ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الأصولية حوارا، 19 فبراير/شباط 2025، مع كل من عباس بور، الخبير في الحوكمة، وأمير محمد كلواني، الخبير الاقتصادي، حول أسباب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران واستجواب وزير الاقتصاد والشائعات حول إقالة محافظ البنك المركزي.
قالت الصحيفة أنه في الأيام التي سجلت فيها أسعار العملات الأجنبية والذهب مستويات قياسية جديدة بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية المتزايدة، مما أثار قلقا واسعا، يدفع البرلمان الإيراني من جهة نحو استجواب وزير الاقتصاد، بينما أدعت الصحف الإصلاحية خلال الأسبوعين الماضيين أخبارا تفيد بإقالة رئيس البنك المركزي، محمد رضا فرزين، لكن الحكومة نفت صحة هذه المزاعم في كلتا المرتين.
ورغم أن الاستجواب البرلماني يُعتبر حقا قانونيا للنواب، فإن العديد من الخبراء يرون أنه في ظل هذه الظروف، ينبغي التعامل مع مسألة استجواب وزير الاقتصاد بحكمة وتأنّ أكبر.
وذكرت الصحيفة أنه قبل أيام، نشر موقع اعتماد أونلاين، المقرب من رئيس مجلس الإعلام في حكومة بزشكيان، تقريرا يفيد بأن فرزين يعيش أيامه الأخيرة في البنك المركزي. وعلى الرغم من أن علي أحمد نيا، رئيس مكتب الإعلام الحكومي، نفى هذا الادعاء، إلا أن بعض القنوات المقربة من الحكومة على تليغرام استمرت في تأجيج الموضوع، حتى إنها ربطت تراجع أسعار العملات الأجنبية بهذه الأنباء.
كما نشرت صحيفة سازندكي الإصلاحية قبل يومين، تقريرا جديدا يفيد بأن فرزين سيغادر البنك المركزي قريبا برغم أن فترته لم تكن سهلة، ورغم كل وعوده وخططه.
وأضافت فرهيختكان أنه مع اشتداد الجدل حول مصير فرزين، قام مسعود بزشكيان، أمس، بزيارة مفاجئة للبنك المركزي، وأعلن من خلالها أن الهدف من زيارته هو وضع حد للشائعات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتأكيد التزام الحكومة بحل الأزمات الاقتصادية. كما شدد على أن هذه الزيارة تعكس إرادة الحكومة القوية لمواجهة التحديات الاقتصادية.
وفي رد مباشر على الشائعات، قال الرئيس الإيراني: “ينشرون شائعات في الإعلام، يقيلون أشخاصا ويعينون آخرين دون أي أساس. نحن نؤكد اليوم، سواء في البرلمان أو عبر وسائل الإعلام، أننا سنقف معا وسنعمل يدا بيد لحل المشكلات التي تواجه المواطنين، كما أننا ثابتون في مواجهة هذه التحديات ولن نتراجع حتى النهاية”.
وأردفت أنه عند انخفاض تكلفة الإنتاج، تتحسن أسعار السلع النهائية في الأسواق. هذه الجملة البسيطة تلخص العلاقة بين مؤشر أسعار المنتجين (PPI) ومؤشر أسعار المستهلكين (CPI)، وهي إحدى القضايا التي يهتم بها الاقتصاديون.
وبشكل مختصر، مؤشر أسعار المنتجين يقيس التغيرات في تكلفة إنتاج كل وحدة من السلع (أو سلة السلع)، وهو مؤشر مهم يمكن أن يتنبأ إلى حد كبير بمعدلات التضخم في الاقتصاد، أي التغيرات في مؤشر أسعار المستهلكين.
وذكرت أنه عندما يتباطأ معدل نمو تكاليف الإنتاج، ينخفض معدل ارتفاع أسعار السلع النهائية، مما يعني تباطؤ التضخم أو انخفاض وتيرة ارتفاع الأسعار بشكل عام. ومع ذلك، فإن تأثيره على التوقعات التضخمية يكون فوريًا، بينما يظهر أثره على التضخم الفعلي بعد فترة زمنية.
