كتبت سارة محمد علي
موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، أثارها رجل دين إيراني قال إن الاحتلال الإسرائيلي وصل إلى مكان الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله وقام باغتياله بمساعدة الجن، وادعى أن لدى اسرائيل جيشا سريا من الشياطين والجن يسرب لهم هذه المعلومات، مؤكدا أن لليهود علاقات مع الجن منذ عهد النبي سليمان.
لكن لم يتوقف الأمر عند حد السخرية؛ بل تطور إلى نقاش جاد في أوساط أخرى ومواقع إلكترونية إيرانية؛ لمحاولة الوقوف على إمكانية مشاركة الجن مع الجيش والمخابرات الإسرائيلية في تنفيذ عمليات الاغتيال.

بدأ الأمر حين قامت قناة تلفزيونية إيرانية بإجراء مداخلة مع رجل الدين المعمم الإيراني مصطفى كرمي الملقب بحجة الإسلام، وفي أثناء المداخلة سأله مقدم البرنامج عن طريقة حصول الاحتلال إسرائيلي على المعلومات السرية الخاصة بقادة حزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصر الله؟
فأجاب الكرمي:
“بناءً على تاريخ اليهود فإن لديهم خبرة في التعامل مع الجن وكذلك لديهم باع طويل في العلوم المتعلقة بالتنجيم، خاصةً كهنتهم، وذلك منذ القدم، منذ زمن نبيي الله داود وسليمان.
والعديد من الأحداث التي تحدث في العالم لا تكون بعيدة عن كونها مرتبطة بالجن، وإذا كنتم تتذكرون فقد تفضل المرشد علي خامنئي في بداية جائحة كورونا بذكر آية تشير ضمنيا إلى احتمال أن تكون هناك يد لعناصر ما وراء الطبيعة والجن في هذه الجائحة، حيث استشهد بآية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ)”.
وأضاف الكرمي: “إن الإسرائيليين يستخدمون علوم التنجيم والسحر وتسخير الجن والشياطين، ولديهم معرفة كبيرة في ذلك المجال، ويستخدمونها في تنفيذ العديد من المهام دون شك”.
وهنا أوقفه مقدم البرنامج وسأله: ماذا يعني “بلا شك”؟ هل لديكم بحث أو توثيق بخصوص هذا الأمر؟
فأجاب: “أؤكد لكم أن اليهود لديهم القدرة على التواصل مع الجن ويستخدمون علوم السحر والتنجيم منذ عهد النبي سليمان عليه السلام، وطالما قاموا باستخدام الجن عبر التاريخ، ولدينا مصادر وروايات تشير إلى أنهم كانوا يستخدمون الجن والشياطين كأدوات لتنفيذ بعض عملياتهم، كما يقومون باستخدامهم كأدوات استخباراتية”.
وأضاف: “أما فيما يخص حادثة اغتيال حسن نصر الله بالتحديد، فإن مدى استخدام التكنولوجيا المتقدمة أو الذكاء الاصطناعي أو الجواسيس الذي يقال إنهم تمكنوا من التغلغل في الصفوف القريبة من جبهة حزب الله فليس معروفا بشكل دقيق ولا يمكننا تحديد نسبته بدقة.
بينما نحن متأكدون أن الإسرائيليين يستخدمون الجن والشياطين ويعتبرونهم جيشا خفيا يعمل لصالحهم، وفي ما يتعلق باغتيال حسن نصر الله فمدى تورطهم يحتاج إلى بحث وتدقيق، لكن نحن على يقين أنهم لديهم اتصال قوي بالشياطين والجن الكافر اللذين تحدث عنهم القرآن، وهم جنود غير مرئيين لديهم قدرات خارقة، منها القدرة على التنقل السريع من مكان إلى آخر، وطالما قدموا خدماتهم لليهود على مدار التاريخ”، بحسب نص حديث رجل الدين الإيراني مصطفى الكرمي.
ربما لو ردد هذه الأقوال أي شخص لمرت دون تفاعل في المجتمع الإيراني، لكن من صرح بها يحمل لقب “حجة الإسلام” الذي يطلق على من يستطيع التدريس بعد إتمامه الدراسة في الحوزة أو خلالها، حيث تستغرق الدراسة عشر سنوات تقريبا.
و”حجة الإسلام” هي مرحلة متقدمة لسلسلة الدراسة والتدريس في الحوزة لا تقل عن عشر سنوات من الدراسة وامتلاك شهادة تعادل الدكتوراه.

لذا فصدور تلك التصريحات من شخص له مكانة دينية في المجتمع الإيراني، استدعى خلق حالة جدل في أوساط دينية وإعلامية إيرانية، إضافة إلى السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
موقع “مبلغ” الإيراني أجرى حوارا مع كوباري خان، الباحثة الشرعية الإيرانية الحاصلة على الدكتوراه في أصول الدين، للتعقيب على حديث الكرمي.
ولم ترفض “خان” فكرة ضلوع الجن في عمليات الاغتيال الإسرائيلية، بل عددت في حديثها قدرات الجن الخارقة واستعرضت العديد من الروايات لتدلل بها على مشاركة الجن في العديد من أزمات البشر وفي أثناء الحروب، لكنها ترى أنه لا ينبغي لرجل الدين أن يتحدث في الإعلام عن موضوع متخصص مثل الجن، بحسب نص حديثها.

واستشهدت “خان” بحديث خامنئي خلال أزمة كورونا- والذي أشار إليه الكرمي من قبل- وقالت إنه إعلان من القيادة عن وجود أعداء من الجن.
وأضافت: “هناك أيضا على وجه الأرض أشباه بشر ليسوا بشرا، مثل نتنياهو ومرتكبي الجرائم الكبرى الذين ليست لديهم طبيعة بشرية، لكن فقط مظهرهم بشري”.

كما أجرى موقع قاعدة الفكر والثقافة حوارا مع سلمان حسين زادة الذي يحمل لقب “حجة الإسلام”، وبسؤاله عن إمكانية مشاركة الجن في عمليات التجسس لصالح الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، أجاب:
“إن مبدأ وجود الجن مؤكد ولا شك في وجوده، وقد نزلت عنه سورة في القرآن، وكلمة الجن تعني المخفيين الذين لا تراهم الأعين، وقد تعددت الروايات المختلفة عنهم، لكن حقيقة كونهم مخفيين جعلتنا غير قادرين على التأكد من صدق تلك الروايات أو كذبها.
وبالنسبة للتعليق على مشاركتهم في عمليات التجسس وتحديدا عمليات اغتيال بعض قادة حزب الله وحركة حماس، فالتعقيب على أي حدث يتضمن العفاريت ليس بالمهمة السهلة، لأنه لا يوجد معيار واضح يمكننا من خلاله قياس مدى مشاركتهم في الحدث، ولكن بشكل عام، فنعم من الممكن مشاركتهم في عمليات التجسس، لأن الشياطين ليس لديهم حد للمواقع التي يمكنهم الوصول إليها ولديهم القدرة على الوجود في كل مكان، لذا فهم قادرون على جلب الأخبار لبعض الناس الذين يمكنهم تسخيرهم”.

توجه موقع “مبلغ” الإيراني بالآراء السابقة إلى محمد علي رضائي الخراساني الذي يحمل لقب “حجة الإسلام” والمحاضر في حوزة قم العلمية، ليبدي رأيه حولها، لكنه لم يتفق مع اتهام الجن بالمسؤولية عن اغتيال نصر الله والعمل مع الموساد الإسرائيلي.
قال الخراساني: “ليس هناك شك في وجود الجن، ولكن هناك جدل حول أنهم يمتلكون قوة البشر، وليس لدينا أي دليل عن وجود جن يدعم أي شخص أو جهاز في إسرائيل”.
وأضاف الخراساني: “الموساد الإسرائيلي وشبكات التجسس التابعة له لا تحتاج إلى جني لمساعدتها، فلديهم ما يكفي من الجواسيس البشرية، وأرفض تماما أي حديث عن أن لديهم عفاريت يقومون بعمليات التجسس نيابة عنهم وأنهم جمعوا لهم المعلومات عن أماكن إقامة وتحركات قادة حزب الله وحماس، أو شاركوهم في عمليات الاغتيال، فالتجسس ليس بالأمر الخارق الذي يعصى على البشر، ويحتاج لتدخل كائنات من عوالم أخرى”.

اللافت للنظر أن كل الحوارات التي نشرت عبر الإعلام الإيراني لمناقشة احتمالية مشاركة الجن للاحتلال الإسرائيلي في عمليات التجسس والاغتيال، لم تطرح سؤال، إن كان للجن تلك القدرات، وإسرائيل قادرة على تسخيره إلى هذه الدرجة، فلماذا لم تستخدم جيش العفاريت حتى الآن لمعرفة أماكن احتجاز الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس وحزب الله؟ ولماذا فشل الجن في هذه المهمة؟!