ترجمة: شروق السيد
استعرض الخبير الاقتصادي الإيراني، بهمن آرمان، الأسباب الرئيسية لتقلبات سوق العملات والذهب في إيران، مسلطًا الضوء على التأثير الحاسم للسياسة الخارجية على الاقتصاد الإيراني، وذلك في حوار له مع صحيفة آرمان ملى الإيرانية، 24 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ما أهم أسباب تقلبات سوق العملات والذهب في الأسابيع الأخيرة؟ وهل ستستمر أسعار العملات في الارتفاع مستقبلًا؟
لتحليل وتقييم الوضع الحالي في سوق العملات والذهب في إيران، يجب أخذ العديد من المتغيرات في الاعتبار، ومع ذلك، أعتقد أن سعر الدولار، الذي يبلغ حاليًا حوالي 75 ألف تومان، هو الحد الأدنى لسعر العملة في السوق الإيرانية. بينما تشير مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى أرقام أعلى. لا يمكنني التنبؤ بسعر الدولار المستقبلي في السوق الإيرانية، لكنني أعتقد أن السعر الحالي لن يكون مفيدًا للاقتصاد الإيراني وسيكون له عواقب سلبية.
تحديد سعر صرف العملات ليس بيد الحكومة فالبنوك الاستثمارية العالمية، التي يبلغ حجم تداولها 1.5 تريليون دولار سنويًا، معظمها أمريكية. في الواقع، من بين أكبر 10 بنوك في العالم، هناك 6 بنوك أمريكية. هذه البنوك هي التي تحدد أسعار صرف العملات، وأسعار الذهب، وأسعار النفط، وأسعار السلع الأخرى في الأسواق العالمية، لذا فإن ما يقال عن أن سعر الدولار بيد الحكومة الإيرانية، وأن سياسات الحكومة تؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض سعر الدولار ليس دقيقًا تماماً، في الحقيقة، البنوك الاستثمارية العالمية هي التي تلعب دورًا حاسمًا في هذا المجال.
هل يعني هذا الكلام أن السياسات التي تتخذها الحكومة في إيران ليس لها تأثير على تقلبات سوق العملات؟
المؤشرات الأساسية تظهر ضعفًا في الاقتصاد الإيراني، وبشكل طبيعي، عندما يكون الاقتصاد ضعيفًا، يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية، أعتقد أن جذور جميع المشاكل الاقتصادية في البلاد يجب البحث عنها في السياسة الخارجية، فالسياسات والمواقف التي تتخذها إيران تجاه الدول الأخرى ليست بيد الحكومة، وبعبارة أخرى، لا الرئيس ولا الحكومة بشكل عام لهما دور في تحديد هذه السياسات.
الحقيقة هي أن حتى اختيار بعض الوزراء ليس بيد الرئيس، الحكومة الحالية ليست حكومة مختارة بالكامل من قبل السيد رئيسي، قد يكون قد اختار بعض الوزراء، لكن المناصب الرئيسية تم تحديدها من قبل تيارات معينة لها مصالح سياسية واقتصادية.
إذا قررت الحكومة الأمريكية أن تتبنى نفس النهج الذي اتبعته تجاه روسيا مع إيران، ستكون الظروف صعبة للغاية، فعندما هاجمت روسيا أوكرانيا، وبأمر من البنوك الاستثمارية الأمريكية، خرج حوالي 25 مليار دولار من بورصة روسيا، في ظل هذه الظروف، وصلت قيمة الروبل مقابل العملات الأخرى إلى أدنى مستوياتها، إذا حدث مثل هذا الأمر للاقتصاد الإيراني، كأن تأمر أمريكا مثلًا بنوكها بتنفيذ مثل هذه الخطوة في دبي، السؤال هنا هو: كم ساعة يمكن للبنك المركزي الإيراني أن يصمد أمام مثل هذا الوضع؟
الطريق الوحيد لإنقاذ الاقتصاد الإيراني هو إعادة النظر في بعض النهج في السياسة الخارجية، أشار رئيسي أيضاً إلى هذا الأمر خلال حملته الانتخابية، حيث أكد أنه يسعى إلى التفاعل البناء مع العالم.
ترامب لم يبدأ عمله رسميًا بعد، وبزشکیان بحاجة إلى تغيير الاستراتيجية والتفاعل لتحقيق وعده برفع العقوبات، هل يمكن في هذه الظروف رؤية آفاق مشرقة أمام الاقتصاد الإيراني؟
الواقع هو أنني لا أرى أي آفاق واضحة تشير إلى تحسن في القوة الشرائية للشعب، نقطة أخرى هي أن سياسات ترامب تجاه إيران لا تزال غير واضحة، على الرغم من أنه أرسل رسالة للتفاوض مع إيران، إلا أنه لم يتضح بعد ما هي مطالبه في حال جرت المفاوضات، وما سيكون رد فعل إيران.
على سبيل المثال، هل كان بشار الأسد يعلم أنه بعد أسبوع واحد لن يكون في السلطة وسيتعين عليه مغادرة بلاده سرًا؟ لذلك، يجب القول إن ما يصرح به السياسيون يختلف عما يطبقونه على أرض الواقع.
في أمريكا، على سبيل المثال، تقوم وسائل إعلام مثل وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز بعد فترة بمقارنة وعود وشعارات الرؤساء بما حدث فعليًا وتعرض ذلك للرأي العام، لهذا السبب، من الصعب جدًا التنبؤ بالمستقبل بدقة، ومع ذلك، أرى تحركات لجهات معينة يمكن أن تشكل خطرًا على مستقبل البلاد.
