كتب: سيد نيما موسوي
ترجمة: علي زين العابدين برهام
شكلت القبائل العربية جزءا مهما من تاريخ إيران، حيث يعود ارتباطها الوثيق بإيران إلى ما قبل الإسلام. فقد كانت العديد من القبائل العربية، التي استقرت في الأراضي المعروفة اليوم بالعراق، حليفة للملكية الساسانية في إيران. من بين هذه القبائل بكر بن وائل، التي كانت اتحادا من القبائل العربية في شمال شبه الجزيرة العربية وأرض العراق، وكذلك دولة الحيرة، التي حكمت السواحل الجنوبية للخليج العربي وكانت ضمن حلفاء إيران.
ونظرا إلى شجاعة القبائل العربية وبراعتها القتالية، كان الملوك الساسانيون يرسلون أبناءهم للتربية والتنشئة بين هذه القبائل في صغرهم. ويذكر الشاعر أبو القاسم الفردوسي، الذي دوّن جزءا من تاريخ إيران في القرون الأولى للميلاد، أن الملك الإيراني الشهير بهرام جور نشأ في صغره بين القبائل العربية.
كما كانت دولة حِمْيَر في جنوب شبه الجزيرة العربية من حلفاء الدولة الساسانية. وفي الصراع على حكم اليمن بين مملكة الحبشة ودولة حِمْيَر، دعم الساسانيون الحِمْيَريين، الذين ينتمون إلى العرب القحطانيين، بينما وقفت الإمبراطورية الرومانية إلى جانب مملكة أكسوم الحبشية.
يمثل هذا جانبا من التاريخ المشترك الذي ربط بين إيران والعرب قبل ظهور الإسلام.
بعد دخول الإسلام، تعمّقت الروابط بين تاريخ إيران والعالم العربي، وبلغت ذروتها في عصر بني أمية وبني العباس. وتوطد هذا الارتباط بشكل أكبر خلال الحكم العباسي، حيث استندت الإدارة العباسية في بغداد إلى النموذج الإداري الساساني في إيران. وكان للوزراء الإيرانيين، مثل الفضل بن سهل وعائلة البرامكة، دور بارز في تأسيس النظام الإداري للدولة العباسية، وهو النظام البيروقراطي الذي ظل قائما حتى الاجتياح المغولي.
وبين دخول الإسلام إلى إيران وسقوطها بيد المغول، ارتبط تاريخ إيران ارتباطا وثيقا بالخلافة في دمشق وبغداد. وخلال هذه الفترة، كان للعرب في إيران حضور مؤثر في الحركات الاجتماعية، بل حتى في تأسيس حكومات محلية. وتُعد حركة الخوارج من أوائل هذه الحركات، إذ لجأت إلى إيران بسبب صراعها مع الخلافة. وكان خوارج الأزارقة في خوزستان وسيستان من أبرز فروعها في إيران. كما شهدت البلاد حركات عربية أخرى مناهضة للخلافة، مثل ثورة يحيى بن زيد، وثورة المختار، والثورات العلوية، التي قادها العرب المعارضون للخلافة بدعم من الإيرانيين.
إلى جانب هذه الحركات، تمكن بعض العرب المقيمين في إيران من الوصول إلى السلطة. وكان حكم الأشعريين في مدينة قُم من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث تزامن مع عهد الحجاج بن يوسف. وفي فترة لاحقة، تشكلت ولاية “خمسة” في منطقة فارس كاتحاد للقبائل العربية والتركية.
بعد سقوط الدولة الصفوية، ظهرت إمارتان مستقلتان من أصول عربية في خراسان:
- بنو خُزيمة، الذين حكموا منطقة قائنات وسيستان جنوب خراسان.
- بنو شيبان، الذين حكموا منطقة طبس.
وقد استمر حكم هاتين العشيرتين لما يقارب قرنين من الزمن.
شهدت خراسان، منذ القدم، استقرار العديد من القبائل العربية، حيث استوطن بعضهم خلال حملات الخلفاء العباسيين إلى المنطقة. وكان تمرد أستاذ سيس في خراسان خلال خلافة المنصور العباسي أحد الأسباب التي دفعت العرب إلى الاستقرار هناك. وفي مرحلة لاحقة، ومع انتقال المأمون إلى مرو، ازدادت هجرة القبائل العربية إلى خراسان.
أما اليوم، فتُعد قبائل بني تميم، وبني خزاعة، وبني خُزيمة، وبني شيبان من أبرز العشائر العربية في خراسان. وقد تمكن بنو خُزيمة وبنو شيبان، بعد سقوط الصفويين، من فرض سيطرتهم على مناطق واسعة، كما تمت الإشارة إليه سابقا.
كان بنو خُزيمة جزءا من جيش المنصور العباسي الذي شارك في قمع تمرد أستاذ سيس في خراسان، كما كانوا من المقرّبين للخليفة المأمون خلال فترة إقامته هناك. وبفضل دعمهم لقائد جيش المأمون، طاهر ذي اليمينين، ساهموا في تأسيس حكمٍ شبه مستقل في خراسان.
على مدى سنوات طويلة، كان بنو خُزيمة من كبار ملاك الأراضي في جنوب خراسان. ومن أبرز شخصياتهم في التاريخ الحديث أسد الله علم، المستشار المقرب للشاه محمد رضا بهلوي، حيث امتلكت عائلته مساحات واسعة من الأراضي تمتد من بيرجند إلى زابل.
