ترجمة: علي زين العابدين برهام
مع مرور ما يقرب من عام ونصف العام على اندلاع حرب غزة، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتجه الأنظار إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة قادرة على لعب دور محوري في التطورات القادمة.
وتبقى العديد من الأسئلة معلقة بشأن توجهات السياسة السعودية في المرحلة المقبلة، من بينها ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وموقف الرياض من حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، إضافة إلى رؤيتها لمستقبل القضية الفلسطينية.
نشرت صحيفة “هم ميهن“، الأربعاء 26 فبراير/شباط 2025، حوارا مع رحمن قهرمان بور، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حول ملامح الدور السعودي في المرحلة المقبلة. وفي ما يلي نص الحوار:
هل تعود السعودية لدعم سياسة “الضغط الأقصى” على إيران في عهد ترامب الجديد؟
شهدت السياسة الخارجية للمملكة تحولا جذريا عقب هجمات 14 سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت “أرامكو” النفطية، حيث أدركت القيادة السعودية أن النهج التصعيدي السابق لم يحقق أهدافها الاستراتيجية. هذا التحول يعكس قناعات جديدة في الرياض بأن تحقيق المصالح الوطنية يتطلب نهجا أكثر براغماتية وأقل اندفاعا في المواجهات الإقليمية. وتوجد قراءتان رئيسيتان لهذا التغيير في النهج السعودي:
- الاعتبارات السياسية الداخلية: يرى البعض أن هذا التحول يرتبط بعملية انتقال السلطة في المملكة، حيث يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى تهيئة بيئة سياسية مستقرة لضمان صعوده إلى العرش دون أزمات خارجية قد تعرقل مساره.
- الأولويات الاقتصادية: في المقابل، يرى آخرون أن بن سلمان يركز على إنجاح “رؤية 2030″، التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قائم على الصناعة والتكنولوجيا، ما يتطلب خفض التكاليف العسكرية وتوجيه الاستثمارات نحو التنمية الداخلية والمشاريع الاستراتيجية.
لا تبدو السعودية في المرحلة الحالية متحمسة للانخراط المباشر في النزاعات الإقليمية، رغم أنها لن تتردد في دعم التوجهات التي تضعف منافسيها. فبينما لا تسعى الرياض إلى مواجهة مباشرة مع إيران، فإنها في الوقت ذاته لن تعترض على أي تحركات إقليمية تساهم في تقليص نفوذ طهران.
السعودية اليوم تعتمد سياسة “الحياد المحسوب”، فهي لا تؤيد الحرب، لكنها أيضا لا تمنع اندلاعها إذا كانت تصب في مصلحتها الاستراتيجية.
على مدى السنوات الماضية، سعت الولايات المتحدة بقوة لدفع السعودية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة، لا سيما حرب غزة، فرضت واقعا جديدا قد يعيد رسم أولويات الرياض في هذا الملف. كيف أثرت الأحداث الأخيرة على موقف السعودية من إسرائيل؟
انطلقت محاولات التطبيع بين السعودية وإسرائيل خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، ثم تسارعت المباحثات مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. منذ البداية، وضعت الرياض شرطين رئيسيين للمضي قدما في هذه العملية:
- دعم أمريكي للبرنامج النووي السعودي لأغراض سلمية.
- معاهدة دفاعية متبادلة مع واشنطن تحظى بموافقة الحزبين في الكونغرس.
لكن بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أضافت السعودية شرطا ثالثا يتمثل في التزام إسرائيل بحل الدولتين. ومع ذلك، لا يبدو هذا الشرط صارما، حيث تشير التقارير إلى أن الرياض قد تكتفي حتى ببيان إسرائيلي يعكس التزاما مبدئيا بحل الدولتين، دون فرض خطوات عملية على تل أبيب.
رغم أن السعودية لم تضع إقامة دولة فلسطينية كشرط أساسي للتطبيع، فإن إدراج شرط حل الدولتين يعكس سعيها للحفاظ على مكانتها كزعيمة للعالم الإسلامي، خاصة بعد حرب غزة. فقد عززت الرياض نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة، لتحل محل مصر كلاعب رئيسي داخل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي.
لذلك، فإن الإصرار على هذا الشرط يمنحها غطاء سياسيا أمام الشارع العربي والإسلامي، ويعزز مكانتها كمدافع عن القضية الفلسطينية، دون أن يشكل بالضرورة عائقا أمام عملية التطبيع نفسها.
حتى الآن، لا تزال واشنطن تدرس خياراتها، فيما تراقب السعودية المشهد الدولي بعناية، محاولةً تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الاستراتيجية وضغوط التطورات الإقليمية، خاصة في أعقاب حرب غزة.
في السنوات الأخيرة، رُوّج لفكرة أن إيران أصبحت التهديد الرئيسي للعالم العربي، بدلا من إسرائيل، وأن الدول العربية يجب أن تتعاون مع تل أبيب لمواجهتها. لكن بعد حرب غزة، إلى أي مدى لا تزال هذه السردية مؤثرة في السياسات العربية، خاصة لدى السعودية؟
في الأصل، كانت فكرة استبدال التهديد الإسرائيلي بالتهديد الإيراني مجرد مشروع سياسي وإعلامي دون أسس واقعية. فالقضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي تاريخي ومتجذر، ولا يمكن تجاوزه بسهولة، ورغم أن بعض الحكومات العربية نظرت إلى إيران باعتبارها تهديدا، فإن هذه الرؤية لم تكن موحدة، إذ بقيت هناك مواقف متباينة داخل العالم العربي تجاه ما يسمى بـ”التهديد الإيراني”.
في العديد من الدول العربية، هناك اعتقاد بأن التخويف من إيران مشروع أمريكي بالدرجة الأولى، يهدف إلى إعادة تشكيل تحالفات المنطقة بما يخدم المصالح الغربية، وهذا ما خلق انقساما بين الحكومات والرأي العام العربي، حيث رفضت قطاعات واسعة في العالم العربي فكرة التعامل مع إسرائيل كحليف مقابل إيران.
حتى على مستوى الحكومات، لم يكن هذا الطرح محل إجماع. فمنذ 2019، بدأت كل من السعودية والإمارات في مراجعة هذه السياسة، وابتعدتا عن التعامل مع إيران كتهديد رئيسي، بل اتجهتا إلى سياسة التهدئة والحوار معها، إدراكا منهما أن التصعيد المستمر لا يخدم مصالحهما الاستراتيجية.
بعد حرب غزة، أصبحت الأولويات الإقليمية أكثر وضوحا، وتراجع تأثير الخطاب الذي يصور إيران كعدو رئيسي للعرب، فالسعودية والإمارات، على وجه الخصوص، تبنتا نهجا أكثر براغماتية وواقعية، وبدأتا بتقييم مصالحهما بعيدا عن الضغوط الغربية والإسرائيلية.
إلى أي مدى أثرت حرب غزة على سياسة السعودية تجاه إسرائيل وفلسطين؟
جزء من قضية إسرائيل يتعلق بالأوضاع الداخلية للدول العربية نفسها، فبما أن العديد من الحكومات العربية لم تتمكن من تحقيق شرعيتها من خلال التنمية الاقتصادية، فقد لجأت إلى سياسات الهوية وخلق عدو خارجي لتعزيز شرعيتها، وهو نهج بلغ ذروته خلال حقبة جمال عبد الناصر في مصر.
لطالما كانت القضية الفلسطينية محورا رئيسيا في سياسات الهوية للدول العربية. فمن صدام حسين في العراق خلال حكم حزب البعث، إلى معمر القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سوريا، استغلت العديد من الأنظمة العربية القضية الفلسطينية كأداة لحشد الدعم الشعبي وتعزيز شرعيتها.
بالنسبة للعديد من القادة العرب المستبدين، كانت القضية الفلسطينية وسيلة “رخيصة” لكسب الشرعية، لكن مع تطور عمليات بناء الدولة في العالم العربي خلال العقود الأخيرة، بدأ الاعتماد على سياسات الهوية في التراجع تدريجيا، هذا الاتجاه يمكن ملاحظته بوضوح في السعودية أيضا.
كيف يتعامل محمد بن سلمان مع القضية الفلسطينية؟
لا يستطيع محمد بن سلمان، لأسباب مختلفة، أن يعلن تجاهله الكامل للقضية الفلسطينية، لكنه في الوقت ذاته لم يعد يعتمد على الأيديولوجيا كأساس لشرعية حكمه، بل يسعى إلى ترسيخ شرعية سياسية جديدة قائمة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل السعودية.
لهذا السبب، تحاول الرياض إدارة القضية الفلسطينية بطريقة لا تعرض مصالحها للخطر. ومن هنا، فإن الشرط الثالث الذي وضعته السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس صعبا أو مستحيلا، إذ تكتفي الرياض ببيان إسرائيلي يعكس التزاما “نظريا” بإقامة دولة فلسطينية في المستقبل، دون الحاجة إلى خطوات عملية ملموسة.
إلى أي مدى تتوافق رؤية محمد بن سلمان مع ترامب ونتنياهو بشأن مستقبل الشرق الأوسط؟
لا تتطابق رؤية السعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يخص مستقبل الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، لكن هناك نقاط تقاطع تجمعهم، أبرزها السعي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي.
فالاستقرار في الشرق الأوسط يخدم المصالح السعودية والأمريكية على حد سواء؛ إذ يسمح للرياض بتحقيق أهدافها الاقتصادية والتوسع في سياساتها الخارجية، كما يمكن واشنطن من تقليل انخراطها العسكري في المنطقة والتفرغ لمواجهة الصعود الصيني.
رغم وجود مصالح مشتركة، فإن هناك خلافات جوهرية بين السعودية والولايات المتحدة بشأن ملف غزة وإيران. لكن هذا لا يعني أن الرياض وطهران قد تصلان إلى تحالف ضد واشنطن أو حتى إسرائيل، لأن الخلافات بين السعودية وإيران لا تزال عميقة.