ما هذه الجهات؟
على سبيل المثال، الصين، التي لدينا معها عقد لمدة 15 عامًا، لكنها لا تستثمر في إيران ولا تقوم بأي أعمال كبيرة هنا، في المقابل، الصين نشطة في العراق والسعودية وتستثمر في بعض الدول الأخرى في المنطقة، ومن ناحية أخرى، تم استبعاد إيران من طريق الحرير، رغم أنه لا يمكن لأي بلد في منطقة الشرق الأوسط أن يحل محل إيران في هذا المشروع.
ترامب أكثر من كونه سياسيًا، هو رجل أعمال، هل من الممكن أن يضع القضايا السياسية جانبًا ويتفاوض مع إيران بشأن القضايا الاقتصادية؟
في الولايات المتحدة، ليس ترامب وحده هو صاحب القرار، سواء كان رجل أعمال أم لا، في إيران، هناك تصور شائع بأن الجمهوريين في أمريكا عند وصولهم إلى السلطة يشنون الحروب، بينما يسعى الديمقراطيون للتفاوض عند وصولهم، ومع ذلك، فإن حرب البلقان وقعت خلال عهد كلينتون، الذي كان ديمقراطيًا، لذلك، هذا التصور لا يمكن تعميمه على جميع الفترات.
ما سيكون نهج ترامب تجاه إيران يعتمد على القرارات طويلة المدى التي تتخذها البنية السياسية في أمريكا ومراكز الفكر النشطة هناك، ومع ذلك، من غير المرجح أن يتجاهل ترامب بسهولة القدرات الاقتصادية والعبور الاستراتيجي لإيران، فهو يدرك جيدًا أن القدرات الاقتصادية في إيران تمثل فرصة كبيرة للشركات الأمريكية والأوروبية للاستثمار.
لهذا السبب، أستبعد أن تتحرك إيران وترامب نحو تصعيد التوترات، ولا أرى مثل هذا السيناريو واردًا، التفكير في أن عودة ترامب إلى السلطة ستؤدي إلى زيادة كبيرة في التوترات بين إيران وأمريكا هو رؤية انفعالية وغير واقعية إلى حد كبير، ترامب يدرك جيدًا أن 60% من نفط العالم موجود في الشرق الأوسط، وأن هذه المنطقة يجب أن تتمتع بمستوى كافٍ من الأمن، من جهة أخرى، توجد نسبة كبيرة من احتياطيات الغاز العالمي في قطر وإيران، ورغم أن أمريكا تمتلك منذ الخمسينيات تقنية بديلة للنفط، إلا أنها لم تسمح بتقليل الاعتماد على النفط بشكل كبير.
في ظل الظروف الحالية، كيف يمكن لحكومة بزشكيان تغيير معادلات السياسة الخارجية لصالح الاقتصاد الإيراني؟ وما الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق ذلك؟
العقوبات الدولية ألحقت أضرارًا كبيرة بالبلاد، حيث تسببت في عرقلة استيراد المعدات للعديد من المصانع، لذلك، إذا أراد بزشكيان الوفاء بوعوده، فعليه أولاً إيجاد حل لمسألة العقوبات، يجب إعادة فتح باب المفاوضات لتوفير الظروف التي تؤدي إلى رفع العقوبات، يجب أن تسير إيران في اتجاه يعيد علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدول ذات التكنولوجيا ورؤوس الأموال إلى سابق عهدها.
في الوضع الحالي، تعتمد إيران على اقتصادات الصين وروسيا، وهما لا تملكان التكنولوجيا المتقدمة، علاوة على ذلك، لم تكن روسيا يومًا تمتلك رؤية إيجابية تجاه التطور الاقتصادي والسياسي لإيران، حيث ترى في ذلك تهديدًا لهيمنتها.
يمكن لإيران أن تكون أقوى دولة في الشرق الأوسط، لكن دولًا مثل تركيا والسعودية تعتبر منافسة لإيران في المنطقة، ولذلك تعارض هذه الدول حدوث تنمية اقتصادية في إيران، ولهذا السبب، تتعاون مع القوى العالمية لدعم استمرار العقوبات على إيران.
في الداخل الإيراني، هناك تيار قوي معادٍ للتنمية ومعادٍ للاستيراد، ولا يتحرك في إطار المصالح الوطنية، بعض الأشخاص في الداخل يسعون لمنع التنمية الاقتصادية في البلاد، هؤلاء، بوعي أو بدون وعي، يتماشون مع الدول الأجنبية التي لا ترغب في أن تصبح إيران قوية، نتيجة لذلك، تم وضع إيران في حالة توتر دائم خلال العقود الماضية.
الحقيقة هي أن أي دولة لا يمكنها تحمل ضغوط لفترة طويلة كتلك التي تحملتها إيران، والتي يصعب على الدول الأخرى تحملها في الظروف العادية، مثل ارتفاع معدلات البطالة، تقلص القدرة الشرائية للأسر، تأخر سن الزواج، زيادة حالات الطلاق، والإدمان.
التجارب السابقة للتفاعل بين إيران وأوروبا أظهرت أن المشكلة الرئيسية في العقوبات تعود إلى الولايات المتحدة، بينما لا يلعب الأوروبيون دورًا كبيرًا في هذا السياق، بمعنى آخر، يجب السيطرة على التوترات بين إيران وأمريكا في المرحلة الأولى، ثم العمل على تخفيضها تدريجيًا لحل مشكلة العقوبات.