ترجمة: شروق السيد
نشرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية يوم الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، حوارا مع الخبير الاقتصادي مرتضى أفقي، حول مستقبل الاقتصاد الإيراني بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، وحاء في الحوار:
هل ستؤدي تقلبات سوق العملات إلى زيادة التضخم في الأشهر الأولى من هذا العام؟
شهد سوق العملات في إيران موجة من الاضطرابات قبل أن يصل إلى حالة من الهدوء النسبي، ومع ذلك، فإن آثار هذه التقلبات تركت بصمة واضحة على الأوضاع المعيشية وخلقت اضطرابات في الأسواق المختلفة.
ويرى مراقبون أن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة هو إيمان بعض الاقتصاديين بفكرة السوق الحرة، التي أصبحت تحظى بشعبية كبيرة بينهم، ليس هذا فحسب، بل إن هذا التيار يصر على توجيه سياسات البلاد الاقتصادية والاستراتيجية بناءً على مبادئ السوق الحرة.
ويبدو أن أنصار هذا النهج يعتقدون أن إيران تعيش ظروفا طبيعية تماما، أشبه بظروف الدول الأوروبية المستقرة، فهم يفترضون أن كل شيء يسير على ما يرام وأن منظومة صنع القرار تعمل بشكل طبيعي.
لكن الحقيقة، كما يراها العديد من الخبراء، هي أن إيران تمر بإحدى أخطر المراحل التي واجهتها منذ الثورة، في مثل هذه الظروف الحرجة، تسعى أي حكومة، في أي مكان بالعالم، إلى اتخاذ تدابير مزدوجة تراعي المصالح الاقتصادية الكبرى من جهة، وتلبي احتياجات المنتجين والمطالب الأساسية للفئات الأكثر حرمانا من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، يرى أنصار السوق الحرة أن الفارق الكبير في أسعار العملات كان سببا رئيسيا لارتفاع معدلات الفساد في الاقتصاد، مما أدى إلى ظهور ممارسات غير شفافة بين المصدرين والمستوردين.

هل تم تعريف المشكلة بشكل خاطئ؟
لا، المشكلة بحد ذاتها تم تعريفها بشكل صحيح، لكن صناع القرار بدلا من حل جذور المشكلة المرتبطة بتوزيع الريع داخل البلاد، اختاروا تجاهلها عمليا، بمعنى أنهم بدلا من تعزيز الرقابة وإلغاء الريع، لجأوا إلى إلغاء توزيع العملات المدعومة التي كانت تساعد في توفير بعض السلع الأساسية بأسعار أقل للمواطنين.
السياسات المتبعة افترضت أن رفع سعر العملة وتقديمها بمسمى جديد سيدفع المصدرين لتقديم عملاتهم الأجنبية بشكل أكبر، ولكن هذه السياسات أغفلت حقائق أساسية، أهمها غياب الاستقرار الاقتصادي، وخطورة الأوضاع الحالية، والتوترات الإقليمية، وهي عوامل تثير مخاوف المصدرين من الانخراط في السوق أو استثمار أموالهم بشكل أكبر.
صحيحٌ أن ارتفاع سعر العملة يمكن أن يشكل حافزا إضافيا للمصدرين لتقديم عملاتهم الأجنبية، لكن هذا الحافز السعري وحده غير كافٍ، لتحقيق النتائج المرجوة، يجب أن يصاحبه خفض المخاطر الاقتصادية وتعزيز الاستقرار، وتعتبر التوترات والتهديدات الإقليمية، إلى جانب الغموض بشأن سياسات ترامب وما إذا كان سيتبنى نهجا متشددا أو متوازنا، تقلل حماسة المصدرين الإيرانيين لتقديم عملاتهم.
والنتيجة؟ لجأت الحكومة إلى رفع سعر العملة بهدف زيادة العرض وتقليل الريع، لكنها لم تحقق هذه الأهداف، فغياب الاستقرار والعوامل المساندة أدى إلى زيادة الأعباء المعيشية للمواطنين، وارتفاع أسعار السلع المحلية، وفي النهاية، ارتفاع أسعار العملات بشكل كبير دون تحقيق استقرار اقتصادي.
هل الحكومة متفائلة بحالة إدارة التوتر الدولي والمفاوضات المحتملة لاتخاذ مثل هذه القرارات؟
عندما تكون الظروف السياسية متأثرة بالتوترات الإقليمية والمخاوف من تحركات ترامب المحتملة، حتى مع ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، يبقى احتمال استمرار هذا الارتفاع قائما، وهذا يعكس التشابك العميق بين الوضع الاقتصادي والسياسي، السؤال الأساسي هنا: هل يعتزم البنك المركزي اتباع مسار السوق الحرة؟
إذا كان الأمر كذلك، وكان البنك المركزي يتحرك وفقا لأسعار السوق الحرة، فيجب أن نرى إلى أي مدى يستطيع الاستمرار بهذه السياسة، الهدف الحقيقي يجب أن يكون تخفيض أسعار العملات في السوق الحرة إلى المستويات التي يحددها البنك المركزي، بدلا من اتباع اتجاه السوق، ومع ذلك، يبدو أن هناك شكوكا بأن البنك المركزي في فترات تقلبات سوق العملات يفقد السيطرة على أسعار السوق الحرة، حيث تصبح المتغيرات السياسية هي المحرك الرئيسي.
إذا لم يتمكن البنك المركزي بالفعل من السيطرة على سوق العملات، فلن يكون أمامه خيار سوى السير في ركاب السوق الحرة، هذا يؤدي إلى ربط معيشة الناس بتقلبات أسعار العملات، مما يتسبب في ضغوط نفسية واجتماعية شديدة عليهم، إلى جانب ارتفاع سريع في أسعار السلع والخدمات، في ظل هذه الظروف، من الصعب أن يتوقع المواطنون مستقبلا مشرقا.
هل من المحتمل أن يتجاوز سعر العملة التوقعات، إذا زادت التوترات الإقليمية مع دخول ترامب رسميا إلى البيت الأبيض؟
في الوقت الحالي، تعتمد الحكومة بشكل كبير على إدارة سوق العملات لتعويض نقص السيولة المالية، استراتيجيتها تهدف إلى تحفيز المصدرين على إعادة عائداتهم إلى البلاد عن طريق إلغاء نظام العملات المدعومة (نيمائي)، مما قد يؤدي إلى تدفق كبير للعملات الأجنبية في السوق.
ومع ذلك، الواقع أكثر تعقيدا؛ فالمصدرون لم يحتفظوا بأموالهم في الخارج فقط بسبب نظام العملات متعدد الأسعار، بل كان القلق بشأن المستقبل وعدم اليقين السياسي والاقتصادي السبب الرئيسي وراء ذلك.
إذا أدت عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى تصاعد التوترات الإقليمية، فإن هذا سيؤدي حتما إلى تقليص فرص عودة العملات الأجنبية إلى السوق الإيرانية، حيث سيفضل المستثمرون والمصدرون الاحتفاظ بأموالهم في الخارج؛ لتجنب المخاطر المحتملة.
تُظهر التجارب السابقة مع ترامب أنه قد لا يكون هناك تغيير كبير في نهجه تجاه إيران، بل قد يعتمد على خبرته السابقة في تطبيق ضغوط اقتصادية شديدة لتحقيق أهدافه، ترامب ليس من دعاة الحروب العسكرية، لكنه يميل إلى استخدام أدوات الضغط الاقتصادي كوسيلة لتحقيق مصالحه، خاصة إذا فشلت محاولات التهدئة والتفاوض.
لكن هناك فرق كبير بين فترة ترامب السابقة والوضع الحالي. في الدورة السابقة (2018)، كان لدى الحكومات الإيرانية، سواء حكومة حسن روحاني أو بداية حكومة رئيسي، موارد وخيارات اقتصادية للتعامل مع العقوبات النفطية، وضمن ذلك بيع بعض الأصول الحكومية، وزيادة الاعتماد على الضرائب، وإصدار السندات، واللجوء إلى صندوق التنمية الوطني.
أما اليوم، فإن هذه الموارد قد استُنفدت إلى حد كبير، مما يجعل الحكومة في موقف أكثر ضعفا، إذا عادت الضغوط الاقتصادية التي فرضها ترامب في السابق، فقد تجد إيران نفسها أمام تحديات أصعب بكثير، حيث لا يتوافر كثير من الخيارات الاقتصادية للتخفيف من آثارها.