حوار مصطفى أفضل زادة/مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أجرى موقع “زاد إيران” حوارا مع هادي سيد أفقهي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حول العلاقات الإيرانية العراقية، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة من الضغوط والتوترات على المستويين الإقليمي والدولي، وفي ما يلي نص الحوار:
هل تحاول الولايات المتحدة، ضمن سياسة “الضغط الأقصى” على طهران، تقييد مجالات متعددة من العلاقات بين العراق وإيران؟
يعتمد مستقبل العلاقات بين العراق وإيران بشكل كبير على قدرة الحكومة العراقية على الصمود في وجه الضغوط الأميركية، خاصة ضمن سياسة “الضغط الأقصى” على إيران. إذا خضعت الحكومة العراقية لتلك الضغوط، قد تفرض الولايات المتحدة مطالب إضافية، مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو حل الحشد الشعبي ودمج عناصره ضمن مؤسسات الدولة، ما يعني إنهاء أي قوة مستقلة خارج الجيش.
تلعب المرجعيات الدينية، والبرلمان، والشعب، والعشائر، دورا محوريا في الحفاظ على السيادة العراقية. وقد أضفت فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن رجل الدين البارز علي السيستاني الشرعية على الحشد الشعبي، الذي تشكّل بدعم من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، واعترف به البرلمان كقوة رسمية تابعة لرئيس الوزراء. لذا لا يمكن حله بسهولة، كونه حركة مقاومة شعبية مشروعة.
إلى جانب الحشد، هناك فصائل أخرى خارج الإطار الرسمي تعلن استمرار المقاومة طالما الاحتلال قائم. هذه الفصائل، مثل الحشد، تعود بجذورها إلى زمن الحرب مع صدام، وبدعم إيراني.
تعرف الولايات المتحدة وبريطانيا طبيعة الانقسامات المجتمعية في العراق، وتسعيان لتأجيجها عبر دعم مالي من السعودية والإمارات وقطر، بهدف تقسيم العراق، كما حصل أو قد يحصل في سوريا.
إيران تعتبر العراق شريكا استراتيجيا لا يمكن تعويضه بسبب الروابط الدينية، والثقافية، والتاريخية، ولا ترى بديلا له في ميزان الإقليم. ويتجلى هذا بوضوح في موقف المرشد الأعلى الذي رفض استخدام ديون الغاز والكهرباء كأداة ضغط على العراق، مفضلا استمرار تزويد الشعب العراقي بالطاقة.
ختاما، كل ما يحدث في العراق له تأثير مباشر أو غير مباشر على إيران، ما يجعل العراق أولوية إيرانية في السياسات الإقليمية والدولية.
صرّح وزير النفط العراقي مؤخرا بأن إيران تبيع نفطها تحت اسم العراق، ما التداعيات الدولية المحتملة لهذا الموضوع؟
في ما يتعلق بهذه التصريحات، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية ووزير النفط لدينا ذلك، وقالا للأسف إن وزارة النفط العراقية قد أدلت بتلك التصريحات بناء على معلومات خاطئة وادعاءات زائفة تم طرحها من قبل الأمريكيين.
إن القول بأن إيران تبيع نفطها باسم العراق ليس له أساس من الصحة وهو مجرد حيلة وضعها الأمريكيون في فم وزير النفط العراقي ليعلن عن هذه المواقف علنا.
للأسف، بعض وزراء حكومة محمد شياع السوداني لا يُعتمد عليهم. ومن بينهم وزير خارجية العراق، الذي يمكن القول بوضوح إنه شخص ذو ميول لإسرائيل، وقد بذل كل جهده في سعيه لجعل العراق يسير في طريق تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، أعتقد أن السوداني شخص شريف، ولكن بالطبع لا يمكنه تحمل الضغوط إلى درجة غير محدودة.
يجب ألا ننسى أنه بعد هجوم صدام حسين على الكويت والهزيمة في الحرب، كان العراق تحت الحصار والعقوبات لمدة عشر سنوات، وبناء على قرارات مجلس الأمن، تم حرمانه من حق بيع النفط بحرية. تم وضع العراق تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتم إخراج بيع النفط من تحت سيطرة الحكومة العراقية وأُوكل إلى الأمم المتحدة.
حاليا، إيرادات النفط العراقي تُحول مباشرة إلى خزينة الولايات المتحدة، ومن ثم تقوم الخزينة الأمريكية بتسليمها إلى البنك المركزي العراقي على دفعات. هذه العملية كارثية حقا، لأن الحكومة العراقية إذا أرادت تجاهل أي قرار من قرارات الولايات المتحدة، يكفي أن تمنع الولايات المتحدة تحويل أموال النفط العراقي لبضعة أشهر؛ وفي هذه الحالة، لن تتمكن الحكومة العراقية من دفع رواتب موظفيها أو قواتها المسلحة. هذا هو الطبع الإجرامي للأمريكيين.
