ترجمة: علي زين العابدين برهام
مع استبعاد المفاوضات من جدول أعمال إيران، يبدو أن السياسات الحكومية في الاقتصاد تشهد تغييرات واضحة، فبعد أن تبنّت الحكومة في البداية إجراءات تعديلية، لا سيما في سوق العملات، وسعت إلى توحيد سعر الصرف عبر إلغاء نظام “نيما”، تتجه الآن نحو سياسة تثبيتية تهدف إلى إنهاء التقلبات التي شهدتها الأشهر الماضية.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين“، الخميس 27 فبراير/شباط 2025، حوارا مع الخبير الاقتصادي وحيد شقاقي، حول الوضع الاقتصادي المتوقع في إيران وقضية التضخم وغيرها من القضايا المتعلقة بالاقتصاد وتوقعاته. وفي ما يلي نص الحوار:
تحول النقاش حول متطلبات النمو الاقتصادي إلى مواجهة بين أنصار الحكومة الحالية ومؤيدي الحكومة السابقة. والسؤال المطروح هو: ما الذي أدى إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي يتراوح بين 4% و5% خلال السنوات الثلاث من عمر حكومة إبراهيم رئيسي؟
ليس من المستغرب أن يدافع المسؤولون عن إنجازاتهم، لكن التلاعب بالحقائق والترويج لخطاب شعبوي لا يخدم المصلحة العامة. في الواقع، النمو الذي شهدته إيران خلال هذه الفترة لم يكن نتيجة سياسات اقتصادية فعالة، بل كان ناتجا عن زيادة صادرات النفط وتلاشي أزمة جائحة كورونا، وهو ما يدركه الجميع رغم محاولات الترويج لغير ذلك.
هل يعني ذلك أن صانعي القرار لم يسهموا في هذا النمو؟
نعم، لأنه لم يكن لهم دور جوهري. في علم الاقتصاد، عندما يمر الاقتصاد بفترة انكماش حاد، فإن مجرد زوال الضغوط السابقة يؤدي إلى انتعاش طبيعي دون الحاجة إلى تدخلات كبيرة من قبل صانعي السياسات. يشبه الأمر شخصا يعاني من سوء تغذية، ومجرد تحسين بسيط في نظامه الغذائي يؤدي إلى تحسن ملحوظ في حالته بسرعة.
شهد الاقتصاد الإيراني انكماشا حادا منذ عام 2018 بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، مع تولي رئيسي السلطة، حدثت تغيرات خارجية ساهمت في تحسين الأوضاع دون أن يكون للحكومة دور مباشر، ومن أبرزها:
- انتهاء أزمة كورونا، مما أدى إلى انتعاش النشاط الاقتصادي، خاصة في القطاعات الأكثر تضررا مثل الخدمات.
- هزيمة ترامب في الانتخابات الأمريكية ومجيء بايدن بسياسات أكثر مرونة تجاه إيران مقارنة بسلفه.
- الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أجبر الولايات المتحدة على منح إيران وفنزويلا بعض التسهيلات في تصدير النفط لتجنب تفاقم أزمة الطاقة العالمية.
كل هذه العوامل أدت إلى تحقيق النمو، لكن هذا النمو كان سطحيا ومؤقتا، ولم يكن نتيجة إصلاحات اقتصادية مستدامة، بل جاء بفعل ظروف خارجية مؤقتة لا يمكن التعويل عليها في المستقبل.
ما تأثير هذا الإجراء على مبيعات النفط الإيراني؟
أدى هذا الإجراء إلى ارتفاع مبيعات النفط الإيراني في عهد حكومة رئيسي إلى أكثر من 1.5 مليون برميل يوميا، في حين أن حكومة حسن روحاني كانت تواجه أوضاعا صعبة للغاية، حيث كانت المبيعات أحيانا تقل عن 300 ألف برميل يوميا.
إضافة إلى ذلك، خلال ذروة جائحة كورونا، انخفض سعر برميل النفط إلى أقل من 40 دولارا، بينما ارتفع في عهد حكومة رئيسي، خصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إلى أكثر من 90 دولارا للبرميل. كان هذا بمثابة صدمة إيجابية كبيرة دفعت الاقتصاد نحو التحسن.
هل كان التأثير مقتصرا على قطاع النفط؟
لا، لم يقتصر هذا التحسن على قطاع النفط فقط، بل شهدت قطاعات أخرى، مثل الصناعة، نموا ملحوظا أيضا.
ما سبب نمو القطاع الصناعي؟
عندما نقول إن الاقتصاد الإيراني يعتمد على النفط، فإن ذلك يعني أن عوائد النفط تتدفق إلى القطاعات الأخرى، مما يؤدي إلى تحفيزها، وهذا ما حدث في القطاع الصناعي بين عامي 2021 و2024.
لكن من الضروري تأكيد أن تشويه الحقائق لا يخدم أحدا، فالبعض يروج لروايات سياسية منحازة، لكن الحقيقة هي أن التحسن الذي شهدته بعض القطاعات لم يكن نتيجة إصلاحات اقتصادية جوهرية، بل جاء بفعل عوامل مؤقتة مثل ارتفاع أسعار النفط وزيادة مبيعاته، وهي ظروف لا يمكن التعويل عليها لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد.
هل كان ذلك النمو الاقتصادي جديرا بالاهتمام؟
برأيي، ذلك النمو لم يكن ذا قيمة حقيقية، لأنه كان سطحيا وغير مستدام. لم يكن ناتجا عن سياسات اقتصادية مدروسة، بل تحقق في ظل معدل تضخم مرتفع يتراوح بين 40% و50%، مما جعله غير مجدٍ للاقتصاد الوطني.