على سبيل المثال، إذا انخفض مؤشر أسعار المنتجين في شتاء 2024، فإنه قد يؤدي إلى خفض التوقعات التضخمية خلال الفصل نفسه، بينما يظهر تأثيره على التضخم الفعلي في فصلي الربيع والصيف لعام 2025. وبالتالي، يُنظر إلى تقلبات التضخم في قطاع الإنتاج على أنها مؤشر استباقي يعكس اتجاهات التضخم الاستهلاكي المستقبلي.
وأضافت أن هذا المؤشر يتأثر بعدة عوامل، منها: أسعار السلع العالمية، واستقرار سعر الصرف، والسياسات النقدية والمالية، والتغيرات في الأجور والتكاليف التشغيلية.
لذلك، فإن استمرار انخفاض أسعار السلع والخدمات الوسيطة عالميا، وتحسين إمدادات المواد الخام محليا، وخفض تكاليف التجارة والمخاطر التجارية، إلى جانب تعزيز الإنتاج المحلي، يمكن أن يسهم في استمرار انخفاض هذا المؤشر مستقبلا. كما أن استقرار سعر الصرف يُعد عاملا رئيسيا في ضبط التوقعات التضخمية وخفض تكاليف الإنتاج.
وقالت إنه وفقا لأحدث بيانات البنك المركزي الإيراني، بلغ التضخم السنوي لمؤشر أسعار المنتجين حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 نسبة 25.9%، بينما سجل التضخم السنوي لمؤشر أسعار المستهلكين، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني، نسبة 31.4% حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، و31.8% حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2024.
وأضافت أنه من الجدير بالذكر أنه عند تولي محمد رضا فرزين رئاسة البنك المركزي في يناير/كانون الثاني 2023، كان التضخم في مؤشر أسعار المنتجين عند 33.3%، بينما بلغ التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين 47.5%.
وأشارت إلى أنه خلال العامين الماضيين، حاول البنك المركزي الإيراني، من خلال سياسة ضبط الميزانية العمومية وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، إدارة معدل نمو السيولة والقاعدة النقدية ضمن نطاق 20%. ووفقا لهذه السياسة، حدد البنك المركزي هدفه لنمو السيولة خلال العام الحالي عند 25%.
وقد أكد محافظ البنك المركزي أن معدل نمو القاعدة النقدية، الذي كان أعلى من 40% سابقا، قد انخفض وفقا لأحدث الإحصائيات إلى حوالي 22%. أما بالنسبة لمعدل نمو السيولة، فقد أوضح قائلا:
“وفقا لأحدث البيانات، يبلغ معدل نمو السيولة حاليا نحو 27.4%. هذا المعدل تأثر بشدة بالاضطرابات السياسية والأمنية الكبيرة التي حدثت منذ مارس/آذار 2024، والتي كانت خارجة عن السيطرة، مما أدى إلى انحراف طفيف عن الهدف المخطط. ومع ذلك، قمنا بالتدخل النشط في سوق المال لضمان تحقيق الأهداف المحددة بحلول نهاية العام”.
وأضافت أنه بحسب بيانات البنك المركزي الإيراني، في يناير/كانون الثاني 2022، عندما تولى محمد رضا فرزين رئاسة البنك المركزي، كان معدل النمو السنوي للسيولة عند 34.1%، بينما بلغ نمو القاعدة النقدية 38.2%، وفي أبريل/نيسان 2023، ارتفع معدل نمو القاعدة النقدية إلى 45%، في حين بلغ نمو السيولة 33%.
