ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، الثلاثاء 15 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع السياسي الإصلاحي الإيراني علي شكوري راد، حول موقف النظام الإيراني من المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة في عمان. وتقييمه لأداء الجمهوريين والديمقراطيين، وموقف إسرائيل، ودور المتشددين في الداخل الإيراني.
قال علي شكوري راد، المحلل السياسي الإصلاحي: “الديمقراطيون كانوا أكثر اعتدالا نسبيا من الجمهوريين على طاولة المفاوضات، لكن يبدو أن الجمهوريين أكثر وضوحا وأقل تعقيدا؛ لا سيما أن ترامب يتعامل بـ(اللعب المكشوف) وليس شخصا معقدا”.
وتابع أنه في يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، غادر ممثلو إيران والمبعوث الخاص للبيت الأبيض مكان التفاوض في مسقط، وقيّم الطرفان المحادثات بأنها كانت بناءة وقائمة على الاحترام المتبادل. وأكد علي شكوري راد أن “طهران وواشنطن لا تسعيان إلى الحرب”، وأن السماح لوزير الخارجية الإيراني بالتحدث إلى مبعوث ترامب الخاص يعكس “وجود إرادة حقيقية للتوصل إلى اتفاق”.
ووصف هذا الناشط الإصلاحي، ستيف ويتكوف –الذي لا يمتلك سجلا سلبيا تجاه إيران– بأنه “شخص واقعي” و”مصمم على إنجاز الاتفاق”. وأضاف: “الرئيس الأمريكي يتبنى شعار (إما الحرب أو السلام)، ولا يرضى بشعار (لا حرب ولا سلام). هذا الأسلوب الثنائي الواضح لدى ترامب يجعل الأمور أكثر وضوحا ويحدد المسارات بجلاء”.
ويعتقد شكوري راد أن “الطرف الوحيد الذي يشعر بالانزعاج من تشكيل هذا الاتفاق هو إسرائيل”، مشيرا إلى أن “رئيس وزرائها قد تم استدعاؤه إلى البيت الأبيض قبل المفاوضات، وتعرّض لتوبيخ ضمني رغم المظهر الخارجي الذي بدا لطيفا”.
وفي ما يخص التيار المتشدد داخل إيران، أوضح شكوري راد أن “نفوذهم تراجع بشدة”، معتبرا أن “وصول بزشكیان إلى سدة الرئاسة هو نتيجة لعدم ثقة النظام بهؤلاء المتشددين”، مضيفا أن “النظام بات يتحرك بوتيرة متسارعة لتجاوز هذه (النواة الصلبة)”.
وفي ما يلي نص الحوار:
الجولة الأولى من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة عُقدت في سلطنة عمان. عراقجي وصف هذه المفاوضات بعد انتهائها بأنها بناءة.. كيف ترون أنتم هذه المفاوضات؟
هذه المفاوضات جاءت نتيجة رغبة مشتركة بين الطرفين للتوصل إلى تفاهم. ومن الطبيعي أن يُتوقع في المرحلة الأولى أن يكون الطريق ممهَّدا للحوار، وأن يسعى كلا الطرفين إلى إبقاء هذا الطريق مفتوحا، وهو ما حدث فعلا.
وعلى الرغم من الأجواء السياسية المتشائمة جدا التي كانت سائدة، والتي كانت تستبعد إمكانية إجراء مثل هذه الحوارات، فقد جرت المفاوضات دون أن تُسجَّل خلافات واضحة على ما يبدو. ويبدو أن الطرفين حريصان على عدم إغلاق هذا المسار الحالي.
ليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها إيران والولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. لكن يبدو أن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها. برأيكم، ما وجه الاختلاف؟
الطرفان يمتلكان تقييما واقعيا نسبيا تجاه بعضهما البعض، وكل طرف يأخذ في اعتباره قدراته وإمكاناته واحتياجاته ومطالبه أثناء التفاوض. لذلك، فإن هذه الحوارات تجري على أرض الواقع وليس على أساس المزايدات أو العنتريات. والاختلاف الآخر يتمثل في البُعد الخارجي؛ فخلال هذه الجولة من المفاوضات، كل الأطراف التي قد تتأثر بها- باستثناء إسرائيل- تدعم نجاحها والوصول إلى اتفاق.
ويمكن ملاحظة هذه الحماسة الواسعة من خلال التصريحات التي صدرت عن الدول المختلفة بعد الجولة الأولى من المحادثات. ومن خلال مجمل المواقف المعلنة، يُفهم أن الأطراف المعنية من خارج الطرفين الرئيسيين ترغب أيضا في نجاح هذه المحادثات.
وأن إسرائيل وحدها هي المعارضة، ويبدو أنه قد تم استدعاء رئيس وزرائها إلى البيت الأبيض قبيل المفاوضات وتم توبيخه بلُطف ظاهري من أجل منعه من إفساد العملية.
ما أوجه الشبه والاختلاف بين هذه الجولة من المفاوضات ومفاوضات الاتفاق النووي التي جرت قبل 10 سنوات؟
مفاوضات الاتفاق النووي كانت متعددة الأطراف، وكل طرف كان يسعى وراء مصالحه الخاصة. وقد سارت تلك المفاوضات ببراعة واحتراف، بفضل مهارة “ظريف”، وتقدمت بسرعة. وخلال العامين اللذين تم فيهما تنفيذ الاتفاق، أثّرت تأثيرا بالغا على الأوضاع العامة والاقتصادية في البلاد. أما المفاوضات الحالية، فهي ثنائية، في ظل غياب أوروبا وروسيا والصين، مما يعزز احتمالات الوصول إلى اتفاق.
من ناحية أخرى، فإن ترامب أطلق خلال هذه الفترة تصريحات تبعث الأمل وتبقي الآفاق مفتوحة أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق، خصوصا أن وِيتكوف، المبعوث الخاص لترامب، لا يملك سجلا سيئا تجاه إيران ولم يدلِ بتصريحات سلبية، خلافا لبعض أعضاء حكومة ترامب الذين كانوا معروفين بتصريحاتهم العدائية والمتطرفة. ويبدو أن ويتكوف أكثر واقعية ولديه تصميم أكبر على تحقيق الاتفاق.
ومن جهة أخرى، فإن ترامب جمع جميع المتشددين في حكومته ليكون هو الرئيس الذي يقودهم ويتمكن من ضبطهم، وهو يفعل ذلك بالتوازي مع المفاوضات. ويبدو أن ترامب يسعى من خلال هذه المحادثات إلى تحقيق إرادته في تسجيل اتفاق كبير مع إيران ضمن إنجازاته، بحيث يتمكن من التفاخر به ويقلل من مخاوفه في الشرق الأوسط.
ما مدى رؤيتكم لوجود هذه الإرادة لدى إيران للوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة؟
إذا كان المقصود هو الحكومة ورئيس الجمهورية، فإن عزيمتهما للتوصل إلى اتفاق حازمة وواضحة. ومن جهة أخرى، عندما منح القائد الأعلى الإذن بإجراء مثل هذه المفاوضات، فذلك يعني أنه وافق على سلوك هذا الطريق.
وبما أن الجهة المنفذة لهذه المفاوضات هي وزارة الخارجية باعتبارها جزءا من الحكومة، يمكن الاستنتاج أنه حين يتم دفع ثمن خطوة ما، لا بد من الاستفادة القصوى من منافعها. بناءً عليه، فإن إصدار ترخيص للمفاوضات الثنائية يدل بوضوح على وجود إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق.
وإذا كان بالإمكان استشعار هذه الإرادة خلال مفاوضات الاتفاق النووي إلى حد ما، فاليوم وبالنظر إلى التجربة التي تلت الاتفاق، بات من الواضح تماما أننا لا نستطيع التقدّم في طريق التنمية والتطور في إيران دون التوصل إلى اتفاق مع أمريكا. وهذا لا يعني الخضوع أو التبعية، بل هي حقيقة باتت مكشوفة للجميع.
الجميع يعلم أنه إذا كان لا بد من الخروج من حالة الفوضى الحالية، التي لا تليق بإيران ولا بشعبها، فعلينا أن نمهّد الطريق لذلك. والخطوة الأولى في هذا التمهيد هي تخفيف التوتر مع أمريكا، التي تملك، في نهاية المطاف، نفوذا وقواعد في كل مكان من هذا العالم.
برأيكم، للوصول إلى “طريق ممهّد” كما وصّفتم، أو إلى “اتفاق دائم”، هل التعامل مع الجمهوريين أسهل أم مع الديمقراطيين؟
الديمقراطيون في ساحة التفاوض أكثر اعتدالا من الجمهوريين، ولكن يبدو أن الجمهوريين أكثر وضوحا وأقل تعقيدا، خصوصا ترامب، فهو يتصرّف بشفافية ولا يضمر الكثير. تصريحاته تكشف عن نواياه دون مواربة.
بالتالي، لكل من الجمهوريين والديمقراطيين مزايا وعيوب، لكن اليوم نحن نتفاوض مع الجمهوريين، ونعرف ترامب جيدا. شعاره هو “إما حرب أو سلام”، ولا يرضى بوضعية “لا حرب ولا سلام”، لذلك يمكن القول إنه إذا انتُزعت من يده ذريعة الحرب، فإن الطريق سيكون ممهّدا أكثر للتنمية والتقدّم.
لا نحن ولا ترامب نرغب في الحرب، ترامب تسبّب في كثير من المتاعب لإيران. حين تقول إن الوصول إلى اتفاق معه ممكن، هل هذا يعني أن جزءا كبيرا من مشاكل إيران مع أمريكا يمكن حلّه؟
الأمور ستصبح أوضح. فتعقيد سلوك الديمقراطيين جعلنا دائما في وضعية وسطية مرهقة، لا هي شديدة كعهد ترامب، ولا هي سلم حقيقي، لكنها طويلة ومملة. الديمقراطيون لديهم تعقيداتهم الخاصة، ومن هذه الناحية أعتقد أن التعامل مع ترامب قد يحسم الأمور أسرع. فلسفة “الصفر أو المئة” التي يتّبعها تخلق هذا الوضوح: إما حرب أو سلام.
وبما أننا وترامب لا نسعى للحرب، فالمتبقّي هو خيار السلام. لذلك يبدو أن أي اتفاق قد يحدث في هذه الظروف سيكون أكثر شمولا واستقرارا.
الآن وقد بدأت المفاوضات مع الولايات المتحدة، بدأ المتشددون بإعلان اعتراضاتهم المتكررة. برأيكم، ما مدى قدرتهم على التأثير في قرار النظام الذي وصفتموه بأنه “إرادة للوصول إلى اتفاق”؟
أولا، المتشدّدون تراجعوا كثيرا وخسروا كثيرا من مكانتهم. حتى جبهة “بايداري” وسائر المتشددين فقدوا مصداقيتهم. ثانيا، إن وصول بزشكیان إلى رئاسة الحكومة دليل على فشل المتشددين ونفور النظام منهم، وليس لأنه اجتاز الانتخابات بسهولة أو فاز دون منافسة.
هناك انعدام ثقة بالنواة الصلبة التي يدّعيها المتشدّدون، والقائد الأعلى نفسه بات لا يثق بهم. وأعتقد أن هذا المسار من انعدام الثقة آخذ في التفاقم، ولن يمر وقت طويل حتى يتم طردهم من الساحة السياسية بشكل كامل.
من وجهة نظري، رغم صخبهم وكثرة تصريحاتهم، فإن هذه الجلبة لا أثر لها ولن تؤدي إلى نتيجة. وحتى لو أدّت إلى نتيجة، فإن اليوم التالي سيكون مظلما جدا، لأن الناس باتوا يعلمون تماما أي طريق هو الصحيح، وأي جهة تقف في وجه هذا الطريق ستواجه الجماهير وتُقصى من قبلهم.
بشكل عام، هناك إجماع شبه كامل على ضرورة التوصّل إلى نتائج من خلال الحوار والتفاهم، وإخراج الناس من حالة التوتر والمعاناة والخوف التي عاشوها لسنوات طويلة. ومن يقف في وجه هذا الطريق سيسحقه الشعب.