كتب: محمد بركات
على مر التاريخ، احتل الذهب مكانة بارزة كملاذ آمن ووسيلة لحفظ قيمة الأموال من التضخم والأزمات الاقتصادية، ومع تزايد التوترات السياسية والاقتصادية في العالم، يبقى الذهب خيارا بارزا وفعالا من خيارات الادخار والاستثمار، خصوصا في الأسواق التي تعاني من تقلبات مالية شديدة، كالأسواق الإيرانية، والتي شهدت قفزات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بعوامل محلية وعالمية، أبرزها ارتفاع سعر الصرف والتضخم المحلي، مما جعل الذهب الخيار الأفضل بين المستثمرين الإيرانيين.
ارتفاع أسعار الذهب في إيران
تعتبر أسعار الذهب على مستوى العالم، وحتى إن لم تكن واحدة، مرتبطة بشكل أو بأخر، فلا يمكن تجاهل التأثير الكبير للأسواق العالمية على سعر الذهب المحلي لأي سوق، فعالميا، شهد الذهب ارتفاعا بنسبة 10% خلال العام الماضي 2024، بسبب العوامل السياسية والاقتصادية العالمية، مثل زيادة التضخم والسياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى.
ومع بدء ولاية دونالد ترامب مجددا كرئيس للولايات المتحدة، ارتفع سعر الأونصة العالمية للذهب منذ 20 يناير/ كانون الثاني 2025، وهو يوم تنصيبه، من 2707 دولارات إلى 2867 دولارا اليوم، مسجلا زيادة قدرها 160 دولارا، 6 بالمئة تقريبا، في أقل من 16 يوما، مما عد أحد أسرع معدلات نمو أسعار الذهب في التاريخ المعاصر.
هذا الارتفاع العالمي انعكس على أسعار الذهب في إيران، التي شهدت بدورها زيادة نتيجة العلاقة المباشرة بين سعر الذهب العالمي وسعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال الإيراني، حيث ارتفع سعر عملة بهار آزادي، وهي العملية الذهبية الرسمية في إيران وتعادل 7.3 جرام من الذهب عيار 22، خلال الأيام الأولى من شهر فبراير/ شباط 2025 إلى 783 مليون و100 ألف ريال إيراني، ما يعادل 797 دولار أمريكي.
العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار الذهب
في الفترة الأخيرة، تأثرت أسعار الذهب في إيران بعوامل محلية وخارجية على حد سواء، كان من أبرزها ارتفاع سعر الصرف، فقد
أدى التدهور المستمر لقيمة الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية إلى ارتفاع كبير في أسعار الذهب المحلية، فعندما يتراجع سعر العملة المحلية، تصبح تكلفة استيراد الذهب أعلى، ما يرفع أسعاره في الأسواق المحلية.
جديرا بالذكر أنه وخلال العام الماضي2024، ارتفعت أسعار الذهب بشكل كبير في إيران، حتى في الأوقات التي لم يشهد فيها السوق العالمي ارتفاعات ملحوظة.
كذلك يأتي التضخم المرتفع كأحد أسباب زيادة قيمة الذهب، فتعاني إيران من معدلات تضخم مرتفعة، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن وسائل لحماية مدخراتهم.
أيضا فقد كان لارتفاع الطلب على الاستثمار في الذهب دورا مؤثرا في زيادة الأسعار، فبالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، ازداد إقبال الإيرانيين على شراء الذهب كأداة استثمارية. سواء كان ذلك من خلال شراء الذهب المادي أو عبر الاستثمار في صناديق الذهب، أصبح الذهب من الأصول المحببة للعديد من المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذات آمنة لحفظ ثرواتهم.
ونظرا لتلك للثقافة الاستثمارية السائدة في إيران، يعتقد بعض الخبراء أنه في ظل الزيادة المتوقعة في سعر الذهب عالميا وارتفاع قيمة الدولار في إيران، قد يتراوح سعر جرام الذهب عيار 18 في السوق الإيرانية بين 60 إلى 80 مليون ريال إيراني، ما يعادل من 65 إلى 86 دولار، بحلول الربع الثاني من عام 2025.
صناديق الاستثمار في الذهب
مع ارتفاع الطلب على الذهب، ظهرت في الأسواق الإيرانية أدوات استثمارية جديدة، من أبرزها صناديق الاستثمار في الذهب، هذه الصناديق تُعد أدوات مالية تتيح للمستثمرين الاستفادة من تقلبات أسعار الذهب دون الحاجة إلى شراء الذهب المادي.
