كتب: محمد بركات
كانت ولا تزال قضية انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي المشترك، المعروفة بـFATF، واحدة من القضايا الخلافية الكبيرة بين الحكومة الإصلاحية برئاسة مسعود بزشكيان، والتيار الأصولي، فمنذ مجيء بزشكيان إلى السلطة وقد ألقى تصريحات كثيرة، مفادها أن إعادة إيران إلى طاولة مجموعة العمل المالي تمثل خطوة لا غنى عنها لرفع القيود عن الاقتصاد الإيراني، الذي عانى منذ عقود من عقوبات أمريكية ولا يزال، في حين أن التيار الأصولي يرى أن العودة لتلك المجموعة لن ينفع إيران في شيء، وأن محاولة بزشكيان الخروج من القائمة السوداء لها ستبوء بالفشل.
وفي تطور جديد، صرح مجيد أنصاري، المستشار القانوني لرئيس الجمهورية، خلال حديثه مع وكالة برنا الإخبارية عن آخر المستجدات حول الانضمام إلى تلك المجموعة، قائلا: “بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية، فإن وزير الاقتصاد يقوم بدراسة الموضوع من مختلف جوانبه”، وذلك وفقا لتقرير الوكالة الصادر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فقد أعرب أنصاري عن أمله في إزالة العقبات التي تعترض طريق إيران للانضمام مرة أخرى إلى المجموعة، مصرحا: “لقد انضممنا إلى اثنتين من أصل أربع اتفاقيات أساسية للانضمام إلى تلك المجموعة، وتبقت اتفاقيتا باليرمو، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجريمة المنظمة، واتفاقية CFT، اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، واللتان خرجتا من جدول أعمال مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولكن لا تزال هناك فرصة لمراجعتهما في المجمع مرة أخرى، وفي الوقت الحالي تُجري الجهات الاقتصادية المختصة الدراسات الفنية اللازمة، ونأمل للوصول إلى نتائج إيجابية”.
وفي إطار متصل، فقد صرح عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد الإيراني، على هامش مؤتمر صحفي في 30 أكتوبر/تشرين الأول، مجيبا عن سؤال بخصوص مجموعة العمل المالي، قائلا: “إن وزارة الاقتصاد مسؤولة عن المتابعة التنظيمية للانضمام إلى مجموعة FATF، وإننا نتابع الموضوع وفقا لتوجيهات الرئيس”، وذلك وفقا لتقرير وكالة أفتاب الإخبارية في 30 أكتوبر/تشرين الأول.
وجدير بالذكر أن همتي قد أثار الجدل مسبقا بتغريدة له على منصة إكس في 6 أكتوبر/تشرين الأول، أشار فيها إلى تقديمه تقريرا للرئيس بشأن وضع إيران في مجموعة العمل المالي (FATF) ومساعيه لتطبيع هذا الملف، وجاء في تغريدته: “أصدر الرئيس توجيهاته لمتابعة الإجراءات الضرورية لرفع القيود وتعليق التدابير المضادة للـFATF بما يتماشى مع المصالح الوطنية، مؤكدا أهمية تهدئة المخاوف الداخلية من خلال التعاون بين المؤسسات الاقتصادية ومجلس الأمن القومي، معربا عن ثقته بأنهم سيسعون، من خلال التعاون والتضامن، إلى تخفيف القيود المالية المفروضة على إيران”، موضحا أن القيود المالية تشكّل جزءا رئيسيا من العقوبات المفروضة على إيران، وأن الاقتراحات التي قدمها لرفع هذه القيود تختلف عما يُتداول في وسائل الإعلام.
وكان بزشكيان قد صرح خلال أول مؤتمر صحفي له في 16 سبتمبر/أيلول، ردا على سؤال أحد الصحفيين بخصوص العودة لمجموعة العمل المالي، قائلا: “ليس لدينا خيار سوى حل قضية FATF. سأكتب بالتأكيد رسالة إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام لإعادة هذه المسألة إلى جدول أعمال المجمع؛ حتى نتمكن من حلها”، وذلك وفقا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول.
وكانت فاطمة مهاجراني، المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، قد صرحت سابقا خلال مؤتمر صحفي عند سؤالها حول إعادة النظر في ملف FATF داخل مجمع تشخيص مصلحة النظام، بأن الموضوع تجري متابعته بالتنسيق مع المجمع مع مراعاة المصالح الوطنية، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشري أونلاين بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول.
ومؤخرا، أعلنت مجموعة العمل المالي أن إيران ما زالت ضمن قائمتها السوداء، وذلك خلال اجتماعات المجموعة التي انعقدت بباريس، في الفترة من 21 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك وفقا لتقرير وكالة روز نو الإخبارية بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول
معارضة أصولية شديدة:
منذ بداية الحديث عن العودة لمجموعة العمل المالي والاتجاه الأصولي وصحافته لا يترك مناسبة إلا وأظهر فيها رفضه عودة إيران لتلك المجموعة، فمن وجهة نظرهم عودة إيران لتلك المؤسسة لن تفيد الاقتصاد في شيء وستضعف دعم إيران لمحور المقاومة، ومما يوضح هذا الاتجاه مقال نشرته صحيفة كيهان الأصولية في 29 أكتوبر/تشرين الأول، تدعي فيه أن الانضمام إلى تلك المنظمة سيصب مباشرة في مصلحة إسرائيل، فتقول: “لو كان من المفترض أن تنضم إيران إلى مجموعة العمل المالي لحل مشكلاتها الاقتصادية، لكانت العقوبات قد رُفعت تماما حين نفذت حكومة روحاني 39 من أصل 41 بندا من متطلبات هذه المجموعة بدقة وبدون تقصير. لكن، هل حدث ذلك بالفعل؟”.
ويكمل التقرير: “يدّعي مؤيدو الانضمام إلى مجموعة FATF أنها منظمة دولية، لكن في الواقع، هي مجموعة عمل تتابع الأنظمة المالية للدول وتضع لها معايير وضوابط، وليست هيئة دولية بالمفهوم التقليدي، فمن وجهة نظر البعض، فإن تجربة إيران مع العقوبات الأمريكية تظهر أن الغرب يستمر في اختلاق ذرائع جديدة رغم التزامات إيران، فحين التزمت إيران ببنود الاتفاق النووي بالكامل، انسحبت الولايات المتحدة منه بشكل أحادي وتجاهلت تعهداتها. إذا، لم يؤدِّ تنفيذ معظم توصيات FATF في عهد حكومة روحاني، إلى رفع العقوبات، بل أضاف ضغوطا اقتصادية جديدة؛ وقد عُدّ هذا بمثابة فرض (عقوبات ذاتية) على إيران، إذ استغلت الولايات المتحدة FATF لفرض رقابة مشددة على البنوك الإيرانية وعزلها عن النظام المالي الدولي، في حين يرى بعض الخبراء أن المشكلة الحقيقية في التعاملات المصرفية الخارجية لا تعود إلى FATF، بل إلى العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على النظام المالي الإيراني. ورغم التحذيرات بأن عدم الانضمام إلى FATF سيمنع إيران من التعامل مع دول مثل الصين وروسيا، فقد أثبتت الدبلوماسية الإيرانية أنه من الممكن توسيع العلاقات الإقليمية والدولية حتى في ظل وجودها على (القائمة السوداء) لـFATF”.
ويردف التقرير: “يأتي أيضا مثال لبنان، الذي أضيف حديثا إلى (القائمة الرمادية) لـFATF، حيث فُرضت عليه ضغوط متزايدة لمراقبة أنشطة حزب الله، مما يكشف عن استخدام هذه المجموعة من قبل دول غربية، بالتعاون مع إسرائيل، لجمع المعلومات حول الجماعات التي تعارضها، وفي نهاية المطاف، يرى المعارضون أن انضمام إيران إلى FATF سيعرّضها لمزيد من التدخلات الأجنبية دون أي ضمانات بتحسين الأوضاع الاقتصادية. بل يعتقدون أن هذا المسار قد يؤدي إلى مضاعفة الضغوط الاقتصادية، مما يصب في مصلحة الغرب وإسرائيل، على حساب الاقتصاد الإيراني”.
وقد أجرت وكالة رجا نيوز الأصولية لقاء مع مسعود براتي، الخبير في الاقتصاد الدولي، أوضح فيه أن الانضمام إلى تلك المجموعة لن يعود بالنفع على إيران في ظل الظروف الحالية، فقد جاء في تقريرها: “يقول مسعود براتي، الخبير الاقتصادي، إنه طالما أن العقوبات الأمريكية الأحادية القصوى ضد إيران موجودة، والتي تسببت في قيود عديدة وأدت إلى قطع العلاقات المصرفية الرسمية، فإن موضوع مجموعة العمل المالي (FATF) لن يكون له أهمية”، ويكمل: “قد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج بشكل محدد في مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولكن بعض المسؤولين الحكوميين يميلون إلى تضخيم هذا الموضوع في وسائل الإعلام، ويبدو أن هذا الإجراء ناتج عن قرار سياسي، الهدف منه خلق تحدٍّ في الفضاء السياسي؛ لزيادة الانتباه نحو أمر الانضمام إلى المجموعة”، وذلك وفقا لتقرير الوكالة المنشور في 14 أكتوبر/تشرين الأول.
ويتابع: التقرير: “وعند سؤال الخبير الاقتصادي عن أسباب رفض مجمع تشخيص مصلحة النظام لائحة المجموعة في الحكومة السابقة، قال: لم يصل المجمع إلى توافق في دورتي مراجعة معاهدات FATF، وذلك بسبب الغموض الذي كان موجودا حول أدلة الحكومة السابقة، فلم تتمكن الحكومة من تقديم إجابات مقنعة لهذه الغموض. فمن بين مواضع الغموض كان السؤال عما إذا كانت مشكلات العلاقات المصرفية ناتجة حقا عن هذه القضايا، وإذا تم حلها، فهل ستُحل المشكلات المصرفية أم لا؟ وكان آخر يتعلق بما إذا كانت قضية إيران مع FATF، المتمثلة في وجودها بالقائمة السوداء، ستُحل بمصادقة هاتين المعاهدتين أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هناك 39 بندا آخر من خطة العمل، لم تتم الموافقة إلا على 15 منها، في حين لا يزال 24 بندا غير مقبولين. أيضا، كانت هناك مخاوف بشأن التلازم بين تنفيذ مطالب FATF والعضوية في الاتفاقيات مع العقوبات المالية الأمريكية، ولم يتم تقديم إجابات بشأنها. هذه الأسئلة المهمة الثلاثة لم تجد إجابة، ولهذا السبب لم يتمكن المجمع من التوصل إلى توافق”.
ويقول التقرير: “وعند سؤاله بخصوص تصريحات وزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، بشأن رفع القيود على تبادل الأموال المصرفية الدولية في حال التصديق على لائحة FATF، أجاب: بالنسبة لمزاعم السيد همتي بشأن رفع القيود على تبادل الأموال المصرفية الدولية في حال التصديق على FATF، يجب أن نقول إن العقوبات الأمريكية هي العقبة الرئيسية. لذا، يجب على السيد همتي نشر الأدلة والوثائق الخاصة به حتى يمكن التحقق منها، ومن غير المنطقي أن يكون هناك بنك مستعد للتعاون مع إيران في ظل ظروف العقوبات، لكنه يتجنب التعاون بسبب حساسية مجموعة العمل المالي معها”.