كتب: محمد بركات
رجل الإصلاحات يتحدث ويدافع، هذا ما يمكن أن يطلق على تصريحات خاتمي الأخيرة، فوسط ما تعيشه طهران وسط أزمات متتابعة، اقتصادية وسياسية وامنية، خرج الرجل ليدافع عن حكومة بزشكيان مؤيدا لسياساتها، وداعيا لعدم تحميلها الأوضاع الاقتصادية السيئة. دفاعا ربما يزيد الأمور تعقيدا بدل من حلها، ويشعل الأوضاع حول بزشكيان وحكومته التي لديها ما يكفيها من المشاكل.
فقد التقى محمد خاتمي، الرئيس الخامس لإيران والذي شغل المنصب من أغسطس/ آب 1997 وحتى أغسطس/ آب 2005، الإثنين 24 فبراير/ 2025 بعدد من أعضاء حزب الفدائيين، أحد الأحزاب الأصولية في إيران التي ينحدر أعضائها من الحرس الثوري والباسيج، وذلك للحديث عن الأوضاع الحالية في البلاد.
الإيثار يتجاوز الإحسان
ففي مستهل كلمته، رحب خاتمي بالحضور، مؤكدا أن البلاد والشعب مدينون للتضحية والإيثار المبذول من قبل أعضاء الحزب، مضيفا أن الإيثار هو درجة أعلى من الإحسان، حيث يقتضي تقديم الخير للآخرين حتى عندما يكون الإنسان نفسه في حاجة إليه..
وكذلك أشار خاتمي إلى أن هناك استغلالا للمقدسات، خاصة عندما يكون هناك سلطة غير خاضعة للمساءلة، فقد تم استغلال الدين والأخلاق والعلم وغيرها، وكذلك الإيثار نفسه، حيث يتم أحيانا تصوير أمور منافية للإيثار، بل ومضادة له على أنها نوع من التضحية، ومع ذلك، فإن الإيثار الحقيقي يعني تقديم الآخرين على النفس، وأسمى درجاته هي التضحية بالحياة من أجل القيم العليا، ومنها تحسين حياة الناس.
الوضع الحالي للبلاد ومسؤولية السياسات المتبعة
وانتقل خاتمي للحديث عن الوضع الراهن في إيران، حيث صرح ” إن الوضع في البلاد ليس جيدا، بالطبع، فإن السيد بزشكيان لم يكن السبب في ذلك، بل هو نتيجة لتوجهات وسياسات تم تبنيها منذ سنوات وبدأت الآن في الظهور بوضوح. ومع ذلك، فإن الذين فقدوا السلطة يسعون إلى تحميل الحكومة الحالية مسؤولية الوضع المتردي، رغم أنها كانت مدعومة منكم”.
وأوضح” أنا أتفق أن هناك تدخلات من الأعداء، فمساعيهم للانتقام من هذا النظام والشعب قد أثرت سلبا على الأوضاع، لكن علينا أيضا أن ننظر إلى أنفسنا ونتساءل ماذا فعلنا؟ إلى أي مدى كنا قادرين على تجنب هذا الوضع، ومع ذلك وقعنا فيه؟”.
وتابع” على أي حال، الوضع في البلاد ليس جيدا، والناس يرون أن التضخم، وارتفاع سعر الدولار، والاختلالات الاقتصادية قد تفاقمت بعد تولي بزشكيان السلطة، لكن المسؤول الأول عن هذه الأزمة هو التيار الذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع، والذي ظهرت تداعياته بوضوح أكبر مع بداية حكومة الرئيس الحالي”.
وأضاف” في ظل هذه المرحلة الحساسة، فإن ثقة قائد الثورة برئيس الجمهورية والعلاقة المتبادلة بين الحكومة والنظام أمر ذو أهمية كبيرة ومع ذلك، لتحقيق الخروج من الأزمات، يجب مراعاة شرطين أساسيين، الأول هو ضرورة الاعتراف بالحاجة إلى الإصلاح، حيث يجب أن تقبل السلطة بأن التغيير والإصلاح أمران ضروريان، وأن تلتزم بمتطلباتهما. ليس المطلوب إسكات الأصوات المختلفة، ولكن من غير المقبول أن يعلو الصوت لمن كانوا يرون في العقوبات نعمة، ثم يحاولون اليوم تحميل المسؤولية لأولئك الذين انتخبهم الشعب لتجنّب عودة هؤلاء أنفسهم إلى السلطة.
