ترجمة: علي زين العابدين برهام
تحدث المرشد الإيراني علي خامنئي في أحد لقاءاته عن مسألة التقليد لدى النساء، مشيرا بقوله: “حتى أنا أعتقد أن العديد من القضايا الخاصة بالنساء، والتي لا يدركها الرجال بدقة، ينبغي أن تقلد فيها النساء مجتهدة من بني جنسهن”.
نشرت صحيفة “هم ميهن” الثلاثاء 11 فبراير/شباط 2025 حوارا مع محمد تقي فاضل ميبدي، عضو مجمع المدرسين والباحثين في الحوزة العلمية بمدينة قم، حول قضية وصول النساء إلى مرتبة الاجتهاد في الدين، مما يؤهلها لأن تكون مرجعا للتقليد، وفي ما يلي نص الحوار:
هل يمكن اعتبار تصريحات المرشد الأعلى الأخيرة بمثابة فتح باب لحل هذه القضية وتمهيد الطريق أمام النساء لدخول مجال المرجعية الدينية؟
في الواقع، هذا النقاش ليس جديدا، فقد طُرحت هذه المسألة سابقا في أوساط الفقهاء، وعند البحث في أقوالهم نجد أنهم ناقشوها باستفاضة. لا يوجد دليل فقهي صريح يمنع المرأة من أن تصبح مرجع تقليد، رغم أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن الذكورة شرط في المرجعية، إلا أن هذا الشرط لا يستند إلى دليل قوي فيما يتعلق بالاجتهاد ذاته، لذلك فإن هذا الموضوع كان مطروحا للنقاش منذ فترة طويلة.
لكن بلا شك، إثارة المرشد الأعلى لهذه المسألة الآن يمكن اعتبارها فتح باب لمزيد من البحث والتداول حولها. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، أبرزها بعض الفتاوى الفقهية التي تشترط الذكورة في المرجعية، وهو ما شكّل عائقا أمام تحقيق هذا الأمر.
في السابق، كانت هناك نساء مثل خانم أمين في أصفهان، اللواتي بلغن مرتبة الاجتهاد، لكن لم يُسمح لهن بأن يكنّ مراجع تقليد للرجال، أما اليوم، فالعصر قد تغيّر، والمرأة لديها القدرة والاستعداد اللازمان للوصول إلى مرتبة الاجتهاد، وأن تصبح خبيرة في الفقه، بل وحتى مرجع تقليد، تماما كما هو الحال مع الرجال.
كيف كان تطور وصول النساء إلى مرتبة الاجتهاد في الحوزة العلمية خلال السنوات الأخيرة؟ وهل لديكم معلومات عن عدد النساء اللواتي بلغن هذه المرتبة مؤخرا، أو عن عدد المجتهدات الشابات؟
بصراحة، لست مطلعا بشكل مباشر على تفاصيل الحوزة العلمية، لذلك لا أعرف حالات محددة لنساء بلغن مرتبة الاجتهاد حديثا أو خلال السنوات الأخيرة. الحوزة النسائية واسعة جدا، والنساء يتلقين تعليمهن في مدرسة جامعة الزهراء، لكن لا تتوفر لديّ معلومات دقيقة حول مدى تقدمهن في الوصول إلى الاجتهاد.
مع ذلك، ما أؤكد عليه هو أن مسألة مرجعية المرأة تُشبه تمامًا قضية توليها منصب القضاء، لا يوجد دليل فقهي قطعي يمنع المرأة من أن تصبح قاضية، بل إن بعض الفقهاء أفتوا بجواز ذلك. وبالمثل، مسألة مرجعية المرأة لا تواجه مانعا شرعيا واضحا، بل يمكن النظر إليها ضمن إطار الاجتهاد الفقهي الذي يتيح لها هذا الدور.
ما هي العقبات التي أعاقت تطور حضور النساء في مرتبة الاجتهاد خلال العقود الأخيرة؟
أسباب عدم ازدهار عدد المجتهدات تشبه العقبات التي تواجه النساء في مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، لماذا لم تتقدم النساء في مجال الطيران بقدر الرجال، رغم امتلاكهن الكفاءة والقدرة؟ السبب ليس في قلة الاستعداد، بل في العرف الاجتماعي الذي رسّخ فكرة أن المرجع الديني يجب أن يكون رجلا، مما جعل النساء لا يسعين بشكل واسع لبلوغ مرتبة الاجتهاد والمرجعية.
حتى اليوم، لو وُجدت امرأة مجتهدة تُعدّ الأعلم في مجالها، فقد لا يتوجه الناس إليها بطلب الفتوى، لأن العرف السائد لا يزال يربط المرجعية بالرجال، ومع ذلك، هذا مجرد تقليد اجتماعي لا يستند إلى أساس شرعي واضح.
العائق الأكبر كان الفتاوى الفقهية التي اشترطت الذكورة في المرجعية، لكن هذا الشرط لا يستند إلى دليل شرعي قاطع، كما أن الفقهاء أنفسهم مختلفون حوله، تماما كما هو الحال في مسألة تولي المرأة لمنصب القضاء.
إلى أي مدى هناك حاجة إلى إصلاحات في الفقه والحوزة العلمية لتحسين هذه الأوضاع؟
مرور الزمن والتطورات الاجتماعية كفيلان بتمهيد الطريق نحو التغيير، فقد كان هناك وقتٌ رأى فيه العديد من الفقهاء أن المرأة لا يجوز لها المشاركة في الانتخابات، سواء بالتصويت أو بالترشح، وكانت محرومة من هذا الحق، لكن مع تسارع التغيرات، برزت قضايا حقوق المرأة إلى الواجهة، ومن بينها حقها في التصويت والترشح للمناصب السياسية.
ولهذا، عندما قامت الثورة الإسلامية وعاد الإمام الخميني إلى إيران، أقرّ بحق المرأة في الترشح لعضوية البرلمان والمشاركة في الانتخابات، رغم أن هذا الأمر ربما لم يكن متوافقا مع بعض الفتاوى السابقة، وقبل الثورة، كان الإمام نفسه يعارض ذلك، لكن التطورات الزمنية والاجتماعية أسهمت في تغيير هذا الموقف تدريجيا.
واليوم، تشهد قضايا أخرى المسار نفسه، حيث يُعاد النظر في بعض المسائل الفقهية لتتناسب مع مقتضيات العصر، فعلى سبيل المثال، كان يُقال سابقًا إن الفتاة يمكن تزويجها في سن التاسعة، لكن اليوم أصبح هذا الرأي نادرا، كما أن الفقه التقليدي كان يُجمع على عدم أهلية المرأة لتولي القضاء، بينما لم يعد هذا الرأي يحظى بالإجماع كما كان في السابق.
العامل الأساسي في حل هذه الإشكالات هو تطور الزمن، وازدياد وعي النساء بحقوقهن، إلى جانب إدراك الفقهاء والرجال لأهمية هذه الحقوق، مما يمهد الطريق لإصلاحات أعمق في الفكر الفقهي والتشريعي.
هل يمكن التفاؤل بأن وجود فقيهات في الساحة سيسهم في حل المشكلات التي تواجه النساء، والتي أصبحت قضايا سياسية على نطاق واسع؟
هناك نقاش مستمر حول تخصصية الاجتهاد والمرجعية، أي أن يكون لكل مرجع مجال محدد يتخصص فيه، مثل أن يتخصص أحدهم في فقه العبادات، وآخر في المعاملات المالية. فإذا تم إقرار فكرة التخصص في المرجعية، فمن الممكن أن يكون للنساء دور في الإفتاء في القضايا التي تمسّهن بشكل مباشر.
لكن حتى هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فالبعض يرى أن المرجع يجب أن يكون “مرجعًا مطلقا”، أي ملمًّا بجميع أبواب الفقه، في حين يرى آخرون أن التخصص أصبح ضرورة معاصرة، نظرا لتعقيد وتشعب القضايا الفقهية اليوم، مما يجعل الإحاطة الكاملة بجميع المسائل أمرًا بالغ الصعوبة.
في ظل هذا الواقع، فإن اتجاه المرجعية نحو التخصص قد يكون خطوة منطقية، تفتح المجال أمام الفقيهات للمساهمة في الإفتاء في شؤون النساء، مما يساعد على معالجة العديد من القضايا المجتمعية بفاعلية أكبر.