كتب: محمد بركات
أزمات سيستان وبلوشستان، مشكلة تتجدد مع كل رئيس جديد لإيران، فبينما تعد المحافظة واحدة من أكبر المحافظات الإيرانية مساحة وأكثرها تنوعا ثقافيا، حيث تحتضن مزيجا فريدا من الأعراق والتقاليد العريقة وهي واحدة من أكبر معاقل السنة في إيران، وتتميز بموقعها الجغرافي الحيوي المجاور لحدود باكستان وأفغانستان بوقوعها في الجنوب الشرقي من إيران، ما يجعلها بوابة استراتيجية للتجارة والربط الإقليمي، إلا أنها تواجه تحديات معقدة في علاقتها مع الحكومة المركزية في طهران، يتمثل أهمها في تنظيم جيش العدل المعارض للنظام الإيراني. مشكلة حاول الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، حلها منذ توليه السلطة في يوليو/تموز ولا يزال يحاول.
وتأتي آخر خطوات بزشكيان لحل الأزمة عندما أعلن فدا حسین مالكي، عضو لجنة الأمن القومي والنائب البرلماني لمدينة زاهدان، خلال تصريحات مع وسائل الإعلام، أن الرئيس الإيراني سيسافر إلى محافظة سيستان وبلوشستان في أول زيارة داخلية له بصفته رئيسا للجمهورية، وأن التقييمات والتخطيطات اللازمة لهذه الزيارة قيد التنفيذ حاليا، مضيفا: “وفقا للترتيبات المتخذة، ستتم هذه الزيارة خلال الأيام القليلة المقبلة”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ووفقا للتقرير، فقد صرح مالكي: “نأمل أن نشهد تغييرات على مستوى المحافظة مع تغيير المحافظ، لأن محافظتنا تضم منطقتين تجاريتين، إحداهما في سيستان والأخرى في تشابهار، ويمكن أن تكون زاهدان حلقة وصل بين هاتين المنطقتين، مما يمهد الطريق لإنشاء صناعات ثقيلة في مركز المحافظة”.
وفي تعليق على تلك الرحلة، صرح منصور بيجار، محافظ سيستان وبلوشستان، خلال اجتماع التخطيط لزيارة رئيس الجمهورية للمحافظة، قائلا: “إن أحد الأهداف الرئيسية لحكومتنا في إطار الوفاق الوطني هو إحياء قدرات سيستان وبلوشستان على تحقيق التنمية والتقدم للبلاد، وإن هذه الزيارة يمكن أن تكون خطوة مهمة لتسريع هذا الهدف”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة انتخاب الصادر بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
أزمات محافظة سيستان وبلوشستان: من الحالة الاقتصادية الصعبة إلى جيش العدل
تعاني المحافظة من العديد من المشكلات التي تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين بها وكذلك على العاصمة طهران. فمن بين تلك المشاكل تأتي الأزمات البيئية في المرتبة الأولى، فبسبب موقع المحافظة الجغرافي فإن مناخها يتسم بالجفاف وقلة الأمطار. وعلى النقيض، فالفيضانات الموسمية المفاجئة تؤدي إلى خسائر كبيرة في المياه العذبة والتربة، كما تسبب المسافات الشاسعة داخل المحافظة وصعوبة الوصول إلى العاصمة عرقلة حركة التنمية بها، وذلك وفقا لمقال نشرته صحيفة اعتماد في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ووفقا للتقرير، فهناك عوامل أخرى أدت إلى وصول المحافظة إلى تلك الحالة المعيشية الصعبة، ومن أهمها ضعف البنية التحتية الأساسية، وضمن ذلك النقل والخدمات اللوجستية، وانخفاض معدل الاستثمار الخاص، بسبب غياب الحوافز وعدم استقرار الأوضاع، وتراجع ثقافة العمل والإنتاج بين السكان نتيجة ضعف البرامج التوعوية والتنموية.
وأمام تلك المشكلات والتحديات لم تضع الحكومات المتعاقبة خطة حقيقية لتطوير المدينة، فالتغييرات المستمرة في القيادات الإدارية وقصر مدة بقاء المسؤولين وذلك للدواعي الأمنية، وغياب الإدارة المحلية المؤهلة ذات الصلاحيات الكاملة لمعالجة الأزمات، أثر بشكل كبير على تفاقم الأزمة.
مشكلة أخرى تحاول طهران وساكن قصر الباستور، القصر الرئاسي في إيران، حلها وهي تنظيم يدعى جيش العدل، الذي اتخذ المحافظة مركزا لعملياته.
