كتب: محمد بركات
في بيان مشترك وصفت وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد البرنامج النووي الإيراني، والذي صدر الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأنه قرار “غير قانوني ومدمر”، مشيرة إلى أنه تم اعتماده تحت ضغط الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، رغم معارضة نصف أعضاء المجلس، حيث صوت له 19 دولة من أصل 35، وعارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو، بينما امتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت، وذلك وفقا لتقرير صحيفة آرمان ملي الصادر بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ووفقا للتقرير، فقد أكد البيان أن إيران ملتزمة دائما بالتعاون البناء مع الوكالة في إطار الحقوق والالتزامات الدولية، وأنها رحبت بزيارة المدير العام للوكالة لطهران، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، واتخذت كل الخطوات والتدابير اللازمة لإنجاحها، ما وفر فرصة لتعزيز التعاون. وقد اعتبرت إيران أن القرار الأخير يعكس توجها سياسيا منحازا يعيق حل القضايا ويفسد الأجواء الإيجابية التي تم تحقيقها.
وقد ذكر البيان أن إيران قد أعدت مسبقا ردا على هذا الإجراء التصعيدي، حيث أصدر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، توجيهاته بتشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة، مؤكدا أن هذه الإجراءات تأتي ضمن إطار حقوقها والتزاماتها وفقا لاتفاقية الضمانات، وأن التعاون الفني مع الوكالة سيستمر كالمعتاد، في خطوة تعتبر تطورا جديدا للبرنامج النووي الإيراني.
ما هي أجهزة الطرد المركزي، وماذا يعني تشغيلها؟
هي أجهزة تقنية تستخدم لفصل الجسيمات في المزيج بناءً على كثافتها عن طريق دوران المزيج بسرعة عالية جدا حول محور مركزي.
وتعتمد هذه الأجهزة على مبدأ القوة الطاردة المركزية، حيث يتم تسريع المواد في أنبوب دوار، مما يدفع الجسيمات الأثقل نحو الجدار الخارجي للأنبوب، بينما تبقى الجسيمات الأخف في الداخل، وذلك وفقا لتقرير موقع باور الصادر في 15 أبريل/نيسان 2024.
ووفقا للتقرير، ففي المجال النووي، تُستخدم أجهزة الطرد المركزي لفصل النظائر المختلفة لليورانيوم، وهي عملية أساسية لإنتاج الوقود النووي المستخدم في المفاعلات النووية أو، في بعض الحالات، لصنع الأسلحة النووية. فاليورانيوم الطبيعي المستخرج من المناجم يحتوي في الغالب على نظير اليورانيوم-238 غير القابل للانشطار، بينما النظير المطلوب لتشغيل المفاعلات النووية أو لتطوير الأسلحة النووية هو اليورانيوم-235، وهو موجود بنسبة صغيرة جدا (نحو 0.7%). ولزيادة نسبة اليورانيوم-235 إلى المستويات المطلوبة، يتم استخدام أجهزة الطرد المركزي في عملية تُعرف بتخصيب اليورانيوم.
أما عندما يُقال إن أجهزة الطرد المركزي تم تشغيلها، فهذا يعني أن الآلات قد بدأت عملية الفصل بين نظائر اليورانيوم بالفعل، الأمر الذي يتطلب تحميلها بغاز سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهو المركب الكيميائي لليورانيوم في الحالة الغازية اللازمة لعملية التخصيب، حيث يتم ضخ الغاز داخل أنابيب الطرد المركزي التي تدور بسرعات تصل إلى آلاف الدورات في الدقيقة. وخلال هذه العملية، يتحرك النظير الأثقل، اليورانيوم-238، نحو الجدران الخارجية للأنبوب، بينما يتجمع النظير الأخف، اليورانيوم-235، في مركزه. يتم بعد ذلك استخراج الغاز الغني باليورانيوم-235 لاستخدامه في إنتاج الوقود النووي، أو تخزينه لمراحل تخصيب إضافية إذا كان الهدف رفع درجة التخصيب، وتلك تعتبر الخطوة الرئيسة في صناعة الأسلحة النووية، وذلك وفقا لتقرير موقع صنعت برق المنشور في 13 أغسطس/آب 2022.
وتثير عملية تشغيل أجهزة الطرد المركزي جدلا دوليا كبيرا بسبب حساسيتها الاستراتيجية. ففي السياقات السلمية، تُستخدم هذه العملية لإنتاج وقود للمفاعلات النووية التي تولد الطاقة الكهربائية، ما يجعلها عنصرا مهما لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة. ومع ذلك، فيمكن استخدام التقنية نفسها لأغراض عسكرية، مثل إنتاج المواد اللازمة لصنع الأسلحة النووية. لهذا السبب، يخضع تشغيل أجهزة الطرد المركزي لرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الكبرى؛ لضمان الالتزام باستخدامها في الأغراض السلمية فقط، وذلك وفقا لتقرير وكالة ايسنا الإخبارية الصادر بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 2024.
هل سبق أن قامت إيران بتلك الخطوة؟
لا تعد تلك الخطوة التصعيدية جديدة على إيران، ففي السابق قامت إيران بتشغيل أجهزة الطرد المركزي كجزء من برنامجها النووي المثير للجدل. فتاريخيا، كانت هذه الخطوة جزءا من استراتيجيتها لتعزيز قدرتها النووية، سواء لأغراض سلمية مثل إنتاج الطاقة أو لأهداف أخرى مثيرة للقلق الدولي. فمنذ اكتشاف نشاطات إيران النووية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ركزت إيران على تطوير برنامجها النووي وضمن ذلك تركيب وتشغيل أجهزة الطرد المركزي من مختلف الأنواع، مثل IR-1 وIR-2m، وحتى الأجهزة الأكثر تقدما مثل IR-6، وذلك وفقا لتقرير موقع مشرق الإخباري الصادر بتاريخ 10 أبريل/نيسان 2023.
ووفقا للتقرير، ففي العديد من المراحل، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المعروف بخطة العمل الشاملة المشترك عام 2018، قامت إيران بزيادة أنشطتها النووية وضمن ذلك تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة، واستأنفت تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى، مما سمح به الاتفاق، كذلك فقد قامت بتشغيل أجهزة جديدة ومتطورة قادرة على تخصيب اليورانيوم بسرعة وكفاءة أكبر، وقد كان هذا القرار ردا على العقوبات الاقتصادية المشددة، أو كمحاولة للضغط على الأطراف الأوروبية والدولية للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وبينما ترى إيران هذه الخطوة حقا سياديا ضمن إطار اتفاقية الضمانات ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يرى المجتمع الدولي، خاصةً الولايات المتحدة وحلفاءها، في تلك الخطوة تصعيدا قد يؤدي إلى توترات إضافية في المنطقة ويزيد من احتمال انتشار الأسلحة النووية.