كتبت: يسرا شمندي
سعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال مشاركته في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تقديم سياسة خارجية تقوم على “التفاعل البناء مع العالم”. وأكد بزشكيان في خطابه الأول، أهمية التعاون مع الدول المجاورة وتعميق العلاقات مع الشرق، وإصلاح العلاقات مع أوروبا، مع التركيز على حل القضايا الإقليمية والدولية العالقة.
ركز بزشكيان في حملته الانتخابية الأخيرة، على “التفاعل البناء مع العالم” كعنصر أساسي في سياسته الخارجية، تضمنت استراتيجيته إعطاء الأولوية للعلاقات مع الجيران وتعميق الروابط بشكل ذكي مع الدول الصديقة في الشرق، إضافة إلى إصلاح العلاقات مع أوروبا والسعي لتقليل التوترات مع الولايات المتحدة، وبدعم من هذا المحور، قام بزشكيان بأول رحلة دولية متعددة الأطراف إلى نيويورك؛ للمشاركة في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بناءً على تقريرٍ نشره موقع جمران نيوز بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2024.
تطلَّع بزشكيان في خطابه الأول بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تقديم صورة جديدة ومختلفة عن حكومته من خلال تسليط الضوء على الإرادة السياسية لحكومته في دفع عجلة التنمية، كما أكد أهمية بعض العلاقات الثنائية وضرورة الاستماع إلى الشكاوى والانتقادات، بهدف إخراج بعض القضايا الإقليمية والدولية المهمة من المأزق السياسي الذي تعاني منه.
وفي هذا السياق، فإن العبارة الأهم التي تتحدث كثيرا عن سياسة بزشكيان الخارجية في السنوات الأربع المقبلة هي البرنامج الذي طرحه في خطابه بقاعة الجمعية العامة بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2024: “أعتزم وضع أسس متينة لدخول إيران إلى عهد جديد ولعب دور بناء وفعال في النظام العالمي الناشئ، وإزالة العقبات والتحديات، وبناء علاقات إيران على أساس المتطلبات والواقع في عالم اليوم”.
وبالنظر إلى جميع المواقف والمقابلات والخطب التي ألقاها رئيس ووزير خارجية إيران عباس عراقجي في نيويورك، يتبين أن الوفد الإيراني لا يجهل الفرص المتاحة لسياسة “التفاعل البناء مع العالم”، لأنه يرى التحديات التي تواجهها وتواجه المجتمع الدولي، ويمكن تلخيص ضرورات الحكومة الـ14 للتغلب على هذه الصعوبات وتعزيز الفرص وفقا لمضمون ونص خطاب بزشكيان على النحو التالي:
- إنهاء الحرب في غزة ولبنان: الحاجة المُلحة لوقف إطلاق النار ومنع انتشار الصراع إلى مناطق أخرى.
- الحرب في أوكرانيا: ضرورة التوصل إلى حل سلمي لتحقيق التعايش بين موسكو وكييف.
- القضية الفلسطينية: أهمية عدم تجاهل القضية الفلسطينية مجددا، مع اقتراح إيران إجراء استفتاء وطني ليختار الفلسطينيون مصيرهم.
- إنشاء منطقة قوية: ضرورة تشكيل نظام إقليمي جديد يستند إلى مصالح جميع الفاعلين الإقليميين.
- أمن عالمي مستدام: الحاجة لوضع حد لاستراتيجيات الأمن التي تتسبب في عدم استقرار الآخرين.
- المصالح المشتركة: التركيز على المصالح المشتركة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات المفروضة على إيران.
- استخدام العقوبات: الحاجة لإنهاء الاستخدام السياسي للعقوبات ضد الدول الأخرى.
ويمكن القول إنه في العديد من لقاءات كبار أعضاء الوفد الإيراني مع نظرائهم من الدول الأخرى، تمت مناقشة هذه المحاور وتأكيدها وفقا لقرب أو بعد مواقف البلدين في كل من هذه المجالات.
