كتب: محمد بركات
في زيارة رسمية استمرت يوما واحدا، وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى طهران الثلاثاء 25 فبراير/شباط 2025، وذلك تلبية لدعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي، وتأتي هذه الزيارة في ظل تطورات إقليمية ودولية متسارعة، حيث تمحورت المحادثات التي أجراها الطرفان حول تعزيز العلاقات الثنائية، والتعاون في مجالات الطاقة والنقل، إضافة إلى بحث القضايا الإقليمية مثل الملف النووي الإيراني، والأزمة السورية، ومستجدات الوضع في القوقاز.
تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي
فقد تناولت المحادثات بين لافروف وعراقجي تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها بين موسكو وطهران في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، حيث أكد الجانبان تنامي التعاون الاقتصادي، كما أعلن لافروف عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 13%، إضافةً إلى البدء بتنفيذ مشروع خط سكة حديد رشت آستارا، الذي يمثّل جزءا من ممر النقل الدولي الشمالي، ما عكس مساعي البلدين لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية.
الملف النووي الإيراني
كان الملف النووي الإيراني من أبرز محاور الحديث خلال الزيارة، حيث شدد عراقجي على أن إيران لن تدخل في مفاوضات مباشرة مع واشنطن ما دامت سياسة الضغط الأقصى، والعقوبات مستمرة.
لافروف، من جهته، أكد أن موسكو تؤمن بإمكانية حل الأزمة النووية الإيرانية عبر الدبلوماسية، داعيا جميع الأطراف إلى استغلال ما سماه الفرصة الدبلوماسية المتاحة دون تهديدات أو استخدام القوة، مؤكدا أن روسيا ترفض العقوبات الأحادية المفروضة على طهران، معتبرا أنها غير قانونية وغير فعالة.
الأزمة السورية وتوافُق الرؤى بين موسكو وطهران
أما في ما يخص الأزمة السورية، فأكد الوزيران توافق البلدين على دعم وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للانفصال، وأشار لافروف إلى أن أي حل للأزمة السورية يجب أن يتم بمشاركة روسيا وإيران والصين، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، كما شدد الجانبان على استمرار التنسيق بينهما لضمان استقرار سوريا.
وتأتي تلك التصريحات وسط تقارير تفيد بوجود اتصالات روسية مع أطراف سورية معارضة، كذلك فقد صرح محمد رضا رؤوف شيباني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية الإيراني للشأن السوري، بأنه تلقى رسائل من حكومة أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت.
القضية الفلسطينية
كذلك، فقد أدان عراقجي الأفعال الإجرامية التي تقوم بها إسرائيل في غزة والضفة الغربية، مشيرا إلى رفض إيران القاطع لما يُعرف بمخطط الحصار الإجباري على الفلسطينيين، وكذلك بمخطط التهجير الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما أعلن عراقجي عن عقد اجتماع وزاري لمنظمة التعاون الإسلامي؛ لمناقشة هذه القضية، مؤكدا استمرار دعم إيران للمقاومة الفلسطينية. من جانبه، أكد لافروف موقف روسيا الداعم لحل سياسي للقضية الفلسطينية.
لماذا تعد زيارة لافروف مهمة؟
تعد زيارة لافروف لطهران هي الأولى منذ تولى مسعود بزشكيان وحكومته السلطة بإيران في يوليو/تموز 2024، إضافة إلى القضايا التي تمت مناقشتها خلال الزيارة، فتكتسب تلك الزيارة أهمية خاصة في ظل التحركات الأخيرة للافروف في المنطقة.
فقبل أسبوع واحد من زيارته لإيران، التقى لافروف في 18 فبراير/شباط 2025، في الرياض، مع كل من ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي، ومايك والتز مستشار الأمن القومي الأمريكي، وستيف ويتكوف المبعوث الخاص لدونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط، وذلك برفقة يوري أوشاكوف كبير مستشاري السياسة الخارجية لفلاديمير بوتين، وكيريل ديميتريف مدير صندوق الاستثمار المباشر الروسي.
ركز هذا الاجتماع بشكل أساسي على ملف أوكرانيا، وبعد انتهائه، وصف المسؤولون الروس اللقاء بأنه إيجابي، وهو ما أكده الجانب الأمريكي أيضا، رغم أن وزير الخارجية الأمريكي أوضح أن العقوبات المفروضة على روسيا لن تُرفع قريبا، وعلى الرغم من أن الاجتماع كان مخصصا لأوكرانيا، فإن الحقيقة هي أن ترامب وبوتين لم يكتفيا بالتواصل الرسمي حول هذه القضية، بل كان من المقرر أن يلتقيا في الرياض يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط، إلا أن هذا الاجتماع تأجل إلى وقت لاحق.
وفي هذا السياق، فإن تصريح لافروف خلال مؤتمره الصحفي في طهران مع عباس عراقجي، حين قال إنه نقل إلى نظيره الإيراني تقييم روسيا للحوار الأخير مع الأمريكيين، يحمل دلالات تتجاوز روسيا وأمريكا، ليشمل إيران أيضا.