وأردفت: “يعتبر وصول معدل نمو السيولة والقاعدة النقدية إلى نطاق 20% تطورا مهما، حيث يرى الخبراء أن ذلك كان له دور رئيسي في الحد من التضخم. ومع ذلك، هناك انتقادات من بعض الاقتصاديين وأصحاب الأعمال بشأن تشديد البنك المركزي على منح القروض. لكن في ظل الظروف الحالية، من الصعب الجمع بين التوسع الكبير في القروض والسيطرة على التضخم، إلا أن البنك المركزي حاول تلبية جزء من هذا الطلب من خلال توجيه الائتمان نحو قطاعات محددة، وتنويع أساليب التمويل.
وذكرت أنه وفقا لبيانات البنك المركزي، بلغت القروض المصرفية الممنوحة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 نحو 5631 تريليون ريال، مسجلةً زيادة بنسبة 28.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
استجواب وزير الاقتصاد وإقالة محافظ البنك المركزي
صرح عباس بور، الخبير في الحوكمة، فی حوار له مع صحيفة “فرهيختكان” حول التزامن بين استجواب وزير الاقتصاد والشائعات حول إقالة محافظ البنك المركزي، قائلا:
“أرى أن البنك المركزي كان يسعى، ضمن خطته طويلة الأجل، إلى تنظيم سوق الصرف الأجنبي، من خلال تحسين أداء منصة (نيما) وإدخال بعض اللاعبين الصغار إلى نظام الصرف التوافقي، بهدف خلق سوق أكثر استقرارا. لكن مع تغيير الحكومة وتولي السيد همتي وزارة الاقتصاد، تغير المشهد السياسي في البلاد، مما أدى إلى تغيير في السياسات التنفيذية أيضا”.
وأضاف: “في حالة إيران، قد يكون للعقوبات تأثير، وقد لا يكون. برأيي، هذه القضية ليست مرتبطة بالكامل بالعقوبات، بل هي مسألة سياسية. المشكلة الأساسية كانت أن الحكومة ووزارة الاقتصاد اعتقدتا أن جميع العملات والأسواق متاحة بشكل موحد، وبناء على هذا التصور، توقعوا القدرة على التأثير على سوق الصرف غير الرسمي، مما جعلهم يأملون في خفض سعر الصرف. وقد رأينا هذا التوجه في تصريحات السيد همتي، حيث وضع خططا محددة للسيطرة على سوق العملات الأجنبية”.
انتقادات للسياسات الاقتصادية
وتابع عباس بور: “على الرغم من أنني لا أدافع شخصيا عن سياسات البنك المركزي، فإنه يمكن القول إن النهج الذي اتبعه البنك المركزي سابقا كان يبدو أكثر عقلانية. فقد أدت التغييرات المفاجئة إلى دخول جميع اللاعبين في السوق إلى بيئة لم تكن مهيأة بشكل كاف ولم يكن لها هيكل واضح..”.
وأكد عباس بور قائلا: “بشكل عام، كان لنظام الصرف التوافقي تأثير ملموس على تقلبات السوق الحالية، رغم أن هذا التأثير كان محدودا. لكن عوامل أخرى، مثل العقوبات، والتوقعات السياسية، وعودة ترامب إلى السلطة، وبعض القرارات الداخلية للحكومة، لعبت دورا في ارتفاع أسعار الصرف. ومع ذلك، السبب الرئيسي وراء هذه التغيرات السريعة هو غياب تخطيط منسجم وموثوق داخل الحكومة لإدارة سوق الصرف الأجنبي، وهو نقص لا يزال قائما، ومن المحتمل أن يستمر في المستقبل”.
ارتباط تقلبات سوق الصرف بقاعدة 90-10
وحول تأثير قاعدة 90-10 على سوق العملات، أوضح عباس بور:
“لقد اطلعت على آراء مختلفة لخبراء اقتصاديين وبيانات تجارية حول هذا الموضوع. هناك من يعتقد أن قانون الإفراج الجزئي عن البضائع لم يكن له تأثير كبير على سعر الصرف، بل كانت هناك عوامل أخرى أكثر تأثيرا. ونظرا لعدم تخصصي في هذه المسألة، لا يمكنني تقديم تحليل دقيق حوله. ومع ذلك، فإن الإشارة المستمرة إليها من قبل الخبراء تدل على أن هناك عوامل متعددة تؤثر على سوق الصرف لم تحظَ بالاهتمام الكافي”.
