كتبت: أسماء شاكر
وفق ما قاله موقع ” هم ميهن” يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب 2024، فإنه مع تصاعد الصراعات على الجبهة الغربية لروسيا وخاصة بعد دخول القوات الأوكرانية إلى الأراضي الروسية في منطقة كورسك، استحوذت قضية العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا على اهتمام وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين أكثر من أي وقت مضى.
كلما اشتدت الضغوط الغربية على روسيا في الجبهة الأوكرانية وتزايدت الضغوط على إيران في منطقة الشرق الأوسط، سواء من خلال العقوبات أو من خلال الدعم لإسرائيل، زادت فرصة تقارب إيران وروسيا. وسيفضل الجانبان، تحت الضغط الشديد من الحكومات الغربية، إيجاد طريقة للتعاون من أجل التخلص من هذه الضغوط.
لقد تكررت مزاعم استعداد إيران لإرسال صواريخ باليستية إلى روسيا بشكل مستمر من قبل وسائل الإعلام الغربية لعدة أشهر. هذه المساحة الدعائية تذكرنا بأحداث صيف عام 2022، عندما ساد جو قوي معادٍ لإيران بين المسؤولين الغربيين بعد تكرار ادعاءات إرسال طائرات بدون طيار إيرانية إلى روسيا لاستخدامها في الحرب مع أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن إيران نفت مرارًا وتكرارًا هذا الادعاء وأنكرت إرسال طائرات بدون طيار انتحارية إلى روسيا، إلا أن تقديم أدلة من قبل أوكرانيا والحكومات الغربية في وسائل الإعلام أظهر التشابه الذي لا يمكن إنكاره بين الطائرات بدون طيار التي تستخدمها روسيا والنماذج الإيرانية، أقنع الرأي العام الغربي بأن إيران تدعم روسيا في حرب أوكرانيا بإرسال معدات عسكرية.
وقد أدى هذا الادعاء في نهاية المطاف إلى فرض سلسلة من العقوبات على إيران وأثر بشدة على العلاقات بين إيران والغرب. وقال فيدانت باتل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في إشارة إلى مزاعم تسليم الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى روسيا، إنه في حالة حدوث مثل هذا الإجراء، ستواجه إيران “رد فعل فوري وشديد” من الولايات المتحدة. كما أعرب المتحدثون باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن قلقهم إزاء تعميق العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا.
ولا يزال المحللون الغربيون يعتقدون أن تكثيف الضغوط الغربية على روسيا وإيران في حرب أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط من شأنه أن يتسبب في توسع العلاقات العسكرية بين البلدين بشكل أكبر.
ويكتب مارك كاتز، أستاذ السياسة والحكم في جامعة جورج ماسون، في مذكرة إلى مجمع المجلس الأطلسي للتفكير، في إشارة إلى الأعمال الإرهابية الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد إيران وحزب الله في لبنان واختراق القوات الأوكرانية للأراضي الروسية: “على الرغم من أن العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا ربما تكون قد بدأت بالفعل، إلا أن الضربات الأخيرة التي تلقتها موسكو وطهران من ناحية أوكرانيا وإسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، قد تتسبب في تكثيف هذا التعاون”.
وقال علي واعظ، مدير برنامج إيران في مركز مجموعة الأزمات الدولية، لصحيفة وول ستريت جورنال: “إذا اندلعت حرب شاملة في الشرق الأوسط، فستحتاج إيران إلى جميع صواريخها، وستحتاج روسيا أيضًا إلى جميع أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها للحرب”.
هل هذه صفقة كبيرة؟
إن التطورات الأخيرة على الجبهة الغربية لروسيا تجري في ظل رغبة الحكومة الجديدة في إيران في استعادة العلاقات مع أوروبا وأميركا. ويدرك مسعود بزشكيان ورجال دولته أن أي دليل على مبيعات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا من شأنه أن يهدم مرة أخرى خطة استعادة العلاقات مع الغرب. وخلال العامين الماضيين، ظلت إيران تحافظ على موقفها المتمثل في رفض تقديم المساعدات العسكرية إلى روسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا.
