كتب: محمد بركات
في ظل تصاعد الخلافات بين التيارات السياسية بإيران، يتزايد الصراع على أدوات الرقابة البرلمانية كوسيلة لتحقيق التوازن أو تعزيز النفوذ. فبين الدعوات إلى الإصلاح وتحسين الأداء الوزاري من جهة، وتوجيه الانتقادات واستغلال الأزمات الاقتصادية والطاقة من جهة أخرى، يبدو أن البرلمان بات ساحة لمعركة أكبر تتجاوز مجرد استجواب الوزراء.
ووسط هذا المشهد، تصبح أدوات الرقابة البرلمانية أداة لاختبار مدى قدرة التيارات المختلفة على التأثير في مجريات الأمور، حيث تختلط الدوافع السياسية بالأهداف الاقتصادية، مما يسلط الضوء على التوتر المستمر بين متطلبات الإصلاح والنظرة الأصولية لإدارة الملفات داخل المشهد السياسي الإيراني.
حيث أعلن أحمد نادري، عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025، عن وجود طلبات تسجيل رسمية لمقترحي استجواب لوزراء حكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على المنظومة الخاصة بالبرلمان.
وأضاف نادري: “تم تقديم مقترحات استجواب أخرى شفهيا من قبل بعض النواب، ولكن وفقا للنظام الداخلي للمجلس، فإن المقترحات التي تحتوي على ما لا يقل عن 10 توقيعات والتي تُسجل رسميا في نظام المجلس هي التي يتم النظر فيها”.
كذلك، فقد أشار إلى أنه “حتى الآن، تم تسجيل استجواب للسيد محسن باك نجاد، وزير النفط، بـ23 توقيعا، والسيد عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، بأكثر من 70 توقيعا”.
وأوضح أنه “لم يتم إرسال أي من هذين المقترحين للاستجواب إلى هيئة رئاسة البرلمان حتى الآن، ويبدو أن مقدمي هذه المقترحات يسعون لإقناع النواب الآخرين بدعم وتوقيع هذه المقترحات”.
وفي الشأن نفسه، فقد أعلن أحمد بيجدلي، النائب البرلمان عن محافظة زنجان، الإثنين 6 يناير/كانون الثاني 2025، أن أحمد میدري، وزير العمل والتعاون والتضامن الاجتماعي، قد انضم أمس إلى قائمة طلبات الاستجواب، حيث إن استجواب میدري تم تسجيله على منظمة المجلس، ووقَّع عليه نحو 20 نائبا.
جدير بالذكر أن أنباء ترددت حول طلبات استجواب أخرى لوزيري الطرق والتنمية العمرانية، والصناعة والتعدين والتجارة، إلا أنه لم ترد أية تقارير تفيد بتسجيل طلبات استجواب رسمية على المنظومة بشأنهم.
كيف تجري عملية الاستجواب البرلماني في إيران وما بدائلها؟
يعتبر الاستجواب إحدى أدوات الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، وقد نص عليه الدستور الإيراني بوضوح، ففي المادة الـ89 من الدستور الإيراني، تم تأكيد أنه “لأعضاء البرلمان الحق في استجواب مجلس الوزراء أو أي من الوزراء في الحالات التي يرونها ضرورية”.
كذلك، تحدد المادة سالفة الذكر آليات تلك العملية، حيث يطرح الاستجواب في البرلمان بشرط توقيع 10 نواب على الأقل على الطلب الخاص به، كذلك يجب أن يكون نص الاستجواب مكتوبا، وواضحا، ومحددا بالموضوعات أو القضايا المطروحة، بعدها تحال طلبات الاستجواب مباشرة إلى اللجنة المختصة ذات الصلة.
كذلك، يلزم الدستور اللجنة المختصة، بمراجعة الطلب خلال أسبوع كحد أقصى، مع دعوة الوزير المعني ومقدمي طلب الاستجواب، وفي حالة عدم تراجع أي من الأفراد العشرة الموقعين على الطلب بعد انتهاء مهلة اللجنة، يُطرح الاستجواب في أول جلسة علنية.
