ترجمة: أسماء رشوان
نشرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى للثورة الايرانية علي خامنئي، تصريحات مع محمد رضا باهنر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، في الحوار الذي أجرته معه وكالة جماران يوم الثلاثاء 11 فبراير/شباط 2025، بشأن المفاوضات الإيرانية الأمريكية والتحديات الداخلية لإيران.
صرح محمد رضا باهنر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، إن المجتمع الإيراني يتمتع بتاريخ ديني عريق يمتد لنحو 1300 عام، لكن سياسات نظام بهلوي التي عارضت معتقدات الشعب الدينية أدّت إلى تفاقم الفجوة بين الحكومة والشعب على مر السنين. وخلال تلك الفترة، حاول الإيرانيون مرارا مقاومة هذه السياسات، إلا أن جهودهم لم تحقق نجاحا يُذكر. من أبرز هذه المحاولات ما حدث في عهد بهلوي الأول، عندما فُرضت سياسة “نزع الحجاب” بالقوة، مما أثار موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية. وفي عام 1971، بلغ القمع الثقافي ذروته حين قرر النظام تغيير التقويم الرسمي من الهجري الشمسي إلى التقويم الشاهنشاهي، الأمر الذي زاد من غضب الشعب.
وأضاف إن هذه العوامل قد تراكمت وأدّت في النهاية إلى اندلاع الثورة ضد النظام بهلوي، وفي خضمها برز الخميني كقائد كاريزمي واستثنائي سرعان ما كسب ثقة الشعب وقادهم للإطاحة بالنظام الملكي الذي استمر 2500 عام.
قوة إيران قبل وبعد الثورة
وأشار باهنر إلى فترة ما قبل الثورة حيث لم تكن إيران تمتلك حتى القدرة على تصنيع مصابيح الكيروسين، بل كانت تستوردها، أما اليوم، فهي تُصنف ضمن الدول العشر الأولى في مجالات مثل التكنولوجيا النووية، وتقنيات النانو، وعلوم الفضاء. تحقق ذلك رغم التحديات الكبرى، بما فيها الحرب التي استمرت 8 سنوات، والتي تسببت في دمار واسع لـ7 أو 8 محافظات إيرانية. خلال تلك الحرب، وقفت معظم دول العالم إلى جانب صدام حسين، رئيس العراق سابقا، الذي امتلك معدات عسكرية متطورة، منها طائرات “ميغ” الروسية، و”سوبر إتندارد” الفرنسية، ودبابات “تشيفتن” البريطانية، والقنابل الكيميائية الألمانية، ونظام “أواكس” الأمريكي للإنذار المبكر، بالإضافة إلى الدعم العربي. في المقابل، كانت إيران في سنواتها الأولى بعد الثورة تفتقر إلى الخبرة العسكرية ولم تحظَ بأي دعم دولي.
وقد ذكر أنه على مدى 200 عام قبل الثورة، وخلال الفترات التي كانت فيها الحكومة الإيرانية خاضعة لنفوذ أمريكا وبريطانيا، خسرت البلاد أجزاء كبيرة من أراضيها مع كل صراع مع أحد جيرانها. حتى في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، تم التنازل عن البحرين. لكن خلال الحرب الإيرانية-العراقية، وعلى الرغم من أن إيران واجهت العالم بأسره دون دعم أو إمكانيات، فإنها خرجت دون أن تفقد شبرا واحدا من أراضيها. وبعد انتهاء الحرب، بدأ عهد إعادة الإعمار بقيادة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي نجح خلال عشر سنوات في إعادة بناء ما دمرته الحرب.
وأردف أنه منذ الحرب وحتى اليوم، تخضع إيران لحظر شامل تقريبا في مجال تصنيع الأسلحة، ورغم ذلك، أصبحت دول عديدة تسعى لشراء الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. وكما قال المرشد الأعلى، فإن امتناع أمريكا وإسرائيل عن مهاجمة إيران ليس بسبب عدم الرغبة، بل لأنهم يدركون أنهم غير قادرين على إسقاطها عسكريا. فلو كانوا واثقين من قدرتهم على ذلك، لما ترددوا لحظة واحدة، لكنهم يدركون أن أي حرب محتملة ستكلفهم أكثر مما ستكلف إيران.
وضع إيران الداخلي
وأضاف أنه حتى ألد أعداء إيران لا يمكنهم الادعاء بأنها تعتمد على أي دولة أخرى. ورغم مزاعم البعض بأن علاقاتها مع روسيا تخرج عن إطار الاستقلال، فإن هذا غير صحيح، فالعلاقة مع روسيا والصين قائمة على المصالح الاقتصادية البحتة. استقلال إيران لن يُمس إلا إذا خضع نظامها السياسي لتأثير مباشر من قوة خارجية، وهو أمر غير ممكن حاليا. لا توجد أي دولة قادرة على التأثير في مراكز صنع القرار الإيراني، إذ تتمتع إيران باستقلال سياسي كامل، إلى جانب تحقيقها استقلالًا علميا، حيث تلبي معظم احتياجاتها ذاتيًا رغم العقوبات المفروضة عليها.
و أوضح أن النظام السياسي الداخلي يواجه مشكلة، إذ إن الحكومات التي تستمد قوتها من الأصوات الشعبية في مختلف أنحاء العالم تعتمد على وجود حزبين قويين أو أكثر يتناوبان على وضع خطط البلاد. أما في إيران، فهناك نحو 200 إلى 300 حزب سياسي، لكن أغلبها لا يظهر إلا خلال الانتخابات، حيث يجتمع أعضاؤها لتقديم قوائم انتخابية ثم يختفون مجددا حتى الانتخابات التالية. في المقابل، يصوّت الشعب بشكل عشوائي لأفراد أو أحزاب مختلفة، دون متابعة ما يفعله الفائزون أو ما حققوه لاحقا.
وتابع : ما تحتاجه البلاد هو وجود 3 إلى 5 أحزاب قوية فقط، تكون قادرة على تحمل المسؤولية أمام الشعب ووضع خطط واضحة لتطوير الدولة، بحيث يُحاسَب كل حزب على أدائه في كل دورة انتخابية، ما يمنح الناخبين فرصة لاتخاذ قرارات مستنيرة. في ظل هذا النظام، سيكتسب مفهوم “حكومة الظل” معنى حقيقيًا. في حزبنا، جمعية المهندسين الإسلامية، نُشكّل لجانا لمراجعة أداء كل وزارة بموضوعية، ونقدم المشورة لصناع القرار.
وأردف أنه في جميع الدول، عندما يفوز حزب ما بالانتخابات، تُشكّل الأحزاب المعارضة حكومة ظل، لكن دورها يجب ألا يكون عرقلة الحكومة، بل مراقبة أدائها بإنصاف وموضوعية، مما يسهم في تقوية الدولة. إذا تحولت حكومة الظل إلى أداة للصراع السياسي أو العداء، فإن ذلك يضر بالوطن والثورة. عندما كنت في البرلمان، تعرضتُ والسيد لاريجاني لانتقادات لأننا دعمنا الحكومة رغم اختلافنا الفكري معها، لكننا اعتبرنا ذلك واجبا وطنيا. حكومة الظل التي يدعو إليها السيد جليلي ستكون مفيدة إذا لم تعق عمل الحكومة أو تسبب انقسامات داخلية، لكن هناك من يحاول استغلال قضايا مثل الانضمام إلى FATF أو رفع الحجب عن المواقع أو الحجاب، لإحداث شروخ في المجتمع، حيث ينقسم البعض بين من يهتف “الموت لفلان” ومن يهتف “تحيا فلان”، مما يضر بالمصلحة العامة.
وقد بين باهنر قائلا: “نحن لا نعارض مبدأ التفاوض، بل تؤكد وثيقة الرؤية المستقبلية لـ20 عاما على ضرورة بناء علاقات مع جميع دول العالم باستثناء إسرائيل، ولكن بشرط ألا يكون التفاوض من موقع ضعف. لا يمكن القبول بمفاوضات تجري تحت الضغط، إذ إن هناك أمثلة عديدة لمثل هذه المفاوضات انتهت بالفشل في التاريخ السياسي”.
وعن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال باهنر : “إذا كان يبحث عن “بقرة حلوب”، فإيران ليست كذلك. ترامب شخصية عملية ويفكر بمنطق الصفقات، لذا من الممكن التوصل إلى اتفاق معه، خاصة أنه في ولايته الثانية سيركز على ترك إرث سياسي يُخلّد اسمه كمنقذ للبلاد. من الخطأ الافتراض أنه سيتصرف في ولايته الثانية كما فعل في الأولى، ومن المحتمل أنه يسعى لاتفاق مع إيران، لكن ذلك يتطلب أن يكسب ثقتنا أولًا وأن يقدم ضمانات حقيقية لتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه”.
وأضاف “لقد نقلتُ هذا الرأي إلى الرئيس الإيراني بزشكيان، وأوضحتُ أن السيد عراقجي شخصية مطّلعة وموثوقة لدى القيادات العليا، لكن من الأفضل تعيين عدة شخصيات قوية وذات شهرة دولية لمتابعة ملفات السياسة الخارجية. على سبيل المثال، علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ولاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، كلاهما معروفان دوليا ويشكلان خيارين مناسبين لإدارة الملفات الدبلوماسية الحساسة. شمخاني، بصفته شخصية قوية ومتمكنة من أصول التفاوض، يُعد خيارا مناسبا لإدارة الملف النووي وتنفيذ سياسات النظام في هذا المجال”.
كما أشار إلى مجموعة العمل المالي، موضحا أن المرشد الأعلى لم يأمر بقبولها بشكل مباشر، بل دعا إلى إعادة مراجعتها في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو ما لا يعني بالضرورة الموافقة عليها.
واختتم قائلا: ” شخصيا، أؤيد الانضمام إلى FATF، لكنني أدرك أيضا أن الزملاء المعارضين لهذا القرار ينطلقون من حرصهم على مصلحة البلاد”.
وأضاف أنه ورغم الضجيج الإعلامي المصاحب لهذا الموضوع، فإن النقاش داخل مجمع تشخيص مصلحة النظام يجري بجدية، وكل من يعبّر عن رأيه يفعل ذلك انطلاقًا من رغبته في حماية المصالح الوطنية.