كتبت: شروق السيد
اعتلى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، منبر الامام الخميني وأمامه مئات الآلاف من المصلين في طهران خلال مراسم صلاة الجمعة 4 سبتمبر/أيلول 2024، بعد غياب 4 سنوات، ليخطب الجمعة في ذكرى مرور عام على “طوفان الأقصى”، وكذلك بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد كانت آخر خطبة جمعة لخامنئي في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020، وقد استقبل المصلون خامنئي بحفاوة، رافعين أعلام فلسطين وصور حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله.

ألقى خامنئي خطبتين إحداهما بالفارسية والأخرى بالعربية موجهة للشعوب العربية:
الخطبة الأولى:
في خطبة الجمعة التي ألقاها خامنئي في طهران، أكد قائلا: “إن عدو الشعب الإيراني هو نفسه عدو شعوب فلسطين ولبنان والعراق ومصر وسوريا واليمن”.
وتابع: “سياسة القرآن للمسلمين هي أن يكون هناك تلاحم بين الأمم والجماعات الإسلامية، وكأنها وعد بأنكم إذا حققتم هذا التلاحم بينكم، فإن عزة الله ستكون خلفكم، وهذا يعني أنكم ستنتصرون على كل العقبات، وستغلبون جميع الأعداء، وستكون حكمة الله داعمة لكم، أي إن جميع قوانين الكون ستعمل من أجل تقدمكم، هذا هو منطق القرآن وسياسة القرآن.
في المقابل، سياسة أعداء الإسلام، أي المستكبرين والمعتدين في العالم، هي (فرق تسُد)، الأساس لعملهم هو نشر الفتنة والتفرقة، لقد نفذوا هذه السياسة في الدول الإسلامية باستخدام الحيل المختلفة، وحتى اليوم لا يزالون مستمرين في هذا العمل، مما يؤدي إلى تشويش قلوب الشعوب الإسلامية تجاه بعضها البعض، لكن اليوم، بدأت الأمم تستيقظ”.
وأضاف: “أقول اليوم هو اليوم الذي يمكن فيه للأمة الإسلامية التغلب على هذه الحيلة التي يستخدمها أعداء الإسلام والمسلمين، إن عدو الشعب الإيراني هو نفسه عدو الشعب الفلسطيني، هو نفسه عدو الشعب اللبناني، هو العدو نفسه الذي يعادي شعب العراق، عدو شعب مصر، عدو شعب سوريا، عدو شعب اليمن، العدو واحد.
– طرق العدو في البلدان المختلفة متنوعة، في مكان ما يستخدم الحرب النفسية، وفي مكان آخر يستخدم الضغوط الاقتصادية، وفي مكان آخر، القنابل التي تزن طنين، وفي مكان آخَر السلاح، وفي مكان آخَر الابتسامات، هذه هي سياستهم التي يتبعونها، لكن غرفة التحكم واحدة.
كلما نجحت سياسة التفرقة للعدو في بلد ما، أي تمكن من السيطرة عليه واطمأن، لذلك، ينتقل إلى البلد الآخر”.
وجاءت أبرز كلمات خامنئي في خطبة الجمعة كما يلي:
– في القرآن الكريم وحدة المؤمنين تعني الولاية وسبب الرحمة الإلهية.
– سياسة القرآن تدعو إلى تلاحم الشعوب الإسلامية فيما بينها.
– عدو الشعب الإيراني هو نفسه عدو شعوب فلسطين ولبنان والعراق ومصر وسوريا واليمن.
– لكل شعبٍ الحق في الدفاع عن بلده وأرضه ضد المعتدين.
– عملية “طوفان الأقصى” كانت حركة قانونية ودولية، والحق كان مع الفلسطينيين.
– العمل الباهر لقواتنا المسلحة قبل ليلتين كان عملا قانونيا ومشروعا بالكامل.
– لا نتوانى في أداء واجبنا ولا نتصرف باندفاع.
وكانت الخطبة الثانية باللغة العربية ووجّه فيها الكلام للشعوب العربية بشكل عام ولشعبي لبنان وفلسطين بشكل خاص:
وفي الخطبة الثانية، تناول المرشد الإيراني القضايا المتعلقة بلبنان، وكانت أبرز تصريحاته كما يلي:
رأيت من الضروري تكريم أخي وعزيزي وفخري، الوجه المحبوب للعالم الإسلامي، الجوهرة المتألقة في لبنان، السيد حسن نصر الله في صلاة الجمعة بطهران، كما أنني أردت تقديم بعض التذكيرات للجميع، المستهدف من هذه الخطبة هو العالم الإسلامي أجمع، لكن شعب لبنان وفلسطين الحبيب هم المستهدفون بشكل خاص.
