ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “اعتماد” الإيرانية الإصلاحية، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع أمير علي أبو الفتح، الخبير في الشؤون الأمريكية، ناقشت فيه توقعاته بخصوص النتائج المحتملة للجولة الأولى من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
المفاوضات في مسقط
ذكرت الصحيفة أن مسقط أصبحت محط أنظار العالم اليوم، حيث تستضيف المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة وزير خارجية سلطنة عمان، حيث تأتي هذه المفاوضات في وقت تتصاعد فيه التوترات في المنطقة، ويصل التصعيد اللفظي بين طهران وواشنطن إلى ذروته.
وتابعت أنه في هذا السياق، تراقب الأوساط السياسية والإعلامية تفاصيل وتكهنات حول هذه المباحثات بعناية، حيث تكشف التقارير الأخيرة أن الطرفين يسعيان للعمل على قضايا رئيسية بهدف تمهيد الأرضية لعقد اتفاق مؤقت، حيث تشير بعض المصادر الإيرانية المطلعة إلى أن واشنطن قد وافقت على شكل المفاوضات غير المباشرة الذي اقترحته إيران.
نص الحوار:
أكدت إيران ضرورة أن تكون المفاوضات غير مباشرة، بينما ترغب الولايات المتحدة في إجراء محادثات مباشرة.. هل يمكن أن تؤثر رغبات الطرفين على نتائج المفاوضات المحتملة؟
عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني، أشار إلى أن شكل المفاوضات ليس ذا أهمية كبيرة، بل الأولوية الرئيسية تكمن في التوصل إلى اتفاق، وفي الواقع فإن إرادة الطرفين في الوصول إلى اتفاق والمواضيع التي يريدون مناقشتها في المفاوضات تشكل العنصر الأكثر أهمية، حاليا، حيث إن إصرار إيران على ضرورة أن تكون المفاوضات غير مباشرة بسبب الرسائل المتناقضة الصادرة عن واشنطن.
إيران غير قادرة على استكشاف الموقف الحقيقي للولايات المتحدة، من جهة أخرى، هناك تصريحات تؤكد على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ومن جهة أخرى، هناك تركيز على قضايا أخرى مثل الصواريخ والقضايا الإقليمية، هذا الغموض، في ظل انعدام الثقة بين الطرفين، قد يؤدي إلى مواقف متضاربة بشأن شكل المفاوضات.
في البداية، قد لا يثق الطرفان ببعضهما البعض، وقد يسعى كل منهما لاختبار الآخر، ولذلك، يمكن اعتبار المفاوضات غير المباشرة بمثابة خطوة أولية لتقييم التزام الطرفين بالتوصل إلى اتفاق، فإذا تبين أن كلا الطرفين حقا يرغب في الوصول إلى اتفاق، فإن المفاوضات غير المباشرة يمكن أن تتحول إلى مفاوضات مباشرة.
كما أن إيران لم تعلن قط عن نيتها في الاستمرار في المفاوضات غير المباشرة بشكل دائم، فقد أجرت طهران العديد من المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة في الماضي.
الآن تركز إيران على عقد جلسات غير مباشرة مدتها ساعة أو ساعتين لفهم مواقف الطرفين، وإذا كان الجانب الأمريكي جادا في التوصل إلى اتفاق وقدم مطالب منطقية، فقد يتم تنظيم المفاوضات بشكل مباشر.
هناك ادعاءات تم نشرها مؤخرا تشير إلى رغبة إيران في التوصل إلى اتفاق مؤقت.. هل تعتقد أن أمريكا سوف توافق على هذا الطرح أم لا؟
ما تم نشره حول هذا الموضوع قد يكون مجرد تكهنات، ولكن التجارب السابقة تشير إلى وجود نموذج مشابه، ففي البداية، تم التوصل إلى اتفاق في جنيف (سويسرا) لمدة ستة أشهر، حيث أوقفت إيران أنشطتها النووية، وفي مقابل ذلك، تم الإفراج عن نحو 500-600 مليون دولار من أموال إيران المجمدة، على أن يتم ذلك كل ستة أشهر، وهذا الاتفاق منح الطرفين فرصة لبدء المفاوضات الرئيسية، التي انتهت في النهاية بالتوصل إلى “الاتفاق النووي” في فيينا (عاصمة النمسا).
