ترجمة: علي زين العابدين برهام
كان يوم الأحد 2 مارس/آذار 2025 يوما خاصا وغير متوقع لحكومة مسعود بزشكيان، حيث تمت إقالة وزير الاقتصاد في الصباح من قبل نواب البرلمان، ولم تمضِ سوى بضع ساعات على حلول الليل حتى قدّم محمد جواد ظريف، نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، استقالته.
نشرت صحيفة “آرمان ملي” الثلاثاء 4 مارس/آذار 2025 حوارا مع السياسي الإصلاحي مصطفى هاشمي نيا لمناقشة تداعيات استجواب همتي واستقالة محمد جواد ظريف. وفي ما يلي نص الحوار:
ما هي تداعيات استجواب همتي واستقالة ظريف على حكومة بزشكيان؟
أهم انعكاس لهذه التطورات هو أن مسعود بزشكيان سيدرك عاجلا أم آجلا أنه أخطأ في اختيار بعض الشخصيات داخل حكومته. الحقيقة أن وجود بعض الأفراد في التشكيلة الحكومية، تحت شعار التوافق، قد أدى إلى مشكلات أعمق في عمل الحكومة ككل.
في الواقع، تغيير المسؤولين في الحكومة ليس بحد ذاته القضية الأهم، بل الأهم هو إدراك صناع القرار أن الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية المستمرة منذ سنوات ليست مشكلات يمكن لشخص واحد، سواء عبدالناصر همتي أو من سيخلفه في وزارة الاقتصاد، أن يحلها بمفرده.
من ناحية أخرى، هناك تزايد مستمر في توقعات المواطنين من الحكومة والنظام السياسي، ومن الضروري فهم طبيعة هذه التوقعات ومعرفة ما يبحث عنه الناس فعليًا. طالما لم يتم استيعاب هذه المطالب بوضوح، فلن يكون هناك تغيير جوهري، وستظل المشكلات قائمة.
لقد عاشت البلاد لسنوات طويلة تحت وطأة العقوبات والحصار الاقتصادي، وهذه الحالة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. في ظل هذا الواقع، من الضروري أن تتبنى الحكومة سياسة موحدة ومتسقة داخليا وخارجيا، لأن الازدواجية في السياسات تُضعف الموقف وتؤدي إلى نتائج سلبية.
ما يتوجب على الحكومة فعله الآن هو مصارحة الرأي العام بالمشكلات الحقيقية وأسبابها، حتى يدرك المواطنون أن الحكومة على دراية بالأزمات التي تواجهها البلاد وتسعى إلى معالجتها بوعي ومسؤولية.
ما هو تحليلكم حول ردّ فعل سوق المال والتطورات الاقتصادية بعد استجواب همتي؟
الوضع الاقتصادي في إيران بلغ درجة من التعقيد بحيث لم يعد لوجود عبد الناصر همتي أو غيابه تأثير جوهري على المشهد العام. فنهج الحكومة والبرلمان في إدارة الاقتصاد يجعل تغيير وزير المالية مسألة شكلية لا تُحدث فرقا في مواجهة المشكلات العميقة التي تعاني منها البلاد. سواء بقي همتي في منصبه أو تم استبداله، فإن الأزمة الاقتصادية ستظل قائمة ما لم يتم إعادة صياغة السياسات الاقتصادية بشكل جذري.
على صناع القرار تركيز جهودهم على معالجة جذور الأزمات الاقتصادية ووضع سياسات إصلاحية جديدة وفعالة. لقد أشار محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، إلى أن البلاد بحاجة إلى قرارات جريئة وكبيرة لمستقبلها، وهذا أمر في غاية الأهمية. المطلوب اليوم إرادة سياسية قوية لاتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية، لكن حتى الآن، لم تُتخذ قرارات حاسمة بهذا الاتجاه. وكلما تأخر صناع القرار في مواجهة التحديات، زادت صعوبة إيجاد الحلول لاحقا، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلا من حلها.
لماذا؟
في المقام الأول، يجب الإشارة إلى أن بعض المسؤولين والمديرين يخشون اتخاذ قرارات صعبة. إذا كان الهدف هو حل مشكلات البلاد حتى في ظل غياب العقوبات، فلا بد من إحداث تغييرات جوهرية في عملية صنع القرار.
أولا، يجب أن يدرك المواطنون أن هناك عبئا ثقيلا يقع على عاتقهم، وأن التعاون مع الحكومة ضروري للخروج من الأزمات. ثانيًا، يجب التصدي للفساد والاحتكار والتهريب والفوضى الاقتصادية، وهو أحد أصعب التحديات التي تواجه أي إصلاح حقيقي.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على القيادات وصناع القرار أن يثبتوا قدرتهم على اتخاذ قرارات جريئة في الأوقات الحرجة دون خوف أو تردد. ولكن ما يحدث حاليا هو سياسة الانتظار والترقب، وكأن الدولة تعتمد على نهج: “دعونا نرى ما سيحدث” بدلا من اتخاذ خطوات حاسمة.
