ترجمة: نوريهان محمد البهي
سلط خبير تلوث الهواء بهزاد أشجعي، الضوء على أبرز التحديات التي تواجه طهران بسبب تلوث الهواء، مؤكدا أن هناك حلولا بسيطة يمكن تنفيذها إذا توافرت الإرادة السياسية.
نشرت صحيفة آرمان ملي، الإثنين 6 يناير/كانون الثاني 2025، مقابلة مع أشجعي، الباحث والخبير في مجال تلوث الهواء، كشف فيها عن الأسباب الرئيسية لتفاقم مشكلة تلوث الهواء في طهران. تحدث عن العيوب في قوانين الهواء النظيف وكيف أن غياب التنفيذ والتخطيط المالي يؤدي إلى تفاقم الأزمة، محذرا من عواقب استمرار هذا الاتجاه.

ذكرت الصحيفة وفقا لمصادرها، أن سماء طهران لم تعرف اللون الأزرق السماوي منذ أيام، حيث أصبح سكان المدينة كلما رفعوا رؤوسهم ينظرون إلى أفقٍ ملبد بالدخان.
ورغم هبوب بعض الرياح أحيانا، فإن كثافة التلوث جعلت حتى تلك النسمات عاجزة عن تنظيف السماء، مما دفع السكان إلى التأقلم على غياب المشهد السماوي الصافي.
وأضافت الصحيفة، أن سكان العاصمة طهران قد نسوا اللون الأزرق السماوي منذ عدة أشهر، وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على النصف الثاني من هذا العام فحسب، بل إنها مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان.
حيث أصبح تلوث الهواء ضيفا دائما على المدينة الكبرى خلال النصف الثاني من كل عام، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة تتجاوز مجرد سبب أو اثنين.
وأشارت الصحيفة إلى أن مؤشر تلوث الهواء لا يزال يتراوح حول 140 درجة، مما يجعله يشكل خطرا صحيا للفئات الأكثر تأثرا.
ومع استمرار استقرار الطقس، من المتوقع زيادة كثافة وتراكم الملوثات الجوية في المدن الصناعية؛ وهذه العبارة تتكرر بشكل شبه يومي بين الأخبار، وبالنظر إلى التوقعات بهطول أمطار منتصف الأسبوع، يُتوقع أن يساعد ذلك في تخفيف حدة التلوث الجوي بشكل طفيف.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى حديث بهزاد أشجعي، خبير تلوث الهواء، حيث صرح قائلا: “إن التغيرات هذا العام ليست أكثر حدة مقارنة بالعام الماضي، وإذا نظرنا إلى عدد الأيام التي شهدت تلوثا في الهواء العام الماضي، فسنجد أن الأيام التي كانت غير صحية للفئات الأكثر تأثرا، ولم تكن أقل بشكل ملحوظ عن هذا العام”.
لكن إذا نظرنا إلى الاتجاه العام في العقد الماضي، فإن الوضع يزداد سوءا باستمرار، حيث أصبحنا نشهد تدهورا تدريجيا عاما بعد عام”.
تلوث الهواء في طهران.. تحديات مستمرة وتدهور بيئي متصاعد
وفي ظل تصاعد التحديات البيئية التي تواجه العاصمة، أشارت الصحيفة إلى ما أشار إليه بهزاد أشجعي، أن مصادر التلوث في تزايد مستمر، حيث صرح قائلا: على مر السنوات، تزداد مصادر الانبعاثات الملوثة بشكل مستمر.
ومن بين هذه المصادر، نلاحظ زيادة في عدد وسائل النقل، مثل السيارات الخاصة والدراجات النارية والحافلات الصغيرة والكبيرة والشاحنات، حيث يتم إضافة المزيد منها كل عام.
بالإضافة إلى ذلك، تتزايد المصادر الثابتة مثل الصناعات ومحطات الطاقة، حيث إن النمو السكاني المستمر وزيادة استهلاك الطاقة يؤديان إلى زيادة انبعاثات هذه المصادر. فمحطات الطاقة تُجبر على زيادة طاقتها الإنتاجية لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
كما أشار أشجعي: إلى أن مصادر التلوث المستمرة تزداد مع مرور الوقت، سواء من الصناعات أو محطات الطاقة، حيث يزداد استهلاك الطاقة بشكل مستمر بسبب النمو السكاني والتوسع الحضري، مما يترتب عليه زيادة في انبعاثات هذه المصادر.
وأضاف: أن الصناعات أيضًا تساهم في زيادة معدلات التلوث، حيث إن الطلب على المنتجات يزداد، مما يقتضي زيادة في الإنتاج. وأكد أن هذا الاتجاه يعد طبيعيًا، ولكن مع تزايد عدد السيارات، التي تعتبر المصدر الرئيسي للتلوث، يزداد أيضًا متوسط أعمارها سنويًا، بسبب توقف أو بطء عملية التخلص من السيارات القديمة؛ ونتيجة لذلك، يزداد معدل الانبعاثات.
وأوضح أشجعي: أن هذه العوامل تساهم في تفاقم تلوث الهواء سنويًا، وذكر أنه على الرغم من أن هذا الوضع لا يعد غير طبيعي، إلا أنه يجب اتخاذ خطوات فعالة للحد من تفاقمه في المستقبل.