هل يمكن للنمو غير المستدام أن يستمر؟
النمو الناتج عن زوال أزمات مؤقتة، مثل انتهاء الضغوط القصوى أو انحسار جائحة كورونا، قد يستمر لفترة عام أو عامين، وكما أشرت، فإن ارتفاع إيرادات النفط بمقدار 5 إلى 6 أضعاف كان له تأثير واضح على الاقتصاد، لكنه ليس نتيجة لإصلاحات اقتصادية حقيقية، بل كان نتاج عوامل خارجية مؤقتة. لذلك، من المضلل تصويره على أنه نمو مستدام.
هل تعتقد أن هذه التصريحات تعكس توجهات سياسية؟
نعم، البعض يضع الاعتبارات الحزبية فوق المصلحة الوطنية، مما يضر بالاقتصاد، فبدلا من مواجهة التحديات الحقيقية، يتم ترويج خطاب سياسي منحاز لا يعكس الواقع الاقتصادي بشكل دقيق.
هل يتجه الاقتصاد نحو مسار مختلفٍ الآن؟
نعم، يبدو أن البلاد مقبلة على مسار مختلف تماما مقارنة بما شهدته خلال السنوات الثلاث الماضية، فنحن على أعتاب مرحلة جديدة من الضغوط الاقتصادية، في ظل أزمات هيكلية متراكمة تطال مختلف قطاعات الاقتصاد.
أزمة المياه، وهبوط التربة، وصناديق التقاعد لم تصل بعد إلى ذروتها، لكنها قد تتفاقم بحلول نهاية فترة حكومة مسعود بزشکیان.
عدم التوازن في قطاع الطاقة أصبح واضحا، حيث شهدت البلاد إغلاقات متكررة، ومن المتوقع أن تتعمق آثارها الفترة القادمة.
لا توجد حلول سريعة للمشكلات الراهنة، لأنها نتاج عقود من سوء الإدارة الاقتصادية، ولا يمكن معالجتها عبر إجراءات مؤقتة أو حزم إصلاحية محدودة.
كيف ترى آفاق النمو الاقتصادي لعام 2025؟
التوقعات تشير إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية. إذا فُرضت العقوبات التي تناقشها الولايات المتحدة حاليا، فمن المرجح أن يعود الاقتصاد الإيراني إلى النمو السلبي.
في حال تصعيد العقوبات النفطية وتقليص صادرات إيران إلى 100 ألف برميل يوميا، قد يتراجع النمو الاقتصادي إلى – 5 % أو أكثر.
شدة الانكماش ستعتمد على مدى قوة العقوبات المفروضة، لكن الاتجاه العام مثير للقلق، خاصة في ظل الأزمات الداخلية المتراكمة.
الاقتصاد الإيراني يواجه مرحلة معقدة وحاسمة، حيث تزداد الاختلالات البنيوية، ومن المتوقع أن يكون التحدي القادم أكثر صعوبة، خاصة إذا دخلت العقوبات مرحلة جديدة من التصعيد.
ماذا عن التضخم؟
عندما يتراجع الإنتاج، تنخفض الصادرات أيضا، مما يؤدي إلى اختلال في توازن العملات الأجنبية، وهو ما يمهد الطريق لزيادة التضخم.
هل يعني ذلك أن سعر الدولار سيرتفع أكثر؟
هذا أمر طبيعي. لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ اليوم برؤية الدولار عند 950 ألف ريال، لأن سنوات من القرارات الاقتصادية الخاطئة أوصلتنا إلى هذه النقطة.
آخر التقارير تشير إلى أن التضخم الشهري في فبراير/شباط بلغ 4.1%. ماذا نتوقع الشهور القادمة؟
إذا تم تنفيذ الضغوط القصوى كما هو متوقع، فإن التضخم قد يتجاوز 50%.
لماذا شهدنا تقلبات أقل خلال الشهر الذي لم يكن فيه رئيسا للجمهورية؟
خلال تلك الفترة، كان الاعتقاد السائد أن كامالا هاريس ستفوز بالانتخابات الأمريكية، وكانت الاستطلاعات تدعم هذا الاحتمال. إلى جانب ذلك، لم يكن الوضع في سوريا قد تفاقم بعد، ولم يتم تنفيذ سياسة الضغوط القصوى بشكل كامل، ولم يكن حزب الله ومحور المقاومة قد تعرضا للضربات العسكرية.
بعبارة أخرى، الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية الكبرى بدأت بعد تولي مسعود بزشکیان السلطة، وهي عوامل خارجة تماما عن سيطرته أو عن سيطرة حكومته.
ما الحل للخروج من الوضع الحالي؟
الحل الوحيد هو أن تنهي التيارات السياسية خلافاتها، إيران اليوم لا تتحمل مزيدا من الصراعات الحزبية، وأولئك الذين يواصلون هذه المعارك سينتهي بهم الأمر إلى الإضرار بأنفسهم أيضا.
نحن مقبلون على مرحلة صعبة جدا، والتعامل معها يتطلب وحدة الصف، وليس تصعيد الخلافات. استجواب الوزراء والتناحر السياسي لن يحلا المشكلات، بل قد يزيدان الأمور تعقيدا. في الوقت نفسه، يجب على الوزراء والمسؤولين الاقتصاديين أن يكونوا أكثر وعيا وحذرا في قراراتهم، لأن أي خطأ في هذه المرحلة الحرجة قد يفاقم الأوضاع بشكل غير مسبوق.