نحن جميعا في عزاء على مقتل السيد العزيز، وقد أصابنا هذا الفقد بحزن عميق، هذه خسارة كبيرة وقد جعلتنا في حداد، لكن حزننا لا يعني الإحباط أو اليأس؛ بل هو من نوع الحداد على سيد الشهداء الحسين بن علي؛ إنه يحيي الروح، ويعلم الدروس، ويمنح الدافع ويبعث الأمل.
عزاؤنا على السيد حسن نصر الله يشبه عزاءنا على سيد الشهداء، فهو معلم للدروس:
أضاف: “رغم أن جسد السيد حسن نصر الله غادرنا، فإن شخصيته الحقيقية وروحه وطريقه وصوته الشجاع ما زالت معنا وسيظل، كان راية عالية للمقاومة ضد الظالمين والمستغلين؛ كان لسانا مدافعا شجاعا عن المظلومين؛ وكان مصدر قوة وإقدام للمقاتلين والمطالبين بالحق، امتدت شعبيته إلى ما هو أبعد من لبنان وإيران والدول العربية، ومقتله سيزيد من هذا التأثير”.
طلب السيد حسن نصر الله اليوم من لبنان وحزب الله هو عدم الاستسلام لليأس
كما قال: “الرسالة الأهم التي تركها السيد حسن نصر الله لكم، شعب لبنان الوفي، خلال حياته هي أنه على الرغم من فقدان شخصيات بارزة مثل الإمام موسى الصدر والسيد عباس الموسوي وغيرهما، لا تيأسوا ولا تحزنوا؛ لا تترددوا في طريق النضال؛ زيدوا من جهدكم وقوتكم؛ ضاعفوا وحدتكم؛ قاوموا العدو المعتدي والمتعدي بالإيمان المتجدد والتوكل على الله واهزموه، يا أعزائي! شعب لبنان الوفي! شباب حزب الله وحركة أمل المتحمسين! أبنائي! هذا هو الطلب نفسه الذي يوجهه لنا اليوم حسن نصر الله من أمته ومن جبهة المقاومة ومن الأمة الإسلامية جمعاء”.
العدو لا يستطيع مهاجمة تنظيمات المقاومة، لذلك يعتبر قتل المدنيين بمثابة انتصار له
أضاف: “العدو الخبيث والجبان، لأنه لا يستطيع أن يلحق ضررا جديا بالتنظيمات الراسخة مثل حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها من المنظمات المجاهدة في سبيل الله، يعتبر القتل والتدمير والقصف ومجازر المدنيين وترويع العزل بمثابة انتصار له، ما هي النتيجة؟ إن ثمار هذه التصرفات هي تراكم الغضب، وزيادة الدافع لدى الناس، وظهور مزيد من الرجال والقادة والمضحين بأرواحهم، وتضييق الخناق على هذا الذئب المتعطش للدماء، وأخيرا، إزالته من الوجود القذر على هذه الأرض، بإذن الله”.
وتابع كلامه عن حزب الله قائلا: “أيها الأعزاء! القلوب المحزونة تجد السكينة بذكر الله وطلب نصره؛ الدمار سيُصلح، وصبركم وثباتكم سيجلب العزة والكرامة.
السيد العزيز قضى ثلاثين عاما في قيادة نضالٍ شاق، لقد بنى حزب الله خطوة بخطوة… بتدبير السيد، نما حزب الله تدريجيا، وظهرت ثماره في مراحل متعددة في دحر الكيان الصهيوني، مظهرا قوته أمام أعدائه: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها). إن حزب الله هو بحق (الشجرة الطيبة)”.
إن كل ضربة للكيان الصهيوني هي خدمة للإنسانية جمعاء:
كما قال: “القيام بالواجب تجاه لبنان الجريح والدموي هو مسؤوليتنا ومسؤولية جميع المسلمين، إن حزب الله والسيد حسن نصر الله من خلال دفاعهم عن غزة وجهادهم من أجل المسجد الأقصى وضرباتهم ضد النظام الغاصب والظالم، قد خطوا خطوات حاسمة في خدمة حيوية لكل المنطقة وكل العالم الإسلامي”.
في حين أضاف كذلك: “اعتماد أمريكا وحلفائها على الحفاظ على أمن هذا الكيان الغاصب هو مجرد غطاء لسياسة خطيرة تهدف إلى تحويل هذا النظام إلى أداة لاحتكار جميع موارد هذه المنطقة واستخدامها في الصراعات الكبرى على مستوى العالم، سياستهم تهدف إلى جعل هذا النظام بوابة لتصدير الطاقة من المنطقة إلى الغرب واستيراد السلع والتكنولوجيا من الغرب إلى المنطقة، وهذا يعني ضمان بقاء الكيان الغاصب وجعل المنطقة بأكملها تعتمد عليه، السلوك الوحشي والمتهور لهذا النظام تجاه المجاهدين نابع من هذا الطمع.