بعد طرح الاستجواب، يجب على الوزير الحضور إلى البرلمان في غضون 10 أيام، في حين لا يُسمح لمقدمي طلب الاستجواب بإثارة قضايا غير متعلقة بالموضوع المحدد في نص الاستجواب.
على أن الاستجواب يعد آخر الأدوات الرقابية التي يمكن للنواب اللجوء إليها لمراجعة أداء الوزراء، حيث يمتلك البرلمان أدوات رقابية متنوعة يمكن استغلالها لحل المشاكل الاقتصادية الحالية بالتعاون مع الحكومة.
فعلى سبيل المثال يأتي التنبيه كإحدى الأدوات التي تُتيح للنواب توجيه نقد كتابي للوزير المعني، بخصوص موضوع محدد، وتتم قراءته في الجلسة العلنية وإبلاغه إلى الوزير أو رئيس الجمهورية.
كذلك، بإمكان أي نائبٍ طرح سؤال مكتوب وواضح حول الشؤون الداخلية أو الخارجية للبلاد على الوزير المعنيّ، الذي يجب عليه الرد خلال 10 أيام، وفي حال عدم قناعة النواب بالإجابة، يتم منح الوزير ما يُعرف بالبطاقة الصفراء أو التحذير.
أيضا، تُعد مراجعة أداء الوزراء وحل القضايا المتعلقة بمجالات عملهم داخل اللجان التخصصية إحدى الوسائل الفعالة للرقابة البرلمانية، ما يساعد في معالجة المشكلات دون الحاجة إلى الإسراع في طرح طلبات الاستجواب.
بين ضعف الأداء الوزاري وحرب التيارات.. الأسباب وراء طلبات الاستجواب
تأتي طلبات الاستجواب هذه في الوقت الذي تشهد فيه وزارتا الاقتصاد والنفط بإيران انتقادات حادة بسبب ضعف أدائهما، فقد تعرضت وزارة الاقتصاد لاتهامات بعدم القدرة على ضبط سوق العملة، حيث شهد سعر الدولار ارتفاعا حادا من 59 ألف تومان إلى أكثر من 82 ألف تومان خلال بضعة أشهر فقط من تولي همتي حقيبة الاقتصاد، من يوليو/تموز 2024 إلى يناير/كانون الثاني 2025، هذا التدهور الذي أثار مخاوف واسعة من تأثيراته على أسعار السلع الأساسية واستقرار الاقتصاد.
من جهة أخرى، فقد واجهت وزارة النفط انتقادات مشابهة بسبب فشلها في إدارة أزمة الطاقة بالبلاد. انقطاعات الكهرباء ونقص الغاز خلال الأشهر الأخيرة، كشفت عن اختلالات كبيرة في توفير الوقود وإدارة احتياطيات الطاقة، مما أثر سلبا على الحياة اليومية للمواطنين والقطاع الصناعي، هذه الأزمات دفعت النواب إلى المطالبة باستجواب وزير النفط، مشيرين إلى أن ضعف التخطيط وسوء الإدارة ساهما في تفاقم أزمة الطاقة وتدهور الخدمات الأساسية.
على الجانب الآخر، تواجه موجة الاستجوابات تلك، اتهامات موجهة للتيار الأصولي بالوقوف وراءها، باعتبارها جزءا من استراتيجية سياسية تهدف إلى تقويض أداء الحكومة الرابعة عشرة.
حيث يرى بعض المحللين أن الأصوليين يستخدمون أدوات البرلمان، وضمن ذلك الاستجوابات، للضغط على وزراء الاقتصاد والنفط وغيرهم، بغية إظهار الحكومة بمظهر العاجزة عن معالجة الأزمات الاقتصادية والطاقة التي تواجه البلاد، ويرى منتقدو هذا النهج أن الاستجوابات تحمل طابعا سياسيا أكثر من كونها محاولات حقيقية للإصلاح، خاصةً أنها تركز على شخصيات بارزة ذات تأثير اقتصادي في الحكومة.
آراء نواب البرلمان في طلبات الاستجواب
في الوقت نفسه، أثارت تلك الاستجوابات ردود فعل متباينة بين نواب البرلمان، فمنهم من أيدها باعتبارها إحدى أدوات البرلمان لمراقبة الأداء الحكومي، ومنهم من اعتبرها عائقا أمام الحكومة في تنفيذ خططتها.
حيث أكد رمضان رحيمي، نائب دائرة فلاورجان في البرلمان، أن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وعدم تحقيق نتائج من الجلسات العلنية وغير العلنية دفعت إلى استخدام الاستجواب كأداة رقابية، مشيرا إلى أن الانتظار يزيد الأمور سوءا، خاصة في ظل غياب أي خطوات ملموسة لوقف التضخم.
كذلك، فقد صرح حسين علي حاجي دليغاني، النائب البرلماني عن مدينة شاهين شهر، بأن الإدارة الحالية لملفات العملة والأسعار سيئة للغاية، مشيرا إلى أنها تخالف السياسات العامة التي تهدف إلى الاستقرار الاقتصادي وتقليل التضخم.
أيضا، فقد أبدت سمية رفيعي، النائبة عن مدينة طهران، اعتراضها على ارتفاع الأسعار وقفزات الدولار، وأشارت إلى غياب التحركات الفعالة من وزير الاقتصاد لتحسين الوضع، ما يوجب إصدار قرار استجواب.
في حين أشار أمير حسين ثابتي، النائب البرلمان عن مدينة طهران وأحد الشخصيات البارزة في التيار الأصولي، إلى أن الوزراء لم يطلب منهم تحقيق معجزات خلال ثلاثة أشهر، لكن الأخطاء الكبيرة خلال الأشهر الخمسة الماضية تستدعي المحاسبة.
في الوقت نفسه، أبدى العديد من النواب معارضتهم تلك الاستجوابات، وكان على رأسهم محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، الذي أعرب عن موقفه المعارض لاستجواب وزير الاقتصاد حتى الآن، حيث أكد خلال الجلسة البرلمانية التي عقدت الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، وخلال ردّه على طرح استجواب الوزراء قال: “على الجميع، خاصةً القوى الثورية، أن يدركوا أن الشعب يطالب فقط بضبط سعر العملة. وطالما أن الجلسات الرقابية في مستويات مختلفة داخل البرلمان والمتابعات في الاجتماعات التنسيقية بين السلطات لم تصل إلى طريق مسدود، فإن اتخاذ خطوات مثل الاستجواب في ذروة أزمة أسعار العملة يُعدّ خطأ”.
وأضاف قاليباف: “مثل هذا القرار، رغم أنه قد يعود بفائدة سياسية على البرلمان، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو إلحاق الضرر بالاقتصاد ومعيشة المواطنين، لأن سوق العملة سيصبح بلا إدارة فعالة لعدة أشهر، وسيجد المسؤولون التنفيذيون مبررا كافيا للتخلي عن السيطرة على أسعار العملة”.
في الوقت نفسه اعتبر غلام رضا ميرزايي، نائب مدينة بروجن في البرلمان، خلال تصريحات له الاثنين 6 يناير/كانون الثاني 2025، أن تقييم أداء الوزراء خلال أربعة أشهر فقط أمرغير عادل، مؤكدا أن الاستجواب يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإداري للحكومة.
كذلك فقد صرح رحيم زارع، نائب مدينة آباده، بأن الاستجواب يجب أن يخدم الأهداف بعيدة المدى، ويجب أن لا يكون رد فعل لضغوط قصيرة الأمد.
فيما شدد كامل حسين بور، نائب مدينة بيرانشهر، على ضرورة استخدام الأدوات الرقابية الأخرى قبل اللجوء إلى الاستجواب كخطوة أولى.
وأشار حسن هاشمي، نائب مدينة بيرجند، إلى أن الاستجواب يجب أن يكون الخيار الأخير، مشددا على أهمية إعطاء فرصة للحكومة لتحسين الأوضاع.