وفي يونيو/ حزيران من هذا العام، اتهم البيان الختامي لقمة منظمة اتفاقية الحلف الأطلسي (الناتو) إيران والصين بدعم روسيا بشكل مباشر في حربها في أوكرانيا، وأعربا عن قلقهما العميق إزاء زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا، وحذرا من أن “أي نقل للصواريخ الباليستية والتكنولوجيات ذات الصلة من جانب إيران إلى روسيا يدل على تصعيد حاد للتوتر”.
وفور نشر هذا البيان، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيان: “كما ذكرنا مرات عديدة، فإن أي محاولة لربط الحرب في أوكرانيا بالتعاون الثنائي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا هي عمل له دوافع سياسية متحيزة فقط، والهدف هو جعل التدخلات واستمرار المساعدات الغربية للأسلحة لأوكرانيا تبدو مشروعة”.
أكد وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي في أول اتصال هاتفي له مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بورل، استعداد إيران لتحسين العلاقات مع أوروبا على أساس “الاحترام المتبادل” و”الحوار لحل المشاكل المتبادلة”.
وفي الوقت نفسه، لا تستطيع إيران الاعتماد على روسيا كحليف دائم وموثوق. فإيران تعلم أن روسيا لعبت في الفترات السابقة، بعد تحسين علاقاتها مع الغرب، بورقة إيران، ورغم أنها وعدت ببيع أسلحة حديثة لإيران، إلا أنها صوتت لصالح قرار حظر الأسلحة الإيرانية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وتعرف طهران أنه على الرغم من الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام في أوكرانيا، فإن روسيا ستسعى في نهاية المطاف إلى إنهاء هذه الحرب وتحسين علاقاتها مع الغرب. في هذه الحالة، لا تريد إيران أن تبدأ لعبة الخسارة المزدوجة، حيث ستعتبر الخاسر الوحيد من الحرب في أوكرانيا بعد تحسن العلاقات بين موسكو والغرب.
بناءً على ذلك، إذا كانت طهران تريد أن تكون قادرة على كبح الضغوط الغربية في المفاوضات مع الحكومات الأوروبية والأمريكية وإزالة العقوبات الغربية الشاملة من خلال إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أو اتفاق جديد، فإنها مضطرة إلى إيجاد توازن بين العلاقات الجيدة مع روسيا واستعادة العلاقات مع الغرب. إن إنشاء عمل مثل بيع الصواريخ البالستية لروسيا من شأنه بالتأكيد أن يعطل هذا التوازن ويجعل من المستحيل استعادة العلاقات بين إيران والغرب لفترة طويلة.
حليف، أم شريك، أم زميل صراع؟
ويرى كثير من المراقبين أنه رغم توسع العلاقات بين إيران وروسيا وتقاربها، فإن البلدين لم يصبحا بعد حليفين كاملين، وهناك العديد من الاختلافات في الرأي بينهما. ويكتب مارك كاتز، الأستاذ في جامعة جورج ماسون والباحث في مجمع المجلس الأطلسي للتفكير: “إن سياسات طهران وموسكو لم تتناغم بعد بشكل كامل مع بعضها البعض. ففي حين تعهدت طهران بالانتقام من إسرائيل لقتلها هنية، دعت موسكو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وعدم اتخاذ خطوات من شأنها أن تتسبب في حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، والتي من المؤكد أنها ستشمل إيران.”
وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تكون إيران مسرورة بالتقارير التي تتحدث عن أمر فلاديمير بوتين بوقف برنامج مبيعات الصواريخ للحوثيين المدعومين من إيران بناء على طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وبطبيعة الحال، ليس من الواضح مدى دقة هذه التقارير، لأن مصادر المعلومات التي قدمت هذه التقارير إلى وسائل الإعلام، لا تتفق على التفاصيل.