برزت قوة بني خُزيمة بعد سقوط الدولة الصفوية، واستطاعوا في عهد نادر شاه أفشار بسط نفوذهم على إمارة قائنات في جنوب خراسان. وكان أمير علم الأول، أحد قادة جيش نادر شاه، قد أعلن نفسه خليفة له بعد وفاته، مستحوذا على جزء من المجوهرات التي غنمها نادر شاه من حملته في الهند. غير أن هجوم أحمد شاه أبدالي، ملك أفغانستان، أضعف سلطته وزعزع استقرار حكمه.
تعاقب على الحكم بعده أمير علم الثاني وأمير علم الثالث، إلى أن تولى محمد إبراهيم علم السلطة، والذي كان يتمتع بعلاقات وثيقة مع بريطانيا. وخلال فترة حكمه، تم افتتاح القنصلية البريطانية في بيرجند، في إشارة إلى نفوذه السياسي. أما ابنه، أسد الله علم، فقد أصبح لاحقا أحد أبرز مستشاري الشاه محمد رضا بهلوي، تاركا بصمته في تاريخ إيران الحديث.
كان بنو شيبان إحدى الإمارات العربية المستقلة في خراسان، لكن لا بد من التمييز بينهم وبين القبائل الشيبانية الأخرى في آسيا الوسطى، التي يعود نسبها إلى شيبان، حفيد جنكيز خان. فقد انفصل هؤلاء عن الإمبراطورية المغولية وأسسوا “خانات أوزبك” في مناطق تركمانستان وكازاخستان، وهي دولة استمرت من القرن الخامس عشر حتى ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية.
أما العرب الشيبانيون، فهم ينتشرون اليوم في العديد من الدول، من السعودية والعراق وسوريا إلى إيران، وكان لهم دور بارز في تاريخ الشرق الأوسط، حيث برز منهم شخصيات مؤثرة في التاريخ الإسلامي المبكر، مثل الإمام أحمد بن حنبل وشبيب الخارجي.
كان الموطن الأصلي لبني شيبان في سدوس، وهي إحدى القرى القديمة شمال الرياض في السعودية الحالية. ويعود نسبهم الأقدم إلى جبل شيبان في تبوك شمال شرقي الجزيرة العربية. وقد انتقلوا قبل قرنين من ظهور الإسلام إلى نجد، حيث لعبوا دورا محوريا في مملكة كندة، وكانوا جزءا من اتحاد قبائل بكر بن وائل.
بعد دخول الإسلام إلى إيران، استقر بنو شيبان في البداية بمناطق فارس وخوزستان، ثم انتقل فرع منهم إلى كاشان، حيث لا تزال عائلة الشيباني من العائلات البارزة هناك. وفي العصر العباسي، هاجر فرع آخر إلى خراسان، لكن مع اجتياح المغول، نزحوا من قهستان ونيسابور إلى طبس، التي كانت بمثابة واحة محصنة في قلب الصحراء الإيرانية، مما وفر لهم الحماية من هجمات المغول.
خلال العصر الصفوي، استقر بنو شيبان في عرب آباد طبس، واستفادوا من بيئتهم الصحراوية القاسية وخبرتهم القتالية لتعزيز مكانتهم. وبفضل تحالفهم مع نادر شاه أفشار، تمكنوا من ترسيخ نفوذهم في المنطقة.
كان أمير علي مردان خان الشیبانی أول حاكم من بني شيبان في طبس، لكنه قُتل في نزاع مع أحمد شاه دُراني، ملك أفغانستان. وخلال حكم أمير محمد حسن خان، ثاني حكام بني شيبان، تم ترميم قلعة طبس وبناء حديقة كلشن، وكان ذلك في عهد آغا محمد خان القاجاري.
في الفترة التي أعقبت سقوط الصفويين وحتى صعود القاجاريين، لعب حكام بني شيبان في طبس دور القوة العسكرية الضاربة للدولة، حيث تولوا مهمة قمع الحركات الانفصالية، وكان من أبرز عملياتهم التصدي للثورات الأفغانية والتركمانية في خراسان.
ومع صعود رضا شاه البهلوي، انتهى حكم بني شيبان في طبس رسميا، لتُطوى بذلك صفحة 200 عام من سيطرتهم على المنطقة. ومع ذلك، واصل بعض أفراد القبيلة الاحتفاظ بنفوذ سياسي في إيران خلال القرن الأخير.
لطالما كانت طبس موقعا استراتيجيا لمراقبة الغزوات القادمة من الشرق، حيث لعبت دورا دفاعيا بارزا منذ القرن الأول الميلادي، خلال العهد الأشكاني، واستمرت أهميتها عبر العصور.
بعد الإسلام، تبنّى الإسماعيليون هذا الدور، مستغلين القلاع التاريخية في المنطقة كمراكز للنفوذ، ومن أبرزها قلعة طبس، التي استعادت أهميتها خلال حكم بني شيبان، حيث أصبحت مجددا نقطة دفاعية رئيسية لحماية إيران من التهديدات الشرقية.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اعتمد بنو شيبان على مهاراتهم القتالية في صدّ هجمات الأفغان وقمع الاضطرابات المحلية في خراسان، مما عزز مكانتهم كقوة عسكرية مؤثرة في المنطقة.
إلا أن الجانب الأهم هو العلاقة العميقة بين القبائل العربية والدولة الإيرانية عبر التاريخ. فمنذ ما قبل الإسلام، شكّلت بعض القبائل العربية حلفاء استراتيجيين لإيران، واستمر هذا التحالف بعد الإسلام، حيث قاتلت بعض القبائل العربية جنبا إلى جنب مع الحكام الإيرانيين. وبذلك، وعكس ما يدّعيه بعض المستشرقين، لم تكن القبائل العربية عنصرا دخيلا على الهوية القومية الإيرانية، بل ساهمت في تشكيلها على مر العصور.