كتبت: ميرنا محمود
وفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية تسنيم في 27 أغسطس/آب 2024، أكد السفير الأمريكي في أنقرة على ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين، ولكن قائمة العقوبات الأخيرة المُعلنة ضد تركيا تقول شيئًا آخر، ولم يتم تنفيذ عقد بيع الطائرات المقاتلة من الطراز “F-16” بعد.
وتواصل وزارة الخزانة الأمريكية مراقبتها ورصدها عن كثب لدور الشركات والمنظمات المالية والصناعية التركية في انتهاك العقوبات الدولية المفروضة على روسيا. ورغم أن تركيا اعتبرت نفسها دائمًا صديقًا وحليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة بسبب عضويتها في حلف شمال الأطلسي (“NATO”)، إلا أن البيانات تظهر أن الولايات المتحدة لا تثق بتركيا كثيرًا ولديها شكوك كبيرة بشأن العلاقات بين أنقرة وموسكو.
وقبل أيام أكَّد السفير الأمريكي في أنقرة على ضرورة تحسين العلاقات، لكن قائمة العقوبات الجديدة المعلنة ضد تركيا تقول شيئًا آخر، كما أن عقد بيع طائرات “F-16” الحربية لم يُنفَّذ بعد.
وقريبًا ستنتهي مهمة السفير الأمريكي لدى تركيا “جيف فليك” وسيتم استبداله بدبلوماسي آخر. لكن يبدو أنه قبل مغادرته أنقرة يحاول إرضاء المسؤولين الأتراك ويقدم توجيهات بشأن مستقبل العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
ذكر فليك في مقابلته مع بوليتيكو، أنه قام برحلات عديدة بالطائرات والسفن لتوقيع الاتفاقيات بين تركيا والولايات المتحدة، وتمكن في النهاية من الحصول على موافقة أردوغان على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي مقابل إقناع أعضاء الكونجرس ببيع طائرات “F-16” إلى أنقرة.
وأثار فليك، بعض النقاط التي لاقت استحسان ورضا الإعلام القريب من حزب العدالة والتنمية، فقال “لقد دعمنا تركيا بعد فوات الأوان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وكان ذلك خطأ. قبل التواصل مع أردوغان، كان بوتين قد فعل ذلك وما زال لهذا السلوك تأثيرات سلبية. تركيا شريك مهم، عندما ينعم العالم بالسلام، فإن تركيا تحتل موقعًا مهمًا جغرافيًا.”
ونصح فليك السفير القادم ومسؤولي وزارة الخارجية بتعزيز العلاقات مع تركيا. لأنه وبرأيه، “تعتبر تركيا حليفًا لا غنى عنه لأميركا وقوة إقليمية متنامية تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي”.
لاقت كلمات الإشادة والثناء التي أدلى بها السفير الأمريكي بشأن دور تركيا الإقليمي والدولي استحسانًا من وسائل الإعلام المقربة من حكومة أردوغان، إلا أن التقرير الجديد لقائمة العقوبات الأمريكية أظهر أن رجال الأعمال والشركات التركية الأطراف في الاتفاق مع روسيا، يواجهون مطرقة العقوبات من جديد.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في تقريرها أنه على الرغم من التحذيرات المتكررة، واصلت بعض الشركات ورجال الأعمال الأتراك التعاون مع روسيا وأنشأت ترتيبات خاصة وهياكل مالية لتجاوز العقوبات وإرسال الأموال إلى روسيا. ويتبين أن قائمة العقوبات، التي تضم أشخاصًا وكيانات مختلفة من الصين وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط، تشمل أيضًا أسماء مواطن تركي وبعض الشركات التركية.
ذكر نائب وزير الخزانة الأمريكي “والي أدييمو”، الذي زار إسطنبول وأنقرة مرتين، أن الشركات التركية ساعدت في انتهاك العقوبات ولم تلتزم بمبادئ مهمة مثل عدم إقامة اتصالات مع المؤسسات المصرفية الروسية وتقييد القطاع الاستراتيجي للفلزات والمعادن الروسية. وتشمل هذه القائمة 107 شركة ومؤسسة مالية من الصين وسويسرا وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
أوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن هناك طريقتين تقليديتين للتحايل على العقوبات المفروضة على روسيا:
أ) توريد المعدات والمركبات الحساسة ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا عبر الأنشطة المتطورة للشبكات العابرة للحدود الوطنية.
ب) المساعدة في تحويل الأموال بشكل غير مباشر إلى كبار رجال الأعمال الروس المدرجين في قائمة العقوبات، ولكن يقوم رجال أعمال آخرون بتسليم البضائع والأموال نيابة عنهم مقابل عمولة، وأحيانًا يشاركون في أنشطة غسيل الأموال. ويقال إن الأشخاص والشركات التركية يعملون في كلا المجالين.
شبكة توريد المعدات العسكرية
أول شخص ورد ذكره في بيان وزارة الخزانة الأمريكية هو جوليو سفوليتي، وهو مواطن إيطالي له علاقات مالية مع تركيا ويدير جزءًا من شبكة المشتريات و تسهيل التعاملات مع الجانب التركي. تلقَّى مساعدة من وسيط تركي وعدد كبير من الموردين لتوريد معدات عسكرية وذخيرة وأسلحة عسكرية بقيمة تزيد عن 150 مليون دولار للجيش الروسي.
بالإضافة إلى ذلك، يتواجد اسم مواطن تركي يعمل في مجال التجارة البحرية وصناعة الدفاع ضمن قائمة العقوبات الأمريكية.
رئيس مجلس إدارة شركة طه للصناعات الدفاعية والتجارة المساهمة المحدودة، خيري طاهر بك أوغلي، يدير هذه الشركة التي تعمل في مجال الصناعات العسكرية والتجارة والتي تعمل بالقرب من منظمة الصناعات الدفاعية التركية وهي في الواقع شركة تصنيع ذخيرة وأسلحة ومعدات عسكرية عملت مع روسيا عدة مرات.
وفقًا للمعلومات المتاحة على موقع “طه ديفينس”، تأسست هذه الشركة في منطقة أتاشهير بمدينة إسطنبول عام 2017، وتشارك في العديد من المشاريع أيضًا في الشؤون العسكرية، وإنتاج الذخيرة، وإنتاج الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وتطوير التكنولوجيا العسكرية، وتوريد قطع غيار المركبات العسكرية ومشاريع الطاقة في إطار الشراكة.
وذكرت الولايات المتحدة أيضًا أن شركة برومتيك، ومقرها في روسيا، والتي كانت مُدرجة في قائمة العقوبات في الماضي، أرسلت منتجات عالية التقنية إلى شركات تابعة لشركة برومتيك عبر شبكة شركات تمتد في تركيا وفرنسا وهونج كونج.
بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، قامت شركة Enütek التركية بشحن مئات التقنيات، بما في ذلك التقنيات ذات الدوائر الإلكترونية المتكاملة والمكثفات السيراميكية، إلى بعض الشركات التابعة لشركة Promtekh. تقع شركة Enütek في منطقة بيرام باشا بإسطنبول، وتتمتع بخبرة في معالجة السبائك الفائقة والتيتانيوم وInconel-718 وRN88 وRN41 والفولاذ المقاوم للصدأ والألومنيوم وبعض المواد الأخرى.
تُعد شركة Confienza Gıda واحدة من الشركات التي تقوم ببيع منتجات لشركات تابعة لـ Promtekh في تركيا، وقد قامت بأكثر من 200 شحنة إلى شركة روسية تعمل في مجال التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج. وتشمل منتجات الشركة “معدات صناعية، معدات تنقية المياه ومعدات كهربائية”.
وزوّدت شركة تركية أخرى تدعى Whitestone، تعمل سرًا في منطقة ألانيا بمقاطعة أنطاليا، روسيا ببعض المنتجات وأجهزة الحوسبة التي يحتاجها قطاع البصريات، وعليه تم إدراجها في قائمة العقوبات.
تنشط شركة Hydropark Pneumatic Industry and Trade، المدرجة في هذه القائمة، في توريد المعدات الهيدروليكية والنفاثة بالإضافة إلى توفير مراكز تصنيع الآلات والمراكز التي تعمل بالتحكم الرقمي في روسيا. أرسلت الشركة أكثر من 800 ألف دولار إلى المستخدمين في روسيا؛ وهذا المبلغ يفوق الإيرادات السنوية المعلنة للشركة.
تُوَرِّد شركة Feva، وهي شركة تركية أخرى، معدات التحكم الرقمي (CNC) للمستخدمين في روسيا. وأرسلت هذه الشركة أكثر من 500 شحنة، بما في ذلك معدات الإنتاج، إلى روسيا. حتى الآن، تم إدراج ما مجموعه 8 شركات تركية كبرى لإنتاج الصناعات الدفاعية وتكنولوجيات الاتصالات في قائمة العقوبات الأمريكية بحجة تصدير البضائع وتقديم الخدمات إلى روسيا.
وبينما يحدث كل هذا، مع بقاء شهرين ونصف على الانتخابات الأمريكية، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه الدولة مستعدة لتسليم شحنتها من الطائرات المقاتلة من طراز F-16 إلى تركيا. لكن البيانات تشير إلى أن فريق أردوغان يتطلع إلى فوز دونالد ترامب، ويرى أن مستقبل العلاقات التركية الأمريكية أفضل وأكثر إيجابية في حال فوز ترامب.