ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية، الأحد 9 مارس/آذار 2025، تقريرا عن إزالة أشجار الدلب (أشجار كبيرة تُستخدم لتظليل الشوارع، وتتحمل التلوث)، في طهران، واستبدالها بأخرى أصغر سنا.
قالت الصحيفة إنه سيتم إزالة 100 شجرة دلب جافة أخرى من شارع وليعصر في طهران، وستُزرع مكانها أشجار أخرى؛ دلب أصغر سنا، وهو ما سيمحو معه ذاكرة احتفظت بها هذه الأشجار القديمة عن شوارع إيران.
يقول مسؤولو البلدية إن الأشجار قد جفت ويجب قطعها، بينما يؤكد مسؤولو التراث الثقافي في طهران، أنه لم يتم استصدار أي موافقة رسمية لقطعها، في حين يرى خبراء البيئة أن إعادة زراعة أشجار الدلب في هذا الطريق، حيث لم تُحل مشكلات التلوث بعد، أمر غير مُجد، وأنه ينبغي توديع دلب شارع وليعصر والتفكير في زراعة نوع آخر من الأشجار.
تساقط أوراق الدلب
أشارت الصحيفة في التقرير، إلى أنه في كل عام، تقوم بلدية المناطق المختلفة في طهران بقطع أشجار الدلب الجافة في أطول شوارع المدينة، بل تستبدلها أحيانا بشتلات عمرها خمس سنوات، ومع ذلك، لا تزال القنوات المائية الخرسانية، وتلوث الماء والتربة، والتوسع العمراني حول الأشجار، والإضاءة الليلية المستمرة قائمة، وكلها عوامل تساهم في قتل دلب طهران.
هذا القرار الذي اتخذته الإدارة الحضرية خلال العقد الماضي، لم يمنع جفاف الأشجار مرة أخرى، والآن، من محطة السكة الحديد إلى جسر باركوي (يقع شمال طهران عند تقاطع شارع وليعصر وطريق شمران السريع)، لم يعد هناك أي أثر لذلك النفق الأخضر الذي كان يميز طهران، وعدد أشجار الدلب أصبح قليلا لدرجة أنه يمكن إحصاؤها خلال مسافة قصيرة.
بدأ مشروع إحياء الأشجار المعمرة في شارع وليعصر في مارس/آذار 2019، وكان من المفترض أن يتم زراعة ألف شجرة في المنطقة الممتدة من باركوي إلى ميدان السكة الحديد، لكن باستثناء المنطقة الأولى، فإن حالة الدلب في باقي أجزاء الشارع ليست جيدة. أما نتيجة تنفيذ المشروع فلا تزال غير واضحة.
الآن، بدأت بلدية المنطقة الأولى في طهران أيضا، منذ أوائل شهر مارس/آذار 2025، في استكمال المشروع نفسه وإعادة زراعة أشجار الدلب، حيث من المقرر استبدال 100 شجرة دلب في المنطقة الممتدة من باركوي إلى بداية شارع شريعتي (أحد الشوارع الرئيسية التي تربط وسط طهران بالمناطق الشمالية)، بأشجار يزيد عمر جذوعها على 50 عاما. هذه الأشجار نُقلت من مناخ شمال إيران إلى طهران، لكن هناك جدل حول مدى قدرتها على التكيف والصمود في مناخ طهران.
امتصاص التلوث
يقول هادي كاشاني، الخبير في مجال المساحات الخضراء، لصحيفة «هم میهن»، إن الأوراق العريضة لأشجار الدلب تمتلك سطحا كبيرا، مما يجعلها عرضة لامتصاص أنواع مختلفة من الملوثات التي تسد مسامها، وهذا يؤدي إلى اضطراب عمليتي البناء الضوئي والتنفس لدى الشجرة.
وأضاف أن هذه الشجرة غير قادرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة جدا، ولهذا السبب، في ذروة حرارة الصيف– من أواخر مايو/أيار حتى أوائل يونيو/حزيران ويوليو/تموز- ومع اقتراب درجة الحرارة من 40 درجة مئوية، نشهد تساقطا صيفيا لأوراق الدلب، حيث تحترق الأوراق العلوية بسبب شدة الحرارة، لكنها تعود لإنتاج أوراق جديدة بعد انخفاض درجات الحرارة.
أدت أعمال إنشاء الممرات والمجاري التي نُفذت منذ سنوات باستخدام المواد الإسمنتية والخرسانية إلى اضطراب تهوية التربة، كما أن البنية التحتية الحضرية، مثل حفر قنوات الصرف الصحي والكهرباء والمياه، جعلت الظروف أكثر صعوبة لنمو الأشجار، في حين أن أعمال البناء في العقارات المجاورة ألحقت أضرارا بجذورها.
يقول كاشاني إنه في ظل هذه الظروف، “نجد إصرارا من الإدارة الحضرية على إعادة زراعة أشجار الدلب الكبيرة”، وأضاف: “نظرا إلى أن الظروف البيئية في شارع وليعصر لم تتغير، فإن نقل أشجار الدلب الكبيرة من شمال البلاد أو المدن المحيطة بطهران بأسعار باهظة وزراعتها في تربة وليعصر قد يكون مقبولا فقط خلال السنة أو السنتين الأوليين، عندما تكون الجذور لا تزال ضمن حدود التربة المزروعة حديثا. ولكن بمجرد أن تمتد الجذور إلى خارج تلك المساحة، يبدأ تدهورها من جديد، لأن العوامل نفسها التي أدت إلى جفاف الأشجار لا تزال قائمة”.
نتيجة لذلك، “لا نرى أبدا أشجارا في مرحلة الشيخوخة على جوانب شارع وليعصر. تواصل البلدية الإجراءات السابقة نفسها. قبل عدة سنوات، تم إزالة أشجار الدلب على جانب شارع فاطمي وزُرعت أشجار دلب كبيرة، والآن انظروا إلى حالتها! في هذه الظروف، ومع وجود العوامل التي تؤدي إلى تدهور الأشجار وجفافها، فإن مشاريع إحياء أشجار شارع وليعصر بزراعة الدلب من جديد، خطوة عبثية”.
في منطقة واحدة، تحديدا بين تجريش (تقع شمال طهران وهي من أقدم وأشهر مناطق المدينة) وباركوي، تقع آخر بقايا لأشجار الدلب في شارع وليعصر، وفي باقي المناطق لم يتبقَّ شيء تقريبا. ربما تكون هذه المنطقة آخر معقل لأشجار الدلب في شارع وليعصر. “بلدية المنطقة الأولى قد استعانت بشركة متخصصة في أشجار الدلب، ويجب أن يتم التعريف بها حتى نتمكن من معرفة سيرتها الذاتية”.
أضافت الصحيفة أنه بعيدا عن آليات الرقابة التابعة للإدارة الحضرية، يجب أن تتمكن مؤسسات مثل المنظمات غير الحكومية والهيئات الأكاديمية الأخرى من المشاركة في هذه العملية الرقابية. في الماضي، كان لدى منظمة الحدائق والمساحات الخضراء فريق عمل خاص لحماية أشجار شارع وليعصر، لكن يبدو أنه لم يتم تشكيل هذا الفريق منذ فترة طويلة. يمكن للهيئات الأخرى مثل مؤسسة بحوث المياه والتربة والغابات أن يكون لديها أساتذة في هذا الفريق، الذين تتجاوز قدراتهم القدرات العلمية للإدارة الحضرية، ولكن لا توجد هذه الآلية.
“سنفقد أشجار الدلب المتبقية”
أشارت الصحيفة إلى أن التلوث الضوئي يعيق راحة الأشجار الليلية في شارع وليعصر، كما أن مياه الصرف الناتجة عن رش الرمال والملح، خاصة في المنطقة الأولى، تدخل في مسار ري الأشجار. والنتيجة هي جذوع جافة وجذور هشة، مما يجعلها عرضة للسقوط عند تساقط الثلوج أو هبوب الرياح الخفيفة. “في هذه الظروف، تجد الإدارة الحضرية نفسها في مأزق، حيث يجب عليها إزالة هذه الأشجار والتخلص منها لتفادي الخطر”.
وفقا للقانون، هناك إجراء محدد ينص عليه في النهاية، وهو أن لجنة المادة 7 في منظمة الحدائق والمساحات الخضراء في طهران هي المسؤولة عن تحديد الأشجار الجافة من الأشجار الحية ومنح التصاريح لقطع أو إزالة الأشجار الجافة في طهران. في البداية، يجب إزالة الخطر من الأشجار الجافة من خلال قطع الفروع، وإذا استمر التدهور، يتم إزالة الجذع المتبقي. الإصرار على زراعة الأشجار يعود فقط إلى أن أشجار الدلب في شارع وليعصر مسجلة كأشجار وطنية، والإدارة الحضرية تريد الإصرار على تجديد الممر بتلك الأنواع من الدلب، لكن هذا لن يتحقق أبدا.
الأشجار الطويلة
في سياق متصل ذكرت الصحيفة أنه تم تسجيل شارع وليعصر كتراث وطني في ديسمبر/كانون الأول 2011؛ من الأسفلت إلى أشجاره الطويلة، ويجب على بلدية طهران الحصول على إذن من هيئة التراث الثقافي لمحافظة طهران لقطع الأشجار، لكن محسن سعادتي، نائب رئيس هيئة التراث الثقافي في محافظة طهران، يقول لصحيفة “هم ميهن”، إن البلدية لم تطلب منهم استشارة بشأن هذا الموضوع؛ وهو ما يعلق عليه نائب رئيس خدمات بلدية المنطقة الأولى في طهران قائلا إن هذه الأشجار كانت جافة، “نحن لا نهتم بالأشجار السليمة، ونحن نعمل في هذا الاتجاه. يجب الحفاظ على أصالة ومظهر شارع وليعصر كما كان في الماضي بأشجار الدلب على جانبيه، ونحن نقوم بذلك”.
الإحصائيات التي تم ذكرها بشكل متفرق حول عدد أشجار الدلب المتبقية في هذا الشارع تتراوح بين ستة وثمانية آلاف شجرة، وكان رئيس لجنة الصحة والبيئة والخدمات الحضرية في مجلس المدينة قد ذكر منذ فترة، أن أشجار شارع وليعصر أصبحت مريضة، وقد تم تحذير البلدية سابقا بسبب قرار قطع الأشجار القيمة في شارع وليعصر، أجمل وأطول شارع في المدينة، وطُلب منها الحفاظ على هذه الأشجار بشكل جيد.
طلب لمراقبة المنظمات الشعبية
منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، تم إطلاق حملتين شعبيتين؛ احتجاجا على قطع الأشجار القديمة في شارع وليعصر. الحملة الأولى التي بدأت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، تطالب بوقف أمر قطع واستبدال الأشجار، بينما تطالب الحملة الثانية بإنشاء آلية لمراقبة تنفيذ أعمال المقاول وإزالة جميع العوامل التي تسببت في جفاف أشجار هذا الشارع.
يونس خسروبيجي، الناشط في مجال البيئة وكاتب الحملة الثانية، يوضح سبب توجيه هذا الطلب إلى البلدية. ويشرح أن قطع الأشجار الجافة يجب أن يتم تحت إشراف المنظمات غير الحكومية والناشطين. «لقد واجهنا دائما هذه المشكلة مع المقاولين، حتى في مدن الشمال وغابات هيركاني، كنا نواجه هذا الأمر”.