ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشر موقع “فرارو” الإخباري الإيراني، الجمعة 17 أبريل/نيسان 2025، تصريحات الأكاديمي والخبير الاقتصادي الإيراني مرتضى أفقه، خلال مقابلة أجراها معه لتحليل أثر المفاوضات الإيرانية الأمريكية على الاقتصاد، والتحذير من تفاقم الأزمات في حال فشلها. كما انتقد المعارضين للتفاوض، واعتبر أن الحل لا يقتصر على رفع العقوبات؛ بل يتطلب إصلاحات داخلية عميقة.
ذكر مرتضى أفقه أن “مجرد التوصل إلى اتفاق، سيعيدنا فقط إلى ما كنا عليه قبل عام 2017″، مؤكدا أن البُنى والهياكل المناهضة للتنمية لم تتغير، وأن الإدارات غير الكفؤة لا تزال قائمة.
وأوضح أن الاعتقاد بأن فشل المفاوضات أو عدم إجرائها لن يؤدي إلى انهيار اقتصادي أو أزمات حادة في البلاد، هو أمر غير بعيد عن الواقع.
وأضاف أن الذين يسعون عمدا أو جهلا لعرقلة المفاوضات، سواء عن قصد أو بدافع التعصب، إنما يفعلون ذلك إما طمعا في مصالح شخصية، حيث يُعدّون من “تجّار العقوبات”، وإما بدافع الجهل والتعصب الأعمى.
مصير الاقتصاد الإيراني
وتابع أفقه حديثه قائلا إن بدء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة واستمرارها ترافقت مع العديد من التكهنات حول مستقبل الاقتصاد الإيراني، ومعيشة المواطنين، وسعر صرف العملة، وفرص جذب الاستثمارات الأجنبية.
وأشار إلى أن تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين جاءت بنبرة تفاؤلية، إذ قال قائم بناه، نائب الشؤون التنفيذية لرئيس الجمهورية: “المفاوضات ستنتهي سريعا وبشكل يضمن مصالح إيران، وستفتح آفاقا واسعة أمام النشاط الاقتصادي”.
وأضاف عبد الله مهاجر، أمين صندوق غرفة تجارة إيران: “لا توجد أي قيود على التبادل الاقتصادي مع الولايات المتحدة، بل إننا نصدر حاليا إليها، ولا يوجد حظر على التجارة مع أي دولة سوى الاحتلال الإسرائيلي”.
أوضح أفقه أن هذه التصريحات المتفائلة تقابلها مواقف أخرى تحذّر من المبالغة في التفاؤل، حيث حذر نجابت، النائب عن مدينة شيراز، من أن “الاقتصاد الإيراني يجب أن لا يُربط بمصير المفاوضات، لأن البرنامج السابع للتنمية يشمل جوانب متعددة وليس فقط السياسة الخارجية، وهذه الأخيرة لا تقتصر على التفاوض مع الولايات المتحدة”.
وأشار أفقه إلى أن جزءا كبيرا من التغيرات والاضطرابات الاقتصادية الراهنة مرتبط بشكل مباشر بالمفاوضات الجارية، نظرا لاعتماد الاقتصاد الإيراني على تصدير النفط وتوفير حاجات السوق المحلية من خلال العائدات النفطية.
وأضاف أن إقامة علاقات خارجية، تتيح إمكانية التبادل التجاري والاستيراد والتصدير، هي ضرورة لا غنى عنها لأي اقتصاد يسعى إلى الرفاهية.
وبيّن أنه لا توجد دولة تستطيع تحقيق الرفاه لشعبها وهي تعيش في عزلة، حتى كوريا الشمالية، التي تُعتبر من أكثر الاقتصادات انغلاقًا في العالم، تحتفظ بعلاقات تجارية محدودة مع بعض الدول.
وأردف أن الثورة الإيرانية كانت تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، لكن سوء الإدارة وغياب التخطيط حال دون تحقيق ذلك، بل زاد الاعتماد على النفط. ومنذ عام 2018، ومع اشتداد العقوبات، لم تتمكن إيران من خفض هذا الاعتماد، حيث انخفضت صادراتها من النفط من 2.5 مليون برميل يوميا إلى 300 ألف برميل فقط في عام 2019.
وتابع أفقه: “في الآونة الأخيرة، استطعنا بيع نحو 1.5 مليون برميل يوميا من خلال التفاف مكلف على العقوبات، وهو ما تم على حساب معيشة المواطنين”.
وأوضح أن الحكومة لجأت، لتعويض النقص في عائدات النفط، إلى جميع الخيارات الممكنة: فاقترضت، وباعت سندات، وتصرفت في أملاك الدولة، وباعت بعض الشركات الحكومية، حتى وصلت اليوم إلى نقطة لم تعد فيها تمتلك بدائل حقيقية.
وذكر أن التطورات الإقليمية زادت الوضع سوءا، فأثّرت نفسيا على المنتجين والمستهلكين في الداخل، موضحا أن تهديدات إسرائيل، والأحداث في سوريا، وحزب الله، والعراق، واليمن، جميعها تركت أثرا عميقا في السوق الإيراني.
وأكد أن فوز ترامب مجددا بالرئاسة الأمريكية قد يكون القشة التي تقصم ظهر الاقتصاد، لا سيما مع العودة إلى سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها منذ اليوم الأول في ولايته السابقة. وقال: “إذا لم تنجح المفاوضات، لا أستطيع أن أصف مدى خطورة المستقبل الاقتصادي الذي ينتظر البلاد”.
وشدد أفقه على أن المتغيّر الأكثر تأثيرا اليوم في المشهد الاقتصادي الإيراني هو مسار العلاقات الخارجية ورفع العقوبات أو استمرارها، مؤكدا أن تصريحات بسيطة من ترامب، سواء إيجابية أو سلبية، تؤثر فورا على سعر العملة والذهب وباقي المؤشرات الاقتصادية، ومثله تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
وتابع: “من يعارضون المفاوضات بشكل أعمى، سواء عن قصد أو بدافع الجهل، إما يجنون أرباحا من استمرار العقوبات ويُعدّون من تجارها، أو يفتقرون إلى الوعي السياسي والاقتصادي، ويتصرفون بدافع الحماس والتعصب”.
وأضاف: “لا ينبغي أن يتولد وهم بعد التوصل إلى اتفاق بأن الأمور ستتحسن كليا، لأننا في حال تم رفع العقوبات كليا، وتم حلّ قضية FATF وأُعيدت العلاقات التجارية، فإننا ببساطة سنعود إلى ما قبل عام 2017، إذ لم تتغير البنى الداخلية المناهضة للإنتاج والتنمية، ولا تزال الإدارات غير الكفؤة تُعيّن على أساس أيديولوجي.
لذلك، ما لم تحدث تغييرات جذرية في الداخل، سنبقى معتمدين على النفط وسنظل عرضة لتقلبات أسعاره أو لتجدد العقوبات في أي وقت”.
تفاؤل إيران بجذب الاستثمارات الأجنبية
وفي ما يخص الحماسة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا من الولايات المتحدة، قال أفقه: “وفقا لتجربة الاتفاق النووي (برجام)، لو تم تطبيع العلاقات ورفعت القيود، فإن الوضع سيتغير بشكل كبير.
حينها، رأينا سباقا من المستثمرين الأجانب، سواء من الشرق أو الغرب، لزيارة إيران، حيث جاءت وفود خاصة تضم أكثر من مئة شخص من دول مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا، ما يُظهر أن بلادنا تمتلك من الإمكانيات ما يجعلها جذابة جدًا للاستثمار”.
وتابع: “الولايات المتحدة ليست استثناء من هذا، بل إن بعض المحللين يرون أن حرمان الشركات الأمريكية من الاستثمار في إيران خلال الفترة السابقة، جعل ترامب يشعر بأن بلاده لم تستفد من الاتفاق، ما حفّزه على الانسحاب منه. لذلك، لا فارق كبير اليوم بين الولايات المتحدة وأوروبا في هذا السياق”.
واختتم أفقه حديثه بالقول: “صحيحٌ أنه لا يوجد حظر رسمي على العلاقات مع الولايات المتحدة، ونعلم أن هناك صادرات وواردات تتم مباشرة أو بشكل غير مباشر، لكن لا يمكن اعتبار هذا علاقة تجارية كاملة. وإذا فُتح باب الاستثمار، خاصة في مجالات مثل النفط التي تحتاج إلى أكثر من 200 مليار دولار من الاستثمارات في مراحلها المختلفة، عندها يمكن الحديث عن علاقة قائمة على الاستثمار الحقيقي.
وتابع قائلا: “لا أرى أن جذب الاستثمار الأجنبي يجب أن يتصدر سلم الأولويات حاليا، ليس لأننا في غنى عنه، بل لأننا عاجزون أساسا عن الاستفادة من طاقات المستثمرين المحليين، سواء داخل البلاد أو من بين الإيرانيين المقيمين في الخارج”.
وأشار إلى أن التركيز على الخارج بينما تعاني البيئة الداخلية من عقبات متراكمة، يُفقد الجهود معناها، مضيفا: “إذا لم نُزِل العراقيل الداخلية التي تعيق الاستثمار، فما جدوى اللهاث وراء رؤوس الأموال الأجنبية؟”.
واختتم بالقول: “الخطوة الأجدى الآن هي تهيئة مناخ اقتصادي آمن وموثوق، يُعيد للمواطن ثقته بالسوق، ويشجعه على العودة للإنتاج والاستثمار. عندها فقط، سيكون لأي استثمار خارجي أثر فعلي ومستدام”.