في ظل هذه الظروف، تحاول إيران بذل أقصى جهدها لمساعدة العراق في تقليل تأثير الضغوط الأمريكية عليه ومنع العراق من الوقوع في فخ تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي. للأسف، إقليم كردستان لا يحترم قرارات الحكومة الاتحادية ولا يلتزم بها. وفي الوقت نفسه، هناك أخبار مقلقة تُسمع.
بعض الشخصيات السياسية المرتبطة بالتيارات في العراق تتشاور مع حكومات الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وتركيا، وعدد من الدول العربية في منطقة الخليج العربي لتشكيل إقليم مستقل وتقسيم العراق. هؤلاء الأشخاص يقولون بوضوح: “ماذا ينقصنا من الأكراد؟ نحن أيضا نريد إقليما منفصلا.”
في مثل هذه الظروف، يجد الشيعة في العراق أنفسهم، سواء أرادوا أم لا، أمام واقع يتطلب منهم تشكيل إقليم شيعي. لأنه عندما يوجد إقليم كردي، وتُشكل أقاليم مختلفة بدعم من تركيا وقطر والسعودية والإمارات بهدف تقسيم العراق، فلا بديل عن تشكيل إقليم شيعي.
إذا تم قطع التعاون بين إيران والعراق، فما العواقب التي قد تؤثر على إيران ؟
حتى الآن، أعلن فؤاد حسين، وزير خارجية العراق، والتيارات المرتبطة بمسعود بارزاني عدة مرات أنهم لا يرغبون في أن يكون العراق جزءا من محور المقاومة. ماذا يعني هذا الموقف؟ يعني أنه إذا تم استبعاد العراق من معادلة محور المقاومة أو قرر الانسحاب منها، فهذا يعني أن العراق اختار طريق التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ويجب ألا يُسمح بحدوث ذلك.
في هذا السياق، يُقال ما هي العوائق والصعوبات التي تواجه تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل؟ الجواب واضح: الحشد الشعبي، المرجعية، وفي النهاية إيران. لذلك، يحاولون قطع هذه الروابط التاريخية والعميقة بين إيران والعراق، لكي يسهل عليهم جذب العراق نحو الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن هنا، فإن جميع عناصر متانة العلاقات بين إيران والعراق، سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الشعوب، هي أهداف للهجوم. ذروة هذه العلاقات الشعبية تظهر في مراسم الأربعين الحسيني. لكنهم يسعون لإلغاء هذه الأسس العلاقاتية. إذا تم قطع هذه الروابط، فسيكون لذلك تبعات سلبية واسعة على المنطقة.
سواء أراد العراق أم لا، على الأقل على المستوى الشعبي وفي أوساط التنظيمات الجهادية، يعد العراق جزءا من محور المقاومة. لقد قدموا المساعدة لغزة، وأطلقوا صواريخ نحو إسرائيل، وهاجموا قواعد أمريكية في سوريا والعراق، وقدّموا شهداء. يجب الحفاظ على هذه الروابط.
إذا تم تدمير هذه الروابط- لا سمح الله- فإن ذلك سيعرض ليس فقط المصالح الوطنية الإيرانية للخطر، بل أيضا المصالح الوطنية العراقية، ووحدة أراضي إيران، وكذلك وحدة أراضي العراق، وسيؤدي إلى مرحلة من الأزمة والتحديات.
هل يمارس الأمريكيون ضغوطا على رئيس الوزراء العراقي لقطع التعاون مع إيران أو على الأقل تقليص العلاقات؟
الأمريكيون لا يمتلكون الجرأة أو القدرة على فرض قطع كامل للتعاون بين إيران والعراق، وهم أساسا لا يسعون لتحقيق ذلك. استراتيجيتهم تتمثل في محاولة فصل الأذرع الاقتصادية بين إيران والعراق، وإذا استطاعوا وقف التعاون الأمني، وتعطيل بيع النفط والغاز بين البلدين، فإن العلاقة المتبقية بين إيران والعراق ستتحول إلى علاقة دبلوماسية باردة وجافة، مشابهة لعلاقات بعض الدول الأخرى، ولن يكون لها قيمة تذكر.
ما يهم الأمريكيين هو أن الروابط والمساعدات والتعاون الوثيق بين إيران والعراق يجب أن تختفي. هم يعتقدون أنه ما دام هذا الاتصال قائما، فلن يكون بإمكانهم الهيمنة على العراق. من وجهة نظرهم، مفتاح الهيمنة على العراق هو قطع العلاقات العميقة بين العراق وإيران أولا، ثم من خلال خلق الخلافات الداخلية، إفراغ العراق من الأغلبية الشيعية؛ وذلك عبر إشعال الحروب الداخلية، والخلافات السياسية بين الفصائل، والفرقة بين المرجعيات.
بالنظر إلى الدعاية الإعلامية وفضاء وسائل التواصل الاجتماعي ضد العلاقة بين إيران والعراق، هل تختلف ردود فعل التيارات السياسية والدينية والعسكرية في العراق تجاه هذه الإجراءات الأمريكية مقارنة بالحكومات السابقة؟
السوداني في النهاية هو رجل دولة ورئيس وزراء العراق بأسره، وليس فقط رئيس وزراء الشيعة. صحيح أنه شيعي، وهو ابن شهيد، وعمه استشهد على يد نظام صدام، ولكن في موقعه هذا، لا يستطيع التصرف بطريقة تجعله يُوضع في خانة الاتهام مثل “عميل إيران” أو “ذراع إيران في العراق”.
مع ذلك، قلبه وعقله مع إيران. هو يأمل في دعم إيران ويتوقع مساعدتها، ولكن هذه المسائل لا يطرحها علنا في مواقفه الرسمية، أو في مقابلاته، أو في تعاملاته الدولية. السوداني يتصرف بحذر وذكاء ليمنع الاستعمار، تحت أي عنوان أو ذريعة، من تقويض العلاقة بين إيران والعراق أو تحويلها إلى مرحلة هشّة. ولحسن الحظ، لم يحدث ذلك حتى الآن.
إذا استمر التباعد بين إيران والعراق، من هم الفاعلون الإقليميون أو الدوليون الذين سيستفيدون أكثر من هذا الانقسام؟
في المقام الأول، ستستفيد الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي أكثر من غيرهم. وفي المرحلة التالية، ستستفيد بالتأكيد دول منافسة لإيران في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من هذا الانقسام.
لكن يجب أن أؤكد، وهذا أمر يجب أن تضعوه في الاعتبار، أنه طالما أن المراجع الدينية، والعشائر، وقوات الحشد الشعبي، والجماعات السياسية المرتبطة بالمقاومة موجودة في هيكل الحكومة العراقية، فإن هذا الانقسام، إن شاء الله، لن يحدث. وحتى الآن، لم يحدث ذلك. في عهد حكم صدام أيضًا، كانت هناك محاولات لخلق شقاق بين إيران والعراق.
لقد حارب صدام إيران وبنى جدارا عظيما بين الشعبين، ولكن بمجرد سقوط صدام، انهار ذلك الجدار، واستقبل شعب العراق الشعب الإيراني بأذرع مفتوحة. لقد ارتبطت إيران والعراق ببعضهما البعض وأصبحا لا ينفصلان.
هل هناك محاولات لتقليص دور إيران في مواجهة تنظيم الدولة “داعش”؟
نعم، هناك محاولات في هذا الصدد. تم إخبار قوات الحشد الشعبي وبعض السياسيين المؤيدين لإيران بأنهم مجرد أدوات لإيران، وتم الضغط عليهم بناء على هذه المزاعم. وفي المقابل، يُطرح السؤال: إذا لم نكن مرتبطين بإيران ولم نعتمد عليها، هل يمكن للسعودية أو الإمارات أو قطر أن يقدموا لنا الدعم؟
بينما الحقيقة هي أن مثل هذه المساعدات إما لا تحدث على الإطلاق، أو إذا حدثت فهي غير عادلة. على سبيل المثال، تم التفاوض مرارا مع المسؤولين السعوديين لتزويد العراق بالكهرباء، لكن هذا الطلب لم يتم تنفيذه.
في الوقت نفسه، يتلقى الأردن النفط من العراق مجانا، لكنه لا يكون مستعدا لتزويد العراق بالكهرباء. المواطنون الأردنيون يدخلون العراق دون دفع أي رسوم أو تكاليف تأشيرة، بينما يجب على المواطنين العراقيين دفع الرسوم عند دخولهم إلى الأردن. هذه العلاقات غير متكافئة وظالمة تماما.
ومع ذلك، كما قال قائد المرشد الإيراني بحكمة، يجب ألا نأخذ أموالا من العراق في الوقت الحالي، ولكن يجب أن نحرص على عدم ترك شعبه بدون كهرباء. نحن نعلم، وكذلك حكومة العراق تعلم جيدا، أن استقرار العراق مستحيل بدون دعم إيران، وأن هذا البلد سيكون مهددا بالانهيار والتقسيم إذا فُقد هذا الدعم.