كتب: ربيع السعدني
ﻭﻗﻊ ﺣﺎﺩﺙ ﺇﻃﻼﻕ ﻧﺎﺭ بالمحكمة ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﻬﺮﺍﻥ، حيث أقدم مسلح على قتل قاضيين إيرانيين بارزين، وإصابة حارس، أحدهما في قصر العدل. وبعد الحادث مباشرة تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإلقاء القبض على مرتكب الحادث، لكنه أقدم على الانتحار فورا.
وقالت وكالة “إيرنا” الرسمية، السبت 18 يناير/كانون الثاني 2025، إن القاضيين في المحكمة العليا، علي رازيني ومحمد مقيسه، ضمن المستهدفين بهجوم إرهابي، وأصيب أيضا حارس شخصي لأحد القاضيين.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا في إيران هي أعلى سلطة قضائية بالبلاد، وتتكون من أبرز القضاة من أجل مراقبة التنفيذ الصحيح للقوانين في المحاكم وتحقيق وحدة الإجراءات القضائية وتنفيذها، والمسؤوليات المنوطة بها وفقا للقانون والمعايير التي يحددها رئيس السلطة القضائية.
هوية القاتل
وفي أعقاب مقتل القاضيين، أعلن موقع “دنياي اقتصاد” الإصلاحي، أن المهاجم كان “موظفا في المحكمة العليا”، أطلق النار على القاضيين من مسدس، وأنهى حياته بالانتحار بعد إطلاق النار.
ومن جانبها، نفت وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري، أن يكون منفذ الهجوم من العمال الخدميين بقصر العدل في طهران.
في أعقاب الحادث الإرهابي الذي أدى إلى مقتل اثنين من القضاة البارزين بالسلطة القضائية، حسبما نقلت الوكالة الإيرانية عن مركز الإعلام القضائي: “تناقلت بعض القنوات الإخبارية أنباء عن اعتقال عدد من موظفي قصر العدل والمحكمة العليا بناءً على أوامر من النيابة العامة، وهو ادعاء كاذب ولا أساس له من الصحة”.
حادث إرهابي
وأعلن مركز الإعلام بالسلطة القضائية، في بيان رسمي نشرته وكالة “إيسنا” شبه الرسمية: “أقدم صباح السبت، 18 يناير/كانون الثاني 2025، مسلح متسلل في المحكمة العليا للبلاد، ضمن عمل مخطط، على اغتيال قاضيين شجاعين لهما تاريخ طويل في مكافحة الجرائم ضد الأمن الوطني والتجسس والإرهاب”.
بناءً على التحقيقات الأولية، فإن الشخص المعني ليس لديه قضية في المحكمة العليا وفقا للبيان، وبعد وقوع العمل الإرهابي مباشرة، تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإلقاء القبض على المسلح، الذي أقدم على الانتحار فورا.
من هو القاضي مقيسه؟
وبحسب تقرير وكالة “إيرنا”، فإن محمد مقيسه، قاضٍ مخضرم، من مواليد عام 1956 في قرية مقيسه بمدينة سبزوار، بمحافظة خراسان رضوي، كان رجل دين وقاضيا بارزا في البلاد، بدأ مسيرته المهنية في الجهاز القضائي منذ عام 1981 تحت اسم مستعار هو ناصريان، وعمل في مكتب المدعي العام الثوري، كان في البداية مساعدا للمدعي العام، وفي عام 1985 تم تعيينه مديرا لسجن قزل حصار.
ومن بين مسؤوليات مقيسه على مدى الأعوام العشرين الماضية منصب مساعد المدعي العام والمشرف على سجن رجائي شهر (جوهردشت)، ومساعد المدعي العام في سجن إيفين، ورئيس فرع محكمة الحجاب في طهران، ورئيس فرع وقاضي محكمة طهران للحجاب.
خلال مسيرته المهنية الطويلة حكم القاضي مقيسه في العديد من القضايا المهمة، وأصدر أحكاما ضد العديد من أعضاء منظمة مجاهدي خلق وتنظيم داعش، وقضية نسرين ستوده، وقضية محمد علي طاهري، زعيم ومؤسس حركة “حلقة العرفان” الدينية عام 2011.
وفي عام 2017، كان القاضي مقيسه رئيسا لمحكمة الجنايات، التي حققت في الاتهامات في قضية الفساد النفطي الكبرى التي تورط فيها الملياردير الشهير بابك زنجاني، إبان فترة حكم الرئيس السابق أحمدي نجاد، وقد استمرت هذه المحاكمة فترة طويلة، وحُكم عليه بالإعدام.
وبسبب دوره القضائي في إصدار أحكام الإعدام وسجن العديد من النشطاء وأعضاء التنظيمات الإرهابية، أدرج محمد مقيسه ضمن قوائم العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
في قرار صدر في 13 أبريل/نيسان 2011، ضم الاتحاد الأوروبي 32 مسؤولا إيرانيا، وضمن ذلك القاضي مقيسه، إلى قائمة العقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، حسبما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
كما أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2019 بقائمة العقوبات، وفي 19 يونيو/حزيران 2023 أدرجت وزارة الخارجية الكندية أيضا اسمه في قائمة العقوبات.
من هو القاضي رازيني؟
أما القاضي علي رازيني، بحسب وكالة “إيرنا”، من مواليد عام 1953 في مدينة رزان بمحافظة همدان، وأمضى طفولته ومراهقته في حضن عائلة دينية وفكرية ورعة، وكان من أقرب وأوثق رفاق الإمام الخميني والعلماء الحكماء، وقد شغل عدة مناصب هامة في السلطة القضائية مثل رئيس محكمة العدل الإدارية، ومكتب المدعي العام، ورئيس منظمة القضاء للقوات المسلحة، والمحكمة الخاصة لرجال الدين، ولعب دورا هاما في تعزيز العدالة بطهران، وكان قاضيا حاسما في التعامل مع الجرائم، وفي تحييد الفتن.
تولى رازيني مسؤوليات هامة خلال الفترة الحرجة من ستينيات القرن العشرين، عندما كانت البلاد تواجه موجة من الأعمال الإرهابية التي شنتها جماعات معادية مثل منظمة “مجاهدي خلق” ضد مسؤولين وشخصيات بارزة في طهران، وأئمة الجمعة في البلاد، وكان له دور بارز في محاكمة ومعاقبة المندسين والمخربين.
وفي يناير/كانون الثاني عام 1998، عندما كان رازيني رئيسا للقضاء في محافظة طهران، تعرض لهجوم إرهابي، ليلة الثامن عشر من رمضان، وفي هذا الهجوم تم تثبيت قنبلة مغناطيسية على سيارته من قبل عملاء إرهابيين، وأدى الانفجار إلى إصابته بجروح خطيرة.
وفي اليوم نفسه، زار المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس قضاة محافظة طهران الذي كان يرقد في أحد مستشفيات طهران نتيجة محاولة اغتيال فاشلة من قبل أعداء النظام.
دوافع الهجوم المسلح
ومن جانبه، قال المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير، في تصريح للتلفزيون الرسمي نشره موقع “ميزان أونلاین” التابع للسلطة القضائية: “إن شخصا مسلحا بمسدس دخل غرفة القاضيين وأطلق النار عليهما، ولم تتضح بعدُ دوافع الهجوم، على الرغم من أن المهاجم لم يكن لديه أي قضايا سابقة في المحكمة العليا”.
وأعلنت السلطات فتح تحقيق في الحادث؛ للكشف عن ملابساته وتحديد هوية أي مشتبه بهم آخرين قد يكونون متورطين، وبحسب وكالة “إيرنا” حول تفاصيل اغتيال “علي رازيني”، و”محمد مقيسه” فقد وقع الحادث في مكتبهما، كما كان أحد مستشاري المحكمة العليا حاضرا في مكان الحادث.
من يقف وراء الحادث؟
يذكر أنه في يناير/كانون الثاني 1998، تم استهداف القاضي محمد رازيني من قبل الإرهابيين، عندما كان رئيس محكمة طهران، وفقا لموقع “ميزان” التابع للسلطة القضائية، حيث تعرضت سيارته لهجوم من قبل سائقي الدراجات النارية عند مغادرة مكتبه؛ مما أدى إلى إصابته.
