ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “آرمان ملي“، الأربعاء 5 مارس/آذار 2025، حوارا مع الخبير الاقتصادي مرتضى أفقه، حول أهم تداعيات استجواب عبد الناصر همتي، ورد فعل سوق المال على هذا الاستجواب، ومسؤولية البرلمان تجاه المشكلات المعيشية للمواطنين، وغيرها من المحاور. وفي ما يلي نص الحوار:
ما أبرز تداعيات استجواب همتي على الاقتصاد الوطني؟
كشف استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، عن نهج البرلمان السياسي والنفعي في التعامل مع القضايا، حيث لم يول الاهتمام الكافي للمصالح العامة. هذا الاستجواب جاء ليؤكد مجددا ضعف البرلمان الحالي. وعلى الرغم من اختلافي مع سياسات همتي، فإنني أعتقد أن الأوضاع الاقتصادية ستزداد سوءا بعد هذا الإجراء. فالمحرك الأساسي لتحركات النواب ليس المصالح الاقتصادية أو الاجتماعية، بل الأجندات السياسية والحزبية.
يتحمل البرلمان مسؤولية معالجة الأزمات المعيشية التي يعاني منها المواطنون، لكنه لم يضطلع بدوره كما ينبغي. ومن المؤسف أنه، في ظل الضغوط الاقتصادية الخانقة والأزمات المتفاقمة، اختار المجلس اتخاذ خطوة تُضعف السلطة التنفيذية بدلا من دعمها. كما أن سيطرة المتشددين الأصوليين على المجلس الحالي تجعل أولوياتهم تنحصر في المصالح الفئوية والسياسية، بعيدا عن هموم الشعب.
لدي معلومات تفيد بأن وزراء آخرين يخضعون أيضا لضغوط برلمانية لتعيين مقربين من النواب في مناصب حساسة، وقد واجه همتي مثل هذه الضغوط، وعلى الأرجح رفض الاستجابة لها، مما أدى إلى استهدافه بهذا الاستجواب.
لماذا كنت تعارض سياسات همتي؟
كنتُ معارضا لسياسات همتي، إذ تبنيت وجهة نظر مختلفة تماما عن نهجه الاقتصادي. خلال أحد اللقاءات معه، سألته مباشرة: “هل تعترف بأن الأوضاع الحالية أصعب من فترة الحرب؟”، أردتُ تأكيد أن الظروف الراهنة، التي تفوق في صعوبتها تلك الحقبة، تتطلب سياسات استثنائية تناسب الأزمات العميقة. أخبرته بأن الأزمات الاقتصادية لا تُحلّ بمجرد تطبيق النظريات الجاهزة أو الوصفات التقليدية، فقد شهدنا منذ الثورة محاولات متكررة لتطبيق سياسات اقتصادية مختلفة، لكن الوضع ازداد سوءا مع مرور الزمن.
ومع ذلك، جاء استجوابه في توقيت سيئ للغاية، فالمواطنون يواجهون ضغوطا معيشية خانقة مع اقتراب نهاية العام وحلول شهر رمضان، ما جعل أوضاعهم الاقتصادية أكثر صعوبة من أي وقت مضى. إضافة إلى ذلك، فإن التوترات الإقليمية، إلى جانب السياسات الأمريكية بقيادة ترامب، تنذر بتحديات أشد تعقيدا في المستقبل القريب.
النواب، من خلال استجواب همتي، حاولوا الظهور بمظهر المدافعين عن حقوق الشعب، لكنهم يدركون جيدا أن ارتفاع سعر الصرف لا يرتبط فقط بالسياسات الداخلية. وأي وزير جديد، حتى لو كان من التيار الأصولي، لن يتمكن من إحداث تغيير حقيقي ما لم يتم رفع العقوبات وإعادة النظر في العلاقات الخارجية والسياسات الاقتصادية على نطاق أوسع.
في ظل غياب أي مفاوضات، كيف يمكن رفع العقوبات؟
الحقيقة أن مفتاح الحل ليس في الاقتصاد وحده. في ظل هذه الظروف، لا يمكن لوزير الاقتصاد، أو محافظ البنك المركزي، أو رئيس منظمة التخطيط والميزانية، بمفردهم، تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. العقوبات تمثل مشكلة حقيقية، وإذا لم يطرأ أي تغيير عليها، فستزداد الأوضاع تعقيدا. أعتقد أن دور الجهاز الدبلوماسي في تحسين المؤشرات الاقتصادية الكلية قد يكون أكثر تأثيرا من أي قطاع آخر.
أعضاء البرلمان لديهم فهم جيد للوضع القائم، ويدركون أن مسؤولية همتي وزملائه في الوصول إلى هذه الأزمة أقل بكثير مما يتحمله التيار الأصولي. نقطة أخرى مهمة هي أن تشديد العقوبات جعل المتغيرات الاقتصادية خاضعة بشكل أساسي لعوامل خارجية، خارجة عن سيطرة صناع السياسات الداخلية والحكومة.
بعد تصعيد العقوبات، كان للتغيرات في العلاقات الخارجية تأثير مباشر على سعر الصرف، مما انعكس بدوره على بقية المؤشرات الاقتصادية. على مدار السنوات الماضية، كانت الحكومة، إلى جانب المؤسسات الاقتصادية مثل البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية، في موقف انفعالي، حيث اضطرت إلى تبني سياسات غير فعالة للحد من ارتفاع سعر الصرف واضطراب المؤشرات الاقتصادية.
في الوضع الحالي، لا يزال سعر الصرف يتأثر بالتطورات الخارجية. فإذا واصل ترامب نهجه السابق، وهو ما أكده بتوقيعه على سياسة “الضغط الأقصى”، فمن الطبيعي أن يستمر ارتفاع سعر الصرف، مما سيؤدي إلى ارتفاع باقي المؤشرات الاقتصادية.
العامل الوحيد القادر على الحد من تسارع هذا الارتفاع هو إدارة السيولة النقدية في البلاد. فإذا ظلت السيولة النقدية متاحة وزادت الضغوط الخارجية، سواء من خلال استمرار أو تشديد العقوبات من قبل إدارة ترامب، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع سعر الصرف. في الوقت الحالي، السعر الحقيقي المحتمل للعملة الصعبة يتجاوز مليون ريال للدولار الواحد، لكن المعدل الحالي للدولار أقل من ذلك نتيجة السيطرة على السيولة النقدية وتقليل حجم الأموال المتداولة بين المواطنين.
كيف يمكن التفاؤل بتحسن الأوضاع الاقتصادية في ظل هذه الظروف؟ وإلى متى يمكن استمرار هذا الوضع؟
يعيش الاقتصاد حاليا حالة غير طبيعية، أكثر تعقيدا مما كان عليه خلال فترة الحرب. في مثل هذه الأوقات الاستثنائية، من الضروري تنفيذ سياسات وبرامج خاصة لدعم المواطنين. لذا، إذا كان البرلمان جادا في معالجة المشكلات الاقتصادية، فعليه التعاون مع الحكومة واتخاذ خطوات عملية نحو الحل. أما إذا استمر في التسييس والمزايدات السياسية، كما حدث في استجواب عبد الناصر همتي، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الأوضاع وزيادة الأزمات.
على صنّاع القرار أن يدركوا أن المشكلات الراهنة لا يمكن حلها من خلال السياسات الاقتصادية التقليدية وحدها، بل تتطلب تحولات جذرية ونهجا جديدا. ومع ذلك، لا يزال النهج المتبع كما هو دون تغيير يُذكر. لقد تفاقمت هذه الأزمات بسبب العقوبات الدولية والتوترات الإقليمية الأخيرة. ورغم أن الاستقلال عن النفط كان هدفا معلنا منذ الثورة، فإنه لم يتحقق، مما أدى إلى استمرار الاعتماد على عائدات النفط كمصدر أساسي للدخل.
منذ عام 2018، ومع تشديد العقوبات، تراجعت المؤشرات الاقتصادية بشكل حاد. وخلال السنوات السبع الماضية، لجأت الحكومات المتعاقبة إلى تعويض العجز في الميزانية – الناتج عن تراجع إيرادات النفط – من خلال إصدار السندات، والاقتراض من البنك المركزي، وبيع الأصول الحكومية. ولهذا، فإن الرئيس مسعود بزشکیان يتولى قيادة السلطة التنفيذية في واحدة من أصعب الفترات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.
هل ستزداد الضغوط الاقتصادية على المواطنين في ظل الظروف الراهنة؟
لا أرى أفقا واضحا للوضع الاقتصادي في إيران. ما نشهده من اضطرابات في سوق الصرف الأجنبي وما ترتب عليه من أزمات معيشية وتقلبات حادة في الأسواق، يعود إلى تصورات خاطئة يروج لها بعض الاقتصاديين المتمسكين بنظرية السوق الحرة، والذين يصرّون على فرض رؤاهم في رسم السياسات الاقتصادية والاستراتيجية.
يبدو أن هؤلاء يتعاملون مع الأوضاع كأن إيران تعيش ظروفا طبيعية، متجاهلين أننا نمر بإحدى أشد الأزمات الاقتصادية منذ الثورة 1979. في مثل هذه الظروف، لا يمكن الاكتفاء بالإجراءات الاقتصادية التقليدية، بل يجب تبني سياسات استثنائية تحقق التوازن بين حماية الاقتصاد الكلي، ودعم المنتجين، والتخفيف من معاناة الفئات الأكثر تضررا.
يرى أنصار السوق الحرة أن الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء هي السبب الرئيسي لانتشار الفساد، حيث تشجع المصدرين على الاحتكار والمضاربة، وتوفر للمستوردين فرصا لتحقيق أرباح غير مشروعة. ورغم صحة هذا التقييم، فإن الحل الذي تبنّوه خاطئ؛ فبدلا من تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد، اختاروا إلغاء الدعم الحكومي للعملة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة الأعباء المعيشية على المواطنين.