كتب: محمد بركات
استقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الأربعاء 11 سبتمبر/ أيلول 2024 بعد وصوله إلى العاصمة العراقية بغداد في رحلة ستستمر لثلاثة أيام، كأول وجهة خارجية للرئيس الإيراني بعد توليه مهام منصبه. ومن المقرر أن يجري بزشكيان عدة لقاءات مع رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية، ورؤساء البرلمان والسلطة القضائية وتوقيع وثائق التعاون المشترك، كما ستُعقد لقاءات مع التجار والمواطنين الإيرانيين المقيمين في العراق.
كما سيقوم بزشكيان بزيارة الأماكن الدينية الشيعية في مدينتي النجف وكربلاء، حيث سيتفقد بعض المشاريع التابعة للشركات الإيرانية في البصرة، كما سيتوجه إلى أربيل والسليمانية في شمال العراق بدعوة رسمية من مسؤولي إقليم كردستان.
وقد صرح بزشكيان قبل سفره إلى العراق قائلاً: “إن التواصل مع الدول الإسلامية يبدأ من اللقاء مع العراق، آمل أن تكون لدينا علاقات جيدة جداً، ودية وأخوية، مع الدول الإسلامية.” وأكمل: “هذه الزيارة تتم بناءً على السياسات التي أُعلن عنها مسبقًا، وكذلك سياسة القائد الأعلى للثورة لتعزيز العلاقات الودية مع الجيران، إن العراق دولة صديقة، مسلمة، وشريكة لنا من الناحية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وهي مركز للثقافة والعلم والفكر الإسلامي. هذه هي زيارتنا الأولى لهذا البلد، ويمكننا أن نحقق الكثير من التعاون معًا. وقد تم إعداد العديد من الاتفاقيات للتوقيع عليها. كما أن جهود العراق في تنظيم الأربعين جديرة بالتقدير.”
هذا في حين صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، قبيل سفر بزشكيان إلى العراق قائلاً: “إن هذه الزيارة هي أول زيارة خارجية لرئيس الجمهورية، وقد حرصنا على أن تكون إلى دولة تربطنا بها أقرب العلاقات وأوثق الروابط.” وأكمل: “آمل أن تُعزز هذه الزيارة العمق الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين وتدخل تعاوننا في مرحلة جديدة، الحمد لله، ففي السنوات الأخيرة، كانت هناك علاقات وثيقة بين البلدين في المجال الأمني، وتم توقيع اتفاقية أمنية بينهما. نحن جيران للعراق وقد شهدنا الكثير من التقلبات على مر التاريخ، والآن ومنذ سنوات، أصبحت حدودنا حدود سلام وتبادل شعبي، وإن شاء الله، ستساهم هذه الزيارة في تعزيز هذه العلاقات بشكل أكبر.”
الوفد المرافق لبزشكيان:
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول 2024 فقد رافق الرئيس وفدًا رفيع المستوى كان على رأسه محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس الجمهورية، ومحسن قمي، مستشار الشؤون الدولية بمكتب خامنئي، وعددًا من المستشارين والوزراء كجعفر قائم بناه، مستشار الرئيس التنفيذي، ومحسن حاجي میرزایی، رئيس مكتب رئيس الجمهورية، وعباس عراقجي، وزير الخارجية، وعبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، وفرزانه صادق، وزيرة الطرق والإسكان، ومحمد رضا فرزين، محافظ البنك المركزي، ومهدي سنائي، المستشار السياسي لمكتب رئيس الجمهورية .
أسباب اختيار العراق كأول مقصد لبزشكيان:
وقد أتى اختيار العراق كأول مقصد خارجي لرئيس الجمهورية لعدة أسباب، كان أهمها ما ذكره بزشكيان نفسه هو أن العراق تشكل البعد الاستراتيجي لإيران، ويجب تحسين العلاقات معها وتوقيع عدة اتفاقيات اقتصادية وأمنية، كذلك لتأكيده على أمرين، الأول هو استمرار سياسة الصلح الدولي التي ينتهجها وذلك بلقائه مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأيضًا تأكيد ولائه للنظام بزيارة النصب التذكاري لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي قتل في غارة جوية أمريكية بالعراق. وقد صرح عراقجي، وزير الخارجية، أن تلك الزيارة كان من المفترض أن يقوم بها إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني السابق الذي لاقى حتفه أثر تحطم طائرته، ولكن وافته المنية ولم يقم بها، لذلك فضل بزشكيان أن يتمم برنامج الرئيس السابق بالقيام بتلك الزيارة. أيضًا يرى محللون أن توقيت تولي بزشكيان، والذي يتوافق مع احتفالات الأربعين الشيعية المقامة في العراق، قد جعل اختيار بغداد كأول مقصد خارجي أكثر منطقية.
تفاصيل الزيارة:
وفقًا لتقرير وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية فبعد استقبال رئيس الوزراء العراقي للرئيس الإيراني، توجه بزشكيان مباشرة لتأدية مراسم الاحترام للنصب التذكاري لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين لقيا مصرعهما في غارة أمريكية بالعراق، المقام بمطار بغداد مكان وقوع الغارة. بعدها ذهب بزشكيان للقاء الرئيس العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، وأشار خلال لقائهما إلى عمق العلاقات التاريخية بين البلدين ودعا إلى التحرك نحو إزالة حدود الدول الإسلامية على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، كما أكد على أن تعزيز الوحدة بين الدول الإسلامية سيؤدي إلى إبطال مفعول العقوبات، وأكد أن الوحدة بين الدول الإسلامية هي المفتاح والسر لتجفيف جذور الإرهاب الصهيوني.
ومن جانبه فقد رحب رشيد بتوقيع مزيد من وثائق التعاون بين إيران والعراق، كما أدان انتهاك السيادة الإيرانية، واغتيال إسماعيل هنية، ومجزرة الشعب في غزة وفلسطين. بعدها عُقد اجتماع مشترك لأعضاء وفدي البلدين بحضور بزشكيان ورئيس الوزراء العراقي.
وبعد الاجتماع وقع المسؤولون من إيران والعراق 14 وثيقة تعاون في مجالات الاقتصاد والثقافة والتعليم والمجتمع والفنون والإعلام والهندسة والتجارة والنقل والسياسة والرياضة والزراعة والزيارات الدينية.
وخلال برنامجه لليوم الأول من رحلته فقد التقى بزشكيان بفائق زيدان، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في العراق، وناقش معه سبل التعاون الأمني والقضائي بين البلدين.
توجه الرئيس الإيراني بعدها للقاء مع الإيرانيين المقيمين في العراق وصرح خلال لقائه ” في هذه الزيارة، نسعى إلى حل المشكلات التي تواجه حياة الإيرانيين ونشاطاتهم في العراق.’ وأضاف: ‘أعتقد أنه لو كنا قد سلكنا الطريق الذي أوصانا به الأئمة، لكانت أوضاعنا اليوم في الداخل وفي المنطقة مختلفة؛ لو كنا يدًا واحدة وإخوة، لما تجرأ النظام الصهيوني على ارتكاب الجرائم بشكل جريء كما يفعل الآن.”
وأكمل” “لو كانت الأموال التي تنفق على بناء القنابل والتجهيزات العسكرية تُستثمر في معالجة المشكلات والظلم، لكنا اليوم بلا مشاكل أو نزاعات، لكن للأسف، نحن المسلمون بدلاً من أن نتوحد ونتماسك استنادًا إلى تعاليم ديننا وإيماننا، نعيش في نزاعات واختلافات مستمرة. لا يمكننا أن نتصرف ضد العدالة ثم ندّعي أننا نتبع الأئمة وشيعة علي بن أبي طالب. الوضع اليوم في المناطق المحرومة، وخاصة المناطق الحدودية في بلدنا، هو دليل على أننا لم نعمل بالعدل.”
عقب ذلك حضر بزشكيان اجتماع مع رجال الأعمال والنشطاء الاقتصاديين في العراق وذلك خلال برنامجه المسائي ليومه الأول والذي أكد فيه على أن أحد الأهداف الرئيسية لزيارته هو تسهيل نشاط التجار والمنتجين الإيرانيين. وأضاف: ‘في اللقاءات والمشاورات التي تمت مع المسؤولين العراقيين رفيعي المستوى، اتفقنا على تشكيل مجموعة عمل متخصصة لوضع خطة استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين.’
هذا وقد طلب من التجار والنشطاء الاقتصاديين الحاضرين في الاجتماع أن يقدموا جميع المشكلات التي يعتقدون أنها تعيق نشاطهم، بما في ذلك القضايا المطروحة في هذا الاجتماع، إلى مجموعة العمل المذكورة. وأضاف: ‘إن انتعاش نشاطكم يعود بالنفع على كل من إيران والعراق. يجب أن تتفاعلوا مع مجموعة العمل التي ستشكل لوضع هذه الخطة الاستراتيجية لضمان وضع أفضل برنامج ممكن لتعزيز التبادلات الاقتصادية بين البلدين.’ واعتبر بزشكيان أن توسيع وتعزيز التبادلات الاقتصادية وزيادة الأمن والاستقرار الاقتصادي يرتبطان بشكل متبادل، وأوضح: ‘إن انتعاش الأنشطة الاقتصادية والتجارية يتطلب السلام والاستقرار والأمن، وكلما توسعت هذه التبادلات، زاد ذلك من تعزيز واستدامة الاستقرار والأمن.” وبذلك اختتم بزشكيان فعاليات يومه الأول.
