ترجمة : دنيا ياسر نور الدين
أجرت وكالة أنباء “إيرنا” الإيرانية الرسمية يوم الثلاثاء 11مارس /آذار 20250 حوارا مع الدبلوماسي السابق والمحلل في الشؤون الدولية، كوروش أحمدي، وناقشت معه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بإيران
وفيما يلي نص الحوار :
كيف تبدو استراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران في ولايته الثانية، وما أهدافه من تحركاته الأخيرة؟
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن إرساله رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، في خطوة تشير إلى تحول في نهجه تجاه طهران. فمنذ توليه منصبه، ظلت القضية النووية الإيرانية محور اهتمام الإدارات الأمريكية، انطلاقا من مخاوف واشنطن من سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، وهو ما تنفيه طهران باستمرار، مؤكدة التزامها بالبروتوكول الإضافي والقيود المفروضة على التخصيب.
في ولايته الأولى، انتهج ترامب سياسة قائمة على الضغوط الاقتصادية والانسحاب من الاتفاق النووي، مع إبقاء باب التفاوض مفتوحًا عبر وسطاء دوليين مثل رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما حاول إدخال السيناتور راند بول كوسيط مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف. وشابهت استراتيجيته مع إيران أسلوبه في التعامل مع كوريا الشمالية، حيث سعى إلى مزيج من الضغوط والمفاوضات، لكن المسار التفاوضي انهار بعد اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.
أما في ولايته الثانية، فقد بات التهديد بالعمل العسكري جزءًا أساسياً من استراتيجيته تجاه إيران، في تحول واضح عن أسلوبه السابق. وتظهر تحركاته الأخيرة أن الجمع بين التصعيد السياسي والعسكري أصبح سياسة معتمدة داخل الإدارة الأمريكية، في وقت تواصل فيه إسرائيل الضغط باتجاه مزيد من التوتر.
في ولايته الأولى، لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخيار التصعيد العسكري ضد إيران، مغردًا عن استهداف 52 موقعًا داخلها، في خضم توترات متزايدة شهدتها المنطقة خلال عام 2019. فمع إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، وهجمات استهدفت أربع سفن ومنشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية – التي نفت طهران أي صلة لها بها – تصاعدت المواجهة بين الطرفين، وصولًا إلى اغتيال الجنرال قاسم سليماني.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الضغوط، أوقف ترامب في اللحظات الأخيرة ضربات عسكرية كانت مقررة ضد إيران، ولم يرد على الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد في يناير /كنون الثاني 2020.
لكن المشهد الآن مختلف تمامًا. فالتطورات الإقليمية الأخيرة وضعت الملف الإيراني مجددًا في قلب الاستراتيجية الأمريكية، مع تبني ترامب لهجة أكثر حدة. فبين حديثه عن مسارين—إما التوصل إلى اتفاق أو اللجوء للعمل العسكري—وإشارته إلى أن العالم “على أعتاب لحظات حاسمة”، يبدو أن نبرته أصبحت أكثر تهديدًا من أي وقت مضى.
ومع أن تنفيذ هذه التهديدات يبقى أمرًا غير مؤكد، إلا أن احتمالية نشوب مواجهة عسكرية، حتى وإن كانت ضئيلة، لا يمكن الاستهانة بها. فالقرار بشأن الحرب والسلام هو أحد أكثر القرارات خطورة التي يواجهها أي زعيم سياسي، ويظل التحدي الأكبر أمام الإدارة الأمريكية وحلفائها هو تجنب الانزلاق إلى صراع مفتوح قد يغير موازين القوى في المنطقة بأكملها.
ويبقى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى اتفاق جديد، أم أنها ستدفع المنطقة نحو تصعيد مفتوح.
هل يمكن استئناف المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة وفق النموذج السابق؟
في مقابلة مع وكالة فرانس برس، ناقش وزير الخارجية الإيراني مستقبل المفاوضات بين طهران وأعضاء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ولا سيما الدول الأوروبية الثلاث (E3)، إلى جانب الصين وروسيا، في ظل استمرار رفض إيران التفاوض المباشر مع واشنطن. ومع تصاعد التوترات، يثار التساؤل حول إمكانية إعادة اعتماد النموذج السابق، الذي شهد حضورًا غير مباشر للولايات المتحدة في المفاوضات النووية.
بحسب المراقبين، فإن هذا السيناريو يبدو غير مرجح في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يفضل أن يكون في صدارة المشهد وألا يترك ملفًا بهذا الحجم لمستويات دبلوماسية أدنى. ففي عهد الرئيس جو بايدن، وتحديدًا خلال قيادة روبرت مالي للملف الإيراني، تم التوصل إلى اتفاقات أولية في عدة مراحل، لكنّها لم تُنفَّذ في نهاية المطاف. أما الآن، فمن غير المحتمل أن يقبل ترامب بصيغة مفاوضات تكون فيها الولايات المتحدة مجرد طرف غير مباشر، إذ يسعى إلى إدارة الملف بنفسه وعلى أعلى المستويات.
