد، فالمنتقد ليس بالضرورة عدوا. نحن ننتقد بدافع القلق على مصلحة الشعب وإيران. إذا كنت ستتبع هذا النهج، يجب أن تضع في اعتبارك الآثار السلبية لهذا القانون ومدى تأثيره على مصالح المجتمع.