ترجمة: شروق السيد
تناولت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية، في حوارٍ مع الدبلوماسي والمحامي محسن بهاروند، يوم الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2024، أبرز التساؤلات التي أثيرت بشأن مستقبل مطالب إيران من سوريا عقب التغيرات السياسية الأخيرة.
وفقا للوكالة، فإنه في ضوء الأحداث التي وقعت بسوريا خلال الشهر الماضي، يشعر جزء من الرأي العام في إيران بالقلق بشأن الغموض المحيط بمطالب إيران من سوريا، محسن بهاروند، الدبلوماسي ورجل القانون البارز، يرى أن هذه المطالب يمكن متابعتها، لكنه يشدد على ضرورة إعطاء فرصة لتوضيح الوضع في سوريا وتشكيل العلاقات الثنائية، قبل الانتقال إلى متابعة هذه المطالب.
وإلى نص الحوار:
في سوريا، سقطت حكومة بشار الأسد، وتولت هيئة تحرير الشام زمام الأمور، تُثار أحاديث متفرقة حول مطالب إيران من سوريا، ما الذي تقوله القوانين الدولية بخصوص هذا الوضع ومصير المطالب المتبقية؟
في البداية، أود أن أوضح أنني لا أعرف تفاصيل الاتفاقيات بين إيران وسوريا ولا نصوصها، ولذلك يمكنني الإجابة فقط بناءً على المبادئ العامة المتعلقة بهذا الموضوع.
أولا، يجب أن نفهم كيف تُعرّف العلاقات بين الدول، في الواقع، يجب الانتباه إلى العلاقات على مستويين: الأول هو العلاقات بين الحكومات، والثاني هو العلاقات بين الدول ككل، بعبارة أخرى، ووفقا للمصطلحات الدولية، يجب التفريق بين التزامات الدولة والتزامات الحكومة، عندما تكون للحكومة التزامات دولية، فإنها في الواقع تلزم الدولة ككل، بغض النظر عن الحكومة التي تكون في السلطة.
عندما تُقدِّم حكومة التزاما، فإن هذا الالتزام يصبح ملزما للدولة وليس للحكومة فقط. حتى لو تغيّرت الحكومة في سوريا أو تم استبدالها بحكومة جديدة، فإن الدولة السورية لا تزال قائمة، وحتى في حال تفكك الدولة السورية إلى عدة دول، فإن التزامات الدولة الأصلية تُقسَّم بين الدول الجديدة.
على سبيل المثال، تعهدات الاتحاد السوفيتي بعد انهياره تم توزيعها بين الدول التي خلفته. وبالنسبة لسوريا، فإن ما حدث هو فقط تغيير في الحكومة، وليس زوال الدولة السورية، ومن ثم فإن الالتزامات السابقة للحكومة السورية لا تُلغى، لأن الدولة السورية لا تزال موجودة.
إذا لم يتم الاعتراف الدولي بهيئة تحرير الشام كحكومة في سوريا، أو تم الاعتراف بها ولكن إيران لم تقم علاقات سياسية مع الحكومة الجديدة ولم تُعد فتح سفارتها، مما يعني أن إيران لم تعترف بالحكومة الجديدة فعليا، فما مصير مطالب إيران؟
تغيير الحكومة السورية لا يعني زوال الدولة السورية، الحكومة السابقة كانت لديها علاقات مع الحكومة الإيرانية، وربما تكون لدى الحكومة الجديدة علاقات أكثر أو أقل من سابقتها مع إيران.
ومع ذلك، لا يختلف الأمر كثيرا؛ فسوريا دولة مهمة في منطقتنا، وهي دولة مسلمة تربطها علاقات تاريخية بإيران، وعاجلا أم آجلا، ينبغي أن تكون هناك علاقات بين الدولتين، ويجب عليهما السعي لحل أي خلافات أو تباينات في وجهات النظر، هذه نقطة أساسية.
تُطرح تصريحات حول حجم مطالبات إيران من سوريا. هل يمكن الاعتماد على هذه التصريحات كمرجع، أم أنه يجب إعادة حساب المبلغ والمطالبة به وفقا للقوانين الدولية؟ وما آلية حسابه؟
المطالبات المحتملة لإيران من سوريا يجب أن تُدرس بناءً على نوعها وما إذا كانت تمت في إطار اتفاق رسمي أم لا، إذا كانت المطالبات قد تمت عبر عقود رسمية تتعلق باستثمارات أو أي طريقة أخرى مثبتة بالوثائق الرسمية، فإن ذلك يثبت أن لإيران حقا في المطالبة، وعلى الرغم من تغيير الحكومات، فإن العقود التي تمت باسم الدولة السورية يجب الوفاء بها.
على سبيل المثال، كانت هناك مطالبات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة أو إيران وبريطانيا في عهد الشاه، الاستثمارات أو الممتلكات التي قام بها نظام الشاه في تلك الدول تمت متابعتها بعد تغيير الحكومة الإيرانية، وتمت تسوية الديون إذا وُجدت، أو تحصيل الحقوق إذا كانت هناك مطالبات، وحُلت الأمور.
لكن التركيز المبالغ فيه على مسألة المطالبات في الإعلام بطريقة تُغفل القضايا الأخرى بين البلدين ليس نهجا مهنيا صائبا، مسألة مطالب إيران من سوريا قضية ثانوية بالمقارنة مع موضوع العلاقات بين البلدين، السؤال الأساسي الآن ليس حول المطالب.