وفي ظل التأثير الإسرائيلي القوي على البيت الأبيض، تبدو الضغوط المتزايدة من حكومة بنيامين نتنياهو عاملاً إضافيًا في تعقيد المسار التفاوضي. إذ يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة أي اتفاق مماثل للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عهد باراك أوباما، ويضغط من أجل تفكيك المنشآت النووية الإيرانية بالكامل، بل ويرى أن الخيار العسكري يجب أن يكون مطروحًا على الطاولة.
ومع ذلك، يرى خبراء أن الانخراط في جولة جديدة من المحادثات قد يحمل فائدة وحيدة، وهي تجاوز الحرب الإعلامية ومعرفة المطالب الأمريكية الفعلية بعيدًا عن الخطاب التصعيدي. فحتى الآن، لا يزال الموقف الأمريكي العلني يقتصر على رفض امتلاك إيران للسلاح النووي، لكن تفاصيل الضمانات والرقابة المطلوبة تبقى غير واضحة. ويبقى الحكم على إمكانية الوصول إلى اتفاق مرهونًا بالمحادثات المباشرة، التي وحدها قادرة على كشف ما إذا كان هناك مجال للتفاهم أم أن التصعيد سيظل سيد الموقف.
روسيا كوسيط جديد بين إيران والولايات المتحدة: هل تمهد الطريق لمفاوضات مباشرة؟
على مدار سنوات القطيعة الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، اعتمد الطرفان على قناتين رئيسيتين للتواصل غير المباشر، هما سلطنة عمان وسويسرا، حيث لعبتا دورًا مهمًا في نقل الرسائل بين الجانبين ومنع تصعيد الأوضاع في لحظات الأزمات. واليوم، تظهر قناة جديدة في المشهد الدبلوماسي، إذ أكدت روسيا ضمنيًا خلال محادثاتها مع الولايات المتحدة أن الوساطة مع إيران كانت جزءًا من الحوار القائم بين موسكو وواشنطن، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة هذا الدور ومدى تأثيره على مسار المفاوضات المحتملة.
وعلى عكس عمان وقطر، اللتين انحصر دورهما في توفير بيئة مناسبة للتفاوض دون التدخل في محتوى المباحثات، يبدو أن روسيا تسعى إلى لعب دور أكثر تأثيرًا، حيث تمتلك علاقات استراتيجية وثيقة مع إيران وتُعد شريكًا رئيسيًا لها.
هذا العامل يجعلها وسيطًا محتملاً يتمتع بالمصداقية لدى طهران، ما قد يمنحها قدرة أكبر على إقناع القيادة الإيرانية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وهو أمر قد يكون صعب التحقيق في ظل الموقف الإيراني الحالي الذي يرفض التفاوض المباشر مع واشنطن.
من جهة أخرى، تظل التساؤلات قائمة حول موقف الإدارة الأمريكية من هذه الوساطة. فمن المعروف أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يواصل التأثير على المشهد السياسي، يمتلك رؤية مختلفة عن الإدارات السابقة، حيث يفضل أن يكون هو الشخص المحوري في أي مفاوضات مع إيران، ويريد أن يتصدر المشهد بدلاً من أن يتم الأمر عبر قنوات دبلوماسية تقليدية مثل مجموعة 1+4.
ومن هذا المنطلق، قد لا يكون البيت الأبيض مستعدًا للقبول بنموذج المفاوضات السابق، الذي شهد حضورًا غير مباشر للولايات المتحدة عبر أطراف الاتفاق النووي، بل قد يسعى إلى فرض مسار تفاوضي مختلف يتناسب مع أولوياته السياسية.
وبينما تتواصل التحركات الدبلوماسية، يظل الغموض يلف مستقبل المفاوضات بين طهران وواشنطن. إذ أن التصريحات العلنية التي تصدر من الجانبين غالبًا ما تكون ذات طابع دعائي أو تأتي في سياق الحرب النفسية، فيما تكشف الدول عن مواقفها الحقيقية فقط داخل غرف التفاوض المغلقة.
لذا، فإن أي حوار مباشر بين الطرفين يمكن أن يساعد في توضيح المطالب الفعلية للولايات المتحدة بشأن الملف النووي الإيراني، والتي لا تزال غير واضحة حتى الآن. فبينما يكرر ترامب موقفه بأن “إيران يجب ألا تمتلك سلاحًا نوويًا”، يبقى من غير المعروف طبيعة الضمانات والآليات الرقابية التي تطالب بها واشنطن.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى العامل الإسرائيلي حاضرًا بقوة في المعادلة. فإسرائيل، التي لطالما عارضت الاتفاق النووي منذ عهد أوباما، تمارس ضغوطًا على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه إيران، حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى دفع الولايات المتحدة نحو استهداف المنشآت النووية الإيرانية عسكريًا.
وهذا الضغط قد يساهم في تعقيد مسار المفاوضات، ما يجعل على صانعي القرار في طهران التحلي بالحذر لضمان عدم انزلاق مواقفهم إلى ما يخدم المصالح الإسرائيلية.
في النهاية، قد يكون الدخول في جولة جديدة من المفاوضات مفيدًا، ليس بالضرورة من أجل التوصل إلى اتفاق، ولكن على الأقل من أجل تجاوز الضجيج الإعلامي ومعرفة المطالب الحقيقية لكل طرف.
ومع استمرار التوترات الإقليمية، فإن الوقت المتاح أمام الجانبين لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل العلاقات بينهما أصبح محدودًا.