ولكن لا ينبغي أن ننسى أنه على الرغم من أن علاقات روسيا مع عدو إيران القديم، أي إسرائيل، قد بردت إلى حد ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن علاقات روسيا مع أعداء إيران من العرب السنة، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا تزال ودية. وبحسب تقارير أخرى، فإن مقاتلة الدفاع الجوي سوخوي 35 التي كان من المفترض أن ترسلها روسيا إلى إيران لم يتم تسليمها بعد، وفي الوقت نفسه، لم يتم الانتهاء بعد من اتفاقية التعاون الطويل الأمد لمدة 25 عاماً بين إيران وروسيا، وتوجه المصادر الروسية أصابع الاتهام إلى طهران.
علاقة زواج مبنية على المصلحة
ورغم أن سياسات الولايات المتحدة والغرب في السنوات الست الماضية جعلت إيران وروسيا أقرب إلى بعضهما البعض عسكرياً وأمنياً من أي وقت مضى، فإن العديد من المراقبين، سواء في طهران أو في موسكو، يرون التحالف بين روسيا وإيران كنوع من الزواج المبني على المصلحة. ويحذر المحللون المستقلون الإيرانيون والروس باستمرار من أن كل جانب سوف ينسى الأوقات الصعبة عندما يجد علاقات أفضل مع الغرب.
ووفقاً لنعمة الله ايزدي، السفير الإيراني السابق لدى الاتحاد السوفييتي وروسيا، فإنه بقدر ما يوجد قلق في إيران من أن الروس سوف ينسون إيران إذا انتهت الحرب في أوكرانيا وعادت العلاقات مع الغرب إلى طبيعتها، هناك أيضاً قلق في موسكو من أن طهران سوف تضع روسيا جانباً لتحسين علاقاتها مع الغرب.
في مذكرة لمجلة فورين بوليسي، يرفض دانييل ديبيتريس وجنيفري كافانا من مؤسسة أولويات الدفاع الفكرية التخلف الحالي بين العديد من المحللين الأميركيين الذين يعتقدون أن روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية شكلوا تحالفاً عميقاً ضد الغرب، والرأي القائل بأن هذه الدول الأربع تشكل مجموعة جديدة تصنف محور الشر الجديد، ويكتبان: “على الرغم من أن الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل أكثر مما كانت عليه في الماضي، إلا أن تعاونهم يمكن اعتباره قبل كل شيء ترتيباً عملياً وثنائياً بشكل عام وربما مؤقتاً، والذي تم إنشاؤه تحت تأثير الظروف الجيوسياسية ووجهة نظرهم المشتركة للسياسات وتشكيل القوات الأميركية، وهو أمر ضار للغاية بمصالحهم.”
في إشارة إلى العلاقات العسكرية والأمنية بين روسيا والدول الثلاث إيران والصين وكوريا الشمالية في الأشهر التي أعقبت بدء حرب أوكرانيا، يؤكد المحللان: “تظهر التحقيقات الإضافية أن كل شراكة جديدة لروسيا تقوم على التجارة ولا شك أن هذه المعاملات مؤقتة. ورغم أنه من غير الواقعي تقليص العلاقة المتنامية بين روسيا وكوريا الشمالية إلى علاقة تجارية بحتة، فإن الواقع هو أن هذه العلاقات مدفوعة بالحاجة المتبادلة.
يحتاج بوتين بشدة إلى كمية هائلة من الذخيرة للحرب في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى، يحتاج كيم بشدة إلى إمدادات الغذاء والطاقة للتغلب على النقص المحلي والاقتراب من هدفه المتمثل في الحد من الاعتماد على الصين”.
ويعتقد المحللان أن التغيير في السياسات الغربية تجاه إيران وكوريا الشمالية يمكن أن يكون له تأثير على تعاونهما مع روسيا.
ويكتب كافانا وديبيتريس: “بدلاً من التعامل مع هذه القوى الأربع ككتلة واحدة، يجب على صناع السياسات تبني استراتيجيات مختلفة للتحديات المحددة التي يفرضها كل من هذه البلدان، إيران وكوريا الشمالية، على سبيل المثال، وذلك في صورة رفع القيود الاقتصادية الحالية أو التعاون المحدود في مجال تنمية البنية التحتية وتشكيل التكنولوجيا التجارية، لديهم الاستعداد أن يقللوا من ميزان نقل تجهيزاتهم العسكرية إلى روسيا”.