ترجمة: أسماء رشوان
نشرت صحيفة “آرمان ملی” حواراً، 21 يناير/كانون الثاني 2025، مع مرتضي أفقه، الخبير والمحلل الاقتصادي، ناقش من خلاله قضية انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي (FATF) كخطوة مهمة لتحسين العلاقات الاقتصادية والمالية، كما يمكنها حماية المصالح الوطنية وتجنب العقوبات.. وفي ما يلي نص الحوار:
مع تسلّم ترامب مهامه رسمياً في ولايته الثانية، برزت العديد من التكهنات حول توجهات سياسته تجاه إيران وتأثيراتها المحتملة.. كيف تقيّمون هذه التوقعات؟
وفقاً لتحليلات الخبراء السياسيين، فإن تصريحات ترامب الأخيرة وخياراته لتشكيل حكومته تشير إلى أنه قد لا يخطط لتصعيد الحرب ضد دول مثل إيران. رغم أن تشكيل الحكومة لم يكتمل بعد، فإن اختيار شخصيات ذات خبرة في الدبلوماسية والمفاوضات الدولية يعكس تركيزه على تخفيف التوترات واعتماد الحلول الدبلوماسية بدلاً من النهج العسكري.
يرى المحللون أن ترامب، في ظل التحديات الاقتصادية المحلية والظروف العالمية، قد يتبنى سياسات تسعى إلى إيجاد حلول سلمية للقضايا الدولية، مما قد يسهم في خفض التوترات مع إيران والدول الأخرى. بناء على ذلك، يُتوقع أن تركز سياسات الإدارة الأمريكية في المستقبل القريب على التعاون الدولي والدبلوماسية، مما قد يقلل من فرص المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران.
وبناء على ذلك، يمكن لإيران استغلال هذه الظروف من خلال إعداد سياسات ملائمة للتفاعل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بهدف الاستفادة من التغيرات المحتملة. ومع ذلك، تشير التجارب السابقة إلى احتمالية تصعيد الولايات المتحدة للعقوبات ضد إيران، حيث تُعتبر هذه العقوبات أداة ضغط استراتيجية لتحقيق أهدافها. عادة ما تلجأ واشنطن إلى هذه الخطوة عندما تشعر بزيادة نفوذ إيران في المنطقة، مما يدفعها إلى استخدام العقوبات كوسيلة للضغط على طهران لتغيير مواقفها وسياساتها بما يتوافق مع المصالح الأمريكية.
كيف ترى احتمالات نجاح المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وما السيناريوهات المحتملة لتطورها؟
في ظل الظروف الحالية، من المتوقع أن تمتد المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة والغرب إلى مجالات أوسع تتجاوز الأنشطة النووية. هذا الامتداد سيجعل المحادثات أكثر تعقيداً ويطيل مدتها، خاصة أن المطالب الأمريكية قد ازدادت خلال هذه الفترة. إذا رفضت إيران هذه المطالب، فمن المحتمل أن تصعّد الولايات المتحدة مستوى العقوبات المفروضة عليها، خاصة المتعلقة بصادرات النفط. في هذه الحالة، قد تواجه إيران صعوبات كبيرة حتى في تصدير النفط إلى دول مثل الصين والهند أو الدول الأخرى التي لا تزال تتعامل معها، حتى عبر التحايل على العقوبات، مما سيؤدي إلى انخفاض كبير في عائداتها النفطية.
إضافة إلى ذلك، تمر إيران حالياً بظروف اقتصادية تختلف كثيراً عن تلك التي كانت سائدة في عام 2018. فالقدرات الاقتصادية قد تقلّصت، وإيرادات النفط لم تعد كما كانت، ما يفرض تحديات استثنائية على الاقتصاد الوطني. من هنا، بات من الضروري للحكومة أن تضع خططاً تتماشى مع هذه الأوضاع الجديدة، وتستغل كل فرصة لتخفيف التوترات الدولية، وفي الوقت ذاته، تعمل على دعم الفئات ذات الدخل المحدود التي تعاني بشكل أكبر من هذه الظروف.
في حال عدم تحقيق نتائج إيجابية من خلال قبول إيران للانضمام إلى مجموعة العمل المالي واستمرار تعقيد المفاوضات، فقد تجد الحكومة نفسها مجبرة على اتخاذ خطوات غير تقليدية لمواجهة التحديات. من بين هذه الخطوات المحتملة تبني سياسات تقنين السلع الأساسية، وتوزيع قسائم غذائية لدعم المواطنين الأكثر تضررا. بالإضافة إلى ذلك، لن يكون بالإمكان اللجوء إلى سياسات مثل رفع أسعار ناقلات الطاقة أو زيادة سعر الصرف الأجنبي كحلول لتعويض العجز في الموازنة، لأن ذلك سيؤدي إلى تضخم مفرط وارتفاع حاد في الأسعار، مما قد يسبب أضراراً اقتصادية واجتماعية وسياسية يصعب تداركها.