وكان كلا القاضيين معروفا بملاحقة الناشطين وإصدار أحكام قاسية عليهم على مدى العقود الماضية، ونقل موقع “ميزان”: “كان القاضيان علي رازيني رئيس الفرع 39، ومحمد مقيسه رئيس الفرع 53 للمحكمة العليا ضمن المستهدفين في المخطط الإرهابي”.
رسائل تعزية
أقيمت اليوم الأحد 30 يناير/كانون الثاني 2025، في مزار الشهداء مراسم توديع “علي رازيني”، و”محمد مقيسه”، أحد القضاة البارزين في النظام القضائي بإيران.
ونشر المرشد الإيراني علي خامنئي، رسالة وصف فيها رازيني بـ”العالم المجاهد”، ومحمد مقيسه بـ”القاضي الشجاع”.
وجاء في البيان الذي صدر يوم السبت، 19 يناير/كانون الثاني 2025: “أبارك ذوي العالم المجاهد الشيخ علي رازيني وزميله القاضي الشجاع الشيخ محمد مقيسه رضوان الله عليهما، باستشهادهما، وأعزي بفقدهما، وسبق أن تعرض رازيني لمحاولة اغتيال على يد المناوئين وتحمل لسنوات محنة الجراح التي أصيب بها، وكان شقيق اثنين من الشهداء العظام اللذين قضيا نحبهما في الماضي”.
وفي سياق متصل، أوعز رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، إلى القيادة العامة للأمن الداخلي في البلاد باتخاذ إجراءات عاجلة لتحديد هوية الآمرين والقائمين على تنفيذ عمليتي اغتيال القاضيين بطهران، ووصف الرئيس الحادث بالوحشي والجبان، وذلك في رسالة تعزية بعث بها إلى ذويهم: “هذه عملية اغتيال جبانة ووحشية، أصابتني ببالغ الحزن والأسى”.
وأضاف بزشكيان في بيان نشرته وكالة أنباء “إيرنا”: “لا شك في أن المسيرة والنهج اللامع لهذين القاضيين الكادحين والمخضرمين لدى المحكمة العليا، اللذين أفنيا عمرهما في مواجهة شتى الجرائم المناوئة للأمن القومي والدفاع عن حقوق الشعب، سيتواصل بقوة ولن يتم المساس بسير تنفيذ العدالة في البلاد إطلاقا”.
حوادث اغتيال متكررة
وقد شهدت طهران في السنوات الأخيرة عددا من عمليات إطلاق النار التي استهدفت شخصيات بارزة، كان آخرها مقتل واعظ ديني بمدينة كازرون الجنوبية محمد صباحي، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد إمامته لصلاة الجمعة.
وهو ثالث إمام جمعة يُقتل في كازرون منذ الثورة الإيرانية عام 1979، فقد قُتل إمام جمعة كازرون محمد خرسند بعدما تعرض لعملية طعن، فيما قُتل الإمام عبد الرحيم (رحمان) دانشجو بثلاث رصاصات، ونسبت السلطات هذا الاغتيال إلى منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة.
وفي أبريل/نيسان 2023، قُتل رجل دين آخر يُدعى عباس علي سليماني، عضو مجلس خبراء القيادة، رميا بالرصاص في أحد البنوك بمحافظة مازندران شمال إيران، وبحسب وكالة “إيرنا” الرسمية، فإن الشخص الذي اغتال سليماني كان من منتسبي إحدى شركات حفظ النظام، وليس من موظفي هذا البنك.
وفي 11 أغسطس/آب 2004 اغتيل القاضي الإيراني الشهير حسن أحمدي مقدس، نائب المدعي العام في طهران، على يد مسلحين اقتحما سيارته، وبعد عامين من اغتياله أُعدم المتهمان (حسين وماجد كافوسي) اللذان أدينا بقتله شنقا بميدان عام، في ذكرى وفاة القاضي المقدس.