وفي بداية يومه الثاني وصل بزشكيان إلى مدينة أربيل حيث استقبله نيشروان بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، في المطار، وخلال هذه الزيارة، سيلتقي الرئيس بارزاني، رئيس الإقليم، ومسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك برئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، كما سيلتقي أيضاً بـقادة وزعماء الأحزاب والمجموعات السياسية في إقليم كردستان.
ردود الأحوال حول الزيارة :
وقد أثارت تلك الزيارة ردود فعل إيجابية في الداخل الإيراني، سواء على الجانب الشعبي أو الحكومي، فقد صرح الدكتور علي أكبر ولايتي، أحد مستشاري القائد الأعلى علي خامنئي، في حديثه مع وكالة أنباء مهر الإخبارية الإيرانية بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2024 تعليقاً على زيارة بزشكيان للعراق قائلاً “إن العراق من الدول التي تحتل مكانة رفيعة فيما يتعلق بسياساتنا”، وأضاف” إيران والعراق هما من الأركان الرئيسية لجبهة المقاومة ومواجهة إسرائيل والقوى الاستعمارية والمتسلطة، وهما في مواجهة مع الولايات المتحدة”. وأكد خلال حديثه أن أي فرقة تحدث بين الشعبين الإيراني والعراقي فهي من دسائس العدو ويجب على الشعبين الفطنة لمثل تلك الأمور، فـتاريخ الشعبين شاهد على مظاهر الحب والإخاء المتبادل.
وعن تلك الزيارة صرح أصغر زارعي، المحلل في قضايا الشرق الأوسط، في حديثه مع وكالة إيسنا الإخبارية الإيرانية بتاريخ 12 سبتمبر/ أيلول 2024 حول اختيار العراق من قبل الرئيس كوجهة لأول رحلة خارجية، قائلاً: “العراق يعتبر من أولويات السياسة الخارجية لنظامنا السياسي، حيث نتمتع بروابط ثقافية وثيقة معه، وعلى مدار سنوات النضال الثوري ضد النظام الملكي، كان العراق واحداً من الأماكن التي كان الثوار يقيمون فيها ويخططون. وكانت الحوزات العلمية في النجف وكربلاء مراكز لتدريب طلابنا الثوريين.” وأضاف: “الروابط المختلفة في المجالات السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية ما زالت قائمة بين البلدين بقوة. لذا، مع قدوم الدكتور بزشكيان، كان من أولويات السياسة الخارجية للحكومة الجديدة تعميق وتعزيز هذه العلاقات، وتم اختيار العراق كوجهة لأول رحلة خارجية للرئيس. هذه زيارة نادرة؛ حيث أن رؤساء جمهوريتنا قاموا بعدة زيارات إلى العراق منذ الثورة، لكن زيارة مناطق مختلفة مثل جنوب العراق والبصرة أو إقليم كردستان لم تتم حتى الآن.”
وأشار المحلل إلى توقيع 14 وثيقة تعاون في هذه الزيارة، مضيفاً: “تواجد الرئيس في إقليم كردستان يدل على وجود تاريخ طويل من التواصل والروابط مع الشعب الكردي، وهذا التواصل يتوسع الآن، حيث يشعر مواطنو إقليم كردستان بأنهم جزء من وطننا. استخدام الرموز الثقافية والتاريخية الإيرانية في هذا الإقليم واضح جداً، وفي النهاية، يمكن أن يسهم توسيع النفوذ الإيراني في الإقليم في تعزيز التعاون بين البلدين بشكل أكبر.”
وصرح زارعي مشيرًا إلى ضرورة التعاون الأمني بين البلدين، قال: “بفضل التعاون بين إيران والعراق، تم القضاء على داعش وعاد الأمن إلى العراق. الآن، الحشد الشعبي هو أحد نقاط القوة والمرتكزات في المقاومة. لكن في مجال الأمن، أحد المشكلات التي تواجهها الحكومة العراقية اليوم هي وجود وتدخلات قوات الاستخبارات والجيش الأمريكي بشكل ملحوظ. وقد قامت الحكومة العراقية، وفقًا للقانون، بتصديق مشروع قانون في البرلمان يقضي على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية، بما في ذلك الأمريكية، لأراضي العراق، وتجنب أي أعمال تمس بالسيادة الوطنية وأمن البلاد. ولكن للأسف، استمر الأمريكيون في الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية، وتجاوزوا حدود سيادة العراق.”