هل التأخير في المطالبة بحقوق إيران من سوريا يؤثر على عملية استرداد المطالب؟
لا، الحديث عن المطالب في الوقت الحالي يعد مبكرا، يجب الانتظار حتى تخرج الأوضاع في سوريا من حالة عدم اليقين وتصل إلى استقرار سياسي، السؤال الأهم في الظروف الحالية هو أن تتخذ إيران وسوريا كدولتين مهمتين في المنطقة قرارا أساسيا بشأن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية والرسمية، على أي حال، هذه العلاقات يجب أن تُعاد.
بعيدا عن تغيير الحكومة في سوريا، فإن إيران لم تكن على علاقة فقط بحكومة بشار الأسد، بل كانت لها علاقة مع الدولة السورية، لذلك، الخطوة الأولى هي حل هذه المسألة الأساسية واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران وسوريا، قد تأخذ هذه العلاقات شكلا مختلفا، ولكن داخل إطار هذه العلاقة يمكن حل مسائل المطالب، إضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن جميع الدول قد تشهد تغييرات وتحولات سياسية.
ماذا لو لم تقم إيران علاقة سياسية مع الحكومة الجديدة في سوريا ولم تعترف بها؟
حتى لو تحقق الاستقرار السياسي في سوريا، ولكن لم تُستأنف العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، فإن ذلك لا يعني زوال حقوق ومطالب الدول من بعضها البعض، على سبيل المثال، بعد انتصار الثورة في إيران، لم تكن هناك علاقات دبلوماسية ورسمية بين إيران والولايات المتحدة، ومع ذلك، تم إنشاء آلية محكمة التحكيم بين إيران والولايات المتحدة لحل القضايا المتعلقة بالمطالب بين الطرفين.
طالما أن المطالب قد تمت بشكل رسمي واستنادا إلى اتفاقيات ووثائق واضحة، فإنه من الطبيعي أن يتم تسويتها عبر آليات مماثلة، يمكن للدولتين التوصل إلى حلول عبر آليات واتصالات معينة، سواء في أثناء إنشاء العلاقات الرسمية والدبلوماسية أو من خلال المفاوضات في أماكن محايدة.
حتى الدول التي ليس لديها أي علاقة ثنائية مباشرة، تضطر إلى إقامة تفاعلات بسبب ترابط العالم الحالي عبر المنظمات الدولية أو الإطارات متعددة الأطراف، ستجد الدول نفسها مضطرة إلى التعاون، حتى في غياب العلاقات الثنائية الرسمية.
أعتقد أن إثارة هذا الموضوع الآن نقاش مبكر، وهو قضية ثانوية، قولي هذا لا يعني أن إيران يجب أن تتخلى عن مطالبها، بل إن هذه المطالب جزء من القضايا الثنائية بين البلدين، لا ينبغي توقع حل كل شيء بسرعة وفي فترة زمنية قصيرة، بل يجب أولا معالجة القضايا الأساسية تدريجيا، ومن خلال هذه المعالجة الشاملة، ستكون قضية المطالبات جزءا طبيعيا من النقاش، وستُخصص لها آلية محددة.
على أي حال، هذه المطالبات لن تزول أبدا، بشرط أن تكون قد تمت في إطار اتفاق وعقد رسمي مع وثائق واضحة وقابلة للتقديم، مثل هذه المطالبات لا يمكن أن تُلغى أو تضيع، في متابعة هذا النوع من المطالب، لا ينبغي التسرع، إذ إن مثل هذه العمليات تُنفذ تدريجيا عبر آليات ثنائية أو دولية.
ما النصيحة التي تقدمها لوزارة الخارجية كدبلوماسي ومحامٍ متمرس لاسترداد هذه المطالب؟
في سوريا، بغض النظر عن الحزب أو المجموعة التي تصل إلى السلطة، فإن ذلك لا يغير الالتزامات المحتملة التي تقع على عاتق الدولة السورية تجاه إيران أو أي دولة أخرى، الاتفاقيات الدولية تُبرم مع الدول، وتمثلها الحكومات، وعندما يتم انتقال السلطة بين الحكومات، تنتقل جميع الالتزامات والمطالب إلى الحكومة الجديدة.
لذلك، من الضروري الانتظار حتى يتحقق الاستقرار السياسي في سوريا، وتتشكل حكومة جديدة، من المهم أن تقوم إيران، بغض النظر عن طبيعة الحكومة الجديدة، بإقامة علاقات معها.
مع ذلك، فإن إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي تُعد تبسيطا مفرطا للمسألة، التركيز الحالي على قضية المطالب مسألة جانبية، إيران وسوريا دولتان مهمتان في المنطقة، ويجب عليهما إقامة علاقة ثنائية، وفي هذا الإطار يمكن معالجة القضايا وحلها.
يجب التحلي بالصبر في القضايا الدولية؛ فهذه الأمور تتم عبر عملية طويلة وليست خطوة منفصلة، هذه العملية يجب أن تُنفذ بشكل تدريجي، بما يتماشى مع المصالح والأوضاع، وبناءً على تقدير الدبلوماسيين، فمن خلال نهج تدريجي ومدروس، يمكن تحقيق النتائج المرجوة.