لذلك، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائية، قد يكون من الضروري تبني سياسات خارجة عن الروتين الطبيعي، تتضمن تعزيز الرقابة على السيولة المالية، إدارة صارمة للموارد، والعمل على تخفيف الضغوط على الفئات الضعيفة من المجتمع. إلى جانب ذلك، يبقى تخفيف التوترات مع المجتمع الدولي من خلال سياسات دبلوماسية فعالة خطوة أساسية لتوفير الاستقرار المطلوب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
زيادة أسعار ناقلات الطاقة تُعد خياراً ممكناً لمعالجة العجز في الموازنة أو إصلاح الخلل الاقتصادي.. فما الطريقة الأمثل لتنفيذ هذا الخيار بحيث يتم تحقيق التوازن بين الأثر الاقتصادي والتأثير على المجتمع؟
إذا ارتفعت أسعار ناقلات الطاقة، فمن الضروري إيلاء اهتمام خاص للشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع. يجب أن تُدار زيادات أسعار البنزين بطريقة تركز على الفئات العليا وتحمي الفئات ذات الدخل المحدود من أي تأثير سلبي. وبالمثل، فإن زيادة أسعار العملات لا ينبغي أن تكون شاملة أو تطبق بشكل متساو على جميع السلع والخدمات، حيث إن هذا يعكس تجاهلاً للأوضاع الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد. مثل هذه الإجراءات قد تُتخذ مِن قِبل مَن يفتقرون إلى فهم عميق للتحديات الاقتصادية المعقدة.
في ظل هذه الظروف الاقتصادية، تبرز الحاجة الماسة إلى تغييرات جذرية في السياسات والتوجهات الاقتصادية. يجب أن تُتخذ التدابير اللازمة لحماية الفئات الضعيفة، مع مراعاة الظروف غير الطبيعية التي تمر بها البلاد. كما ينبغي تجنب رفع الأسعار بشكل عام، حيث إن هذه الخطوات قد تؤدي إلى تفاقم الأعباء الاقتصادية على المواطنين، وتؤدي إلى خسائر اجتماعية واقتصادية جسيمة.
لحل المشكلات المحلية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، تحتاج الحكومة إلى وضع سياسات دعم موجهة. كما يجب تصميم هذه السياسات لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية بشكل عادل، دون زيادة الضغط على الفئات الضعيفة. الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تراعي التحديات الحالية والاحتياجات الحقيقية للمجتمع، لتجنب أي أزمات مستقبلية، مما يتطلب سياسات داعمة وموجهة بدقة.
في الواقع، لا يمكن إجراء الإصلاحات الاقتصادية من خلال الاعتماد فقط على أدوات مثل التضخم وارتفاع الأسعار. هناك حاجة ماسة إلى معالجة المشاكل الهيكلية مثل البيروقراطية والفساد الاقتصادي، التي تشكل تحديات خطيرة تعيق تحسين الاقتصاد. الإصلاحات النقدية والاقتصادية يجب أن تصمم بحيث تستفيد منها الشرائح ذات الدخل المحدود، وتحد من زيادة الفجوة بين الطبقات.
إلغاء “عملة نيما” بالكامل ليس خطوة مناسبة حالياً. ورغم أن الهدف من ذلك قد يكون تعويض العجز في الميزانية، فإن تأثيراته السلبية على أسعار العملات والسلع الأخرى ستكون كبيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة العبء على المواطنين. لذلك، ينبغي للحكومة تطبيق سياسات تسعير تمييزية، وتجنب المساس بالعملة قدر الإمكان.
الأولوية يجب أن تكون لتقليص النفقات الحكومية وضبط الإنفاق لتحقيق توازن في الميزانية. في ظل معاناة المواطنين من ضغوط اقتصادية كبيرة، فإن أي قرارات غير مدروسة قد تزيد الأزمات سوءاً. لذلك، فإن تبني إصلاحات شاملة ومستدامة هو الخيار الأمثل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
هل يمكن أن يسهم انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي في تحسين الظروف والأنشطة الاقتصادية للمؤسسات على المستويين الكلي والجزئي، رغم تأثير سياسات إدارة ترامب؟
نعم، سيكون هذا الإجراء فعالاً بالتأكيد. يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على العلاقات الخارجية، وهو اعتماد يظهر بشكل أكثر وضوح مقارنة بالعديد من الدول الأخرى. التجارة الخارجية تشمل تبادل السلع والخدمات، الذي تضرر بشكل كبير نتيجة العقوبات، إلى جانب التبادلات المالية المرتبطة بقضية مجموعة العمل المالي. هذه العقوبات أدت إلى تراجع كبير في تبادل السلع والخدمات، فضلاً عن الصعوبات التي تواجهها إيران في تحويل النقد الأجنبي المتعلق بالصادرات والواردات، مما خلق أزمات اقتصادية واجتماعية تتطلب حلول عاجلة.
قبول معايير مجموعة العمل المالي ليس مسألة تتعلق فقط بتبادل السلع الأساسية؛ فهو يؤثر بشكل مباشر على حياة الكثير من الإيرانيين. على سبيل المثال، الطلاب الذين يدرسون في الخارج والمرضى الذين يسافرون للخارج يواجهون تكاليف مالية مرتفعة بسبب عدم الامتثال لهذه المعايير. حتى إن شركاء إيران الاستراتيجيين، مثل روسيا، أشاروا في اتفاقياتهم الأخيرة مع إيران إلى أهمية استكمال التزامات مجموعة العمل المالي لتسهيل العلاقات التجارية والمالية بين الطرفين. هذا يؤكد ضرورة الانضمام إلى مجموعة العمل المالي لتحسين العلاقات الاقتصادية والمالية لإيران.
ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن قبول معايير مجموعة العمل المالي ليس عملية فورية؛ فهو يستغرق وقتاً. حتى بعد الانضمام، قد يتطلب الأمر فترة إضافية لتتمكن إيران من دخول دائرة البلدان المسموح لها بإجراء المعاملات المالية وفقاً لقواعد هذه المجموعة. لذلك، فإن اتخاذ هذا الإجراء في أسرع وقت ممكن أمر مهم لتمكين إيران من جني فوائد أي تخفيف محتمل للعقوبات مستقبلاً.
اعتماد الاقتصاد الإيراني على العلاقات الخارجية يجعل قبول مجموعة العمل المالي ضرورة لتحسين الوضع الاقتصادي. هذا القبول يمكن أن يساعد في خفض تكاليف المعاملات المالية، وتسهيل العلاقات التجارية والمالية، مما يعزز الاقتصاد الوطني بشكل ملحوظ. في الوقت نفسه، فإن العديد من الإيرانيين الذين يحتاجون إلى إجراء معاملات مالية بسبب الدراسة أو العلاج في الخارج، يعانون حالياً من أعباء إضافية بسبب غياب هذه المعايير.
كيف يمكن تحقيق التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب بشكل متزامن؟ وهل يمكن لتعزيز العلاقات مع روسيا أن يؤثر سلباً على تطوير العلاقات مع الغرب، أم يمكن استثمار هذا التقارب كوسيلة لتحسين النتائج في المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها؟
تحقيق التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب يمثل خطوة حيوية ينبغي أن تكون ضمن أولويات جدول الأعمال. تعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا يجب أن يكون في مقدمة السياسات والخطط، خاصة مع احتمال توجه إيران نحو مفاوضات جديدة مع الجانب الأوروبي. هذا النهج يعكس مبدأ أساسياً في الاقتصاد، سواء على المستوى الجزئي أو الكلي، وهو أن البحث في جميع الخيارات واختيار الأنسب يضمن تحقيق أفضل النتائج.
في هذا السياق، يمكن لإيران أن تتبنى استراتيجية تجمع بين تعزيز الروابط مع الشرق واستكشاف الفرص التي توفرها الدول الغربية، بهدف تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. هذا التوازن ضرورة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة للبلاد. تطوير العلاقات مع روسيا، على وجه الخصوص، يُعتبر خطوة استراتيجية لتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي الإيراني، خاصة في ظل التحركات المحتملة للتفاوض مع الأوروبيين.
ينبغي على إيران في علاقاتها الخارجية أن توازن بين الفرص المتاحة من الدول الشرقية والمزايا التي يمكن أن تقدمها الدول الغربية. مثل هذا التوازن يمكّن إيران من الاستفادة من الطرفين دون الاعتماد المفرط على جانب واحد، وهو ما يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
في الظروف الحالية، بات من الضروري أن تسعى إيران إلى بناء علاقات متوازنة ومستدامة مع مختلف الدول، مما يتيح لها الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة.