ترجمة: يارا حلمي
أجرت صحيفة “فرارو” الإيرانية الإصلاحية، يوم الثلاثاء 18 مارس/آذار 2025، حوارا مع الدكتور باقر قرمز جشمه، عضو الهيئة العلمية في معهد أبحاث حماية التربة وإدارة مستجمعات المياه، تناولت فيه أزمة الهبوط الأرضي وتآكل التربة في إيران.
الهبوط الأرضي وتآكل التربة
ذكر الدكتور قرمز جشمه أنه “لا يوجد تضخيم في الأرقام الرسمية بشأن الهبوط الأرضي وتآكل التربة في إيران، وعلينا أن نعترف بأن البلاد تمر بوضع سيئ للغاية”.
أفادت صحيفة “فرارو” بأنه يُلاحظ اليوم حدوث هبوط أرضي في معظم السهول الإيرانية. فعندما ينخفض منسوب المياه الجوفية، تتلاشى المياه تدريجيا من مسام ورواسب التربة، ليحل محلها الهواء.
كما أضافت الصحيفة: “تخيلوا إسفنجة شديدة الجفاف والهشاشة، وعندما تتعرض لضغط جديد من الأعلى، تنهار بسرعة. الأمر نفسه ينطبق على الرواسب، حيث يؤدي استخراج المياه من رواسب السهول إلى اختفاء المسام تحت الضغط، مما يسبب الهبوط الأرضي، خاصة في الرواسب الدقيقة”.
وتابعت أن الهبوط الأرضي هو نتيجة الاستخراج المفرط للمياه الجوفية، إلى جانب عوامل أخرى مثل التوسع العمراني غير المنظم في السهول وبناء السدود دون تخطيط مدروس، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وذكرت أيضا أنه وفقا للإحصائيات، تواجه إيران أعلى معدل تآكل تربة بين دول العالم، حيث يتم فقدان أكثر من 16.5 طن من التربة لكل هكتار سنويا.
العواصف الغبارية
من جانبه، قال الدكتور قرمز إن التآكل يحدث نتيجة لعوامل طبيعية مثل الأمطار والرياح التي تؤدي إلى نقل التربة. لكن في بعض الحالات، يؤدي تدخل الإنسان إلى تسريع هذه العملية، مثل قطع الأشجار، والرعي الجائر، وتغيير استخدام الأراضي، إضافة إلى عوامل بشرية أخرى مثل شق الطرق والبنية التحتية غير المدروسة.
وأضاف قرمز: “البلاد استهلكت أكثر من 160 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، وفي الخطتين التنمويتين السادسة والسابعة، كان من المتوقع تعويض هذا النقص، لكن ذلك لم يحدث”.
وتابع أنه في الماضي كان حجم المياه المستخرجة يُعوَّض عبر الثلوج، والأمطار، والسيول، ولكن في السنوات الأخيرة، وبسبب التوسع العمراني المفرط، لا توجد خطة لتعويض هذا العجز.
كما قال: “تحصل البحيرات على مياهها من مصدرين: الأول هو الأنهار السطحية التي تصب فيها، والثاني هو تدفقات المياه الجوفية، التي تلعب دورا أكثر تأثيرا من المياه السطحية. عندما ينخفض منسوب المياه الواردة، يزداد معدل التبخر، مما يؤدي إلى فقدان المياه بشكل أسرع”.
حفر الآبار
تابع أن حفر الآبار حول الأهوار (مناطق رطبة مغمورة بالمياه بشكل دائم أو موسمي) يمنع تدفق المياه الجوفية إليها. كما أن استخراج الموارد المائية السطحية وبناء السدود أدى إلى انخفاض حاد في تدفق المياه السطحية إلى هذه المناطق.
لهذا السبب، قال: “جفّت العديد من الأهوار، من بختگان إلى هور العظيم. ونتيجة لذلك، سنشهد في فصلي الربيع والصيف زيادة في العواصف الغبارية داخل البلاد”.
