كتب: محمد بركات
في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات متسارعة وتحديات متزايدة على الصعيدين السياسي والأمني، قام رئيس وزراء العراق بزيارة مهمة لطهران، زيارة لا تُعنى فقط بالعلاقات المشتركة بين البلدين، بل أتت لبحث التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
فقد سافر محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، برفقة وفد من الوزراء العراقيين، للعاصمة طهران في زيارة ليوم واحد؛ وذلك لمناقشة القضايا الثنائية، والتطورات الإقليمية والدولية، خاصة في ما يتعلق بالأوضاع في سوريا، وتوقيع مذكرات تعاون بين البلدين وبحث سبل إعادة تصدير الغاز الإيراني إلى العراق، وكان في استقباله بمطار مهر آباد، عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد الإيراني.
بعدها التقى السوداني مع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، وجمعهما لقاء مشترك تبعه مؤتمر صحفي صرح خلاله بزشكيان قائلا: “نأمل أن تسهم هذه الزيارة، في ظل الثقة المتبادلة بين البلدين، في تسريع وتيرة التعاون الثنائي واتخاذ خطوات فعّالة نحو تعزيز التكامل بين البلدين”.
وأضاف: “إن العراق دولة مهمة وجارة وشريك استراتيجي لإيران، ويسعدنا أن العلاقات بين البلدين قائمة على أعلى المستويات وتتوسع يوما بعد يوم على مختلف الأصعدة”.
كما أوضح الرئيس الإيراني أن بلاده تسعى دائما لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في محيطها، مضيفا: “إن أمن ونمو ورفاهية الشعب العراقي الشقيق لها أهمية كبيرة بالنسبة لنا، والعراق، بعد تجاوزه مرحلة مكافحة الإرهاب، يعيش فترة جيدة من الاستقرار والتنمية”.
كما أشار بزشكيان إلى أن هذه الزيارة تأتي استكمالا لزيارته الناجحة للعراق في سبتمبر/أيلول 2024، معتبرا إياها علامة فارقة في العلاقات بين البلدين، معربا عن أمله أن تظهر نتائجها قريبا في تعزيز التعاون الثنائي.
وتطرّق الرئيس الإيراني إلى القضايا المشتركة بين إيران والعراق بشأن التطورات الجارية في سوريا، مشددا على أهمية تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومواجهة الجماعات الإرهابية، وضرورة إنهاء الاحتلال الصهيوني للمناطق المحتلة، والاهتمام بالمشاعر الدينية، خاصة في ما يتعلق بالمواقع والمراقد المقدسة للشيعة.
وأوضح أن الاجتماع الذي جمعه مع رئيس الوزراء العراقي قد تناول الخطة الشاملة للتعاون بين البلدين، ومراجعة تنفيذ الاتفاقية الأمنية بالكامل، إضافة إلى بحث مشاريع اقتصادية وتجارية مهمة، وضمن ذلك مشروع إنشاء خط سكك حديد شلمجة البصرة، الذي يحظى باهتمام كبير من السيد السوداني.
كما أكّد أهمية تفعيل الوثائق المشتركة، وإزالة العقبات الموجودة، وتعزيز العلاقات في مجالات الجمارك، والاستثمار المشترك بين الشركات الإيرانية والعراقية، وتسهيل النقل البري وزيادة حركة الترانزيت للسلع والمسافرين، وتقوية الأسواق الحدودية، وحل المشكلات المرتبطة بالقطاع الخاص، وتلبية الاحتياجات المشتركة بين البلدين.
اللقاء مع المرشد الإيراني
كذلك فقد التقى السوداني مع علي خامنئي، المرشد الإيراني، والذي أشاد بالجهود الذي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي في تعزيز الأمن والازدهار بالعراق، مؤكدا أن استقرار العراق وازدهاره يصب في مصلحة إيران، داعيا إياه إلى الحفاظ على قوات الحشد الشعبي.
وخلال اللقاء، أدان خامنئي الوجود العسكري الأمريكي في العراق، واصفا إياه بأنه غير قانوني، مشيرا إلى محاولات الولايات المتحدة توسيع وجودها في البلاد. كما أشار إلى دور القوى الأجنبية في الأحداث الإقليمية، خاصة في سوريا.
ومن جهته، عبّر السوداني عن سروره بنتائج المحادثات في طهران، وأكد أن تلك المفاوضات ستسهم في تعزيز العلاقات بين العراق وإيران، وأكد السوداني أن العراق يواصل دعم الشعب الفلسطيني في غزة ولبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، كما يواصل موقفه الثابت في دعم سيادة سوريا واستقلالها.
أهداف الزيارة
وحول أسباب الزيارة، فقد أشارت التقارير إلى وجود عدة دواعٍ، من بينها ما ذكره على الفتلاوي، أحد قادة ائتلاف الفتح في العراق، حيث صرح الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، بأن تلك الزيارة تهدف إلى بحث الأوضاع السياسية والأمنية، في إطار مواجهة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتفتيت المنطقة.
كما أشار الفتلاوي خلال حديثه، إلى أن العراق أصبح اليوم دولة محورية ذات تأثير مباشر على المستويات الأمنية والسياسية لدول المنطقة، خاصةً الدول المجاورة.
وعلى الجانب الآخر، فقد ذكرت بعض وكالات الأخبار العراقية أن السوداني يحمل رسالة إلى طهران من الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، حيث أفادت وكالة شفق نيوز الإخبارية العراقية في تقرير لها 6 يناير/كانون الثاني 2025، بأن ترامب قد استخدم بغداد كوسيط لإرسال رسالة إلى إيران.
وخلال تلك الرسالة المزعومة، أكد ترامب عدة محاور تتعلق بضبط الأسلحة الخارجة عن إطار الدولة، ووقف أنشطة الجماعات المرتبطة بإيران، وعدم تدخل العراق في القضية السورية، ودعم تشكيل حكومة جديدة هناك.
وقد ذكرت “شفق نيوز” أنه ورغم عدم التأكد من صحة إرسال مثل هذه الرسالة من ترامب إلى السوداني، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشعران بالقلق إزاء أنشطة القوى الحليفة لإيران في العراق.
من جهة أخرى، أشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن زيارة السوداني تأتي ضمن مساعي بغداد لتقريب وجهات النظر بين طهران ودمشق، حيث ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، في تقريرها 3 يناير/كانون الثاني 2025، أن زيارة السوداني تأتي في إطار تحركاته الدبلوماسية بالمنطقة، والتي بدأت منذ فترة بهدف تحقيق توازن إقليمي بعد التطورات الأخيرة في سوريا، وأنه سيسعى لصناعة أرضية مشتركة بين النظامين السوري والإيراني.
كما زعمت الصحيفة أنه من المحتمل أن يُعقد اجتماع رفيع المستوى قريبا في بغداد، يستضيف العديد من البلدان وضمن ذلك إيران، وسوريا، والسعودية، ومصر، والأردن وقطر، على طاولة واحدة بهدف توحيد الرؤى السياسية بين الدول بخصوص القضايا المشتركة وعلى رأسها سوريا.