من الممكن أن يسير الوضع الحالي بنفس الطريقة، لكن من المحتمل أن يكون الأمريكيون أكثر إصرارا على الوصول إلى نتائج أسرع، وفي النهاية، يتوقف الأمر على أهداف الطرف الأمريكي؛ على أي حال، هناك وثيقة تعرف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” يمكن أن تكون بمثابة نموذج الإطار العام للمفاوضات، ويمكن تحديثها.
كيف ترى اختيار رجل أعمال الوساطة في المفاوضات، في إشارة إلى مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف؟
اختيار ويتكوف ليكون ممثلا خاصا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهذا الاختيار ليس مجرد رسالة إلى إيران، ويعود اختياره ليس إلى كونه جزءا من هيكل السياسة الأمريكية، بل يُعرف أكثر باعتباره رجل أعمال في مجالات العقارات والأعمال التجارية.
فويتكوف لا يمتلك خلفية دبلوماسية وهو صديق مقرب وموثوق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذه الخصائص تمنحه قدرا أكبر من الحرية في المناورة ويمكن أن تُعتبر عاملا إيجابيا في المفاوضات، حيث أن إحدى مزايا ويتكوف هي أنه عموما لا يمتلك تعصبات ضد إيران أو آراء مؤيدة بشكل راديكالي لإسرائيل، وهي عوامل قد تساهم في تسهيل المفاوضات.
فلو أنه لو كان أحد مثل جون بولتون (مستشار الأمن القومي السابق) أو تام كاتن (عضو مجلس الشيوخ الأمريكي)، اللذين يمتلكان أفكارا أيديولوجية وراديكالية ضد إيران، مسؤولا عن المفاوضات، لكان من المحتمل أن تكون التعصبات ضد إيران قد ألقت بظلالها على جو المفاوضات، وبإعتبار كونه شخصية عملية، يفتقر إلى الذهنيات الأيديولوجية، وهدفه الرئيسي هو خدمة ترامب.
هذا يمكن أن يكون نقطة قوة في المفاوضات، بشرط ألا يكون جدول أعماله تحت تأثير التيارات “المتشددة” والمعادية لإيران مثل جون بولتون، الذين كانوا يروجون لفكرة تطبيق نموذج ليبيا على إيران، الذين يسعون لمحاولة تطبيق النموذج الليبي على إيران.
وإذا كان ويتكوف قادرا على التقدم بالمفاوضات في عمان، مستفيدا من آراء داعمي السلام الذين يسعون إلى اتفاق مع إيران، فإن هذا قد يساعد في تقدم المفاوضات، وبالتالي، فإن نجاح المفاوضات يعتمد على أهداف ويتكوف خلال المفاوضات في عمان، وكذلك على الآراء والضغوط المتنوعة ضمن الهيكل السياسي الأمريكي.
لقد صرح ترامب مرارا وتكرارا بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، قد يتم اللجوء إلى الخيار العسكري.. هل ترى ذلك تهديدا جادا أم لا يجب أن يؤخذ على محمل الجدية؟
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن إحدى تقنيات المفاوضات المعتادة هي اتخاذ مواقف متصلبة، حيث يتم استخدام هذا التكتيك للضغط على الطرف الآخر من أجل تقديم مزيد من التنازلات، وهذه الطريقة ليست مقتصرة على الولايات المتحدة، على الرغم من أن واشنطن، نظرا إلى قوتها العسكرية والاقتصادية، يمكن أن تلجأ إلى تهديدات أكثر تأثيرا، فإن هذا الموضوع يساعد في الضغط على الطرف الآخر.
ولكن في الجانب الإيراني، نشهد أيضا استخدام أدوات مختلفة مثل عرض القوة العسكرية، والمناورات العسكرية، ونشر صور للبنية التحتية العسكرية مثل المدن الصاروخية تحت الأرض، لمحاولة تعزيز موقفها وإظهار قدرتها على الردع.
وتعتبر التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون، مثل تصريحات علي شمخاني (أمين المجلس الأعلي للأمن القومي)، تعد جزءا من استراتيجية لإظهار قدرة إيران وإرادتها في الدفاع عن مصالحها ومنع أي ضغوط قد تُمارس عليها.
وهذه التهديدات اللفظية يمكن أن تُعتبر جزءا من استراتيجية المفاوضات، بمعنى أنه من خلال خلق بيئة أقوى، يمكن لإيران زيادة فرصها في التوصل إلى اتفاق أكثر ملائمة.
هذا النوع من السلوك في المفاوضات يمكن أن يساعد الطرفين في الوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن، لأن كلا الطرفين يسعى إلى حماية مصالحهم وتقليل المخاطر، لذلك، يمكن اعتبار عرض القوة أداة لتحسين موقف المفاوضين وزيادة احتمالية التوصل إلى اتفاق.
كيف يمكن تقييم دور إسرائيل ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في هذه المرحلة من المفاوضات؟
الواقع هو أن ترامب كان يميل عموما إلى منح إسرائيل امتيازات كبيرة، سواء في إطار الاتفاقات أو في مجالات أخرى، لكن إسرائيل ليست في وضع يسمح لها بإيقاف المفاوضات بشكل مباشر، بل يمكنها أن تؤثر عليها من خلال العراقيل والتعطيل، والمثال الأبرز على ذلك كان في فترة “الاتفاق النووي”، حيث سعت إسرائيل بنشاط إلى منع الاتفاق، والآن من المحتمل أن تتبع نفس النهج.
والجدير بالذكر أن ترامب كان يحاول أن يباشر المفاوضات مع إيران، ولهذا السبب أطلع نتنياهو على قراره في اللحظة الأخيرة، ووضعه في موقف مشابه لموقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعلى الرغم من ذلك، لم يعترض نتنياهو على تصريحات ترامب حول التفاوض المباشر مع إيران، خشية تكرار مواجهة مماثلة لتلك التي حدثت في البيت الأبيض مع زيلينسكي.
هذا يشير إلى أن ترامب كان يهدف إلى تهيئة أجواء إيجابية للمفاوضات، وأبلغ نتنياهو أن الولايات المتحدة تسعى إلى السلام وليس الحرب، ولكن نجاح المفاوضات أو فشلها يعتمد أيضا على طريقة تعامل إيران معها، فإذا سلكت إيران طريق التفاعل والمرونة وقدمت تنازلات، فإن ذلك قد يقلل من قدرة إسرائيل على التأثير على السياسات الأمريكية والدول الأخرى.
ولكن إذا كانت إيران غير مرنة، فإن قدرة إسرائيل على التأثير على سياسات الولايات المتحدة والدول الأخرى قد تزداد، وبالتالي، في هذا السياق، يعد التوازن بين رغبة الولايات المتحدة في التفاوض، ورد فعل إسرائيل، وسلوك إيران أمرا حاسما، حيث يمكن لكل من هذه العوامل أن تؤثر بشكل كبير على النتيجة النهائية.
ما تصورك العام لنتيجة المفاوضات في مسقط؟
في المفاوضات الدولية، خاصة في القضايا المعقدة مثل البرنامج النووي الإيراني، يعتبر التوصل إلى نتيجة سريعة دون تحديات كبيرة أمرا غير واقعي، فهناك العديد من العوامل والمواضيع التي يمكن أن تؤثر على سير المفاوضات، ومن الممكن أنه حتى لو سارت المفاوضات بشكل جيد، فإن التوصل إلى اتفاق نهائي قد يستغرق شهورا أو حتى سنوات.
في كل الأحوال، لا أتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في الوقت القريب، ولكنني أتمنى أن يتم التوصل إلى اتفاق بناء، بالإضافة إلى ذلك، فإن التعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحكم هيكل الدول المعنية وتأثيرات الديناميكيات الخارجية قد تؤثر على نتائج المفاوضات.
ولكن حتى لو لم تُسفر المفاوضات عن نتائج مرضية في يوم السبت، فهذا لا يعني أن الطريق قد انتهى، التاريخ أظهر أن المفاوضات يمكن أن تتقدم وتتراجع في فترات مختلفة، وهناك دائما إمكانية للعودة إلى طاولة المفاوضات، من جهة أخرى، لا يزال لدى الأطراف دافع للاستمرار في المفاوضات وإيجاد حلول محتملة، وهذا بحد ذاته يعد مؤشرا إيجابيا ويظهر وجود إرادة جادة للتوصل إلى اتفاق.
في النهاية، من المهم النظر إلى عملية المفاوضات باعتبارها عملية طويلة الأجل تتطلب صبرا وتخطيطا دقيقا، على الرغم من أن ترامب وغيره من المسؤولين قد يدعون أن المشكلات يمكن حلها بسرعة، إلا أن الواقع هو أن هناك قضايا معقدة تتطلب وقتا وجهدا مستمرا.