كتبت: لمياء شرف
أعلنت المعارضة السورية، في بيان على شاشة التلفزيون الرسمي، الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أنها حررت مدينة دمشق عاصمة سوريا، وأسقطت حكم بشار الأسد الذي امتد 24 عاما.
وذكرت في بيانها: “تم بحمد لله تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد”، مضيفةً أنه تم إطلاق سراح جميع المعتقلين بسوريا.
سقط بشار الأسد بعد أن تخلى عنه حليفاه روسيا وإيران، فقد تخلت روسيا بداية من “حرب الردع” التي بدأتها جبهة تحرير الشام وفصائل المعارضة الأخرى في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وحاولت إيران تقديم المساعدة العسكرية بإرسال مستشارين عسكريين؛ في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في وقت يبدو فيه أن المعادلة الإقليمية قد بدأت بالتغير، وسرعان ما انسحبت مرة أخرى وأجلت قادتها العسكريين ومسؤولين آخرين من سوريا، في إشارة إلى تراجع ثقة طهران بنظام الأسد مع سيطرة قوات المعارضة على أراض في شمال البلاد وشرقها وجنوبها.
وكشف تقرير حصري نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أن إيران أدارت ظهرها وتخلت عن حليفتها سوريا، في الوقت الذي نجحت فيه قوات المعارضة في الإطاحة بالنظام.
وبحسب مذكرة داخلية من أحد أعضاء الحرس الثوري اطلعت عليها الصحيفة، فقد وصف الوضع في سوريا بأنه “لا يصدَّق، وغريب”.
وقالت المذكرة إن إيران قبلت سقوط الأسد وفقدت الإرادة للمقاومة، وإضافة إلى ذلك، تحولت وسائل الإعلام الإيرانية من وصف المتمردين السُّنة بـ”الإرهابيين الكفار” إلى “الجماعات المسلحة”، وذكرت أنها تعاملت حتى الآن بشكل جيد مع الأقليات الشيعية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز .
وقال مهدي رحمتي، المحلل إيراني الذي يقدم المشورة للمسؤولين بشأن الاستراتيجية الإقليمية، في مقابلة هاتفية مع نيورك تايمز: “بدأت إيران بإجلاء قواتها وأفرادها العسكريين؛ لأننا لا نستطيع القتال كقوة استشارية وداعمة؛ إذا كان الجيش السوري نفسه لا يريد القتال”.
وأضاف أن “الخلاصة هي أن إيران أدركت أنها لا تستطيع إدارة الوضع بسوريا في الوقت الراهن بأي عملية عسكرية، وهذا الخيار أصبح غير وارد”.
على مدى عقود، أنفقت إيران أموالا ضخمة لدعم بشار الأسد، مما ساعده على البقاء خلال حرب أهلية استمرت 13 عاما وهددت حكمه الوراثي، إلى أن استقر الوضع بالدعم الإيراني.
وأقامت إيران قواعد عسكرية ومستودعات أسلحة ومصانع صواريخ في سوريا، واستخدمتها كقناة لتسليح حلفائها المسلحين في جميع أنحاء المنطقة، حيث استخدمت معبر العريضة الحدودي بين سوريا ولبنان في نقل الأسلحة لحزب الله.
تخلت إيران بانسحابها ليس عن الأسد فقط، أقرب حليف عربي لها، ولكنها أيضا تتنازل عن كل ما بنته خلال 40 عاما في سوريا، التي تمثل قاعدتها الرئيسية في العالم العربي.
فقدت إيران قدراتها في الدخول في حرب جديدة بعد عام مليء بالحروب الإقليمية في غزة ولبنان، ويعتبر انهيار الشراكة بين إيران وسوريا، وفقا لجميع المعطيات الحالية، بداية لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
يقول حسن شمشادي، خبير في المجموعات المسلحة الإيرانية الذي كان لسنواتٍ صانع أفلام وثائقية في ساحات القتال بسوريا، في مقابلة من طهران: “كانت سوريا بالنسبة لإيران العمود الفقري لوجودنا الإقليمي، حيث إن إيران تستعين بسوريا في إرسال كل شيء إلى المنطقة عبر سوريا، والآن أصبح من الصعب للغاية الحفاظ على هذه القنوات مفتوحة”.
صُدمت الحكومة الإيرانية بسرعة التقدم الذي أحرزته المعارضة في سوريا وهجر الجيش السوري قواعده، وفقا لثلاثة مسؤولين إيرانيين، اثنين منهم عضوان في الحرس الثوري النخبوي، إضافة إلى محللين إيرانيين بارزين مقربين من الحكومة.
وأكدا لـ”نيويورك تايمز” أنه بحلول منتصف الأسبوع الماضي، تحولت الأجواء إلى ذعر كامل، حيث كانت المعارضة تسير نحو سيطرة تدريجية على المدن، من حلب إلى حماة إلى دير الزور ودرعا.
تحول في الخطاب الإيراني
في تصريحات علنية، تعهد المسؤولون الإيرانيون بالبقاء ملتزمين تماما بدعم الأسد. ولكن في السر، ومع سيطرة المعارضة على مزيد من الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة إيران وميليشياتها، بدأت الشكوك تتصاعد بشأن ما إذا كانت إيران قادرة على قلب الموازين.
وفي مذكرات داخلية للحرس الثوري، وُصفت الأوضاع بأنها “لا تُصدّق وغريبة”، وجاء في مذكرة واحدة: “يبدو كأن إيران قبلت بسقوط الأسد وفقدت الإرادة للمقاومة”.
في التلفزيون الحكومي الإيراني، تم الانتقال من وصف المعارضة السنية بـ”الإرهابيين الكفار” إلى “مجموعات مسلحة”، وتم الإبلاغ عن أنهم حتى الآن يعاملون الأقليات الشيعية بشكل جيد.
ويذكر أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، شكك في مستقبل بشار الأسد في مقابلة مع قناة الشرقية العراقية، وأكد: “نحن لسنا أنبياء ولا يمكن القول أو التنبؤ بسقوط بشار الأسد؛ لكن المقاومة ستقوم بواجبها بالتأكيد”.
وكانت لعراقجي تصريحات أخرى تفيد بأن إيران ستقدم كل الدعم لحكومة بشار الأسد.
وظهر في برنامج إخباري بالتلفزيون الحكومي، سهيل كريمي، وهو مقاتل سابق في سوريا يعمل الآن محللا سياسيا، وقال عن وعود الدعم التي قد أعلنها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: ما هي إلا آمال كاذبة.
تغير الخطاب الإعلامي
إضافة إلى التخلي العسكرى، تخلت إيران أيضا عن سوريا إعلاميا، فخطابها الإعلامي تغير عن سابقه، فقد نشرت وسائل الإعلام الإيرانية، خاصةً التلفزيون الرسمي، في الأيام القليلة الماضية، في أثناء تغطية الأخبار، صورا لنجاح معارضي بشار الأسد، وفيديوهات لمعارضين يدهسون صورة بشار الأسد بأقدامهم، استبدلت كلمات مثل “إرهابي” إلى “معارضين مسلحين”.
فسر بعض مستخدمي وسائل الإعلام والناشطين تغطية الأخبار السورية بهذه الطريقة بأنها تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستعد لمرحلة “ما بعد بشار الأسد”.
ومن علامات هذا التوجه أيضا التقارير التي جاءت فيها أن “المجموعات المسلحة (ضد بشار الأسد) لم تستهدف أيا من المدنيين الشيعة الذين يعيشون في حلب، على الرغم أنه في الماضي، كانت التقارير الإخبارية تشير إلى عمليات النهب والاغتصاب وقطع الرؤوس وما إلى ذلك من قبل قوات المعارضة السورية”.
يبدو أن التغيير في لهجة وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الإيرانية أعطى الشجاعة أو الفرصة لوسائل الإعلام الأخرى لنشر رواية أكثر استقلالية عن التطورات في سوريا.
نشرت صحيفة مثل “هم ميهن” عنوانا رئيسيا “نحو دمشق” مع صورة منتصرة لمعارضي الأسد على صفحتها الأولى في ذروة الأزمة السورية.
وتناولت في جزء من مقالها “نحو دمشق” الانتصارات المتتالية لمعارضي الأسد ودور الفاعلين القدامى في هذا البلد.
وكتب الصحفي أحمد زيد آبادي في ملاحظة نشرتها صحيفة هم ميهن: “مع السرعة التي وجدتها ميليشيات تحرير الشام في تقدمها نحو الجنوب السوري ومع الضعف الذي أظهره الجيش السوري، تم احتلال دمشق وإسقاطها”.
ويعتبر الوضع الآن بالنسبة لإيران حساسا للغاية، فخسارة سوريا حليفها الأقرب تعني اعترافا بالهزيمة.