ترجمة: شروق السيد
في خضم التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، تبرز محاولات الوساطة من قبل دول إقليمية ودولية مثل تركيا والهند، حيث أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عن مساعي بلاده لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، بينما أشار نظيره الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، إلى جهود نيودلهي في هذا السياق. إلا أن هذه المحاولات تثير تساؤلات حول إمكانية نجاحها، في ظل العلاقات المعقدة بين طهران وتل أبيب. في هذا التقرير الذي نشرته الصحيفة الإيرانية “شبكه شرق”، تستعرض آراء الخبراء حول دور هذه الوساطات ومدى تأثيرها في خفض التوترات، إضافة إلى الأسباب التي تدفع تركيا والهند إلى المشاركة في هذا النزاع.
كتبت الصحيفة الإيرانية “شبكه شرق“، أنه في أعقاب تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، صرح هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، في مقابلة، بأن تركيا لا ترغب في توسع التوترات بالمنطقة، وذكرت صحيفة “حرييت” التركية أن فيدان قال في جزء من هذه المقابلة، إن تركيا، بهدف خفض التوتر، أجرت محادثات مع الأطراف الأمريكية، شملت نقل رسائل من إسرائيل، وأكد قائلا: “من مصلحتنا منع تفاقم الصراعات، خصوصا في الوضع بين إيران وإسرائيل”.
من جانبه، ادعى سوبارامانيام جايشانكار، وزير الخارجية الهندي، أن نيودلهي واحدة من الدول التي تحاول معرفة ما إذا كانت إيران وإسرائيل ستجريان محادثات لمنع مزيد من الصراعات في الشرق الأوسط أم لا، وأضاف جايشانكار: “في الشرق الأوسط، الجهود الأكبر منصبَّة على منع توسيع النزاع، إحدى الثغرات هي عدم قدرة إيران وإسرائيل على إجراء محادثات مباشرة مع بعضهما البعض”، وأوضح: “لذلك، تسعى دول مختلفة لمعرفة ما إذا كان بإمكانها سد هذه الفجوة أم لا، ونحن واحدة منها”.
وتابعت الصحيفة قائلة: وفي هذا الصدد، تحدث ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، عبر الهاتف، كما التقى مؤخرا على هامش قمة بريكس مع مسعود بزشكيان، رئيس إيران، ومن الجدير بالذكر أن بزشكيان كان قد طلب من الهند أن تلعب دورا في جهود السلام بغرب آسيا. ومع ذلك، ومن أجل دراسة المزاعم التي طرحها وزيرا خارجية الهند وتركيا، جلسنا لإجراء مقابلة مع شعيب بهمن، لتحليل هذا الموضوع من وجهة نظره كخبير بارز في القضايا الدولية، وفيما يلي نص هذه المقابلة.
مؤخرا، ادعى هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، وساطة أنقرة لخفض التوتر بين إيران وإسرائيل، كما طرح سوبارامانيام جايشانكار، وزير الخارجية الهندي، ادعاء مشابها، وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء، الذي قال عنه إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، “أساسا طهران لا تعترف بتل أبيب لكي تسعى وراء وساطة من دول أخرى”، يطرح السؤال التالي: هل ستسهم جهود أنقرة ونيودلهي أو غيرهما من اللاعبين الإقليميين والدوليين في الوساطة بهذا التوتر؟ هل هي في الأساس قابلة للوساطة في سياق العلاقات بين طهران وتل أبيب؟
الإجابة هي: لا على الإطلاق؛ لأن كما ذكرتَ، ونقلا عن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، فإن إيران لا تعترف أساسا بنظام إسرائيل، وبالتالي لا يمكنها قبول أي نوع من المفاوضات أو الوساطات حتى بشكل غير مباشر، لذلك من البديهي أن إيران لن تدخل في أي عملية تفاوض أو وساطةٍ طرفها الآخر إسرائيل، بناء على ذلك، لا يمكن أن يكون الحديث عن وساطة من تركيا أو الهند أو أي دولة أخرى قريبا من الواقع.
هل يمكننا في إطار تحليل هذه الادعاءات أن نقتصر على اعتبار هذه الوساطات مجرد تبادل رسائل أو نقل رسائل؟
يمكن الدفاع عن هذا الرأي إلى حد ما؛ لأنه قبل تركيا والهند، كانت هناك دول أخرى قد قامت بدور الوسيط أو ناقلة للرسائل، كما فعلت روسيا في فترات سابقة، وكذلك تركيا التي طرحت هذا الادعاء مؤخرا.
سيد بهمن، برأيكم، كيف يمكن تقييم تفاصيل أو متطلبات هذا النقل للرسائل؟ هل كانت تركيا طرفا ثالثا؟
لقد طرحت نقطة مهمة، لا، ليس الأمر كذلك، في الحقيقة، لم تتلقَّ تركيا رسالة مباشرة من إسرائيل لكي تنقلها إلى إيران، أو العكس، بل يبدو أن رسالة إسرائيل نُقلت إلى تركيا عن طريق الولايات المتحدة، ومن ثم أوصلتها تركيا إلى إيران، من جهة أخرى، نقلت إيران رسالة عبر تركيا إلى واشنطن ليتم إيصالها إلى إسرائيل عبر الأمريكيين، لذلك لا يوجد موضوع وساطة أو نقل رسائل كطرف ثالث، هنا أكرر: موضوع الوساطة مرفوض تماما، وإذا كان الأمر يتعلق بنقل الرسائل فقط، فقد تم بهذه الطريقة سواء كان عبر روسيا أو تركيا أو الهند أو أي دولة أخرى. على أي حال، فإن طبيعة العلاقات بين إيران وإسرائيل وعدم اعتراف طهران بهذا النظام يعقدان المسألة تماما، ونحن نواجه دبلوماسية معقدة ومتعددة الأوجه من قبل دول إقليمية ودولية.
مع ذلك، يبقى السؤال الأساسي: لماذا ينبغي لدولة مثل تركيا، التي لديها علاقات اقتصادية وتجارية وسياسية ودبلوماسية خاصة مع إسرائيل، ودولة بعيدة مثل الهند، التي ليس لها ارتباط جيوسياسي مباشر بالشرق الأوسط، أن تقوم بالوساطة أو تلعب دورا في هذا النزاع؟ ما الدوافع أو المصالح التي تدفع نيودلهي وأنقرة لدخول هذا التوتر، حتى لو كان دورهما مقتصرا على نقل الرسائل؟
كل من تركيا والهند توصلتا إلى تقييم، مفاده أنهما يستطيعان أداء دور الوسيط أو ناقل الرسائل بحكم علاقاتهما مع كلا الطرفين، أي إيران وإسرائيل، كما نعلم، فإن علاقة إسرائيل مع الهند قوية، وفي الوقت نفسه، علاقات نيودلهي مع طهران تاريخية وجيدة، إضافة إلى ذلك، تُعتبر الهند قوة صاعدة على المستوى الإقليمي، لذلك لا تميل نيودلهي إلى تفويت فرصة لعب دور في التوترات الكبرى بين إيران وإسرائيل؛ في محاولة لتعزيز نفوذها الدبلوماسي والسياسي، وبالتالي، تسعى الهند إلى دخول بعض النزاعات والتوترات والأزمات الإقليمية والدولية لزيادة نفوذها، كما تحاول أن تظهر بصورة الوسيط وداعم السلام، بهذا التوجه، حاولت الهند الدخول في وساطات حتى في حرب أوكرانيا مع الروس والأوكرانيين قبل أن تتجه إلى التوتر بين إيران وإسرائيل، وبالنسبة إلى تركيا، ينطبق عليها تحليل مشابه؛ فهي أيضا سعت مرارا لتلعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية، كما فعلت في حرب أوكرانيا.