وأكمل ” الشرط الثاني هو التخطيط الفعّال من قبل الحكومة، فينبغي أن تضع الحكومة خططا واضحة في جميع المجالات، بحيث يشعر المجتمع بوجود نهج مختلف، فالشعب الإيراني صبور ويدرك أن التضخم لا يمكن أن ينخفض من 50% إلى أقل من 10% بين ليلة وضحاها، كذلك فالعلاقات الخارجية لها تأثير كبير، فقد منح الاتفاق النووي البلاد متنفسا اقتصاديا، وأسفر عن توقيع عقود وخلق أجواء أكثر انفتاحا في المجتمع. لذا، يجب على الرئيس أن يتمتع بقدرة على الإقناع والتخطيط، والاستفادة من الكفاءات القادرة على تنفيذ البرامج، بما في ذلك تخفيف أثر العقوبات أو الحد منها”.
ضرورة التمييز بين الأحلام والأهداف القابلة للتحقيق
وفي معرض حديثه، أكد خاتمي على أهمية التمييز بين الأحلام، وخاصة غير القابلة للتحقيق، وبين السعي نحو الأهداف الكبرى، حيث صرح” إن السعي وراء الأهداف لا يتعارض مع الواقعية، بل ينبغي رؤية الواقع كما هو، ومن ثم التخطيط للوصول إلى الأهداف. فالأهداف ليست مجرد شعارات، وبعض الشعارات ليست حتى منطقية أو واقعية، إذ يتم طرح أمور لا يمكن تحقيقها، واستنزاف الموارد في سبيلها لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية”.
مضيفا “يمكن للإنسان أن يكون صاحب رؤية وأهداف كبرى، لكن يجب أن يكون أيضا واقعيا. صحيح أن النظام الدولي ظالم، أو على الأقل تستغله القوى الكبرى لتحقيق مصالحها، وهذه حقيقة سيئة. كما أن إسرائيل واقع سيئ، فقد قامت على الاحتلال، وتمارس القمع، وتقتل وتواصل حياتها على حساب دماء وتشريد الفلسطينيين، بدعم من قوى كبرى. وما شهدناه من جرائمها في غزة دليل على ذلك. هذه وقائع مؤلمة، لكن إنكارها أو التعامل معها بأسلوب خيالي سيؤدي إلى مشكلات خطيرة. فالواقع لا يمكن تجاهله دائما”.
التعامل مع الواقع لضمان مصلحة الشعب
واختتم خاتمي حديثه بالتأكيد على ضرورة مواجهة الواقع والتعامل معه وفقا للإمكانات والمصالح الوطنية، والعمل لصالح الشعب والحفاظ على رضاه، معتبرا أن أهم مصلحة للبلاد، سواء على مستوى الشعب أو حتى النظام، هي تلبية احتياجات المواطنين وكسب رضاهم، وهذا يتطلب التواصل والتفاعل مع العالم. وحذر من أن تجاهل الواقع، أو تبني سياسات متوهمة، قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات تضر بالبلاد والمواطنين.
أزمات متفاقمة وانقسام داخلي
تأتي تصريحات خاتمي تعليقا على الأوضاع الداخلية التي تمر بها إيران، فمنذ تولي الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، منصبه في يوليو/ تموز 2024، تشهد إيران تدهورا اقتصاديا متسارعا، مما أثار قلق المواطنين والخبراء على حد سواء، حيث تفاقمت الأزمة المالية، وازدادت التحديات التي تواجه الحكومة، خاصة في ظل استمرار العقوبات الدولية والاضطرابات الداخلية.
وكانت أحد أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية الحالية هو الارتفاع الحاد في معدلات التضخم، حيث شهدت أسعار السلع الأساسية والوقود قفزات كبيرة، ما زاد من معاناة المواطنين وأضعف قدرتهم الشرائية، كما شهد الريال الإيراني تراجعا حادا أمام العملات الأخرى، ليسجل أمام الدولار 918.800 ألف ريال إيراني في أواخر فبراير/ شباط 2025، مسجلا ارتفاع بلغ 57 % مقارنة بيوليو من العام الماضي.
كذلك، فتشهد البلاد نقاشا حادا حول مصير المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث تبنى بزشكيان في حملته الانتخابية سياسة الانفتاح على دول العالم، معلنا أنه سينتهج أسلوب التفاوض، الأمر الذي وصفه التيار الأصولي بعديم الفائدة، ليأتي ترامب ويعلن عودة الضغط الأقصى في يناير/ كانون الثاني 2025، وبعدها يأتي المرشد الإيراني خامنئي ويقول أن إيران لن تتفاوض مع من يفرضون الشروط، لتغلق كل الأبواب حاليا في وجه الإدارة الإيرانية مما يجعل موقف التفاوض عالق بدون نتيجة ويصعب إيفاء بزشكيان بوعوده الانتخابية.
