ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية، الأربعاء 9 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه ضرورة إجراء إصلاحات في السياسات والقوانين في إيران لمواجهة العقوبات وتحسين الأوضاع في البلاد، كما ناقشت مع محللين سياسيين موقفهم من تصريحات رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إجئي، بشأن الحاجة إلى هذه الإصلاحات.
الإصلاحات ضرورة مُلحة
ذكرت الصحيفة أن الوضع الحالي في البلاد، ليس مقبولا، وأنه يُمكن القول دون أدنى شك أو تردد، إن المدافعين عن استمراره هم فقط المستفيدون من هذه الأزمة الراهنة.
وتابعت أنه فيما يبدو أن هذه الحالة التي عليها إيران الآن قد دفعت المسؤولين مؤخرا لإدراك الحاجة الملحة للإصلاحات، فقد تحدث غلام حسین محسنی إجئي، رئيس السلطة القضائية في إيران، عن ضرورة الإصلاحات في السياسات والقوانين لمواجهة العقوبات.
وقال في أعقاب اجتماع رؤساء السلطات في إيران: “يجب أن يتم إعادة النظر في السياسات بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة، وتنفيذها خلال فترة محددة لتحقيق نتائج ملموسة للشعب”.
تشير تصريحات رئيس السلطة القضائية إلى اعتراف السلطات بضرورة الإصلاحات لتحسين الأوضاع المعيشية، لكن تفاصيل هذه التغييرات وكيفية تنفيذها لا تزال غير واضحة، مع وجود أمل في تجنب أخطاء الماضي.
في هذا السياق، قامت الصحيفة بإجراء مقابلات مع ثلاثة من المحللين السياسيين وهم: حسين نوراني نجاد (نائب رئيس حزب اتحاد الأمة الإيراني)، وناصر إيماني (محلل سياسي إصلاحي)، وعلي باقری (محلل سياسي إصلاحي وعضو برلماني سابق).
ضرورة الإصلاحات لمواجهة العقوبات
إذ قال حسين نوراني نجاد: “بعد كل شيء، فإن المسؤولين يدركون أن ظروف البلاد ليست جيدة على الإطلاق وأن العقوبات ليست مجرد قطعة ورق. الشعب غير راض، والحكومة قلقة، والتضخم المزمن والمستمر مستمر. نحن متخلفون عن المنافسة مع دول المنطقة، ونعيش في أوضاع حرجة باستمرار، ولا يوجد استقرار أو سلام”.
كما تابع: “لا شك في أن المشكلة تكمن في الاستراتيجيات الكلية للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد، وفي بعض الحالات، لا بد من مراجعة البنية حتى يمكن إطلاق القدرات الوفيرة لبلد بهذا الحجم الهائل، مع رأس ماله البشري والطبيعي والمادي والروحي الوفير”.
في حين قال ناصر إيماني: “النقطة في هذا السياق هي أنه من أجل تخفيف تأثير العقوبات، يجب على الحكومة اتخاذ قرارات كبرى، وبالطبع بالتعاون مع القوى الأخرى، لا يمكننا الاستمرار بنفس الطريقة الحالية، ومع هذا الوضع ستواجه البلاد مشاكل كثيرة. وحتى الآن، لا تزال هذه المشاكل موجودة، حيث أن القرارات الكبرى يجب أن تتخذها الحكومة أو رؤساء السلطات الثلاث، وإذا لم يحدث ذلك فإن وضعنا سيكون معقدا”.
وتابع: “هذه القرارات الكبيرة يجب أن تُتخذ في مجالات مختلفة. الهدف الرئيسي من هذه القرارات الكبرى هو خفض عجز الموازنة الحكومية، وهو مصدر العديد من المشاكل التي تعاني منها البلاد حاليا، بسبب عجز ميزانية الحكومة، لدينا التضخم، حتى يتم حل هذا العجز في الميزانية، فإن معدلات التضخم المرتفعة سوف تستمر”.
وأوضح كذلك: “وعندما يكون لدينا تضخم، إضافة إلى المشاكل الخطيرة التي سوف تنشأ للشعب؛ إن إمكانية الاستثمار في البلاد أصبحت معدومة، أي إن الاستثمار أصبح غير مبرر، وبالتالي يجب منع العجز الحكومي قدر الإمكان، وهذا يتطلب أيضا قرارات كبرى”.
كما أضاف أنه “ما دمنا ندفع مثل هذه الإعانات، فإن الحكومة تعاني من العجز، ولا تستطيع توليد مصادر الإيرادات، وهذا يؤدي إلى التضخم، وهذه القضية تحتاج إلى قرارات جدية من الحكومة، ويجب على السلطتين التشريعية والقضائية التعاون، فهمت من كلام محسني إجئي أنه يقصد هذه الأشياء”.
فيما قال علي باقري: “أعتقد أن السيد إجئي أدلى بتصريح دقيق وهام. وبطبيعة الحال فإن هذه القضية يمكن أن تكون لها أبعاد مختلفة في مناقشة القوانين الحالية في البلاد، ولكن بما أنه لم يذكر تفاصيل هذه القضايا فإن هذا النقاش يمكن تأجيله إلى المستقبل، ولكن في الوقت نفسه، أود أن أقول إن بعض قوانيننا، خاصة في المجالات الاقتصادية، ليست مناسبة بالتأكيد للظروف الحالية”.
هل التغييرات المقترحة تتماشى مع ما يطرحه المحللون منذ سنوات؟
في سياق مواز قال حسين نوراني نجاد: “هناك بالتأكيد فجوة بين ما يدور في أذهان هؤلاء السادة وما يدور في أذهان القوى السياسية والمدنية الموجهة نحو التنمية والمحبة للديمقراطية، ولكن ربما تكون حقائق عالم السياسة والحكم قد ضيقت هذه الفجوة، على الرغم من الاختلافات النظرية والمثالية والقيمية، والأهداف التي قد يسعى كل منهما إلى تحقيقها”.
وتابع: “على سبيل المثال، يبدو شخص مثل السيد محسني إيجه، الذي نعرفه اليوم، أكثر واقعية مما كان عليه قبل بضع سنوات”.
وأضاف: “في نهاية المطاف، فإن المسألة تكمن في التسريبات العديدة التي ظهرت نتيجة لاستراتيجيات خاطئة في الماضي، والتي تجسدت في شكل أزمات مختلفة في السنوات القليلة الماضية، مما يدل على الحاجة إلى التغيير بشكل أكثر إلحاحا وعمقا وسرعة”.
كما أضاف: “على سبيل المثال، ليس من الممكن حل مشكلة اختلال التوازن في الطاقة بمجرد إعداد صيغ تبدو خبيرة وتكنوقراطية وبعض الحيل البيروقراطية. بل يجب نقد كل استراتيجية لفترة طويلة في وسائل الإعلام والفضاء الحر، وتنشيط الساحة العامة وإشباعها، وأخيرا طرح القرار النهائي للتصويت في شكل استفتاء حتى تشعر الأمة بالمشاركة والمسؤولية عنه”.
فيما قال ناصر إیماني: “إذا كان رؤساء السلطات الثلاث قد نظروا إلى الوضع الحالي للبلاد كما يفعل المحللون العاديون، أي إذا نظروا إلى قضايا مثل ضرورة زيادة الإنتاج في البلاد، وزيادة الاستثمارات، والعقوبات، فيجب عليهم أن يتوصلوا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات كبيرة في البلاد”.
وتابع: “لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع، وإذا استمررنا، فستواجه البلاد مزيدا من المشاكل. يجب أن تُتخذ قرارات كبيرة من قبل الحكومة أو من قبل رؤساء السلطات الثلاث، وإذا لم يحدث ذلك، فسيكون الوضع معقدا جدا”.
وأضاف: “هذه القرارات الكبيرة يجب أن تتخذ في مجالات متعددة، وأحد الأهداف الرئيسية لهذه القرارات هو تقليص العجز في الميزانية الحكومية، الذي يعد السبب الرئيسي لكثير من المشاكل الحالية، بسبب هذا العجز، نعاني من التضخم. ما دام هذا العجز قائما، سيستمر التضخم”.
في السياق ذاته قال علي باقری: “كما ذكرت، بما أن السيد محسني إجئي لم يشِر إلى تفاصيل المسألة، فلا يمكننا التنبؤ بشكل دقيق بما يقصده من التغييرات القانونية، لكنني أعتقد أن القرار يجب أن يكون متماشيا مع التحديات القانونية والاقتصادية الحالية”.
وأضاف: “نقطة أخرى هي تجنب التصديق على القوانين التي قد تضر بالوحدة الوطنية أو تثير مشاعر السخط في بعض فئات المجتمع تجاه الوضع الحالي، وبشكل عام، إذا كان الهدف هو تعزيز الاستثمارات في الإنتاج، فإن القوانين الاقتصادية يجب أن تركز على ذلك”.
هل رأيتم أية بوادر أو إدارة لإجراء هذا التغيير في الهيئات الحاكمة بالبلاد؟
أجاب حسین نورانیي نجاد: “نعم، لكن ليس بالقدر الكافي الذي يرفع الأزمات ويثير رضا الجمهور، البعض حتى يعتقد أن بعض التحسينات قد تكون موجهة لعبور الأزمات الدبلوماسية والتقلبات الإقليمية والعالمية، وأنه بمجرد أن تستقر الأمور، سيعودون إلى السياسات السابقة”.
وقال ناصر إیماني: “للأسف، حاليا لا يوجد شيء من هذا القبيل، لا توجد إشارات أو مؤشرات واضحة، حيث إن إجراء هذه التغييرات الكبرى يتطلب جزءا داخل الحكومة، وجزءا آخر يتطلب التعاون مع الشعب”.
فيما قال علي باقري: “يمكن العثور على إشارات قد تثير التفاؤل، أنا أساسا أفضل أن أنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب وأشير إليه، من خلال هذه الرؤية، يمكنني أن أذكر بعض الأمثلة التي قد تثير هذا التفاؤل، رغم أنني أعترف بأنها ليست كافية. من بين الأمور التي يمكن الإشارة إليها والتي أعتبرها مهمة للغاية، توقف إصدار قانون الحجاب”.
إذا لم يحدث أي تغيير واستمرت الممارسة الحالية، فما التوقعات التي يمكن رسمها للبلاد على المديين القريب والبعيد؟
أوضح حسین نوراني نجاد: “الوضع الحالي غير مستدام، والاستراتيجيات الكبرى الحالية ستؤدي إلى الانهيار الذاتي أو التفكك وفقدان الدولة وانتشار الفقر والعنف والتهديدات الأمنية، لا يزال محور التنمية غائبا عن إدارة البلد، الحاجة للتغيير استنادا إلى تحقيق مطالب الشعب وتطبيع العلاقات مع العالمي، وزيادة رضا الجمهور تتجلى في جميع المؤشرات الرسمية والمشاهدات الواقعية”.
وقال ناصر إیماني: “على الأقل ما سيحدث هو أن لدينا هذا العام زيادة في التضخم، وربما يكون أعلى من العام الماضي، حيث إن هذا العام سنشهد مزيدا من عدم التوازن مقارنة بالعام الماضي، وستكون الأضرار التي ستنجم عن هذا مباشرة على إنتاج البلد”.
كما أوضح: “عندما كان يتم قطع الكهرباء أو الغاز عن المصانع العام الماضي أو الذي قبله، فسيحدث ذلك أكثر هذا العام، وسيتفاقم في العام القادم، يجب اتخاذ قرارات جادة وبشكل عاجل. نقطة أخرى مهمة هي في السياسة الخارجية”.
وتابع: “في هذا المجال، يجب أن نحدث تحولات مهمة ودائمة وجادة، وبرأيي، لا تزال سياستنا الخارجية تدور حول الأساس نفسه الذي كان موجودا قبل عشرين أو ثلاثين سنة”.
كما ذكر علي باقري: “ما هو مسلم هو أن الوضع الحالي ليس مناسبا للبلد، أعتقد أن هناك إجماعا تقريبيا بين المحللين بأن البلد في وضع غير مستقر وغير مستدام، ويجب أن يتغير هذا الوضع”.