من هذا المنطلق، تحاول أنقرة التدخل بهذه الطريقة في الحرب بالشرق الأوسط، علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين إيران وتركيا عميقة وحسنة وتاريخية، وفي الوقت نفسه، لتركيا علاقات خاصة مع إسرائيل، ويجب ألا ننسى أن أزمة الأمن في الشرق الأوسط يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على دول المنطقة مثل تركيا نفسها، من الواضح أنه في مثل هذه الظروف، ستحاول أنقرة، سواء كوسيط أو كناقل للرسائل، التدخل في هذا التوتر لمحاولة منع تفاقم النزاع وتصاعده، لكن هناك نقطة في غاية الأهمية يجب مراعاتها في هذا التحليل.
ما هذه النقطة؟
إيران لا تسعى لتصعيد التوتر، بل إن النظام الإسرائيلي هو الذي يسعى لتبني سياسة التصعيد في المنطقة ويرغب في توسيع نطاق الحرب وخلق مواجهة إقليمية شاملة، ومن ثم بدلا من أن تركز الدول الإقليمية والدولية جهودها الدبلوماسية على الوساطة أو نقل الرسائل، ينبغي أن تركز مساعيها على كبح جماح النظام الإسرائيلي أو تبني علاقات وسلوكيات تمنع إسرائيل من السعي إلى تصعيد التوتر واندلاع صراع واسع النطاق في المنطقة، هذا هو الأمر المهم أو النقطة الأساسية التي يجب على لاعبين مثل تركيا والهند، أن يأخذوها في الحسبان ضمن المعادلات الإقليمية.
سلسلة ردود الفعل المتبادلة بين الطرفين تجعل الوضع أكثر تعقيدا؛ هل سنصل، في حال استمرار وتصاعد هذا الاتجاه، إلى مرحلة من النزاعات غير القابلة للسيطرة؟
لا أعتقد ذلك.
لأي سبب؟
لأنه رغم أن سلسلة الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل أدت إلى كسر الخطوط الحمراء لأول مرة، فإن الطرفين سعيا لجعل هذه الاشتباكات وسلسلة الفعل وردّ الفعل متواصلة ضمن مستوى محدود وقابل للتحكم، بحيث لا تؤدي إلى تصعيد غير قابل للسيطرة، حتى الآن، اقتصرت أهداف الطرفين على المواقع والأهداف العسكرية فقط؛ وهذا يدل على أن الطرفين يراعيان اعتبارات مهمة في ردودهما، لكن من الجدير بالذكر أن إيران لم تبدأ هذه الاشتباكات، بل إن الإسرائيليين هم الذين شنوا هجوما على مبنى القنصلية الإيرانية بسوريا في شهر أبريل/نيسان الماضي، وتبع ذلك سلسلة من الأعمال دفعت طهران إلى الرد، ثم قام الإسرائيليون باغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، في طهران، لذلك، لم يكن أمام إيران خيار سوى الرد لحفظ صورتها وتحقيق قدرة الردع، إضافة إلى تحقيق مصالحها وأمنها القومي، وبناء على ذلك، أعود إلى ما ذكرته سابقا بأن تركيا أو الهند أو أي دولة أخرى يجب أن تركز على كبح جماح النظام الإسرائيلي ونتنياهو، ما سيؤدي تلقائيا إلى خفض مستوى التوتر.
إلى متى تتوقع استمرار هذا التبادل المتكرر بين الطرفين؟
إذا واصلت إسرائيل هذه السياسة، فلن يبقى الأمر مقتصرا على تبادل الفعل ورد الفعل، بل ستسعى طهران إلى توجيه ضربة “حاسمة”.
هل تقصد حربا؟
لا، هذه الضربة الحاسمة ستكون تحت مستوى الحرب، لكنها ستكون قوية بما يكفي لجعل إسرائيل تدرك ضرورة التوقف عن تصعيد التوتر مع إيران، ومن ثم من المؤكد أن الضربة التالية لإيران ستكون ضمن ما يسمى بـ”الوعد الصادق 3″، بحيث تتأكد إسرائيل من الرسالة، وإلا، فإن الضربة الرابعة ستأتي بمعادلات جديدة تجبر النظام الإسرائيلي على استيعاب الأمر.