ترجمة: شروق السيد
في ظل إجماع السلطات الإيرانية على رفع الحظر الرقمي، يواجه هذا القرار عقبات كبرى تتجاوز السياسة إلى البنية التحتية.. صحيفة “فرهختيكان” الإيرانية تكشف أبعادًا جديدة للتحديات التقنية والأمنية.
كتبت صحيفة “فرهختيكان” في تقرير لها، 24 ديسمبر/كانون الأول 2024: شهدت قضية رفع الحظر الكثير من الشد والجذب، إلى أن ورد الشهر الماضي خبر يفيد بتوصل السلطات الثلاث إلى إجماع حول هذه المسألة، خبر أعاد الأمل إلى أصحاب الأعمال والمستخدمين الآخرين لوسائل التواصل الاجتماعي بالوصول السهل إلى المنصات.
لكن تبيّن تدريجياً أن الحل لا يكمن فقط في تحقيق “الإجماع”، بل توجد عقبة كبرى أخرى: البنية التحتية.
وتابعت الصحيفة: نظراً لأن رفع الحظر قد يؤدي إلى موجة كبيرة من زيادة الضغط على الإنترنت، فإن البنية التحتية الحالية لا تملك القدرة على استيعاب هذا الحجم الكبير من الطلب.
وأضافت: وهذا يعني أنه لا يمكن تنفيذ هذا التغيير الكبير دفعة واحدة، بل يجب أن يتم بشكل تدريجي ووفقًا للأولويات، هذه النقطة أشار إليها سابقاً وزير الاتصالات، ستار هاشمي.
ثم بينت الصحيفة أن هناك نقطتين تتعلقان بهذه العقبة الجديدة:
أولاً، أن مبدأ رفع الحظر تم قبوله، والنقاش الآن يدور حول كيفية تنفيذه؛ تغيير قد يفتح نافذة نحو تحسين الظروف الرقمية في البلاد.
ثانياً، لا ينبغي أن تتأخر الجهود المبذولة لرفع الحظر بسبب القضايا التقنية، فقد تم رفع أسعار الإنترنت العام الماضي بذريعة تطوير البنية التحتية، ووعدت شركات التشغيل بتحسين جودة هذه البنية تدريجياً.
لذلك من المتوقع أن يتم تجاوز هذه العقبة في أسرع وقت ممكن، لتتجه البلاد نحو حكم فعّال وحقيقي في الفضاء الرقمي.
أكثر الدول تضرراً
وتابعت الصحيفة: قدم بهزاد أكبرى، المدير التنفيذي لشركة الاتصالات والبنية التحتية، مؤخراً، في حوار له، إحصائيات وتحليلات تكشف عن الوضع الحالي للإنترنت والبنية التحتية، وأشار إلى أن أكثر من 50% من حركة الإنترنت في البلاد تمر عبر برامج فك الحظر.
وأضافت الصحيفة: هذا الأمر لا يؤدي فقط إلى إبطاء سرعة وصول المستخدمين، بل يخلق أيضاً مشكلات أمنية كبيرة. إن الانتشار الواسع لاستخدام برامج فك الحظر غير الآمنة تسبب في ضرر واسع لأجهزة المستخدمين، مما جعل البلاد واحدة من أكثر المناطق تضرراً في العالم من حيث البرمجيات الضارة.
هذا الضرر أدى إلى إمكانية اختراق أجهزة المستخدمين، ومن الممكن استغلال ذلك لشن هجمات داخلية وخارجية.
وتابعت الصحيفة: أدى التلوث الرقمي الواسع في الشبكة إلى عواقب وخيمة، وفقاً لما قاله أكبرى، يتم يومياً تنفيذ عدد كبير من الهجمات السيبرانية من شبكة الإنترنت الإيرانية نحو الخارج، هذا الأمر دفع بعض مزودي الخدمات الأجنبية إلى إدراج عناوين IP الإيرانية في القوائم السوداء.
ونتيجة لذلك، أصبحت حوالي 30% من النطاقات الإلكترونية غير متاحة للمستخدمين الإيرانيين، من اللافت أن نسبة الفلترة تشكل أقل من 10% من هذا الرقم، فيما يعود الجزء الأكبر إلى العقوبات والتلوث الشبكي، بعبارة أخرى، من بين كل ثلاثة نطاقات إلكترونية في العالم، هناك نطاق واحد محجوب أمام المستخدمين الإيرانيين.
وأضافت الصحيفة: على الرغم من أن حركة الإنترنت كانت تنمو بمعدل 30% سنوياً في السنوات الماضية، إلا أن القيود المفروضة في عام 2022 تسببت في انخفاض بنسبة 50% ورغم أن هذا الاتجاه بدأ يتحسن تدريجياً، إلا أنه لم يعد بعد إلى مستواه قبل فرض القيود، المثير للاهتمام أكثر هو أنه منذ بدء عمل الحكومة الرابعة عشرة، كان نمو حركة الإنترنت حوالي 17% فقط، مما يعكس بطئاً شديداً في زيادة استخدام الإنترنت في البلاد.
ويرى أكبري أن الرفع المفاجئ للحظر قد يؤدي إلى اضطرابات في شبكات المشغلين، ومع ذلك، يشدد على ضرورة أن يكون التخطيط للنظام البيئي الرقمي طويل الأمد.
وأردفت الصحيفة: ففي الوقت الذي يبلغ فيه متوسط استهلاك البيانات للفرد في إيران حوالي 23 كيلوبت في الثانية، مقارنة بـ50 في تركيا وأكثر من 200 في الولايات المتحدة، يتضح أن البلاد بحاجة إلى زيادة كبيرة في استهلاك البيانات.
وتشير التوقعات إلى أن رفع الحظر عن المنصات الأكثر استخداماً قد يزيد حركة الإنترنت بنسبة لا تقل عن 30%، ولكن هذا النمو سيكون مستداماً فقط إذا تطورت البنية التحتية بشكل متوازٍ.
رفع الحظر عن إنستغرام
وتابعت الصحيفة: كان النقاش يدور حول أن الحكومة أشارت بطرق مختلفة إلى أن البنية التحتية الحالية ليست مناسبة لتحمل تغييرات كبيرة ومفاجئة مثل رفع الحظر الشامل.
مع ذلك، هناك بعض التكهنات حول رفع الحظر عن إنستغرام، حيث يعتقد بعض الخبراء أن هذا الأمر قد يكون وشيكاً، يبدو أن هناك خططاً للتواصل مع عناوين IP الخاصة بشركة “ميتا” عبر مراكز تبادل الإنترنت (IXPs) في قطر أو عُمان، ولكن هذه المعلومات لا تزال في نطاق التكهنات.
وأضافت: الرسالة الرئيسية التي يتم التأكيد عليها هنا هي أن البنية التحتية الحالية لا يمكنها تحمل الزيادة المفاجئة في حجم حركة المرور الدولية، وهو استدلال يبدو منطقياً.
وتبين أن الحالة العامة للبنية التحتية لدينا خلال العقد الأخير لم تكن مناسبة لعدة أسباب، مثل العقوبات، وارتفاع سعر الدولار، والمشكلات المالية المتعددة التي تواجهها شركة الاتصالات والبنية التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسات الحكومات السابقة ساهمت في تفاقم هذه المشكلات، عملياً، الوضع العام للبنية التحتية يميل إلى التدهور، ومن جهة أخرى، لم يتم تنفيذ الاستثمارات الضرورية والكافية في مجالات مثل شراء المعدات، وتجديد البنية التحتية الحيوية للاتصالات، ومجالات أخرى مشابهة.
الحظر
ذكرت الصحيفة أنه بعد جائحة كورونا، ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في إيران بشكل ملحوظ، كما يزداد عدد مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عاماً بعد عام، والمستخدمون الذين يطالبون الآن بالوصول إلى الشبكات الاجتماعية الشهيرة المحظورة هم أكثر بكثير مما كانوا عليه قبل فرض الحظر (أي قبل سبتمبر/أيلول 2022).
إضافة إلى ذلك، فإن كمية حركة الإنترنت التي يستهلكها هؤلاء المستخدمون زادت بشكل كبير، من منظور البنية التحتية، ومع تزايد استهلاك المحتوى المرئي، الصوتي، والوسائط المتعددة عاماً بعد عام وحتى شهراً بعد شهر، نشهد زيادة كبيرة في حركة الإنترنت، حتى خلال فترات قصيرة مثل شهرين أو ثلاثة، فما بالك بفترات أطول مثل سنتين أو ثلاث.
وأضافت الصحيفة: إذا تم رفع الحظر عن أي من هذه المنصات، فسيزداد حجم حركة الإنترنت بشكل كبير، بناءً على ذلك، يمكن القول إن البنية التحتية غير جاهزة بشكل كامل، ولكن في المقابل، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن مثل هذه الخطوات تُنفَّذ عادة بشكل تدريجي.
وتابعت: هذا الموضوع يشبه لعبة “الدجاجة والبيضة”، هل يجب أن نطوّر البنية التحتية أولاً ثم نقرر رفع الحظر، أم نفكّر بالعكس، أي أن نعيد النظر في الحظر أولاً ثم نبدأ بتطوير البنية التحتية؟
وبحسب الصحيفة، يبدو هذا النوع من النقاش أشبه بتبرير إعلامي أكثر من كونه تحليلاً سياسياً موثوقاً، السبب في ذلك هو أنه إذا كان هناك إجماع حكومي بالفعل، وتم إدراج منصة أو عدة منصات على جدول أعمال رفع الحظر وإعادة الفتح، فمن المتوقع أن تحقق المشغلات وباقي الجهات المعنية أرباحاً مالية مناسبة، وبالتالي، في فترة زمنية قصيرة، يمكن تحسين البنية التحتية وتحديث المعدات بشكل عملي.
وأضافت الصحيفة: تُعدّ شركة الاتصالات والبنية التحتية واحدة من أهم الجهات المسؤولة عن تقديم إنترنت بجودة مقبولة في إيران، على مدار السنوات الماضية، لا سيما بعد عام 2022 أو ما يُعرف بفترة ما بعد الحظر، لم يُتعامل مع شركة الاتصالات والبنية التحتية كمزوّد رئيسي للإنترنت في إيران بطريقة صحيحة أو قائمة على أسس علمية.
وتابعت الصحيفة: تعاملت الحكومات والمنظومة الاقتصادية مع هذه الشركة كأنها “حصالة نقود” وحاولت فرض تكاليف متعددة عليها دون أن تولي اهتماماً لاستدامتها كأولوية، بمعنى آخر، فُقدت الإمكانيات والقدرات اللازمة لاستمرار الشركة وبقائها، وكانت النتيجة أن البلاد بأكملها تعرضت للأضرار.
هذا النهج لم يُساهم في تحقيق إيرادات مستدامة أو تخصيص ميزانيات كافية للشركة، بل أدى إلى تحميلها المزيد من التكاليف ودفعها فعلياً نحو الإفلاس. التقرير الذي نُشر قبل عدة أشهر حول البيانات المالية للشركة أظهر بوضوح المخالفات والغموض في إدارتها.
وأضافت الصحيفة: تناولت وسائل الإعلام والخبراء هذه القضايا، وأظهرت هذه التحليلات بوضوح أن الشركة تفتقر إلى الحد الأدنى اللازم للبقاء والاستمرارية.
وتابعت الصحيفة: منذ تشكيل الحكومة، وحتى قبل ذلك، كان رفع الحظر إحدى أولويات الرئيس، وقد أُعلن أن جهوداً كبيرة بُذلت لتحقيق ذلك، وتوصل رؤساء السلطات الثلاث إلى توافق حول هذه القضية، مع ذلك، من الأفضل تسريع هذه العملية لتجنب استمرار الضغوط الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية على الناس.
وأضافت الصحيفة: على الرغم من وجود مشكلات في البنية التحتية والحاجة إلى توسيع السعة، إلا أن زيادة استهلاك المواطنين يمكن أن تؤدي إلى زيادة إيرادات المشغلين وغيرهم من الأطراف في سلسلة توريد الإنترنت، ونتيجة لذلك، يمكن أن يحدث تطوير البنية التحتية بشكل متناسب.
واختتمت الصحيفة قائلة: يبدو أن هذا الموضوع لا يستدعي القلق الكبير، يكفي أن يتم في المرحلة الأولى ضمان استدامة شركة الاتصالات والبنية التحتية بشكل حقيقي، وفي المرحلة الثانية يتم رفع الحظر تدريجياً، وبالطريقة الحالية مع فرض حوكمة فعلية وفعّالة على الفضاء الرقمي.