وأشار أشجعي: إلى ضرورة اتخاذ تدابير فعالة لخفض معدلات التلوث، كما أكد أنه يجب أن تكون الإجراءات المتخذة هدفها تقليص انبعاثات الملوثات بشكل تدريجي، بدلاً من أن تزداد هذه الانبعاثات عامًا بعد عام.
وأعرب أشجعي عن أسفه لعدم تنفيذ العديد من هذه التدابير، كما أوضح أن القانون المتعلق بالهواء النظيف، الذي تم التصديق عليه منذ سبع سنوات، لم يُنفذ بشكل كافٍ، حيث لم يتم تطبيق سوى نسبة ضئيلة منه.
وأضاف: أن استمرار هذا الاتجاه في زيادة تلوث الهواء سنويًا سيظل قائمًا ما لم يتم تطبيق هذا القانون وتفعيل الإجراءات الفعالة للحد من التلوث البيئي.
وفي هذا السياق أشار أشجعي: إلى أن بعض الخبراء يطرحون ملاحظات على قانون الهواء النظيف.
وأوضح قائلاً: أنا لا أنكر وجود عيوب في هذا القانون؛ ومن غير القابل إنكار أن القانون يحتوي على مشاكل ويحتاج إلى إصلاح، لكن السؤال هنا: هل كان هذا القانون، رغم العيوب التي يتضمنها، غير قابل للتنفيذ؟ الجواب لا.
فبالرغم من العيوب الموجودة، إلا أن جزء كبيرا من هذا القانون كان يمكن تنفيذه وكان يجب تطبيقه خلال هذه السنوات، لكن هناك عدة أسباب أبطأت الأمر، مثل نقص تخصيص الموارد والميزانيات اللازمة، فلم يتم تنفيذه.
وتابع: لكن هذا ليس مرتبطًا بمشاكل القانون نفسها، فإن المشكلات الموجودة في القانون يجب أن تُعالج، لكن في الوقت نفسه، إذا تم تطبيق أجزاء القانون التي كانت صحيحة، كان من الممكن أن تتحسن حالة تلوث الهواء ولم نكن لنواجه الوضع الحالي.
غياب التخطيط المالي يعرقل تنفيذ قانون الهواء النظيف
ومع تفاقم الأوضاع الخاصة بقانون الهواء النظيف، أشار أشجعي إلى أن أهم مشكلة يعاني منها قانون “الهواء النظيف” هي غياب تخصيص الموارد المالية اللازمة لتنفيذه، قائلا:
“عندما يتم وضع قانون وتكليف وزارة أو جهة تنفيذية بتنفيذ مهام محددة، يجب أن تكون هناك موارد مالية مخصصة لهذه المهام. لكن في قانون الهواء النظيف، تم تجاهل تخصيص الموارد المالية في العديد من الحالات، وإذا تم تخصيصها، فإنها لا تفي بمتطلبات تنفيذ القانون”.
كما أشار أشجعي: إلى وجود تناقضات في بعض بنود قانون “الهواء النظيف”، موضحًا مثالًا يتعلق بتحديد سن الإعفاء من الفحص الفني للسيارات، حيث تم تحديده بـ 4 سنوات في إحدى المواد، بينما حددت مادة أخرى فترة ضمان المعدات الخاصة بالتحكم في انبعاثات السيارات، مثل المحفزات (الكاتالیزور)، لعامين فقط.
وأضاف أشجعي: أن هناك تناقضات في بعض بنود قانون “الهواء النظيف”، موضحًا أن السيارات التي يتم استلامها من المصنع لا تحتاج إلى الخضوع للفحص الفني خلال أول أربع سنوات.
وعليه، فإن مالك السيارة لا يلاحظ أي مشكلة في نظام التحكم في انبعاثات السيارة، إذ لا تظهر العيوب إلا بعد انتهاء فترة الضمان.
وأضاف أيضا: أن هذا يعد تناقضًا في القانون، حيث إن بعض بنوده صيغت بطريقة غامضة، مما يفتح المجال لتفسيرها بعدة طرق.
وأكد أشجعي: أن موضوعات العقوبات لم يتم تناولها بشكل مناسب، إذ تم تحديد بعض الغرامات والعقوبات على المخالفات، لكن هذه العقوبات لم تكن رادعة بما يكفي.
وأوضح أشجعي: أنه في حال ارتكاب المخالفة، يتم فرض غرامة صغيرة، مما يدفع الأفراد إلى تفضيل ارتكاب المخالفة على الالتزام بالإجراء الصحيح الذي قد يتطلب تكلفة أعلى.
كما أشار: إلى أن المشكلة تكمن في أن العقوبات في القانون ليست رادعة بما يكفي، بالإضافة إلى أن القانون يفتقر إلى الحوافز التشجيعية.
وأضاف: أنه يجب أن يتم النظر في الحوافز للممارسات النزيهة، مثل مكافأة الصناعات أو السيارات التي تلتزم بالمعايير البيئية.
ورغم هذه الإشكالات، أكد أشجعي، أن نسبة كبيرة من بنود هذا القانون كانت قابلة للتنفيذ، ولكن لم يتم تنفيذها لأسباب أخرى.
وجدير بالذكر، تظل قضية تلوث الهواء في طهران معضلة بيئية معقدة تتطلب حلولاً فعّالة ومتابعة مستمرة. هل ستنجح المدينة في استعادة سمائها الزرقاء؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.