وجيش العدل هو تنظيم مسلح تأسس في العام 2012 على يد مجموعة من النشطاء البلوش السنة الذين انشقوا عن تنظيم جند الله بعد تفكيكه واعتقال قائده عبد المالك ريغي. ويصف التنظيم نفسه بأنه مدافع عن حقوق البلوش السنة في مواجهة ما يعتبرونه تمييزا طائفيا وعرقيا تمارسه السلطات الإيرانية. ويزعم جيش العدل أنه يسعى لتحقيق العدالة ورفع الظلم عن شعب بلوشستان، بينما تصنفه الحكومة الإيرانية كجماعة إرهابية تهدد الأمن القومي، وذلك وفقا لتقرير موقع رويداد 24 الإخباري الصادر في 22 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ووفقا للتقرير، فمنذ تأسيس التنظيم فقد نفذ عددا من العمليات التي استهدفت قوات الأمن الإيرانية، خاصة في المناطق الحدودية بين إيران وباكستان. ومن أبرز هذه العمليات الهجوم على مركز حرس الحدود في سراوان في عام 2013 والذي أسفر عن مقتل 14 عنصرا من قوات حرس الحدود الإيرانية، واعتُبر إحدى أكبر العمليات التي نفذها التنظيم.
كذلك فقد اختطف التنظيم مجموعة من خمسة جنود إيرانيين في العام 2014 بالقرب من الحدود الباكستانية. ورغم الجهود الدبلوماسية، تم إعدام أحدهم لاحقا، فيما أُفرج عن الباقين بوساطة باكستانية. كذلك الهجوم الذي وقع في مدينة خاش والذي استهدف موكبا للحرس الثوري، مما أدى إلى مقتل عدد من أفراده وإصابة آخرين. أيضا تفجير زاهدان الذي وقع في 2019، حيث نفذ التنظيم تفجيرا انتحاريا استهدف حافلة للحرس الثوري الإيراني، وأودى بحياة أكثر من 27 عنصرا، مما تسبب في موجة غضب واسعة داخل البلاد.
ومؤخرا كان التنظيم قد أعلن عن مسؤوليته عن الهجوم على سيارات الدورية الأمنية في منطقة جوهرکوه التابعة لمقاطعة تفتان، والذي أسفر عن مقتل عشرة من الجنود وعناصر قوات الأمن، وذلك وفقا لتقرير صحيفة هم ميهن بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
محاولات بزشكيان لحل الأزمة: هل ستؤتي زيارته المرتقبة ثمارها؟
منذ توليه السلطة، سعى بزشكيان لحل أزمات محافظة سيستان وبلوشستان الاقتصادية والأمنية، فخلال لقائه بأعضاء المجلس الاستراتيجي لمحافظة سيستان وبلوشستان والذي عقد في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أشار بزشكيان إلى الاهتمام الخاص الذي توليه الحكومة الرابعة عشرة لمنطقة جنوب شرقي البلاد باعتبارها واحدة من أهم المناطق ضمن رؤية التنمية الوطنية. وقال: “تتمتع محافظة سيستان وبلوشستان بقدرات عالية على الإسهام في تنمية البلاد بفضل موقعها الجغرافي على مسار المشروع الدولي الكبير لممر الشمال-الجنوب وقربها من المنطقة الاستراتيجية مكران. وبناء على ذلك، تُتابع قضايا وتحديات هذه المحافظة بشكل خاص من خلال فريق عمل متخصص يجتمع أسبوعيا في الحكومة”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة مردم سالاري الصادر بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
كذلك فقد عيَّن بزشكيان، منصور بيجار، وهو من الشخصيات السنية المعروفة في العمل الحكومي بالمحافظة، محافظا لسيستان؛ وذلك وفاء بالوعد الانتخابي الذي أطلقه في حملته بأن الشخصيات المحلية هي من ستتولى السلطة في المناطق الحدودية من جهة، ومن جهة أخرى ليحاول القضاء على أي اتهامات بالعنصرية الدينية تجاه المحافظة، وذلك وفقا لتقرير موقع عصر إيران الإخباري الصادر في تاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول.
كذلك، فقد التقى وزير الداخلية الإيراني، إسكندر مومني، عددا من علماء ونخب محافظة سيستان، وعلى رأسهم الملا عبد الحميد، وهو خطيب الجمعة زاهدان وأبرز الشخصيات الدينية السنية بإيران، وذلك في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2024؛ وذلك للنظر في حل مشكلات المحافظة الاقتصادية والأمنية، وتأكيد سياسة الوفاق الوطني ووحدة الصف أمام أية تهديدات أمنية، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين المنشور في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتأتي زيارة بزشكيان المرتقبة باعتبارها إحدى الخطوات الهامة لمواجهة تنظيم جيش العدل، ولكن وعلى الرغم من أن تلك الزيارة يمكن أن تسهم في تخفيف حدة الصراع بالمنطقة، فإنه من غير المرجح أن تنهي الصراع بالكامل بين جيش العدل وإيران. فهذه الزيارة تركز على تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، وتحديدا من خلال الاستفادة من الفرص الاقتصادية المرتبطة بالممرات التجارية، والاستثمار في البنية التحتية وتطوير سواحل مكران، ولكن الصراع مع جيش العدل له جذور عميقة في القضايا السياسية والاجتماعية التي من الصعب أن تنتهي بمجرد زيارة، وذلك في ضوء الهجمات التي يقوم بها الجيش الإيراني ضد التنظيم على الأراضي الإيرانية وفي باكستان، وذلك وفقا لتقرير موقع خبر أونلاين المنشور بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.