في هذا الإطار، كان العديد من المراقبين يتطلعون إلى نتائج لقاءات بزشكيان وعراقجي مع المسؤولين الأوروبيين والأمين العام والمديرين العامين للمؤسسات الدولية، لقياس تأثير المشاورات الأولية للوفد السياسي الإيراني في نيويورك، يأتي هذا الاهتمام في ظل العلاقات المتوترة بين إيران وأوروبا وتزايد القضايا المعقدة المرتبطة بالنزاع في السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم هو: كيف يمكن تقييم نتائج هذه الاجتماعات وما الذي ينبغي توقعه من الطرفين بعد العودة من نيويورك؟
في الوقت الحالي، يعتبر كل شيء هو “خط اتصال”
يعد أهم دليل لفهم الوضع العام في العلاقات الإيرانية الأوروبية، وكذلك الحصول على نظرة واقعية حول إنجازات مشاورات الوفد الإيراني مع مختلف السياسيين الأوروبيين في الأيام الماضية والمقبلة، يمكن العثور عليه في كلمات مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
والجدير بالذكر أن العلاقات الإيرانية الأوروبية تدهورت في العامين الماضيين نتيجة لعوامل متعددة، منها العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا، والدعم الأوروبي للاحتجاجات في إيران صيف 2022، وتعثر إحياء الاتفاق النووي، زاد اصطفاف الولايات المتحدة وأوروبا مع إسرائيل ودعم إيران لمحور المقاومة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 من الفجوة بين طهران وبروكسل، نتيجة لذلك، كلفت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) جوزيب بوريل بالتواصل مع المسؤولين الإيرانيين، حيث كان له دور نشط في التفاعل مع طهران خلال السنوات الثلاث الماضية.
وخلال اجتماع بوريل مع عباس عراقجي، شدد بوريل على ضرورة الحفاظ على قنوات الاتصال بين إيران والاتحاد الأوروبي رغم الخلافات، كما اعتبر انتخاب رئيس جديد في إيران فرصة لتعزيز التواصل، ومن جانبه أكد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، أن انتخاب بزشكيان يمثل فرصة لإحياء المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، مع التشديد على أهمية احترام تنوع الفكر والتفاعل البناء.
التركيز على مجالات “الاهتمام أو المصلحة المشترك”
تناول عباس عراقجي في اجتماعه مع بوريل عدة قضايا مهمة، منها المفاوضات النووية، والتوترات في الشرق الأوسط بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، والصراع الأوكراني، مشددا على ضرورة تجنب المعايير المزدوجة في حقوق الإنسان، وقد صنف عراقجي القضايا تحت “المصلحة أو الاهتمام المشترك”، وهي أساس استراتيجية إيران لاستعادة علاقاتها الطبيعية مع أوروبا، وركزت رسالة الحكومة الإيرانية الجديدة على أهمية التعاون في مجالات ذات مصلحة مشتركة، مع الاستعداد لاتخاذ نهج مختلف في قضايا أخرى، مما يسهم في تقدم المفاوضات، خصوصا حول خطة العمل الشاملة المشتركة، ورفع العقوبات، والقضايا النووية والإقليمية.
روايات مختلفة عن طهران وباريس في الاجتماع
تتمحور الروايات حول اللقاء بين مسعود بزشكيان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول القضايا الرئيسية المتعلقة بالتصعيد في منطقة الشرق الأوسط، والحرب في أوكرانيا، والمفاوضات النووية، كما طلب ماكرون من إيران استخدام نفوذها لخفض التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، وأدان دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، وطالب بالإفراج عن ثلاثة مواطنين فرنسيين محتجزين في إيران، مؤكدا أن ذلك يعد شرطا لتحسين العلاقات الثنائية بين طهران وباريس.
شدد بزشكيان من جانبه على سياسة إيران في ضبط النفس تجاه العدوان الإسرائيلي، منتقدا الجرائم الإسرائيلية في غزة ولبنان، ودعا إلى إنهاء المعايير المزدوجة التي يتبناها الغرب تجاه حقوق الإنسان. وأكد استعداد إيران للتعاون مع أوروبا وحل القضايا المشتركة، وضمن ذلك الملف النووي، مع تأكيد أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية ولكنها تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل تقليدي. كما أشار إلى أن الوضع في غزة يُعتبر درسا للعالم حول أهمية القوة.
وفي ضوء هذه المشاورات، يسعى الأوروبيون لاستغلال تغيير الحكومة الإيرانية لتهدئة المخاوف الإقليمية، وسط تصعيد إسرائيلي وفشل نتنياهو في قبول وقف إطلاق النار، هناك توقعات بأن تساهم هذه الديناميكية الدبلوماسية في إعادة إحياء المفاوضات حول خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات، مع احتمال استمرار المحادثات بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية.