ترجمة: أسماء رشوان
نشرت وكالة “إيلنا“، 25 يناير/كانون الثاني 2025، تقريرا ذكرت فيه تصريحات محمد حسن قديري أبيانه، السفير الإيراني السابق لدى أستراليا والمكسيك، في مقابلة مع مراسل وكالة إيلنا، والتي أوضح خلالها تقييمه لأسباب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد 16 شهرا من الحرب، مشيرا الى دور الوسطاء الدوليين.
أشار قديري إلى أن عملية “طوفان الأقصى” وجهت ضربة قاسية للاحتلال الإسرائيلي، وصفها المرجع الديني الإيراني بأنها جرح عميق لا يمكن شفاؤه.
وأوضح أن الجيش الإسرائيلي، الذي طالما اعتبر نفسه قوة لا تُهزم وأجهزته الاستخباراتية من بين الأقوى في العالم، فشلت في التنبؤ بهذه العملية. هذه الهزيمة أثرت بشكل كبير على صورة الجيش الإسرائيلي، فحطمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” على الصعيد العالمي، وبين الفلسطينيين وقوى المقاومة، وحتى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
الاحتلال الإسرائيلي هو هتلر الحاضر
وأضاف قديري أن الاحتلال الاسرائيلي قد ارتكب شتى أنواع الجرائم؛ في محاولة منه للقضاء على حركة حماس وتطهير غزة من الفلسطينيين، بهدف ضمها إلى الأراضي المحتلة الأخرى. ومع ذلك، فشل في تحقيق أهدافه، وتراجعت سمعته التي بناها على مدى أكثر من 70 عاما بين أنصاره حول العالم.
وقد أوضح أن “اليوم يُعتبر النظام الإسرائيلي من أكثر الأنظمة المكروهة عالميا، وأصبح رمزا للاضطهاد، بل يُنظر إليه في بعض الأوساط بأنه أكثر وحشية من محرقة هتلر. ورغم ذلك، صمد الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأعماره، ورفض التخلي عن أرضه. وفي النهاية، أدرك الاحتلال الاسرائيلي عجزه عن القضاء على حماس أو كسر إرادة الفلسطينيين، ولم يجد خيارا سوى القبول بوقف إطلاق النار”.
التصويت لصالح ترامب
أفاد الدبلوماسي ذو الخبرة الواسعة في وزارة الخارجية عند الإشارة إلى الحكومات التي قدمت الدعم للنظام الإسرائيلي، سواء من خلال تزويده بالأسلحة أو أشكال الدعم الأخرى، بأن “هذه الدول قد تعرضت لضغوط متزايدة من الرأي العام داخلها”. وأضاف أن “المسلمين الأمريكيين، الذين كانوا يميلون للتصويت لصالح الديمقراطيين بشكل متزايد، غيّروا توجههم هذه المرة وصوتوا للمرشح الجمهوري دونالد ترامب؛ احتجاجا على دعم الديمقراطيين لجرائم النظام الإسرائيلي. وعلى الرغم من سلوك ترامب المتسلط، فإنه أحيانا يطلق تصريحات تلقى قبولا لدى المسلمين، مثل معارضته للمثلية وشرب الخمر، وتصريحه الذي تساءل فيه: لماذا تُجبرون المرأة المسلمة على خلع الحجاب الذي ارتدته عبر قرون عديدة؟”.
وأضاف أنه “يمكننا ملاحظة هذا السخط أيضا في أماكن أخرى، لا سيما في الجامعات الغربية الواقعة في دول زودت إسرائيل بالسلاح. فالرأي العام غاضب من هذه الجرائم المتواصلة، مما جعل الاحتلال الاسرائيلي يواجه تحديات خطيرة، كما أن الولايات المتحدة تعاني من أزمات اقتصادية متفاقمة، حيث تجاوز الدين الفيدرالي للبلاد 36 تريليون دولار، مما يزيد من تعقيد الأوضاع”.
الخطر المتصاعد للدين الفيدرالي
وذكر قديري أن هذا المستوى من الديون يشكل تهديدا كبيرا للاقتصاد الأمريكي، كما أن العقوبات المالية، التي كان لترامب دور في فرضها سابقا، دفعت العديد من الدول إلى محاولة التحرر من هيمنة الدولار.
كما أوضح أن المعاملات العالمية بدأت تُجرى بنسبة كبيرة بعملات غير الدولار، وسيكون ذلك بمثابة ضربة قاصمة للولايات المتحدة، كما أن ترامب يعي هذا الأمر جيدا. إنه غير راضٍ عن استمرار دعم أمريكا لأوكرانيا والاحتلال الإسرائيلي، في ظل تلك التحديات الاقتصادية التي تواجهها بلاده، وهو أمر يجب أن نأخذه بعين الاعتبار”.
وتابع الدبلوماسي أن ترامب أدرك أن الحروب التي خاضتها أمريكا حول العالم لم تحقق الفوائد المرجوة منها، والحقيقة أن النظام الدولي يسير باتجاه التعددية القطبية، وهو اتجاه يأتي على حساب الهيمنة الأمريكية. لهذا السبب، مارست الولايات المتحدة ضغوطا على الاحتلال الإسرائيلي؛ للإسراع في إنهاء هذه القضية قبل عودة ترامب إلى الحكم. ومع ذلك، فإن التأثير الأكبر لم يكن لهذه الضغوط، بل للمقاومة الصلبة التي أبداها الشعب الفلسطيني.
دعم إيران للمقاومة
وأوضح محلل العلاقات الدولية، متحدثا عن دور إيران في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة والتغيرات المحتملة في المنطقة: “لقد قدمنا دعمنا لقوى المقاومة بطرق متعددة، ودعمناها على المستوى الدولي من خلال الدعاية والعلاقات مع الدول، كما دعمناها بتزويدها بالسلاح. هذا الدعم عزز مكانة إيران في المنطقة وعلى الساحة العالمية”.
وأضاف أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية تدرك أن جزءا كبيرا من انتصاراتها وقوتها يعود إلى المساعدات والتدريبات التي وفرتها لها إيران، إلى جانب تضحياتها وإيمانها الراسخ بقضيتها. ولحسن الحظ، الفلسطينيون يقدرون هذا الدعم ويدركون أهميته في تحقيق إنجازاتهم.
تجربة الحرب العراقية الإيرانية
وأشار إلى أن مسار النضال مرّ بصعود وهبوط، موضحا: “لقد عشنا تجارب مماثلة خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث واجهنا انتكاسات وانتصارات. على سبيل المثال، فقدنا خرمشهر ذات مرة، لكنها تحررت في النهاية، ورغم كل التحديات، انتصرنا، وفشل نظام صدام في تحقيق أي من أهدافه”.
وأضاف أنه “قد تبدو الضغوط المفروضة على قوى المقاومة في بعض الأحيان كإخفاقات، لكنها غالبا ما تُمهد الطريق لانتصارات أعظم. على سبيل المثال، سوريا تعرضت للسقوط المؤقت على يد الإرهابيين وداعميهم، مثل إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والأردن ودول أخرى. ومع ذلك، أنا واثق بأن سوريا ستنهض مجددا، كما نشأ حزب الله في وقت كانت فيه بيروت تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي”.
تشكيل مقاومة سورية
أوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ردا على سؤال حول إمكانية تشكيل مجموعة مقاومة في سوريا: “نعم، الظروف الحالية تؤدي بلا شك إلى تشكيل مجموعة مقاومة، حتى من بين أولئك الذين كانوا يعارضون الأسد ويتصدون له في السابق. فاليوم، يرون أن بلادهم محتلة من قبل إسرائيل وتركيا، وأن معداتهم العسكرية قد دُمرت بالكامل على يد الإحتلال الإسرائيلي. فهذا الواقع يدفعهم إلى إعادة التفكير في مواقفهم”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة لن تكتفي بالاستيلاء على آبار النفط السورية، بل ستقيم قواعد عسكرية في البلاد لاستغلال مواردها بشكل دائم. أما أفعال الإرهابيين العنيفة وغير المحسوبة في سوريا، فستؤدي في النهاية إلى انهيارهم وجعلهم ينضمون إلى صفوف المقاومة. وآمل أن نشهد في سوريا تجربة مماثلة لما حدث في لبنان، حيث تمكن حزب الله من تحقيق النصر في مواجهة الاحتلال”.
دعم إيران المستمر للمقاومة
وفي ما يتعلق بمستقبل السياسة الخارجية الإيرانية صرح خبير السياسة الخارجية الإيراني: “في رأيي، يجب أن نواصل دعم قوى المقاومة بكل السبل الممكنة، ونعمل على ضمان خروج الولايات المتحدة من المنطقة، مع تعزيز الأمن الإقليمي من قبل دول المنطقة نفسها. هدفنا هو رؤية الاحتلال الإسرائيلي مهزوما وفلسطين محررة من النهر إلى البحر، ولهذا السبب نستمر في تقوية أنفسنا”.
وأضاف: “خلال فترة رئاسة أوباما، طُرح عليه في مقابلة تلفزيونية سؤال: إذا كانت إيران محور الشر، فلماذا لا تتخذ إجراء عسكريا للإطاحة بهذا النظام وإنهاء هذا الوضع؟ وقد كانت إجابته واضحة: إذا هاجمنا إيران، فإن حزب الله سيدمر إسرائيل. هذه الحقيقة تدل على أن قوة المقاومة في المنطقة رادع أساسي يحسب له الجميع ألف حساب”.
دور حزب الله في المنطقة
وقد أوضح قديري أن هذه التصريحات تؤكد أن وجود حزب الله يشكل عائقا رئيسيا أمام أي هجوم عسكري على إيران، وأن قوى المقاومة الأخرى تسهم بدور فعال في تحقيق هذا الردع.
واختتم حديثه موضحا أنه “على مدار السنوات، عززنا قدراتنا بحيث أصبحنا قادرين على الدفاع عن أنفسنا والعمل كرادع قوي حتى دون الاعتماد الكامل على قوى المقاومة، كما أنه لا يوجد حاليا أي تهديد مباشر لأمننا القومي، لكننا ندرك أهمية عدم الاستهانة بالعدو، وعلينا أن نظل مستعدين دائما، وبمساندة الشعب، نقضي على أي تهديد في مهده”.