كتبت: سارة محمد علي
تداولت الصحف الإيرانية، خلال الأيام الماضية، خبراً يزعم أن إيران تدرس طلب وساطة يابانية بين طهران وواشنطن مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025.
نسبت الصحف الخبر لوكالة يابانية وتناولته بالتغطية والتحليل، لكن اللافت للنظر أن الوكالة المنسوب إليها الخبر لا يوجد على منصاتها أي إشارة لنبأ مماثل، مما يطرح تساؤلات حول مصدر إطلاق تلك الشائعة، إضافة لمدى احتمالية تحولها لحقيقة.
مساء الاثنين 23ديسمبر/كانون الأول 2024 نشرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية إيسنا، وهي وكالة شبه رسمية، خبراِ مفاده أن وكالة كيودو اليابانية للأنباء نقلت عن مصادر رسمية إيرانية، تفكير طهران في طلب وساطة طوكيو للوصول إلى اتفاق مع واشنطن قبل نهاية الاتفاق النووي الحالي المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، والذي ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وبحسب إيسنا، فقد كتبت وكالة كيودو تعقيباِ على الخبر: “كان لدى حكومة ترامب السابقة نهج صارم تجاه برنامج إيران النووي، مما زاد من التوترات في العلاقات بين إيران وأمريكا. وبما أن اليابان تعتبر دولة صديقة لإيران، ففي حال قيامها بالوساطة، من المتوقع أن تلعب دورًا في تقليل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي وموضوع العقوبات”.
وعقب دقائق من نشر إيسنا للخبر، تناوله الإعلام الإيراني بكثافة محاولاً تحليله، ناسباً مصدر الخبر لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية، أيضاً تناول الخبر بعض وسائل الإعلام العالمية ناسبةً إياه للوكالة الإيرانية.
لكن بالعودة إلى منصات وكالة كيودو اليابانية للأنباء التي زعمت وكالة إيسنا أنها المصدر الرئيسي للخبر، يتضح عدم وجود أي إشارة له أو لأي خبر مشابه، سواء على منصات الوكالة اليابانية الناطقة بالإنجليزية أو اليابانية، حتى أن المواقع الإلكترونية التي تناولت الخبر، وأضافت الروابط الإلكترونية باعتبارها روابط المصدر الأصلي وكالة كيودو للأنباء، اتضح أنها أضافت روابط لمواقع إلكترونية إيرانية، وليست وكالة كيودو المنسوب لها الخبر.
وبالعودة إلى محركات البحث يتضح أن المصدر الأول للخبر والذي زعم بكونه نقلاً عن وكالة كيودو اليابانية، هو موقع إيران إنترناشونال الإخباري، التابع لقطاع من المعارضة الإيرانية في الخارج، ثم لحقت به وكالة أنباء الطلبة الإيرانية إيسنا بعد ساعتين، ومنها انطلق الخبر كالنار في الهشيم عبر الصحف الإيرانية.
تطرح الواقعة عدة تساؤلات رئيسية، أولها لماذا تزعم شبكة إخبارية إيرانية معارضة، بوجود نبأ كهذا؟
وثانياً لماذا لم تحاول أي من الصحف الإيرانية التحقق من الخبر من مصدره الأصلي المتمثل في وكالة الأنباء اليابانية؟
أم أنها تحققت وتأكدت من عدم وجوده ورغم ذلك تم نشر الخبر، ربما لتحقيق أهداف ما، خاصة أن مصدره في الإعلام الإيراني وكالة أنباء شبه رسمية؟
وأخيراً ما مدى إمكانية تحول تلك المزاعم لحقائق؟
تحتاج الأسئلة الأولى لإجابات أصحابها عنها، وقد حاولنا في “زاد إيران” التواصل معهم لكن لم نتلقّ رداً حتى ساعة نشر هذا التقرير، لكن السؤال الأخير حول مدى إمكانية تحول مزاعم الوساطة اليابانية لحقائق، فيمكن الإجابة عليه بالعودة إلى سنوات قليلة سابقة.
في عام 2019، حاولت اليابان لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، بعد أشهر قليلة من انسحاب دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، واجتمع رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي مع المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني خلال زيارة لإيران كان هدفها تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران.
انتهت اللقاءات بين رئيس الوزراء الياباني والقادة الإيرانيين، أعقبتها تقارير صحفية وتحليلات ورؤى بحثية عن مستقبل الدور الياباني في الجمع بين واشنطن وطهران، لكن لم تسفر اللقاءات عن أكثر من ذلك، ولم تفلح اليابان في تحقيق أي تقدم لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وخلال أعوام 2020 و2023، تكرر نشر تقارير صحفية عن استعداد اليابان للوساطة بين البلدين، بعد وصول جو بايدن للبيت الأبيض، ومنذ ذلك الوقت لم يتم الحديث مرة أخرى عن وساطة يابانية محتملة بين إيران والولايات المتحدة، حتى وصل مسعود بزشكيان إلى رئاسة إيران في يوليو/تموز 2024.
عقب فوز بزشكيان بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، جرت محادثة هاتفية بينه وبين رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا”، للتهنئة بالمنصب الجديد.
وخلال المكالمة، تطرق الطرفان إلى خطة العمل المشترك الشاملة، وأشار بزشكيان إلى أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت أولاً من هذه الخطة ثم فرضت أشد العقوبات على الشعب الإيراني، مضيفاً أنه بالمقابل كانت إيران دائماً وما زالت مستعدة لأي حوار في هذا المجال، بحسب حديث بزشكيان.
في المقابل، أعرب رئيس الوزراء الياباني عن أمله في إحياء الاتفاق النووي مضيفاً بأن المجتمع الدولي، بما في ذلك اليابان، لديه توقعات كبيرة من الحكومة الإيرانية المستقبلية للتفاعل البناء في هذا الاتجاه، لافتاً إلى أنه وبالنظر إلى الصداقة الطويلة الأمد مع الجمهورية الإيرانية والعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن بلاده مستعدة للعب دور بناء بين الجانبين لإحياء خطة العمل المشترك الشاملة.
كان ذلك آخر حديث تم نقله إلى الإعلام يتحدث عن دور محتمل لليابان في الوساطة بين واشنطن وطهران، ولم يتجاوز الحديث لأي تحركات فعلية على الأرض، حتى عاد الأمر يطرح عبر إحدى الصحف الإيرانية المعارضة، ومنها إلى الصحف الإيرانية المحلية، عبر خبر منسوب لوكالة أنباء يابانية، ليس له وجود على أي من منصات الوكالة.
واللافت للنظر أن تنشر الصحف الإيرانية ومنها وكالة شبه رسمية، خبراً مصدره الرئيسي شبكة إخبارية تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج، التي تتهمها وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بالعمالة لصالح جهات أجنبية، فلماذا قررت الصحف الإيرانية تبني نبأ وارد منها، دون التحقق من المصدر المنسوب إليه.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية تخضع لرقابة مشددة من قِبَل أجهزة الدولة، مما يطرح تساؤل لماذا تعمدت الجهات المسؤولة عن الإعلام الإيراني السماح بنشر ذلك الخبر الذي لا يتجاوز في حقيقته كونه مزاعم صحيفة إيرانية تتبع المعارضة بالخارج؟