هذا الواقع يوضح لنا أن كل ضربة توجه إلى هذا النظام من أي شخص أو جهة هي خدمة لكل المنطقة؛ بل للبشرية جمعاء، لا شك في أن هذا الحلم الصهيوني الأمريكي هو محض خيال باطل وغير قابل للتحقيق، هذا الكيان هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض، كما قال الله تعالى، (ما لها من قرار)”.
– رغم إنفاق العدو مليارات الدولارات فإنه قد فشل في مواجهة عدة آلاف من الرجال المجاهدين
قال كذلك: “إن الكيان الصهيوني يعتمد فقط على الدعم الذي يتلقاه من أمريكا ليبقى نفسه واقفا على قدميه بصعوبة، وهذا لن يدوم طويلا، بإذن الله، الدليل الواضح على ذلك هو أنه منذ عام وحتى الآن، رغم إنفاق العدو مليارات الدولارات في غزة ولبنان وبمساعدة شاملة من أمريكا وعدة دول غربية أخرى، فإنه قد فشل في مواجهة عدة آلاف من الرجال المجاهدين في سبيل الله الذين هم محاصرون وممنوعون من أي دعم خارجي، ولم يكن لديهم سوى قصف المنازل والمدارس والمستشفيات والمراكز السكانية غير المسلحة!”.
المقاومة ستنتصر
في إشارة الى الاحتلال، قال خامنئي: “هذا الكيان الخبيث، المصطنع وغير المستقر، لا جذور له ويعتمد فقط على الدعم الذي يتلقاه بصعوبة من الولايات المتحدة ليبقى قائما، وهذا لن يستمر طويلا، بإذن الله… اليوم بدأ حتى العصابة الإجرامية الصهيونية تدرك تدريجيا أنهم لن يتمكنوا أبدا من الانتصار على حماس وحزب الله”.
موجها رسالته إلى لبنان وفلسطين، قائلا: “يا أهل لبنان وفلسطين المقاومين! يا أيها المناضلون الشجعان والشعب الصبور! إن هذه الشهادات وهذه الدماء المسفوكة على الأرض لن تُضعف نهضتكم، بل ستجعلها أقوى، ففي إيران، خلال نحو ثلاثة أشهر من صيف عام 1981 ميلادي، تم اغتيال عشرات الشخصيات البارزة والمتميزة، ومن بينهم شخصيات عظيمة مثل السيد محمد بهشتي، ورئيس مثل رجائي، ورئيس وزراء مثل باهنر، وعلماء مثل آية الله مدني وقدوسي وهاشمي نجاد وغيرهم، كل واحد منهم كان يعتبر من أعمدة الثورة على المستوى الوطني أو المحلي، وكان فقدانهم أمرا صعبا، لكن الثورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارعت.
المقاومة في المنطقة لن تتراجع بهذه الشهادات وستنتصر، المقاومة في غزة أذهلت العالم وأعزت الإسلام، في غزة، الإسلام يقف شامخا في وجه كل الشرور والفساد، لا يوجد إنسان حر لا يبارك هذا الصمود، ولا يلعن هذا العدو السفاح المتعطش للدماء.
أعادت المقاومة إسرائيل 70 عاما إلى الوراء
كما قال: “لقد أوصلت (طوفان الأقصى( والمقاومة المستمرة لمدة عام في غزة ولبنان هذا الكيان الغاصب إلى النقطة التي أصبح فيها أهم هاجس له هو الحفاظ على وجوده، وهو الهاجس نفسه الذي كان لدى هذا الكيان في سنوات ولادته المشؤومة، هذا يعني أن جهاد رجال المقاومة في فلسطين ولبنان قد أعاد الكيان الصهيوني إلى الوراء سبعين عاما”.
العامل الرئيسي للحرب وانعدام الأمن في المنطقة هو “تدخل الأجانب”
واختتم خامنئي حديثه قائلا: “العامل الرئيسي للحرب وانعدام الأمن والتخلف في هذه المنطقة هو (وجود الكيان الصهيوني)، وتدخل الدول التي تدعي أنها تسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، المشكلة الرئيسية للمنطقة هي (تدخل الأجانب)، إن دول هذه المنطقة قادرة على تحقيق السلام والاستقرار فيها، ولتحقيق هذا الهدف الكبير والمُنقِذ، يتطلب الأمر نضال وجهود الشعوب والحكومات”.