كتب: محمد بركات
وصل أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، إلى العاصمة الإيرانية طهران يوم الأربعاء 19 فبراير/شباط، في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية، وكان في استقباله بمطار مهر آباد وزير الطاقة الإيراني، عباس علي آبادي، قبل أن يُجري استقبالا رسميا من قبل الرئيس الإيراني في مجمع سعد آباد الثقافي والتاريخي.
وعقب مراسم الاستقبال، عقد تميم اجتماعا خاصا مع بزشكيان ناقشا خلاله سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والتجارية.
وأكد الرئيس الإيراني خلال اللقاء، أن العلاقات بين طهران والدوحة شهدت نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن التعاون الاقتصادي والاستثماري يمكن أن يكون أكثر ديناميكية إذا تم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين بوتيرة أسرع.
بدوره، أشاد الأمير القطري بالتطور الإيجابي في العلاقات بين البلدين، معتبرا أن قطر تسعى إلى توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع إيران، كما أعرب عن استعداد بلاده لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة عبر الحوار والدبلوماسية.
وبعد اللقاء الخاص، عقدت جلسة موسعة بين الوفود الرسمية لكلا البلدين، حيث تم استعراض الاتفاقيات السابقة ومناقشة خطط تنفيذها.
وخلال تلك الجلسة، أكد الرئيس الإيراني أن طهران تعتبر قطر شريكا استراتيجيا في المنطقة، مشيرا إلى أن التعاون المشترك في مجالات الطاقة، التجارة والاستثمار يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية.
من جانبه، أكد تميم أن هناك إمكانيات كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي، داعيا إلى عقد اجتماعات دورية للجنة الاقتصادية المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاقات التجارية والاستثمارية، كما أشار إلى أن هناك فرصًا كبيرة لمساهمة الشركات الإيرانية في المشاريع التنموية في قطر.
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، ناقش الجانبان المستجدات في لبنان وسوريا واليمن، وأكدا ضرورة دعم الحلول الدبلوماسية، كما تبادلا وجهات النظر بشأن القضية الفلسطينية، حيث أشاد الرئيس الإيراني بالدور الذي تلعبه قطر في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة وإيصال المساعدات الإنسانية.
وعقب الاجتماعات، عقد الرئيس الإيراني وأمير قطر مؤتمرا صحفيا مشتركا، أكدا فيه على متانة العلاقات الثنائية وأهمية تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وأوضح بزشكيان أن إيران ملتزمة بتوسيع نطاق علاقاتها مع دول الجوار، مشيرا إلى أن قطر تحظى بمكانة خاصة في هذه السياسة، حيث صرح بأن “التعاون بين بلدينا يمكن أن يكون نموذجا في المنطقة، ونعمل على إزالة أي عقبات قد تعترض طريق التعاون الاقتصادي والاستثماري”.
أما من جانبه، فقد أكد تميم أهمية العلاقات القطرية الإيرانية، مشيرا إلى أن زيارته تأتي في وقت حساس يتطلب المزيد من التنسيق بين الدول الإقليمية، موضحا أن بلاده حريصة على تعزيز التبادل التجاري مع إيران، والعمل على استكشاف فرص جديدة للاستثمار المشترك.
كما شدد أمير قطر على أهمية الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مشيرا إلى أن قطر ستواصل جهودها لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين. وأضاف أن الحل الدائم للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عادلًا وشاملًا، مع ضمان حقوق الفلسطينيين في أرضهم.
لقاء أمير قطر بالمرشد الأعلى
وفي إطار زيارته، التقى أمير قطر مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، حيث شدد المرشد على أن توسيع العلاقات مع دول الجوار يعد سياسة ثابتة لإيران، مشيرا إلى أن حكومة الرئيس بزشكيان تسعى لتعزيز هذه العلاقات، مع تحقيق تقدم ملحوظ في هذا الاتجاه، بفضل جهود وزير الخارجية عباس عراقجي.
كما أكد خامنئي أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين ينبغي أن تصب في مصلحة الطرفين، داعيا إلى تعزيز التعاون في إطار المسؤوليات المشتركة كدول جوار.
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وصف خامنئي إيران وقطر بأنهما دولتان شقيقتان وصديقتان، لكنه أشار إلى استمرار بعض الملفات العالقة، خصوصا إعادة الأموال الإيرانية التي نُقلت من كوريا الجنوبية إلى قطر، متهما الولايات المتحدة بعرقلة تنفيذ الاتفاق بشأنها، مضيفا “لو كنا في موقف قطر، لما خضعنا للضغوط الأمريكية، ولكنا أعدنا الأموال”، داعيا الدوحة إلى اتخاذ خطوات مستقلة في هذا الملف.
من جانبه، أشاد تميم بمواقف إيران الداعمة للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن المنطقة بحاجة إلى تعاون أكبر لمواجهة التحديات الحالي، كما أشار إلى مشروع إنشاء نفق بحري بين البلدين، مؤكدا أن اللجنة الاقتصادية المشتركة ستبدأ عملها قريبا لتعزيز التبادل التجاري.
بين التحالف مع واشنطن والتقارب مع طهران.. توازن معقد
وتعليقا على تلك الزيارة، صرح قاسم محب علي، المدير السابق لدائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية، خلال حديث مع صحيفة هم ميهن في عددها الخميس 20 فبراير/ شباط 2025 بأن قطر تُعدّ جارا مهما لإيران، وتشترك معها في قضايا إقليمية مثل سوريا وأفغانستان، وبالرغم من ذلك، فإن العلاقات بين البلدين معقدة بسبب التنافس في قطاع الغاز، حيث تستغل قطر الموارد المشتركة بصورة أكبر.
وأشار محب علي إلى أن قطر، بعد إسرائيل، تعد أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مما يجعلها حلقة وصل محتملة بين إيران وأطراف ثالثة، مثل الأمريكيين والإسرائيليين والأتراك والسوريين، مضيفا أن مخاوف قطر من اندلاع نزاع إقليمي قد تكون أحد أسباب زيارة أميرها إلى طهران، وموضحا كذلك أن الضغوط الإيرانية على دول الجوار قد تدفعها للاصطفاف مع الولايات المتحدة حال نشوب أزمة.
أما عن احتمالية ارتباط زيارة أمير قطر بتحركات دبلوماسية أمريكية في المنطقة، فرأى محب علي أنها قد تكون جزءا من ترتيبات إقليمية تشمل قضايا لبنان وغزة والعراق، محذرا من أن أي تحسّن في العلاقات بين واشنطن وموسكو قد يؤثر سلبا على موقف إيران، كما حدث في الثمانينيات عندما دعمت روسيا قرارات أممية ضد طهران، كما أكد على ضرورة أن تسعى إيران إلى تخفيف التوتر مع الغرب قبل أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو الوقت الذي ينتهي فيه القرار 2231 الخاص بالاتفاق النووي والذي بموجبه يمكن عودة العقوبات كاملة ضد إيران.
كذلك، فخلال تحليله لتلك الزيارة، صرح نصرت الله تاجيك، الدبلوماسي الإيراني السابق، الخميس 20 فبراير/شباط 2025، بأن زيارة أمير قطر لطهران، تحمل أبعادا متعددة، ولا تقتصر على العلاقات الثنائية فحسب، فمن غير المرجح أن تكون بعيدة عن الملفات الإقليمية والدولية، مثل سوريا ولبنان وتحولات الشرق الأوسط، حتى وإن لم يكن هناك رسالة أمريكية مباشرة، مضيفا أن قطر عززت موقعها الإقليمي من خلال دبلوماسيتها النشطة، وقدرتها على التواصل مع مختلف القوى، وضمن ذلك الفصائل الجهادية وحركة طالبان.
أما عن إمكانية تنافس الدول العربية، خاصةً قطر والسعودية، على دور الوساطة، فقد نفى وجود مثل هذا التنافس، مؤكدا أن قطر وعُمان تملكان تاريخا دبلوماسيا أقوى في العلاقات بين إيران وأمريكا. في حين أن السعودية ودول أخرى قد لا ترغب أصلًا في تسوية الخلافات الإيرانية-الأمريكية، كما شدد تاجيك على أن تعزيز الدبلوماسية الإقليمية هو الخيار الأمثل لتخفيف التوترات، وحماية المصالح الوطنية، ومنع المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
وفي الإطار نفسه، قال آريابرزن محمدي، المحلل في الشؤون العربية، خلال حديثه مع صحيفة اعتماد الخميس 20 فبراير/ شباط 2025 بأن الدول العربية تسعى إلى دور إيراني في احتواء إسرائيل، مشيرا إلى أن السعودية وقطر تتبنيان نهجين مختلفين في الوساطة بين طهران وواشنطن، فبينما تركز الرياض على ضمان عدم تطوير العقيدة النووية الإيرانية، تسعى الدوحة إلى الحفاظ على توازن القوى الإقليمي بين إيران والسعودية، كما أكد أن قطر، ونتيجة لتجربة الحصار السعودي عام 2017، تتجنب أي توسع لنفوذ الرياض في المنطقة.
وأضاف محمدي أن قطر تملك خبرة في الوساطة، لا سيما في أزمة غزة، مما يعزز دورها المحتمل في تخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة، موضحا أن الدول العربية باتت تدرك أن السياسات الأمريكية والإسرائيلية تجاه غزة تزيد الضغط عليها، مما يدفع بعضها إلى إعادة النظر في أهمية الدور الإيراني في مواجهة إسرائيل.
كما أشار محمدي إلى أن المنافسة العربية على الوساطة غير دقيقة، إذ لكل دولةٍ أهدافها الخاصة، فالسعودية تسعى إلى تعزيز مكانتها الدولية من خلال نجاحها في الوساطة، بينما تهدف قطر إلى حماية استقلالها الإقليمي والاستفادة من رفع العقوبات عن إيران. كما أن قطر تأمل الاستثمار بسوق إيران بعد العقوبات، مما يعزز موقعها الاقتصادي.
على الجانب الآخر، فيرى سيد هادي سيد أفقيهي، المحلل السياسي، خلال تصريحات مع صحيفة همشهري، الخميس 20 فبراير/شباط 2025، بأن الدوحة تعتبر شريكا موثوقا لطهران، لكنها ليست وسيطا حقيقيا في الملفات الكبرى، مؤكدا أن وساطتها بين إيران وأمريكا غير حقيقة تماما، حيث صرح بأنه “حتى السعودية نفت رسميا أي دور لها في هذا الملف، رغم أن بعض الشخصيات السعودية تحدثت عن اهتمام محمد بن سلمان بلعب هذا الدور، إدراكا منه أن التصعيد بين إيران وأمريكا لا يخدم مصالح الرياض”.
كما أشار إلى أن العلاقات بين إيران وقطر كانت دائما قوية، مشددا على دور طهران خلال الأزمة الخليجية، حيث قال: “طلبت الدوحة المساعدة من طهران، التي فتحت موانئها وأجواءها لإنقاذ الاقتصاد القطري، في وقت أغلقت فيه الدول العربية الباب بوجهها”.
أما فيما يتعلق بسوريا، فيرى أفقيهي أن قطر لم تلتحق بمسار المصالحة الخليجية مع دمشق، حيث قال” رغم محاولاتنا للتوسط، ما زالت الدوحة تدعم الجماعات المسلحة، إلى جانب تركيا، وتتحفظ على التقارب مع النظام السوري”، كما يرى أن وجود القواعد الأمريكية في قطر يمثل تحديا كبيرا للدوحة، موضحا أن “قطر تحتضن أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وهي العديد، إلى جانب قاعدة السيلية، وهو ما يضع علامات استفهام حول مدى استقلالية القرار القطري”.
وفي ما يخص علاقة الدوحة بإسرائيل، ينتقد أفقيهي ما يصفه بازدواجية الموقف القطري، قائلا: “في الوقت الذي نلوم فيه دول الخليج على التطبيع، تتعامل الدوحة مع تل أبيب بشكل وثيق، بدءا من استقبالها شيمون بيريز، إلى كسر قناة الجزيرة الحظر الإعلامي على الشخصيات الإسرائيلية”، فيما يختم حديثه بقوله: “إن قطر ليست طرفا محايدا، بل لاعب متعدد الأوجه، يتنقل بين التحالفات وفقا لمصالحه، إن زيارة أمير قطر قد تحمل رسائل مهمة، سواء من سوريا أو حتى من الولايات المتحدة، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة”.