طالما استمر هذا النهج، فلن يكون هناك فرق حقيقي في من يشغل المناصب العليا، سواء كان عبد الناصر همتي أو أي شخص آخر، لأن المشكلات ستظل قائمة دون حلول فعلية. هذه العقلية تشكل خطرا كبيرا، وإذا شعر المواطنون بأن الحكومة تتبع هذا النهج المتراخي، فسيؤدي ذلك إلى تآكل الثقة الشعبية. لذا، على الحكومة أن توضح للناس استراتيجيتها بوضوح وتؤكد لهم أنها لا تمارس سياسة التسويف، بل تعمل بجدية على معالجة المشكلات.
هل دور البرلمان في مواجهة الأزمات الاقتصادية يقتصر على استجواب الوزراء؟ وهل قام بواجباته؟
في رأيي، البرلمان الحالي يفتقر إلى الفكر الاستراتيجي والحيوية المطلوبة لصياغة مستقبل البلاد. إذا كان المجلس عاجزا عن التفكير العميق واتخاذ قرارات مدروسة، فلن يتمكن من معالجة القضايا الوطنية بفاعلية. قد لا يروق هذا الرأي لبعض النواب، لكن الحقيقة أن البرلمان يفتقد القدرة على استشراف المصلحة العامة واتخاذ قرارات تخدم مستقبل البلاد بدلًا من التركيز على المصالح السياسية الضيقة.
الكثير من النواب ينشغلون بضمان إعادة انتخابهم أكثر من اهتمامهم بحل المشكلات الاقتصادية الحقيقية، مما يجعلهم ينجرفون بسهولة نحو الدعاية والشعارات الشعبوية. لو كان استجواب عبد الناصر همتي قائما على رؤية اقتصادية حقيقية، لكان النواب قد طرحوا على أنفسهم السؤال الأساسي: ما الجدوى من هذا الاستجواب؟ وماذا سيحدث بعده؟
كل هذا يحدث في وقت تتصاعد فيه الضغوط الخارجية، حيث يعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبني سياسة الضغط الأقصى ضد إيران، وهناك مخاوف من فرض مزيد من القيود على صادرات النفط. نحن نواجه حربا اقتصادية شاملة، وفي مثل هذه الظروف، لا يمكن توقع أن يكون لدينا اقتصاد رفاه دون اتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية.
لقد أشار المرشد الإيراني علي خامنئي إلى أن رفض التفاوض مع الولايات المتحدة يستند إلى التجربة، وهذه التجربة تنطبق أيضا على الاقتصاد. أثبتت الوقائع أن السياسات الاقتصادية الحالية لم تحقق النتائج المرجوة، مما يستدعي إعادة النظر في النهج الاقتصادي والانتقال إلى استراتيجيات جديدة أكثر فاعلية بدلا من التمسك بأساليب أثبتت فشلها.
هل استجواب همتي أنهى مشروع التوافق الوطني الذي تبناه بزشكيان؟
في الواقع، لم يكن هناك توافق حقيقي من الأساس حتى يُقال إنه انتهى. اختيار مسعود بزشكيان لبعض الشخصيات من التيار السياسي المقابل لا يعني تحقيق وفاق وطني، بل هو توافق أحادي الاتجاه، حيث وجد بزشكيان نفسه في طريق سياسي يتحمل تكاليفه وحده، بينما الطرف الآخر يستفيد دون أن يدفع أي ثمن سياسي بالمقابل.
التوافق الحقيقي يجب أن يكون متبادلا، بحيث يتحمل كل طرف تكاليف سياسية متساوية. لكن ما حدث هو أن بزشكيان دفع ثمن التوافق وحده، بينما استغل التيار المقابل الحكومة لتحقيق مكاسبه الخاصة من دون أي التزام بتقديم تنازلات. لهذا السبب، لا يمكن الحديث عن نهاية وفاق وطني، لأنه ببساطة لم يكن موجودا أصلا، وما يُطرح اليوم تحت هذا العنوان ليس سوى تصور شخصي لدى بزشكيان.
مشكلات إيران لا تقتصر على الاقتصاد فحسب، بل نحن محاصرون بأزمات متراكمة في مختلف المجالات. الأزمة تعني أن الأساليب التقليدية لم تعد كافية، وأن هناك حاجة إلى قرارات استثنائية وجريئة. عندما تفشى فيروس كورونا، واجهنا وضعًا غير مسبوق تطلب إجراءات طارئة وحاسمة، واليوم نمر بأزمة مماثلة، لكن البعض لا يزال يتعامل معها وكأننا في ظروف طبيعية، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلا من حلها.
أما من الناحية الاقتصادية، فالمشكلة ليست خارجية بالكامل، بل إن التخبط في صنع القرار وسوء الإدارة الداخلية كان لهما تأثير مدمر يفوق حتى العقوبات والضغوط الدولية. فقد تسببت السياسات الاقتصادية الخاطئة في أضرار جسيمة لا تقل عن تأثير العقوبات الخارجية.
إذا أراد مسعود بزشكيان إحداث تغيير حقيقي، فعليه وضع حد للهدر المالي، وإيقاف الإنفاق غير المدروس، وتصحيح الأخطاء الاقتصادية السابقة. عندها فقط يمكن الحديث عن تحسن اقتصادي حقيقي وفتح آفاق جديدة لحل أزمات إيران.