كتب: محمد بركات
أثار خروج شركة سعودية رائدة في مجال الزيوت من السوق الإيرانية جدلا واسعا، فبين ربطها بالتوترات التي تشهدها العلاقات بين إيران والسعودية بسبب القضايا المشتركة والإقليمية، وتفسيرها بمشكلات الإنتاج التي تواجه المجتمع الصناعي الإيراني، قضية تلقي الضوء على أزمات خارجية ربما تواجهها إيران، ومؤسسات إيرانية في الداخل تسعى للهيمنة على السوق.
فقد صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عقد 6 يناير/كانون الثاني 2025، وخلال رده على سؤال بشأن العلاقات الإيرانية السعودية بعد إعلان الأخيرة 2 يناير/كانون الثاني 2025 إعدام ستة مواطنين إيرانيين على خلفية اتهامهم في قضية تهريب مواد مخدرة، وخروج شركة صافولا القابضة السعودية للزيوت من إيران، قائلاً: “إن مجرد وقوع هذه التطورات بشكل متزامن لا يعني أن يتم تفسيرها بشكل سياسي ذي معنى، فهي مجرد أحداث وقعت في نفس الفترة الزمنية فحسب ولا ربط بينهما”.
وأوضح بقائي: “إن المعلومات التي حصلنا عليها من منظمة الاستثمار بشأن هذه الشركة تشير إلى أنه لم يتم إخراج أية أموال من البلاد، وأن المسألة تتعلق بنقل الأسهم من شركة إلى أخرى، ولا علاقة لهذا الأمر بقضية إعدام المواطنين الإيرانيين”.
ما هي شركة صافولا؟
شركة صافولا، إحدى الشركات الصناعية السعودية، تأسست عام 1979، وتعمل الشركة في مجالات الصناعات الغذائية، البيع بالتجزئة، والاستثمارات المتنوعة.
في بداياتها، ركزت صافولا أنشطتها على إنتاج الزيوت الغذائية والدهون النباتية. ومع مرور الوقت، وسّعت الشركة أنشطتها لتصبح واحدة من أكبر منتجي المواد الغذائية في المنطقة.
وفي إيران، امتلكت صافولا حصة كبيرة من سوق الزيوت الغذائية بقدرة إنتاج سنوية تبلغ 550 ألف طن، وتوفر حوالي 45% من احتياجات البلاد من الزيوت النباتية، حيث قامت بتوزيع علامات تجارية مثل لادن، لادن طلائي، بهار، ونسترن من خلال شركة صافولا بهشهر، ورغم التوترات الدبلوماسية بين إيران والسعودية في ديسمبر/كانون الأول 2015، فقد واصلت صافولا أنشطتها في السوق الإيرانية.
ومع تصاعد التوترات السياسية بين البلدين في الفترة من 2010 إلى 2020، دعا البعض إلى مقاطعة المنتجات السعودية ومن ضمنها منتجات تلك الشركة. ومع ذلك، ظلت صافولا نشطة في السوق الإيرانية حتى عام 2024، عندما قررت بيع جميع أصولها بقيمة 705 ملايين ريال سعودي، ما يعادل 188 مليون دولار.
لماذا خرجت صافولا من إيران؟
حول أسباب خروج الشركة من السوق الإيرانية، فقد صرح رشيد عزيز بور، نائب رئيس لجنة الصناعات الغذائية في غرفة تجارة إيران، خلال تصريحات له السبت 4 يناير/كانون الثاني، 2025، قائلاً: “وفقاً لآخر المعلومات التي نشرتها الشركة على موقعها الإلكتروني في الأيام الماضية، فقد قررت مغادرة إيران بناء على سياساتها الداخلية، وقد قامت الشركة بنفس الإجراء سابقاً في المغرب والعراق، فقد كانت صافولا تمتلك حصة كبيرة من سوق الزيوت النباتية في البلاد”.
وحول تأثير خروج هذه الشركة على كمية المعروض من المنتجات الغذائية، وخاصة الزيوت النباتية، أوضح عزيز بور: “في رأيي، من غير المرجح أن يُهدد خروج صافولا إمدادات الزيوت في السوق، فصحيح أن ملكية هذا الكيان السعودي ساهمت في تعزيز الإنتاج، ولكن نظرا لأن جميع موظفي الشركة من الكوادر المحلية، فنتوقع ألا يكون لهذا التغيير تأثير كبير على الإنتاج والعرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن صناعة الغذاء في إيران تعتبر صناعة ناضجة.”
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان نقص الطاقة في الصناعات، مثل انقطاع الكهرباء والغاز، قد يكون سببا في خروج الشركة، أشار قائلاً: “كما ذكرت سابقا، فإن الشركة عزت قرار سحب استثماراتها من إيران إلى سياساتها الداخلية، ولكن بطبيعة الحال هناك تحديات تواجه الصناعات في إيران، بما في ذلك صناعة الغذاء، يمكن أن تُشجع ليس فقط المستثمرين الأجانب، بل حتى المستثمرين المحليين على سحب استثماراتهم، وتشمل هذه التحديات تأمين المواد الخام وعدم التوازن في مجال الطاقة، وهي قضايا دائمة تواجهها صناعة الغذاء في إيران”.
مضيفاً: “بالنسبة لصناعة الزيوت النباتية في بلدنا، فإن هناك تحديا خاصا يتمثل في أن تخصيص العملة التفضيلية لاستيراد المواد الخام أدى إلى حظر تصدير هذه المنتجات خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الصناعة لديها إمكانيات كبيرة للتصدير. ويمكن أن يكون استيراد الزيت الخام بشكل مؤقت وسيلة لدعم التصدير، وقد أكد القطاع الصناعي مرارا على وجود هذه الإمكانية”.