كيهان: قلق على معيشة الناس أم تواطؤ لصالح ترامب؟
هذا وقد علقت صحيفة كيهان، الأصولية، على تصريحات خاتمي، حيث ذكرت في على مواقعه الاثنين 24 فبراير/ 2025 ” إن ما قاله خاتمي يثير التأمل من عدة جهات، أولا، يعترف خاتمي بأن التضخم قد ارتفع بعد تشكيل الحكومة المدعومة من جبهة الإصلاحات، والذي يعد أبرز الوجوه بها، وهذه التجربة التي عاشها الشعب خلال الأشهر الخمسة أو الستة الماضية لا يمكن إرجاعها فقط إلى العقوبات التي استمرت على مدار العقد الماضي، ومع ذلك، فإن بعض من يدّعون دعم الحكومة لعبوا دورا في تفاقم الأزمة، من خلال تضخيم تأثير العقوبات وإظهار العجز المستمر أمام تهديدات الغرب، مما يجعلهم مسؤولين جزئيا عن الوضع الحالي”.
وتابع الصحيفة” ثانيا، يحاول خاتمي، باعتباره أحد قادة الفتنة، وهي الاحتجاجات التي وقعت في العام 2009 بعد اتهامات بتزوير الانتخابات، التلاعب بحقيقة دور العقوبات، فهو أكثر من أي شخص آخر يعلم أن العقوبات التي وُصفت بـالمُعيقة بدأت بعد فشل فتنة عام 2009، وجاءت نتيجة مقترحات قدمها بعض المشاركين في تلك الفتنة ودعمهم لها. ومنذ ذلك الحين، فإن المستفيد الأول والأخير من هذه الضغوط هو التيار المرتبط بهذه الفتنة، حيث سعى خلال الانتخابات المختلفة إلى الظهور بمظهر المنقذ الذي سيُخرج البلاد من العقوبات، بينما في الواقع كان بعض أعضائه أنفسهم ممن قدموا العون للعدو في فرض هذه العقوبات”.
كما تذكر” ثالثا، إذا كانت العقوبات الظالمة والخبيثة التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب قد تحولت إلى منصة سياسية للبعض من دعاة الاعتدال والإصلاح، فإنهم، وتحت ذريعة رفع العقوبات، خلقوا ظروفا أدت إلى تعليق البرنامج النووي، وسمحت للغرب بالمطالبة بتنازلات إضافية في قضايا مثل القدرات الدفاعية والإقليمية، حيث أصبح تنفيذ الالتزامات النووية مشروطا بتقديم تنازلات تتجاوز الاتفاق النووي نفسه”.
وتتابع” وليس هذا فحسب، بل بدلا من رفع العقوبات أو تعليقها، أدى هذا النهج إلى تصاعدها بشكل متزايد! ولو كان لدى أمثال خاتمي الحد الأدنى من الإنصاف والشجاعة، لكانوا قد اعترفوا بأنهم، عبر ترويج كذبة تزوير الانتخابات عام 2009، حوّلوا المشاركة الشعبية التاريخية التي بلغت 40 مليون ناخب إلى أداة للانقسام والاستقطاب. وبعد ذلك، في الانتخابات التالية، استغلوا العقوبات العدائية للغرب كأداة دعائية لتشويه صورة النظام والثورة وتبرئة الولايات المتحدة من سياساتها العدائية، ثم قاموا بتجميل سياسة تقديم التنازلات للولايات المتحدة مقابل وعود فارغة، ومع ذلك، لا يزالون يُحمّلون الآخرين نتائج هذا النهج الانتهازي وغير المسؤول!”.
ويختتم تقرير الصحيفة بذكر” وأخيرا، وبينما يتحدث خاتمي عن التعامل مع العالم، فإن الولايات المتحدة لا تسعى إلى أي تعامل، بل إلى الابتزاز وفرض الإملاءات، وهو النموذج الذي فرضته حتى على حلفائها، وهنا يُطرح السؤال، هل خاتمي حقا قلق على الشعب الإيراني، أم أنه يلعب دور الوسيط والمُسهّل لفريق ترامب؟”.