بدأت صناديق الاستثمار في الذهب عملها في إيران منذ عام 2018، وهي أدوات استثمارية قابلة للتداول في سوق رأس المال الإيراني، حيث تتيح هذه الصناديق للمستثمرين الاستثمار في الذهب عبر شراء وحدات منها، مدعومة بأصول تشمل شهادات إيداع الذهب وسبائك الذهب وأوراق مالية منخفضة المخاطر.
وتشمل مكونات صناديق الذهب شهادات إيداع الذهب، والتي تمثل ملكية جزئية في الذهب، وأوراق مالية مدعومة بالذهب، وأصول منخفضة المخاطر لتقليل تقلبات الأسعار.
وتُقدم صناديق الاستثمار في الذهب العديد من المزايا للمستثمرين في إيران، منها تفادي مخاطر التخزين والسرقة، فعن طريق الاستثمار في هذه الصناديق، لا يحتاج المستثمرون إلى الاحتفاظ بالذهب المادي، مما يقلل من مخاطر سرقته أو فقدانه.
كذلك فإنها توفر إمكانية الاستثمار بمبالغ صغيرة، فتتيح هذه الصناديق للمستثمرين الدخول بمبالغ صغيرة نسبيا، مما يجعل الاستثمار في الذهب متاحًا لشريحة أوسع من الإيرانيين.
أيضا القدرة على التكيف مع ارتفاع أسعار الذهب، حيث استطاعت صناديق الذهب أن تحقق استفادة قصوى من ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية، ما زاد من جاذبيتها.
وبسبب كل هذا، فقد شهدت صناديق الاستثمار في الذهب في إيران إقبالا متزايدا خلال فترات طرحها، حيث حققت عوائد جيدة مقارنة بأدوات الاستثمار الأخرى.
إلا أنه، وبالرغم من مزاياها العديدة، فإنها تواجه بعض التحديات والمخاطر أولها فقاعة الأسعار، فقد تتعرض صناديق الذهب لظاهرة الفقاعات السعرية، حيث قد تكون أسعار الوحدات أعلى أو أقل من قيمتها الحقيقية، مما قد يؤدي إلى مخاطر خسائر مالية.
كذلك التقلبات في أسعار الذهب العالمية، حيث تتأثر صناديق الذهب بشكل مباشر بالتغيرات في أسعار الذهب على المستوى العالمي، وفي حال حدوث تقلبات حادة في الأسواق العالمية، قد تنخفض قيمة الوحدات بشكل مفاجئ.
ماذا ينتظر سوق الذهب في إيران؟
مع استمرار التقلبات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، يواجه سوق الذهب في إيران العديد من العوامل المؤثرة التي ستحدد اتجاه أسعاره خلال الربع الثاني من عام 2025، وهو بداية العام في التقويم الإيراني، فوفقا للخبراء، يُتوقع أن يستمر الاتجاه الصعودي للذهب في إيران، وإن كان بوتيرة معتدلة، حيث تشير التحليلات الفنية والاقتصادية إلى احتمال ارتفاع سعر الذهب بنسبة 5% حتى نهاية الربع الأول من عام 2026، مع إمكانية تجاوز الأسعار العالمية حاجز 2600 دولار للأونصة في بعض الفترات، أما بالنسبة للعملات الذهبية، فمن المتوقع أن تحافظ على استقرار نسبي، دون تقلبات حادة، شريطة استمرار الطلب.
كذلك، فهناك عدة عوامل من شأنها أن تؤثر على سوق الذهب الإيراني، من أبرزها التوترات الإقليمية، مثل النزاع الروسي الأوكراني، والتحركات الإسرائيلية في المنطقة، خصوصا مع وجود احتمالية شن إسرائيل هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، والإجراءات التي أتخذها دونالد ترامب ضد إيران والتي من الممكن أن تتزايد مع عدم وصول البلدين إلى إطار ثابت للتفاوض حول القضايا المختلفة، وعلى رأسها الملف النووي والتي قد تدفع بأسعار الذهب نحو الارتفاع، كذلك، فإن زيادة الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية العالمية كوسيلة للتحوط ضد التضخم قد تدعم ارتفاع الأسعار.
وعلى الجانب الأخر، فبالنظر إلى الاتفاقيات المالية بين إيران ودول الجوار، مثل التعاون النقدي مع السعودية، والعلاقات مع روسيا والصين، فإن تلك العوامل يمكن أن تؤثر على استقرار سعر الصرف، مما قد يحد جزئيا من ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية.