ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “فرهيختگان“، الجمعة 28 فبراير/شباط 2025، تقريرا ذكرت فيه تصريحات السياسي والصحفي محمد عطريانفر، عضو حزب كوادر البناء الإيراني، حول التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة، وشعار الوفاق وغيرها من القضايا.
تحدي الحكومة: تعزيز الثقة الوطنية
يرى محمد عطريانفر أن التحدي الأبرز الذي ستواجهه الحكومة هذا العام هو أزمة انعدام الثقة، موضحا أن الإصلاحيين دخلوا المعترك الانتخابي من تلقاء أنفسهم، دون دعوة، مدفوعين بشعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع، والنظام السياسي، والرئيس مسعود بزشكيان. أعتقد أن تراكم الأحداث الماضية، والتحديات الراهنة، إلى جانب الأزمات الدولية التي تلوح في الأفق، ستجعل هذا العام عاما مليئا بالتحديات الكبرى.
وأضاف أن التحدي الجوهري يكمن في ضرورة معالجة أزمة انعدام الثقة المتفشية في المجتمع، خاصة بين الطبقة المتوسطة الحضرية والفئات المدنية، فضلا عن الشرائح المؤثرة في تبادل السلطة والتفاعل مع الحكومة. وأشار إلى أن المجتمع الحضري يعاني اليوم من تراجع ملحوظ في مستوى الثقة الوطنية، مما يستدعي تحركا جادا لاستعادة هذه الثقة.
وأكد أن أبرز مهمة وطنية للنخب السياسية في العام المقبل هي تعزيز العلاقة القائمة على الثقة بين المواطن والدولة، أي بين الحكومة والشعب، أو وفق المفهوم التقليدي، بين المجتمع المدني والسلطة الحاكمة. كما شدد على ضرورة تصحيح سلوك بعض الجهات الحاكمة، لا سيما أولئك الذين أسهمت قراراتهم غير المدروسة في إضعاف الثقة الشعبية خلال السنوات الماضية.
وحذر من أن عدم إعطاء الأولوية لمعالجة أزمة الثقة سيؤدي إلى تفاقمها بشكل أوسع، الأمر الذي ستكون له انعكاسات خطيرة داخليا وخارجيا، فمن الناحية الداخلية، قد يشعر المواطنون بعدم القدرة على الوثوق بالمؤسسات التنفيذية، مما قد يؤدي إلى ضعف التأييد الشعبي للإصلاحات والإجراءات العاجلة، مثل إعادة تقييم نظام توزيع الدعم الحكومي في قطاع الطاقة لضمان استخدامه بشكل عادل وفعال. كما أن الجدل حول قضايا الرقابة على الإنترنت والسياسات المتعلقة بالفضاء الرقمي يشكل تحديا آخر، حيث إن استمرار انعدام الثقة قد يؤدي إلى فقدان تعاون المجتمع مع الحكومة في هذه الملفات الحساسة.
أما على الصعيد الخارجي، فإن المجتمع الدولي يراقب عن كثب، مستوى الثقة بين الشعب والحكومة، وعندما يدرك أن السلطة لا تحظى بدعم شعبي كاف، فإنه يكتسب جرأة أكبر في فرض الضغوط السياسية والاقتصادية.
وشدد عطريانفر على أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة اليوم هو استعادة وتعزيز الثقة الوطنية، مؤكدا أن نجاح الحكومة في إيران مرهون بقدرتها على معالجة هذه الأزمة المصيرية.
الوفاق انحرف عن معناه الحقيقي
تحدث محمد عطريانفر عن مدى قدرة شعار الوفاق على معالجة أزمة انعدام الثقة، موضحا أن الوفاق، في جوهره، مفهوم سياسي واجتماعي يحمل قيمة عظيمة، ويستحق الدفاع عنه. لكن للأسف، شعار الحكومة في هذا الصدد انحرف عن معناه الحقيقي.
وأوضح أن الوفاق لا يعني مجرد التوافق السياسي الشكلي، بل يتطلب خلق وحدة مجتمعية حقيقية، تبدأ بفهم الحكومة لأولويات الشعب وهمومه، ثم صياغة سياساتها وفقا لهذه الأولويات، بحيث يصبح تحقيق مطالب المواطنين جوهر عملية التوافق السياسي.
وأضاف أن الحكومة يجب أن تحشد القوى الفاعلة حول رؤية مشتركة، بحيث يكون خطابها موجها إلى النخب السياسية، والمؤسسات التنفيذية، والرأي العام، ليكون الجميع على قناعة بأن العمل المشترك ضروري لتحقيق المصلحة العامة. لكن مفهوم الوفاق تقلّص اليوم بشكل مؤسف للغاية، إذ أصبح البعض يختزله في تقاسم المناصب والامتيازات.
وأشار إلى تصريحات محسني إجئي، رئيس السلطة القضائية، التي كشف فيها عن مطالبات غير قانونية من بعض الجهات الاستعلامية، حيث يطلبون من الأفراد تقديم التزامات وضمانات معينة مقابل حصولهم على الموافقات اللازمة لاستمرارهم في مناصبهم، وهو أمر يفتقر إلى أي مشروعية قانونية أو إدارية.
وأكد ضرورة إعادة توجيه مفهوم الوفاق نحو أهدافه الحقيقية، عبر وضع رؤية واضحة وسياسات مدروسة تضمن تحقيق إنجازات واقعية تصب في مصلحة الشعب. كما شدد على أهمية تبني استراتيجيات دقيقة ومُحدَّثة، تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة، مؤكدا أن المستقبل سيكون واعدا فقط إذا تم الالتزام بمفهوم الوفاق الحقيقي، بعيدا عن المصالح الضيقة والمساومات السياسية.
“التخطيط الواقعي لإنجازاتنا يضمن مستقبلا مستقرا”
تحدث محمد عطريانفر عن النهج المطلوب لمواجهة الأزمات الاجتماعية وحالة عدم الرضا الشعبي، مؤكدا أن “الماضي هو المصباح الذي ينير طريق المستقبل. إذا أجرينا تحليلا موضوعيا لأدائنا السابق، وربطنا الأهداف المستقبلية بمسار منطقي واضح، وحددنا مهمتنا بدقة فإننا قادرون على تجاوز الأزمات. يجب أن ندرك أن المستقبل ليس كيانا جامدا، بل نحن من نصنعه، وهو يتشكل بناء على أداء المسؤولين وطبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة”.
وأكد أن استقرار البلاد مرهون بمستوى الثقة بين الحكومة والمجتمع، مضيفا أنه “إذا قمنا بتصميم سياساتنا بواقعية تحقق أهدافها بفعالية، فإن الثقة ستعود، وسنكون أمام مستقبل مستقر وقابل للدفاع عنه. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أولا فهم طبيعة النظام التنفيذي والاجتماعي لدينا، لأن الحكومة هي المسؤول الأول عن مواجهة التحديات، وهي التي تمتلك الدور الحاسم في توجيه البلاد نحو الحلول الفعالة”.
وأشار إلى أن أي مؤسسة أخرى، سواء كانت البرلمان أو الجهاز القضائي، يجب أن تعمل بانسجام مع الحكومة وليس في مواجهتها، وأن البرلمان والجهاز القضائي ليسا كيانين مستقلين عن الحكومة، بل يجب أن يكون دورهما تكامليا، لا أن يتحولا إلى جهات تعرقل عملها. لا يعني هذا التقليل من أهمية الرقابة البرلمانية، ولكن إذا تبنى البرلمان نهج التدخل المفرط في عمل الحكومة، فإنه سيخلق أزمات غير ضرورية.
وأوضح أنه على سبيل المثال، لم تصل الحكومة بعد إلى مرحلة الاستقرار الكامل، وما زالت منشغلة بحل ملفات معقدة من الحكومات السابقة، ومع ذلك، نجد البرلمان يلوّح بسحب الثقة من أحد أهم وزراء الحكومة وأكثرهم تأثيرا، وهو أمر لا يخدم مصلحة البلاد في هذا التوقيت الحرج.
وشدد عطريانفر على أن تحديد الأولويات الوطنية بشكل صحيح هو مفتاح نجاح الحكومة، قائلا إن أهم ما ينتظره الشعب اليوم من الحكومة هو تحسين الأوضاع المعيشية، وأي سياسات لا تحقق الاستقرار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي ستكون سياسات فاشلة. لا يمكن اعتبار أي سياسة خارجية ناجحة ما لم تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة المواطنين، سواء من خلال زيادة الدخل أو تحقيق العدالة الاقتصادية.
وأكد أن التنمية الاقتصادية والتوسع الصناعي والبنية التحتية تعتمد بشكل أساسي على الانفتاح والتعاون الدولي، مضيفا أن “جزءا كبيرا من مشاكلنا الاقتصادية مرتبط بتصدير النفط والتجارة العالمية، ونحن بحاجة إلى علاقات اقتصادية متينة مع العالم لتطوير صناعاتنا وتعزيز بنيتنا التحتية. إذا كانت أولويتنا هي تحسين حياة المواطنين، فلا ينبغي لنا أن نضع العراقيل بأنفسنا”.
وحذر من أن “عدم تقديم حلول ملموسة قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، رغم أن المواطنين لا يرغبون في الفوضى، فالشعب لا يسعى إلى الفوضى أو زعزعة الاستقرار، ولكنه يحتاج إلى حلول حقيقية. وعندما يشعر المواطن بغياب مسار واضح للخروج من أزماته، فإنه قد يلجأ إلى الاحتجاج والغضب، مما يضع الحكومة أمام تحدٍّ حقيقي. صحيحٌ أن بعض أشكال الاحتجاج قد تتجاوز الحدود المقبولة، ولكن قبل أن نرد عليها، علينا أن نفهم أسبابها وجذورها”.
وختم عطريانفر حديثه بتأكيد أن التخطيط الواقعي واتخاذ قرارات مدروسة هما السبيل الوحيد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر، محذرا من أن الإخفاق في معالجة القضايا المعيشية والاقتصادية سيؤدي إلى مزيد من التحديات والمخاطر.