أزمة التغير المناخي
كما قال إن التغير المناخي أزمة عالمية سببها الإنسان، وأحد آثاره هو ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى تغيّر أنماط الهطول. كما أن تحوّل نوع الهطول من الثلج إلى المطر أدى إلى تفاقم هذه الأزمة.
وتابع أن هذا التغيير يؤثر بشكل كبير على المياه الجوفية، لأن الثلوج تذوب تدريجيا، مما يسمح بتغلغلها في التربة ببطء، لتتحول في النهاية إلى مياه جوفية مع أدنى معدل تبخر.
كما أضاف: “أما الأمطار، فتحوّل المياه بسرعة إلى جريان سطحي، مما يؤدي إلى سيول شديدة، كما أن معدل تبخر مياه الأمطار من سطح التربة أعلى مقارنة بالثلوج”.
وذكر أن “إيران تعاني من أزمة في موارد المياه، والتربة، والطاقة، مما أدى إلى أزمة ثلاثية تتمثل في معدل مرتفع لتآكل التربة، ونقص حاد في المياه، وازدياد المناطق المتضررة من الهبوط الأرضي”.
ما هو الحل للنجاة؟
أما بخصوص مقترحاته لحل أزمة نقص المياه في إيران، فقال قرمز إنه وفقا لأبحاث معهد حماية التربة وإدارة مستجمعات المياه، فإن السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد من الهبوط الأرضي وتآكل التربة هو استخدام نظام إدارة السيول والمياه.
وتابع أن السيول، التي تتسبب في أضرار جسيمة، يمكن تحويلها إلى نعمة عبر هذا النظام. على سبيل المثال، خلال فيضانات عام 2019 في محافظة لرستان، تعرضت مدينة معمولان لأضرار كبيرة، بينما لم تتعرض مدينة كوهدشت لأي خسائر، بفضل تطبيق نظام توزيع السيول.
كما قال قرمز إنه يجب على الناس، خاصةً الجيل الجديد، أن يدركوا قيمة الموارد الطبيعية في البلاد، ويعاملوها كأمانة من الأجيال السابقة يجب الحفاظ عليها؛ حتى تتمكن الأجيال القادمة من الاستفادة منها.
وتابع أنه في إيران، يُستهلك ضعف المعدل العالمي للمياه، كما يتم إهدار كميات كبيرة من المياه في مياه الشرب والاستخدام الحضري مقارنة بالماضي. ويظهر هذا السلوك بشكل أوضح بين الشباب والمراهقين، لأنهم لم يسبق لهم أن واجهوا انقطاعا أو نقصا في المياه.
توعية المواطنين
أوضح أنه من ناحية أخرى، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وسائل الإعلام الوطنية، التي يجب أن توعي الناس بعواقب الاستهلاك المفرط للمياه، لكن حتى الآن، لم تنجح وسائل الإعلام بالكامل في أداء دورها التوعوي في ما يتعلق بترشيد الاستهلاك.
وقال الدكتور قرمز إنه يجب أن يدرك الناس أن إيران لا تمتلك مصادر جديدة للمياه، والطريقة الوحيدة لتجنب نقص المياه في المواسم القادمة (الربيع، والصيف، وغيرهما) هي الإدارة السليمة للموارد المائية.
وتابع حديثه أن زراعة الأشجار في السهول وتقليل الرعي الجائر إجراءات مفيدة بطبيعتها للتقليل من تآكل التربة، لكنها يجب أن تتم تحت إشراف الجهات العلمية المختصة، لأن زراعة أنواع نباتية دخيلة وغير محلية قد تؤدي إلى تدمير الغطاء النباتي الطبيعي الذي استمر لآلاف السنين.
كما ذكر في ختام حواره، أن الترشيد، وتغيير نهج إدارة الموارد، وتصحيح ثقافة الاستهلاك هي السبيل الوحيد لإنقاذ إيران من الهبوط الأرضي وتآكل التربة.