وفيما يتعلق بما إذا كانت شركة صافولا قد باعت أسهمها إلى شركة أجنبية أخرى، قال عزيز بور: “صافولا لم تنشر أي معلومات بهذا الخصوص، وحتى تعلن الشركة بنفسها عن ذلك، تبقى الأمور غامضة ولا يمكن تقديم معلومات مؤكدة”.
في الشأن نفسه، فقد صرح على شريعتي، عضو الغرفة التجارية الإيرانية، الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2025 قائلاً: “الحقيقة هي أن السبب الرسمي وراء خروج صافولا من إيران لم يُعلن بعد، لكن التفسير الأكثر احتمالا هو أنه مع تأكيد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فربما قررت السعودية تقليل مستوى علاقاتها مع إيران”.
وأشار شريعتي خلال حديثه إلى أن شركات إنتاج الزيوت في إيران تمتعت خلال السنوات الأخيرة بوضع جيد بفضل العملات التفضيلية والدعم الذي قدمته الحكومة، مضيفاً: “بالنظر إلى الحصة السوقية الكبيرة التي كانت تمتلكها شركة صافولا، فقد كانت في وضع ممتاز وتعد من رواد السوق. وبالتالي، من المستبعد تماما أن يكون خروج الشركة بسبب ضعف الربحية”.
وذكر شريعتي أن الشركات الأخرى العاملة في هذا القطاع لم تغادر السوق، حيث قال: “حتى الشركات التي لم تكن متخصصة في صناعة الزيوت بشكل مباشر، مثل مجموعة كلرنج أو ميهن، قامت باستثمارات كبيرة في شركات إنتاج الزيوت مثل طبيعة واویلا خلال السنوات الأخيرة. وهذا يشير إلى أن صناعة الزيوت رائجة، وبالتالي خروج صافولا لا يمكن أن يكون بسبب تراجع ربحية هذا القطاع”.
وأضاف: “إن الاختلاف الأساسي بين هذه الشركة والشركات الأخرى المنتجة للزيوت هو أن صافولا كان لديها مستثمر أجنبي، في حين أن بقية الشركات إما حكومية، أو خاصة، أو شبه حكومية، لذلك، يبدو أن خروج صافولا يعود إلى طبيعة استثماراتها الأجنبية”.
من أشترى أسهم الشركة في إيران؟ وماذا نعرف عنه؟
تشير التقارير إلى أن مجموعة مدلل التجارية قد قامت بشراء أسهم شركة صافولا بهشهر بقيمة 200 مليون دولار، وتمتلك الحكومة السعودية 10% من أسهم هذه الشركة حاليا.
ومجموعة مدلل هي شركة عائلية تعمل في مجالات متنوعة تشمل الصناعة، الزراعة، التعدين، والتجارة، وتمتلك المجموعة خبرة تمتد إلى 71 عاما ولديها 12 شركة تابعة. من أبرز شركاتها في الصناعات الغذائية زيت غنجه ونازجل، حيث تستحوذ على حوالي 20% من السوق.
كذلك، فتعمل مجموعة مدلل اليوم في مجالات مختلفة، كمجال الأسمنت من خلال شركة سیمان مدل، وفي مجال الإنشاءات من خلال شركة ابتکار ساز، وفي مجال أعلاف الحيوانات من خلال مجموعة کلهردا، وفي مجال التجارة من خلال شركة آوا تجارت صبا.
جدير بالذكر أنه وخلال تقرير نشره البنك المركزي الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2024 بخصوص المدينين الكبار للبنوك تبين أن سامان مدلل، أحد أفراد عائلة مدلل، قد حصل على 19 قرضاً من بنك سرمایه لصالح شركات مرتبطة به، بإجمالي قروض صافية بلغت 18870 مليار و230 مليون ريال إيراني، ما يعادل 30 مليون و438 ألف دولار تقريبا، حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2024، ولم يتم إعادة ريال واحد من مبالغ القروض، وتم تسجيل المبلغ بالكامل في عمود الديون المشكوك في تحصيلها، مما أثار جدلا كبير حول نشاط الشركة ونفوذها في مجال البنوك الإيرانية.
كذلك، فقد ذكر التقرير أنه بالرغم من ضخامة المبلغ الإجمالي للقروض، فقد تم تقديم ضمانات بقيمة 10860 ملياراً و90 مليون ريال إيراني، ما يعادل 13 مليوناً و163 ألف دولار، فقط لبنك سرمایه، بمعنى أنه تم منح سامان مدلل قروضاً تزيد قيمتها عن ضعفي مبلغ الضمانات، وهو إجراء يتطلب مساءلة مديري البنك.
وأشار تقرير المركزي إلى أن ديون سامان مدلل لا تقتصر على بنك سرمایه فحسب، بل تمتد أيضاً إلى بنك مسكن، فوفقاً للإحصائيات، فقد بلغت القروض الصافية التي حصلت عليها شركة “سامان بيشرو كرمانشاه التابعة لمجموعة مدلل من بنك مسكن حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2024 إلى 790 ملياراً 430 مليون ريال إيراني، ما يعادل مليون و481 ألف دولار. ومع ذلك، نتيجة لعدم السداد، ارتفع هذا المبلغ ليصل إلى أكثر من 4400 مليار ريال إيراني، ما يعادل 8 ملايين و437 ألف دولار، كدين غير جارٍ ومشكوك في تحصيله.
ومن خلال عملية الاستحواذ الجديدة، ومع الحصة السوقية البالغة 50% لشركة صافولا بهشهر فتسعى مجموعة مدلل إلى تعزيز مكانتها كقائدة للسوق في هذا القطاع.