وأضاف: “حاليا، هناك نقاشات حول مدى انفتاح حساب رأس المال في البلاد، مما يعكس مشكلات اقتصادية عميقة. علاوة على ذلك، فإن بعض الأخطاء التي ارتكبها البنك المركزي، مثل الدمج غير المدروس للأسواق المالية، أثرت بشكل كبير على أوضاع سوق الصرف. إلى جانب ذلك، إضافة إلى عوامل خارجية أخرى كان لها تأثير مباشر على ارتفاع أسعار الصرف وصعوبة الوصول إلى سوق الصرف الأجنبي”.
في ختام حديثه، أكد عباس بور موقفه بقوله: “رغم كل هذه التأثيرات، لا أؤيد استجواب السيد همتي، لأنني لا أعتقد أن تغييرات جوهرية ستحدث في السياسات والنهج الاقتصادي بعد استجوابه، كما يبدو هذا الإجراء أشبه بلعبة سياسية. لو كان البرلمان والحكومة يمتلكان خطة واضحة لإعادة صياغة السياسات الاقتصادية ومراجعة نظام سعر الصرف، لكان من الممكن اعتبار هذه الخطوة نقطة تحول إيجابية”.
وفي هذا السياق صرح أمير محمد كلواني، الخبير الاقتصادي، حول استجواب وزير الاقتصاد والشائعات التي انتشرت حول رئيس البنك المركزي، قائلا:
“يبدو أن استجواب همتي إجراء سياسي أكثر منه تقييما لأدائه في وزارة الاقتصاد. منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة وتعيين همتي وزيرا للاقتصاد، واجهت إيران أعلى مستويات المخاطر الجيوسياسية، وضمن ذلك احتمال عودة ترامب إلى السلطة، وتشديد العقوبات، وزيادة الضغوط الأمريكية على إيران. في ظل هذه الظروف، شهدت أسعار الصرف ارتفاعات حادة. حتى إن المرشد الأعلى أشار إلى أن استجواب وزير لم يمضِ على توليه منصبه 5 أو 6 أشهر ليس له أي مبرر”.
أسباب تقلبات سعر الصرف الأخيرة
وعن أسباب الارتفاعات الحادة في أسعار الصرف، أوضح كلواني أن الخبراء يطرحون عدة أسباب لهذا الأمر، أبرزها: ضغوط قاعدة 90-10 في تسجيل الطلبات التجارية، والقيود المفروضة في الإمارات.
لطالما كان سوق الدرهم الإماراتي من أهم أسواق الصرف الأجنبي لإيران، حيث ترتبط نسبة كبيرة من التدفقات المالية الإيرانية بدبي والإمارات. وهذا يُظهر مدى الضغط المستمر الذي تمارسه الولايات المتحدة على سوق الصرف الإيراني. فإذا قررت واشنطن تشديد القيود على الحسابات المصرفية الإيرانية، أو منع التجارة الوسيطة مع الصين وباكستان التي تتم عبر الإمارات، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى اضطرابات متزايدة في سوق الصرف. وقد تم التحذير من هذا السيناريو مرارا.
فشل محاولة استبدال دبي ببغداد
وأضاف: “حاول البنك المركزي الإيراني استبدال دبي ببغداد كبديل رئيسي للمعاملات المالية، لكن هذه الخطوة لم تنجح بسبب الموقع الاستراتيجي للإمارات ودورها المحوري في التجارة العالمية. الإمارات تُعتبر مركزا رئيسيا لإعادة التصدير والاستيراد، كما أنه يعود بالنفع على الحكومة الإماراتية. لذلك، فإن تعويض هذا التحول في المدى القصير سيكون صعبا للغاية”.