كتب: ربيع السعدني
في السنوات الأخيرة، شهدت إيران نقاشات واسعة، وتطورات مهمة حول مشروع “قانون حماية الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفاف والحجاب” المعروف إعلاميا بقانون “العفة والحجاب” .
أعلنت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، يوم الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025، تأجيل تنفيذ آخر قانون أقره البرلمان الإيراني للحجاب الإلزامي، قائلة: “إن بعض بنوده يمكن أن تكون لها تبعات اجتماعية خطيرة”.
وأكدت مهاجراني في مؤتمرها الصحفي بحسب وكالة أنباء “خبر أونلاين”، أنه “لا يوجد حاليا أي مشروع قانون آخر قيد الدراسة”، مشيرة إلى أن دراسات “تخصصية” قد بدأت في المكتب القانوني لرئاسة الجمهورية، لكنها أضافت أن “الطريق لا يزال طويلًا قبل الوصول إلى قانون آخر يتعلق بالحجاب”.
ومن جانبه طالب البرلماني الإيراني محمد تقي نقد علي بتنفيذ القانون المسمى “العفة والحجاب”، خلال جلسة علنية للبرلمان، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية المستقلة “إيسنا” يوم الأربعاء 8 يناير/ كانون الثاني 2025، حيث قال: “إذا كنتم تعتقدون أن مراعاة المصالح ستجعل أوضاع خلع الحجاب وانتهاك الأعراف أفضل، فهذا وهم باطل، لأنها ستجعل المخالفين أكثر جرأة”.
وفي حوار مباشر مع قناة “1Iran” التلفزيونية الرسمية يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إنه لا يرى استعداد حكومته لتطبيق قانون العفة والحجاب، لأنه لا تزال هناك أسئلة مهمة دون إجابة من جانب المرأة.
وكان رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، قد أعلن في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن القانون سيتم تنفيذه في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد إبلاغه للحكومة، لكن هذا الإجراء لم يتحقق حتى الآن بعد مرور ما يقرب من شهر.
قصة قانون “العفة والحجاب”
مشروع قانون “العفة والحجاب” أعده القضاء بعد احتجاجات عمت البلاد عام 2022 منذ وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، بعدما أوقفتها “شرطة الأخلاق” في 16 سبتمبر/أيلول 2022؛ لمخالفتها قواعد اللباس الصارمة في إيران، ودخلت في غيبوبة بعد وقت قصير، ثم توفيت بعد ثلاثة أيام، ثم تمت الموافقة عليه وعرضه على البرلمان في حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بشرطين عاجلين، وضمن ذلك تأكيد مزيد من الفصل بين الجنسين في الجامعات والمكاتب والحدائق والمستشفيات.
ونشرت وسائل الإعلام الإيرانية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، النص النهائي لقانون “حماية الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفاف والحجاب”، وتم إعداد النص النهائي للقانون المعروف إعلاميا باسم “قانون العفة والحجاب”، والموافقة عليه في شكل 74 مادة و5 فصول بعد تبادلات عديدة بين البرلمان الإيراني ومجلس صيانة الدستور.
وأثار هذا القانون ردود فعل واسعة في وسائل الإعلام وبين الناشطين السياسيين وحتى مسؤولي الحكومة الإيرانية، وبعض المؤسسات الدولية، وهو ما لا يزال مستمرا، حيث أعرب خبراء الأمم المتحدة في بيانٍ يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، عن قلقهم من إقراره.
الحجاب الإلزامي
منذ سنوات، بعد الثورة الإيرانية تحاول العديد من النساء الحصول على حرياتهن الشخصية والاجتماعية، وضمن ذلك الحق في اختيار نوع الملابس، خاصة منذ أن صار الحجاب إلزاميا في إيران اعتبارا من أبريل/نيسان 1983، أي بعد أربع سنوات على ثورة الخميني التي أطاحت بنظام الشاه (رضا بهلوي).
ويقول المعارضون، إن هذا القانون لا يتناسب مع الحياة اليومية للمواطنين ويحرمهم من حرياتهم الشخصية والاجتماعية، كما ذكر علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، حسبما نشرت صحيفة “اعتماد أونلاين” في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن قضية الحجاب تحتاج إلى الإقناع أكثر من حاجتها إلى قانون، وهذا القانون لا يمكن أن يقنع المجتمع، وبهذا المعنى “هو مجرد قانون على الورق”.
وفي سياق متصل ناقشت صحيفة “اعتماد” الصادرة في طهران، الأحد 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، تفاصيل هذا القانون في تقرير مفصل بعنوان “غرامة 165 مليونا”.
وكتبت الصحيفة نقلا عن تفاصيل المادة الـ19 من هذا القانون: “إن إرسال رسالة نصية مرتين في ما يتعلق بعدم ارتداء الحجاب للنساء يتضمن غرامةً قدرها 15 مليون تومان (1500 ريال)، الغرامة من الدرجة السادسة هي من 20 إلى 80 مليون تومان (2000 – 8000 ريال)، والغرامة من الدرجة الخامسة من 80 إلى 165 مليون تومان (8000 – 16500 ألف ريال)”.
ووفقا للصحيفة، فإنه في حال عدم دفع الأشخاص الغرامة، فسيتم حرمانهم من الخدمات الاجتماعية مثل إصدار جوازات السفر أو استبدالها، أو ترقيم أو استبدال لوحات أرقام السيارات، أو إصدار إذن مغادرة البلاد، أو تسجيل المركبات، أو إصدار الشهادات أو استبدالها.
وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأن قانون الحجاب الإلزامي في إيران “يؤدي إلى تفاقم قمع النساء والفتيات”، وحذّرت من أن “السلطات الإيرانية تسعى إلى ترسيخ نظام القمع القائم ضد النساء”.
وفي بيان مشترك تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وصفت المحامية والناشطة الحقوقية نسرين ستوده، وصديقة وسماغي، الباحثة الإسلامية والمعارضة للحجاب الإلزامي، هذا القانون بأنه “من القرون الوسطى” و”عرض سخيف” وطالبتا بإلغائه الفوري.
وجاء في هذا البيان الذي يحمل عنوان “إنهاء جميع أشكال العنف ضد المرأة” والذي نشر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2024: “رغم مرور أكثر من عامين على حركة المرأة، حياة، حرية، وهي الحركة التي أشعلها الاحتجاج على الحجاب الإلزامي، وقد تعاونت الجهات الحكومية المختلفة لتقنين الحجاب الإلزامي على شكل قانون القرون الوسطى المعروف بالعفة والحجاب في عرض مثير للسخرية”.
واختتم البيان: “إن قانون العفة والحجاب يسلب المرأة جميع حقوق المواطنة، وإذا لم يتم إلغاؤه على الفور، فسوف نستخدم نحن والعديد من الأشخاص بالتأكيد حقوقنا المدنية للاحتجاج على هذا العمل المخزي في الساحة العامة”.