ومن جهة أخرى، تجب الإشارة إلى أن لافروف قد زار اسطنبول قبل مجيئه إلى طهران، حيث التقى هناك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان محور اللقاء أيضا الملف الأوكراني والسوري.
خلال هذا اللقاء، أكد أردوغان أن أنقرة ترحب برغبة الرئيس الأمريكي في إنهاء الحرب عبر التفاوض، لكن في الوقت ذاته، لا يمكن تحقيق سلام عادل ومستدام إلا بوجود جميع الأطراف المعنية في المعادلة.
لا ينبغي إتاحة الفرصة للتيار المعادي لإيران
وحول موقع إيران في العلاقة بين روسيا وأمريكا، قالت إلهاه كولايي، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة طهران، خلال حديث لها مع صحيفة هم ميهن، الأربعاء 26 فبراير/شباط 2025، إن العلاقات الإيرانية الأمريكية كانت دائما موضع اهتمام موسكو، سواء خلال الحقبة السوفيتية أو بعدها، وأوضحت أن هذه العلاقة شهدت تقلبات عديدة، واستفادت منها دول مجاورة وبعيدة.
كذلك، فقد أكدت كولايي أن لقاء وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، وكذلك لقاء لافروف مع نظيره التركي وسفره إلى إيران، يعكسان التحركات الدبلوماسية النشطة لروسيا، مشيرة إلى أن العلاقة بين روسيا وأمريكا تؤثر بشكل مباشر على موقف موسكو تجاه إيران، لا سيما في ظل المحادثات حول إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأضافت أن روسيا، كغيرها من الدول، تتصرف وفقا لمصالحها الخاصة، ولا يمكن توقع أن تضحي بعلاقاتها مع أمريكا لصالح إيران، لذا، على طهران اتخاذ خطوات دبلوماسية مناسبة لتجنب استغلال موقعها الجيوسياسي من قبل الآخرين.
كما حذرت من أن تجاهل القواعد الدولية بسبب الأيديولوجيا قد يجعل إيران مجرد أداة لمصالح دول أخرى، وضمن ذلك روسيا، مشددة على ضرورة الاستفادة من التغيرات في السياسة الأمريكية بعد وصول ترامب إلى السلطة، خاصة في ظل محاولات إسرائيل التأثير على الموقف الأمريكي.
وأشارت إلى أن واشنطن تتبع سياسة “العصا والجزرة” تجاه إيران، وأن إدارة ترامب تتعامل معها بعقلية تجارية، نظرا إلى أهميتها الجيواقتصادية، وختمت بأن على إيران استغلال هذه الظروف لإعادة تعريف موقعها الدولي، كما فعلت في الماضي خلال الحرب الباردة.
روسيا ليست في موقع يؤهلها للوساطة بين طهران وواشنطن
كذلك فقد صرح حسن بهشتي بور، الباحث في الشؤون الدولية، الأربعاء 26 فبراير/شباط 2025، بأن زيارة وزير الخارجية الروسي لطهران قد تكون بهدف نقل نتائج محادثاته مع مارك روبيو في الرياض وتوضيح خطط الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، لكنه يستبعد أن تكون موسكو تسعى للوساطة بين طهران وواشنطن.
وأشار بهشتي بور إلى أن القضية السورية قد تكون من المحاور المهمة، خاصة بعد اتصالات روسيا مع أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، موضحا أن موسكو وطهران قد تتباحثان حول مستقبل سوريا وتعزيز نفوذهما هناك، كما أكد أن مستقبل سوريا وأوكرانيا يشكلان أهمية خاصة في الزيارة، رغم أن إيران ليست طرفا مباشرا في أزمة أوكرانيا، لكن من المتوقع أن تقدم روسيا تقريرا عن مفاوضاتها الأخيرة مع واشنطن.
وحول احتمالية توسط موسكو بين طهران وواشنطن، يرى بهشتي بور أن ذلك غير مرجح، إذ إن روسيا تركز على حل أزمتها في أوكرانيا أكثر من لعب دور الوسيط، ويعتقد أن هناك احتمالا ضئيلا، لا يتجاوز 5% على حد تقديره، بأن تحمل موسكو رسالة أمريكية إلى إيران.
أما في ما يتعلق بموقف روسيا من تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، أوضح بهشتي بور أن موسكو لن تستطيع تحديد موقفها قبل حسم صراعاتها مع واشنطن، مشككا في فرضية أن روسيا قد تقلل دعمها لإيران تحت ضغط أمريكي، مشيرا إلى أن موسكو لم تقدم دعما عمليا لطهران أمام واشنطن.
كما أكد أن حل الأزمة الأوكرانية هو مفتاح تغيير العلاقات الروسية الأمريكية، حيث لن ترفع واشنطن عقوباتها على موسكو قبل إنهاء الحرب. كذلك، يسعى ترامب إلى خلق فجوة بين روسيا والصين عبر تخفيف الضغط على موسكو.
وفي ختام تصريحاته، خلص بهشتي بور إلى أن روسيا ليست في موقع يسمح لها بالتدخل في النزاع الإيراني الأمريكي، وأن التحليلات المنتشرة حول هذا الأمر تبقى في نطاق التكهنات الإعلامية.